منذ عامين يدور نزاع بين الحكومة الإثيوبية المركزية في أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الإقليم الواقع في شمال البلاد، والذي يبلغ تعداد سكانه 6 ملايين نسمة. وبحسب المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس-غرينفيلد، “ينافس النزاع الإثيوبي النزاع الأوكراني، بخاصة أن حصيلة القتلى في عامين من القتال بلغت أكثر من 500 ألف قتيل”.
النزاع في إثيوبيا ذو طابع عرقي تنجر إليه إريتريا، رغم التحذيرات الأميركية لأسمرة من مغبة التورط فيه. وأخفقت وساطات إقليمية ودولية في إطفاء جذوته. وهو ينعكس على السودان المجاور، حيث فر عشرات الآلاف من اللاجئين إلى مناطقه الشرقية، في ظل ظروف مأسوية بسبب عدم توافر المساعدات الإنسانية. والحكومة السودانية عاجزة في الأصل عن توفير الغذاء للسكان السودانيين. وهناك مئات الآلاف من النازحين داخل إثيوبيا نفسها من أقاليم أخرى شملها القتال الدائر.
قبل يومين، بدأت في جنوب أفريقيا محادثات سلام بين وفدين يمثلان الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. ويرعى الاتحاد الأفريقي هذه المفاوضات التي تأتي وسط استئناف للمعارك وتقدم للقوات الفيدرالية مدعومة من الجيش الإريتري مجدداً داخل تيغراي، ومع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن هدف الهجوم هو السيطرة على المؤسسات الفيدرالية داخل الإقليم.
وليست المرة الأولى التي يدخل فيها الجيش الفيدرالي إلى تيغراي، فهو نجح في هجوم خاطف بدأ في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 في اجتياح معظم الإقليم وعاصمته ميكيلي، لكن مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تمكنوا لاحقاً من إلحاق هزيمة بالقوات الفيدرالية وإخراجها من أراضي الإقليم، والتوغل في أراضي إقليم عفر والوصول إلى مسافة 200 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا.
ولم تفلح كل الوساطات التي بذلها وسطاء من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا ودول إقليمية، في إقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وبدء حوار جدي يفضي إلى تسوية دائمة للنزاع، في بلد يتمتع بمواصفات استراتيجية، كونه البلد الثاني في أفريقيا من حيث عدد السكان، ويقع في منطقة القرن الأفريقي، التي كانت موضع تنافس دولي في ذروة الحرب الباردة واستمرت تشكل ميداناً لهذا التنافس حتى اليوم.
وتشكل المفاوضات في جنوب أفريقيا التي تحظى بمباركة أميركية وأممية، فرصة أخيرة قبل أن يتطور النزاع ليضم أطرافاً أخرى إلى جانب إريتريا. والتوترات الحدودية والمناوشات بين الجيشين الإثيوبي والسوداني في منطقة الفشقة، خير دليل إلى المآلات، التي يمكن أن يتطور في اتجاهها النزاع.
أديس أبابا تفاوض من موقع القوة، بينما يفاوض التيغرانيون تحت الضغط الناري، ما يجعل العملية السياسية هشة ويبقي احتمالات التصعيد الميداني هي الأقوى، لا سيما أن آبي أحمد وعد قبل أيام بتحقيق “نصر سريع” على المتمردين.
ولم تخرج مداولات مجلس الأمن في مطلع الأسبوع بأي صيغة محددة يمكن أن تشكل مخرجاً لكل الأطراف. وبحسب قراءة للواقع السياسي والعسكري الحالي، فإن آبي أحمد لن يفرّط بما يبدو أنه انتصار جديد يحققه في تيغراي، من دون الالتفات إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع لاحقاً.
وحتى لو تحقق النصر لأديس أبابا، فإن ذلك لن يشكل نهاية الصراع العرقي في إثيوبيا، ولن يحمل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي سبق أن حكمت البلاد لمدة عقدين، على التسليم بشروط مجحفة للسلام. وستتحين الفرص كما فعلت العام الماضي كي تشن هجوماً معاكساً يخرج القوات الفيدرالية من تيغراي.
تستوجب السيناريوات التي تتهدد إثيوبيا من القوى الكبرى في العالم المنشغلة الآن بالنزاع الأوكراني، أن تلتفت أيضاً إلى نزاع لا يقل كارثية عن ذاك الذي يتهدد أوكرانيا.
المصدر: النهار العربي