سبعون بوتين… ليست كل الأخبار سارّة

أسعد عبود

على رغم تلقيه التهاني والدعاء في عيد ميلاده السبعين الذي صادف يوم الجمعة، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا بد وأنه يشعر بغصة لأن الأوضاع في أوكرانيا لا تسير لمصلحة روسيا.

مر العيد على بوتين وهو يدرس الخيارات التي يجب الذهاب إليها لإنقاذ روسيا من هزيمة محققة على الأراضي الأوكرانية. والهزيمة في أوكرانيا ستنعكس عليه في الداخل. وبدأت إرهاصات تململ الروس من الحرب تظهر في فرار مئات آلاف الشبان ممن هم في سن التجنيد أو ممن تنطبق عليهم مواصفات الدعوة إلى التعبئة الجزئية التي أعلنت في 21 أيلول (سبتمبر) الماضي.

وكان الروس راضين عن بوتين وقراره شن “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا. لكن عندما تحولت هذه العملية إلى حرب تطاول كل بيت روسي، تغيرت الأوضاع. والانتقادات تتوالى من النخب الروسية بشأن ما آلت إليه الأمور في أوكرانيا. وجدير بالذكر إن انتقاد المؤسسة العسكرية كان من المحرمات في روسيا. أما اليوم فقد تغير الوضع.

وها هو رئيس لجنة الدفاع في مجلس دوما الدولة أندريه كارتابولوف، يقول علناً إن الجيش يجب أن “يتوقف عن الكذب”، مع الإعلان في الإيجازات اليومية عن إنزال خسائر فادحة بالقوات الأوكرانية من دون أي ذكر لانسحابات روسية. ولفت إلى أن “الناس يعرفون. شعبنا ليس غبياً”.

ولم يتوانَ المراسل الحربي الشهير ألكسندر كوتس في قناته على تلغرام عن القول “لن تكون هناك أي أخبار جيدة (من الجبهة) في المستقبل القريب”.

مر العيد على بوتين وروسيا ليست على ما يرام. من النكسات على الجبهات إلى فرار الروس من التعبئة الجزئية، إلى مزيد من العقوبات التي تفرضها أميركا والاتحاد الأوروبي، وقرارات ضم لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية، لم تمر بأقل خسائر ممكنة على غرار ضم القرم عام 2014.

هذه أوروبا تحشد ضد روسيا. والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل يدعو أمام 44 زعيماً أوروبياً اجتمعوا في براغ الخميس، إلى إنشاء هيكل أمني جديد في أوروبا تستثنى منه روسيا.

لو كانت روسيا في وضع طبيعي، لما تجرأ بوريل أو حتى الأوروبيين عموماً على إحكام طوق العزلة حول روسيا، والذهاب بعيداً في معاداتها، لا بل في الاقتصاص منها على غرار ما هو جارٍ الآن.

ومع ذلك، ما كانت الأمور لتتخذ هذا المنحى السيئ، لو كانت روسيا في موقع القوة، وليست بهذا الوهن في الميدان غير المبرر، حتى ولو استعان الجيش الأوكراني بأكثر الأسلحة الغربية تطوراً.

وقبل شن الحرب، لم يكن الدعم الغربي بهذا السخاء لكييف، من ضمن حسابات الكرملين، علماً أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، كانوا قبل 24 شباط (فبراير) يقولون بأنهم لن يتركوا أوكرانيا وحيدة أو لقمة سائغة لروسيا، وإنهم سيمدّونها بالسلاح والمال، في مواجهة يعتبرونها حاسمة على صعيد تقرير النظام الجيوسياسي في العالم.

روسيا اليوم في مأزق، على رغم امتلاكها سلاح الطاقة الذي يعتبر من أمضى الأسلحة الاقتصادية، لكن الشتاء القارس الذي يرتعد منه الأوروبيون، لم يقف حائلاً دون ذهابهم في خيار دعم أوكرانيا.

كثيرة هي التساؤلات التي تدور على ألسنة الروس وهم يرون جيشهم يتعرض لهذا الإذلال في الأراضي الأوكرانية. وحتى الذهاب بعيداً إلى حدود استخدام السلاح النووي، له مخاطره التي قد تستثير رداً مماثلاً من الغرب، مما يقرب العالم من “يوم القيامة”.

لهذه الأسباب غير السارة، لا بد وأن بوتين شعر بغصة في عيد ميلاده السبعين، الذي كان يتمنى بلا شك أن يأتي في ظروف وروسيا قد تمكنت من إعادة فرض مكانتها العالمية، وباتت نداً للولايات المتحدة وقطباً موازياً، كما كان الحال أيام الاتحاد السوفياتي السابق.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى