أصبحت كييف عضواً “بحكم الواقع” كما يقول زيلينسكي أحقاً هي بحاجة إلى عضوية الحلف الكاملة؟ يمكن تفهم إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه سوف “يسرع” من مسعى انضمام بلاده إلى حلف الناتو، باعتباره رداً سريعاً ورمزياً على استعراض فلاديمير بوتين في موسكو الذي أعلن خلاله أن اربع مناطق أوكرانية أخرى قد أصبحت “تنتمي” الآن إلى روسيا.
إذ إن الاكتفاء برفض ادعاءات بوتين، القائمة على النتائج المزعومة لعملية استفتاء صورية، ما كان ليفي بالغرض.
بطبيعة الحال، يتعامل حلفاء أوكرانيا الغربيون معها إلى حد بعيد كما لو كانت قد انضمت بالفعل إلى الحلف، فهي تتلقى الدعم العسكري نفسه، إن كان على شكل استخباري أو تدريب أو تجهيزات أو تمويل، الذي يمكنها أن تتوقع تلقيه لو كانت جزءاً من الحلف، مع فارق وحيد هو غياب التدخل العسكري المباشر، من قبيل الغارات الجوية أو “وجود الجنود في الميدان”.
قد يشعر الجورجيون بالضيق عندما يرون الدعم الذي تحصل عليه أوكرانيا بصفتها دولة غير عضو، وهو ما لم تحصل عليه أبداً من أعضاء الحلف حين اجتاحتها روسيا في عام 2008.
ويثبت النجاح اللافت للهجوم الأوكراني المضاد على القوات الروسية المحتلة أنه يمكن الاعتماد عليها في تلبية المعايير الأمنية المشتركة.
في رده على إعلان بوتين الاستعراضي في موسكو يوم الخميس الماضي، قال زيلينسكي: “لقد دخلنا إلى الناتو بحكم الواقع. ولقد أثبتنا قدرتنا على التوافق مع معايير الحلف، بحكم الواقع أيضاً. واليوم تتقدم أوكرانيا بطلب لتحويل عضوية حكم الواقع هذه إلى عضوية كاملة بحكم القانون… وبموجب إجراءات تتماشى مع أهمية حماية مجتمعنا بأكمله. بموجب إجراءات معجلة”.
من جانبه، علق أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ برد غير رسمي خلال مؤتمر صحافي يوم الجمعة حيث أشار إلى أن “كل ديمقراطية في أوروبا لديها الحق بتقديم طلب الانضمام لعضوية الناتو”، مضيفاً أن القرار المتعلق باحتمال انضمام أوكرانيا يعود إلى الدول الأعضاء الثلاثين.
لكن موقف رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، لم يحمل هذا القدر من التأييد، إذ رفضت تقديم دعمها لطلب زيلينسكي، واقترحت في المقابل تقديم ضمانات أمنية موازية. وصرحت يوم الجمعة قائلة “نحن ملتزمون إلى أبعد حد بالديمقراطية في أوكرانيا. فلنفز بهذه الحرب، لكنني أؤيد إعطاءهم ضمانات أمنية”.
حتى لو دعمت واشنطن طلب العضوية هذا، فعملية تقديم الطلب بحد ذاتها قد تشكل مستنقعاً، كما اكتشفت السويد وفنلندا عندما قدمتا الطلب في وقت سابق من هذا العام، وواجهتا رفضاً من كل من تركيا وهنغاريا.
جيم تاونسند، الزميل المساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد علق على الأمر لموقع “بوليتيكو”: “أشعر بتعاطف كبير مع زيلينسكي الذي يضغط في ذلك الاتجاه نظراً إلى الوضع الذي تمر به بلاده حالياً. لو كان المسار السريع موجوداً، لكانت فنلندا والسويد انضمتا بالفعل”.
قد يجوز القول إن محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الحلف أصعب الآن مما كانت عليه قبل الغزو الروسي في فبراير (شباط)، فالعضوية لا تعطى عادة للدول المتورطة بنزاعات إقليمية، وهي كانت في هذا الوضع أساساً منذ عام 2014 عندما قام بوتين بضم شبه جزيرة القرم. فالبند الخامس من معاهدة حلف الناتو ينص على دفاع الدول الأعضاء المشترك في حال تعرض إحداها للهجوم، الأمر الذي من شأنه أن يلزم أعضاء الناتو فعلياً بالتدخل العسكري المباشر في حرب أوكرانيا.
ويرجح أن تكون الدول التي تمتنع عن تقديم مساعدة كاملة لأوكرانيا الآن هي نفسها التي ستعارض العضوية للأسباب نفسها، كما تقول ليا شونمان، نائب مدير مبادرة الأمن عبر الأطلسي في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن التابع للمجلس الأطلسي. وأضافت أن “دعم سياسة الباب المفتوح الذي ينتهجها الناتو من جهة، وإدخال أوكرانيا إلى الحلف من جهة أخرى هما مسألتان مختلفتان كلياً. فالناتو غير جاهز ككل أن يبت في طلب أوكرانيا”.
وليس من الواضح في المرحلة الحالية من النزاع بأن أي تدخل عسكري مباشر للناتو سيحسن النتيجة النهائية للصراع، بدلاً من أن يعطي بوتين ببساطة مزيداً من مبررات التصعيد.
خارج إطار الناتو، تعمل الولايات المتحدة بالفعل على إصلاح القوات الأوكرانية وإعادة تجهيزها لكي ترتقي إلى مستوى معاييرها العسكرية، فيما أعرب الرئيس جو بايدن يوم الجمعة عن “تطلعه” لتوقيع تشريع من الكونغرس سيخصص مبلغ 12 مليار دولار إضافي (10.8 مليار جنيه) لدعم أوكرانيا.
كما أعلنت ألمانيا من جهتها يوم السبت أنها سترسل أول دفعة من أنظمتها الدفاعية الجوية “إي أر س تي” إلى أوكرانيا خلال الأيام المقبلة لمساعدتها على صد هجمات الطائرات المسيرة.
وفي هذا الإطار، زودت تركيا القوات الأوكرانية بطائرات مسيرة لجمع المعلومات الاستخباراتية وشن هجمات جوية، كما ردت بوضوح على ضم الأراضي الأوكرانية لروسيا، معتبرة هذه الخطوة “انتهاكاً خطيراً” للقانون الدولي.
وبالتوازي مع مساعدات دولية أخرى، كتلك التي تتلقاها الآن، ستكون أوكرانيا قادرة على تحقيق أهدافها خارج إطار الناتو، لدرجة لا تصبح معها العضوية في الحلف عائقاً بالنسبة إليها. وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار الطلب الذي قدمه زيلينسكي يوم الخميس خطوة رمزية تبقي الضغط على موسكو أكثر منها إشارة إلى انضمام بلاده القريب إلى الناتو.
المصدر: اندبندنت عربية