يرى «الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي»، الذي يعد أحد أقدم الأحزاب السياسية للحركة الكردية في سوريا، أن مسار التطبيع بين نظامي الحكم في أنقرة ودمشق جاء بطلب روسي ودفع إيراني بعد قمة طهران الثلاثية (جمعت قادة روسيا وتركيا وإيران) في نهاية يوليو (تموز) الفائت. ويقول المسؤول الإداري للمكتب السياسي في هذا الحزب، أحمد سليمان، إنهم يدعون إلى الحوار مع نظام الرئيس بشار الأسد لـ«حل القضية الكردية التي نكرس جل نضالنا من أجلها»، لكنه يشير إلى أن «لجوء النظام إلى الخيار العسكري الأمني عقد المشهد». ويقر هذا المسؤول الحزبي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، بضرورة «طمأنة» تركيا بأن الوضع الداخلي في سوريا لا يشكل عامل تهديد لأمنها القومي. ويقول المسؤول في هذا الحزب الذي تأسس عام 1957، إنه يناضل سياسياً لحل القضية الكردية في الإطار العام لـ«الحل السياسي الشامل» في سوريا عبر الانتقال إلى «نظام ديمقراطي تعددي يعترف بالوجود القومي الكردي دستورياً» ومنحه «حقوقه المشروعة». وخلال سنوات الحرب المستمرة منذ 11 عاماً، عقد الحزب لقاءات مباشرة مع مسؤولين في الحكومة السورية بدمشق في أكثر من مناسبة. فيما يأتي بعض محاور الحوار الذي جرى يوم السبت مع أحمد سليمان في مقر «التقدمي» بمدينة القامشلي (شمال شرقي سوريا):
> هل يخشى أكراد سوريا التطبيع بين تركيا والنظام الحاكم في دمشق؟
– لعل حدوث أي اختراق في مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق سيأتي لمصلحة النظام السوري بالدرجة الأولى. نحن مع علاقات طبيعية بين سوريا ودول الجوار بما فيها تركيا، ونحن مع طمأنة الجانب التركي بأن الوضع الداخلي بسوريا لا يشكل عامل تهديد لأمنه القومي، كما يزعم الرسميون الأتراك. لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الشعب السوري ومصالحه، خاصةً الكرد. فمن المعلوم أن مطلب تركيا الأول والأخير هو الحؤول دون حل القضية الكردية في سوريا، وستصر أنقرة في حال وصلت لتفاهمات مع دمشق على أن يخسر الجانب الكردي كل مكاسبه الإدارية والعسكرية والحد من قدرة وقوة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)…
> هل تعتبرون أن ذلك يشكل خطراً على الشعب الكردي وقضيته القومية؟
– بعد معارك عين العرب (كوباني) سنة 2014 ثم احتلال عفرين عام 2018 ورأس العين (سري كانيه) وتل أبيض عام 2019 وهجرة آلاف الكرد لدول الجوار وأوروبا، كان المطلوب من القوى الكردية الحفاظ على قرارها السياسي المستقل على الصعيد الوطني والإبقاء على الخطاب الواقعي لحركتها السياسية، والنأي بالنفس عن مجمل التناقضات والتدخلات الدولية والإقليمية. ورغم إحراز بعض الأحزاب الكردية مكاسب تكتيكية، إلا أنها ساهمت في تبديد الفرص المحتملة لحل القضية الكردية وإفراغها من مضمونها، وأصبحت جزءاً من تناقضات الأطراف الإقليمية والدولية التي تعصف بالمشهد السوري. وعليه فإن أي حل قد تتوصل إليه هذه الأطراف الدولية سيكون على حساب الشعب الكردي وحقوقه في سوريا باعتباره الحلقة الأضعف والأقل تأثيراً على هذه الدول.
> منذ بداية الحرب السورية و«الحزب التقدمي» يدعو إلى الحوار والتفاوض بشكل مباشر مع النظام الحاكم في دمشق. هل يمكن شرح موقفكم؟
– نحن من الداعين للحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام الحاكم للبحث عن الحلول الممكنة، لا سيما حل القضية الكردية التي نكرس جل نضالنا من أجلها، لكن لجوء النظام إلى الخيار العسكري الأمني عقد المشهد، وصعب من احتمالات الوصول إلى حل وطني توافقي، والأسوأ من ذلك أنه فتح الباب على مصراعيه للتدخل الخارجي. وبعد تدخل كل هذه الجهات الدولية والإقليمية المنتشرة على الأرض السورية بجيوشها أو عبر الميليشيات التي تدعمها؛ فإن المشهد يبدو أشد تعقيداً وكل ذلك في ظل غياب برنامج وطني يقر بواقع الأزمة ويسترعي إجراء مراجعة شاملة، وإذا كان الجانب السيئ يكمن في أن السوريين (معارضة ونظاماً) يفتقرون إلى تصورات واقعية لحل الأزمة، فإن الأسوأ هو افتقارهم لإرادة الحل.
> هل عقدتم لقاءات مباشرة مع مسؤولي النظام والحكومة؟
– نعم، عقد حزبنا لقاءات مباشرة مع مسؤولين في الحكومة السورية في دمشق إما بدعوة منهم أو برغبة من «الحزب التقدمي». وجرى ذلك في أكثر من مناسبة، وكان آخر لقاء بيننا في أوائل أبريل (نيسان) الماضي؛ فنحن نؤمن بأن الحوار مع النظام يحتاج لوحدة الصف الكردي وصياغة موقف موحد حول حقوق الكرد، ومن هنا جاءت زيارة حزبنا إلى دمشق التي ركزت على فهم الآليات اللازمة لفتح قنوات جدية للحوار، وفهم موقف السلطة بشكل أوضح ورؤيتها لمعالجة الأزمة السورية وحل القضية الكردية خاصةً.
> هل تجري أحزاب كردية ثانية غيركم لقاءات مباشرة مع مسؤولي النظام؟
– يجري «حزب الاتحاد الديمقراطي» لقاءات مع النظام الحاكم بشكل دوري للبحث في التنسيق الأمني والعسكري نظراً لانتشار القوات النظامية في مناطق سيطرته، أما قادة «المجلس الوطني الكردي» فلديه أعضاء في اللجنة الدستورية ويلتقون بشكل مباشر مع ممثلي النظام كما يحصل في مسار جنيف.
> هل يمتلك «التقدمي» الإمكانيات لوساطة بين النظام وأحزاب الحركة الكردية؟
– نؤكد أن نقاشاتنا مع دمشق لا ترقى إلى مستوى التفاوض، نحن ندرك أن لغياب الموقف الكردي الموحد دوره الذي يمنع تشكيل تأثير حقيقي في أي حوار، وخلال لقاءاتنا طالبنا النظام بالإقدام على طرح مشروع وطني لحل الأزمة في سوريا وطرح رؤيته لحل القضية الكردية. وبرأي حزبنا يكمن حل القضية الكردية في الإطار العام للحل السياسي الشامل عبر الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي يعترف بالوجود القومي الكردي دستورياً ومنحه حقوقه المشروعة.
> هل أنتم مع حل القضية الكردية بإطارها الوطني؛ أم في سياق المسارات الدولية؟
– حل القضية الكردية يكمن في دمشق ودون الوصول إلى هذه القناعة لن يكون هناك حلول حقيقية للقضية الكردية في سوريا. نحن نرحب بدور الأمم المتحدة ومساراتها الأممية، وبالوساطات الدولية سيما الدور الروسي المؤثر عبر علاقاته الوثيقة مع النظام ودعمه له عسكرياً وسياسياً، فقد ساهم الروس في عقد لقاءات بين بعض الأطراف الكردية والحكومة السورية وتم التفاهم منتصف 2017 في موسكو مع حزبنا لدعوة الأطراف الكردية الرئيسية إلى قاعدة «حميميم» بغية تشكيل وفد كردي موحد للحوار مع دمشق. إلا أن اللقاء فشل جراء رفض «المجلس الكردي» الحضور، وإصرار «حزب الاتحاد الديمقراطي» على أن يكون الوفد ممثلاً باسم الإدارة الذاتية، علاوة على أن النظام لم يكن مستعداً بدوره لأي حوار جدي.
> هل لهذه الأسباب تموضع «الحزب التقدمي» خارج الأطر الكردية؟
– حزبنا كان من مؤسسي «المجلس الوطني الكردي» نهاية 2011 وحرصنا على ضرورة وجود اتفاق وتفاهم سياسي مع الطرف الآخر «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي كان يعمل آنذاك تحت مظلة «مجلس غربي كردستان»، بيد أن كل محاولاتنا لتوحيد الصف باءت بالفشل، فضلاً عن أن الوضع التنظيمي داخل المجلس وطريقة اتخاذه للقرارات؛ حالتا دون القيام بدورنا القومي والوطني في ظل هذه الأزمة المديدة، الأمر الذي دفع حزبنا إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من المجلس عام 2015، والسبب الرئيسي وقتذاك كان خلافاً تنظيمياً وليس سياسياً. لقد عقدنا الكثير من الاجتماعات واللقاءات الثنائية مع «حزب الاتحاد»، إلا أننا لم نتلمس منهم أي استجابة لعقد شراكة سياسية حقيقة.
> هل لدى «التقدمي» تصور لتقريب وجهات النظر المختلفة بين قطبي الحركة الكردية؟
– لدينا قناعة أنه دون وجود مركز للقرار الكردي السوري المستقل لن تكون هناك أي فاعلية ودور حقيقي للحركة الكردية، سواء من أجل نيل الحقوق القومية، أو على مستوى تفعيل دوره الوطني؛ فغياب وحدة الصف السياسي انعكس سلباً على واقع الحركة الكردية. وكما أن هناك مصادرة للقرار السوري على الصعيد العسكري والسياسي، فإنه ثمة مصادرة للقرار الكردي خاصةً عند قطبي الحركة.
> ما هو موقفكم من المعارضة السورية؟
– تبنى «الحزب التقدمي» منذ تأسيسه موقفاً معارضاً وندعو إلى وجوب توفير الحريات العامة وتحقيق نظام ديمقراطي تعددي ورفض سياسات حزب البعث التمييزية تجاه الكرد. لأجل ذلك، كنا على الدوام جزءاً من المعارضة السورية، وكان سكرتير حزبنا الراحل عبد الحميد حاج درويش بعيد تأسيس «إعلان دمشق» سنة 2005 نائباً لرئيس الإعلان، وترأس وفد الحركة الكردية في محادثات جنيف في جولتها الثانية. وبعد انطلاقة الحراك السوري المعارض ربيع 2011 كنا إلى جانب المعارضة الديمقراطية الساعية لتحقيق الديمقراطية والحرية والمساواة، وإيجاد حل وطني للقضية الكردية.
> ولماذا انسحبتم من «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المدعوم من تركيا؟
– بعد انضمام «المجلس الكردي» إلى صفوف الائتلاف المعارض عام 2013 على إثر توقيع مذكرة تفاهم مشتركة والتي جاءت متقدمة على الصعيد الوطني السوري فيما خص حقوق الشعب الكردي، بدا لاحقاً أن الائتلاف لم يكن حريصاً على هذه الوثيقة نتيجة ضغوط الحكومة التركية؛ فالمعارضة لم تتوصل حتى اللحظة إلى برنامج سياسي يطمئن مكونات الشعب السوري. والحال أننا اليوم في إزاء معارضات تفتقر للمشروع الوطني الجامع ولا تتمتع بالمصداقية لدى الشارع السوري بكل مكوناته، ولهذه الأسباب نحن خارج أطر المعارضة السورية.
المصدر: الشرق الأوسط