في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، قال وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن” إنه “من غير المحتمل” أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاقية نووية جديدة في أي وقت قريب.
ويشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 6 سبتمبر/أيلول إلى أنه “لم يتم إحراز أي تقدم” بشأن الأسئلة المتعلقة بالمواد النووية التي تم العثور عليها في مواقع إيرانية غير معلنة.
وجاء في البيان الأخير الصادر عن القوى الأوروبية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) أن “موقف إيران [بشأن تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية] يتعارض مع التزاماتها القانونية ويهدد احتمالات استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة”.
ورد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية “بهروز كمالوندي” بأن بلاده كانت متعاونة بشكل كامل فيما يتعلق بالمواقع الثلاثة المزعومة وأرسلت معلومات وأجوبة على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقال: “لا يجوز للوكالة الدولية للطاقة الذرية إصدار أحكام بشأن البرنامج النووي الإيراني بناء على وثائق ملفقة قدمها النظام الإسرائيلي من أجل أهداف سياسية معينة”.
يشار إلى أنه تم توقيع خارطة طريق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية مباشرة بعد الاتفاق النووي وانتهت من تقييم القضايا المتعلقة بالبعد العسكري المحتمل في ديسمبر/كانون الأول 2015 وقبل تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة في يناير/كانون الثاني 2016.
وخلُصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن “الوكالة ليس لديها مؤشرات موثوقة على أنشطة في إيران ذات صلة بتطوير سلاح نووي بعد عام 2009.
لكن في مايو/أيار 2018، انسحب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” من خطة العمل الشاملة المشتركة وأعاد فرض أكثر العقوبات صرامة في العالم واتبع سياسة “أقصى ضغط” على إيران. وبعد عام من ذلك، ردت إيران بزيادة مستويات تخصيب اليورانيوم.
وفيما تم حل قضايا البعد العسكري بموجب الاتفاقية النووية في عام 2019، طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران الإجابة على أسئلة حول الأنشطة والمواد النووية المحتملة غير المعلنة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه القضية ستكون العقبة الرئيسية التي تقف في طريق إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
التخريب الإسرائيلي
منذ بدء المحادثات النووية، بذلت إسرائيل قصارى جهدها لعرقلة التوصل إلى اتفاق. وفيما كان حدثًا غير مسبوق عام 2015، أهان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “بنيامين نتنياهو” رئيسًا أمريكيًا في منصبه في خطاب ألقاه أمام الكونجرس بشأن الاتفاق النووي. ورفضت زعيمة الأقلية آنذاك في مجلس النواب “نانسي بيلوسي” خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووصفته بأنه “إهانة لذكاء الولايات المتحدة”.
كما أعلن “نتنياهو” مسؤوليته عن قرار “ترامب” الانسحاب من الاتفاق النووي، وقال “نتنياهو”: “أقنعنا الرئيس الأمريكي [بالانسحاب من الصفقة] واضطررت للوقوف ضد العالم بأسره ومعارضة هذا الاتفاق، ولم نستسلم”.
وحتى بعد أن جاءت الإدارة الحالية، لم تفوت إسرائيل أي فرصة لتخريب توجه “بايدن” لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وعلى مدى العقد الماضي، نفذت إسرائيل عدة عمليات سرية ضد البرنامج النووي الإيراني، بداية من التخريب والتفجيرات والهجمات الإلكترونية مثل “ستوكسنت” و”دوكو” إلى التجسس واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، ادعت إسرائيل بين الحين والآخر أن إيران على بعد بضع سنوات فقط من امتلاك قنبلة نووية. وعلى سبيل المثال، ادعى “نتنياهو” في عام 1995 أن “إيران أمامها 3 إلى 5 سنوات قبل أن تكون قادرة على إنتاج سلاح نووي”.
وفي عام 2009، قال الجنرال “يوسي بايداتز”، رئيس قسم الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إن إيران ستمتلك سلاحا نوويا بحلول نهاية عام 2010 على الأكثر. وفي عام 2013، ادعى مسؤولو المخابرات الإسرائيلية أن إيران يمكن أن تمتلك قنبلة نووية بحلول عام 2015 أو 2016.
وتشكك إيران بشدة في العلاقات الوثيقة بين مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” وإسرائيل. وفي بيان صدر في مارس/آذار 2020، أكدت إيران أن “نسخ الأوراق التي قدمتها الوكالة إلى إيران كأساس لطلباتها ليست أصلية ولا مرتبطة بمصدر مفتوح، بل يزعم النظام الإسرائيلي أنه حصل عليها من خلال ما يسمى بعملية سرية”.
وفي 3 يونيو/حزيران الماضي، زار “جروسي” إسرائيل للقاء رئيس الوزراء ومناقشة البرنامج النووي الإيراني. وبعد الزيارة مباشرة، في 9 يونيو/حزيران، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا يفرض على إيران تقديم معلومات موثوقة ردا على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال وزير الخارجية الإيراني وقتها إن “زيارة جروسي لإسرائيل لا تتماشى مع حياد الوكالة الدولية للطاقة الذرية والكفاءة المهنية”.
البلد “الأكثر تفتيشا”
قال مصدر إيراني مطلع لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته إن “إيران لا تواجه مشكلة في الرد على جميع أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. نحن على استعداد للتوقيع على خارطة طريق مشابهة لتلك الموقعة في 2015 مع الوكالة لإتمام المتطلبات الفنية للوكالة في غضون شهرين بعد توقيع إحياء الاتفاقية. وبالنسبة للادعاءات الأخيرة، يمكن للوكالة التحقق من صحتها من خلال حساب كل ملليجرام من اليورانيوم المخصب”.
وأضاف: “ومع ذلك، فإن الإسرائيليين أنفسهم يمكن أن يكونوا قد لوثوا بعض المواقع من خلال وكلائهم من أجل عرقلة التفافية وقد يواصلون مثل هذه التخريب السري. . ولا ينبغي لنا أن ندع الإسرائيليين يسحبون الوكالة الدولية للطاقة الذرية والإيرانيين إلى مثل هذا الفخ من أجل إبقاء الملف النووي على أجندة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أجل غير مسمى”.
وفي عام 2011، خلال رئاسة “محمود أحمدي نجاد”، قال الرئيس السابق للموساد لسفير إيراني خلال مؤتمر دولي: “أنت تتفاوض مع القوى العالمية الستة بشأن برنامجك النووي، لكن في النهاية نحن من سنقرر بشأن البرنامج النووي الإيراني”.
ودفعت إسرائيل “ترامب” إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، ونتيجة لذلك، راكمت إيران مخزونا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وصل إلى 55.6 كجم، مما يتيح لإيران إنتاج ما يكفي من المواد اللازمة للقنبلة إذا قررت ذلك.
ويمكن القول إن حملة إسرائيل لإحباط إحياء الاتفاق النووي تظهر نجاحا حتى الآن، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “يائير لابيد”: “تجري إسرائيل حملة دبلوماسية ناجحة لعرقلة الاتفاق النووي ومنع رفع العقوبات عن إيران”.
وستكون نتيجة تخريب المفاوضات النووية الحالية مزيدا من الضغط والعقوبات على إيران، ونتيجة لذلك ستزيد إيران من مراكمة اليورانيوم المخصب بنسب أعلى (يحتمل أن يكون 90%) وسيصبح لدى إيران يورانيوم مخصب كاف لاستخدامه كسلاح فورًا.
وإذا تم إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن لإعادة فرض القرارات السابقة، فمن المحتمل أن تعلق إيران تنفيذها لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وفي حال حدوث أي ضربة عسكرية فمن المحتمل أن تتحرك إيران نحو إنتاج قنبلة نووية.
لذلك تحتاج القوى العالمية إلى إعادة التفكير في نهجها الحالي. وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك قنابل نووية، وهي واحدة من 4 دول فقط في العالم لا تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش، كما إنها ليست موقعة على معاهدة منع الانتشار.
إيران ليست من بين هؤلاء الأربعة، وهي عضو في معاهدة منع الانتشار، وليس لديها أي أسلحة نووية، وهي البلد الأكثر تعرضًا للتفتيش في العالم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبدلاً من القضاء على فرص إحياء الاتفاق النووي ودفع إيران نحو تطوير قنبلة نووية، يجب أن تركز القوى العالمية على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ودفع إسرائيل للالتزام بمبادئ الاتفاقية لتحقيق منطقة خالية من الأسلحة النووية وفق ما فرضته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 .
المصدر | سيد حسين موسويان/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد