يزداد اضطرادًا حجم الانتهاكات الإيرانية في الواقع السوري الاقتصادي والعسكري والأمني والحقوقي وغير ذلك، حتى باتت إيران في سورية هي الفاعل الأول والمتحكم الأساسي، قياسًا بكل المتدخلين الدوليين والإقليميين في الجغرافيا السورية والواقع السياسي السوري، وهي في ذلك تتجاوز التدخل الاحتلالي الروسي وتتعداه بخطوات وأهداف جمة، فهي تحمل المشروع الإيراني الفارسي الطائفي، الذي مابرح يطمح ويطمع بالهيمنة على كل المحيط الإقليمي لإيران، وخاصة العربي منه. وهي تتجاوز كل الحدود وتتخطاها ولوجًا في المنطقة برمتها، بينما ترى أن العالم يتفرج على ماتفعله، ولا يؤتي أي أكل جدي يمكن له أن يلجمها عن فعلها الإرهابي الإجرامي الاحتلالي الكولونيالي، كما هي حالتها في سورية واليمن والعراق ولبنان، وكذلك الأيديولوجي الفكري والتمويلي التغييري الديمغرافي والطائفي، كما تفعل في غير مكان من العالم الإسلامي والعربي الأبعد.
إيران ومنذ أن دخلت الواقع السوري بشكل مباشر مع بدايات الثورة السورية، عام 2011، مازالت تشكل التهديد الفعلي والأخطر ليس للسوريين فقط، بل في جل المنطقة العربية التي راحت دولها تستشعر حجم الخطر الإيراني وفداحته، وسط صمت دولي وأميركي مريب وغريب.
وهي تفعل كل هذه التدخلات والانتهاكات لكل القوانين الدولية، وتحاول الإمساك بها ضمن العديد من المجالات، التي تنتج حالة من التغول على مجمل حيوات السوريين، ويمكن أن نذكر من هذه المجالات مايلي:
- الهيمنة والسيطرة على الزراعة في سورية، وهي الأهم بالنسبة للسوريين قاطبة، فقد فرضت ميليشيات الحرس الثوري الإيراني حصاراً كبيرًا على المزارعين في ريف دمشق الغربي منطقة “جديدة عرطوز”. وأكد متابعون في الداخل السوري أن هذه الميليشيا الإيرانية أطبقت هيمنتها مؤخراً على بعض الأراضي الزراعية المحيطة ببلدة جديدة عرطوز، ومن ثم نهب ما فيها من منتجات زراعية. وقد جاءت هذه السيطرة بذريعة أنها مناطق عسكرية تقترب من مقراتها العسكرية الاحتلالية الموجودة هناك، وهددت أي شخص يمكن أن يفكر بالاقتراب منها. ومن يريد أن يدخل إلى مزارعه يمكنه ذلك فقط، بعد دفع مبالغ مالية كإتاوات، كي يتاح لهم العمل داخلها. وجاء في بعض التقارير الميدانية أن الميليشيا (فرضت مبالغ وصلت لـ 100 ألف ليرة سورية للشخص الواحد مقابل السماح له بالدخول لأرضه، بشرط إظهار إثبات ملكيته لها.) كما عملت الميليشيا على نهب بعض المزارع بما فيها من أثاث وثمار، كما قامت بتحويلها لمقرات لمبيت عناصرها فيها، إضافة لنشر نقاط عسكرية على مدخل كل أرض من هذه الأراضي. وتجدر الاشارة إلى أن الميليشيات الإيرانية تضيِّق على الأهالي في مختلف بلدات ريف دمشق، من خلال فرض إتاوات وغرامات مالية عليهم للتمكن من استعادة ممتلكاتهم وأرزاقهم فيما لو أرادوا ذلك.
- تعمل ميليشيا “الحرس الثوري الإيراني ” على إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في منطقة مزار عين عليّ في بادية القورية بالقرب من مدينة الميادين. وقيل أنها ستكون ثاني أكبر تجمّع للقوات الإيرانية والمحسوبة على إيران في الشرق السوري بعد قاعدة الإمام عليّ التي تم إقامتها قبل عدة سنوات في بادية مدينة البوكمال .وتعتبر منطقة مزار عليّ من المناطق التي سبق وأن وضعت مايسمى (هيئة المزارات الدينية) المدعومة إيرانياً يدها عليها، منذ مطلع عام 2017، ثم سارعت في كانون الثاني /يناير عام 2018 إلى إنهاء العمل ببناء مزار ديني على نبع ماء مستغلّة وقوعه في مسار معركة صفين التاريخية. ومعروف أن مزار عين عليّ موجود في محيط مدينة القورية، حيث يحظى بحماية خاصة من قبل “حرس السيدة زينب” وهي ميليشيا أفغانية تابعىة لإيران، كما تم بناء فندق قرب المزار لاستثماره أيضاً ديمغرافيًا وطائفيًا وسياحيًا.
- في المجال الاقتصادي تعمل إيران جادة على استثمار الواقع الاقتصادي السوري لصالحها مستغلة الفرصة باستفرادها في سورية اقتصاديًا بعد قانون قيصر. حيث يقول حسن شمشادي أمين غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، بما يخص حضور القطاع الخاص الإيراني في سورية، ” إن هذا القطاع مهتم جداً بالوجود في السوق السورية وهي سوق جذابة بالنسبة له، إلا أن هذا الاهتمام والجاذبية خاطئ عند البعض، لأنهم لا يعرفون عن السوق السورية”. وتتفق معظم المواقع الإيرانية الموالية لنظام الملالي في طهران على أن قانون (قيصر) الذي أصدرته الإدارة الأميركية منذ عهد ترامب، ودخل حيز التنفيذ منتصف عام 2020، هو فرصة اقتصادية كبيرة يجب “اغتنامها” وتحويلها إلى “نعمة” في سوق بدا للوهلة الأولى خالياً من أي منافسين اقتصاديين خطيرين.” ويقول شمشادي: “تم تسجيل أكثر من 1390 شركة إيرانية هناك بعد (انتهاء الأزمة في سورية وإحلال السلام النسبي)، كما تظهر الإحصائيات، لكن لا توجد أكثر من 10 أو من 20 شركة نشطة فعلياً في سورية”. وتتحدث اوساط برلمانية ايرانية عن تقديرات رسمية صادرة عن الحكومة الإيرانية تشير إلى أن “مشاركة فيلق القدس لحماية حكومة رئيس النظام بشار الأسد، من السقوط الحتمي كلف إيران ما بين 20 و 30 مليار دولار”. ومن ثم فهم يرون أن ذلك لابد من اقتناصه غصبًا عن السوريين، من الاستثمارات والسرقات والإتاوات الإيرانية في الواقع السوري. وتؤكد كل التقديرات إلى أن “الخطوات التي حققتها إيران حتى الآن في المجال الاقتصادي السوري لم تكن ميسرة لولا وجود قانون قيصر، الذي فرض مجموعة قاسية من الظروف الاقتصادية، التي لا يمكن إلا لدولة مثل إيران التأقلم معها من خلال خبرتها في التحايل على العقوبات وتحديها.” ويرى الاختصاصيون الاقتصاديون أن إيران تنفرد بالسوق السوري وتفرض الأسعار التي تريد وسط عدم قدرة النظام السوري على الرفض في أي منحى تفرضه إيران. ووفقاً لشمشادي، فإن “دمشق تفكر في أرباحها وخسائرها من الناحية الاقتصادية، حتى لو كنا حلفاء وأصدقاء لها. وإذا أعطت الصين بضائعها أرخص من إيران، فسوف ترحب بها دمشق. ويحذر شمشادي من أنه إذا لم تستفد طهران من الفرصة الحالية، فينبغي علينا أن نأسف على فقداننا السوق السورية، بعد رفع العقوبات عن دمشق.” من هنا فإن إيران تتغول على كل شيء وتحاول اقتناص الفرص وفرض ماتريده في هذه الظروف التي قد لا تأتي مرة أخرى بعد اليوم.
-وفي موضوع إعادة الإعمار التي يتم طرحها روسيا باستمرار فإن إيران ترى أن لها الحظ الأوفر في الحصول على معظم الكعكة، لكن شمشادي يشدد على أنه ” لا ينبغي إغفال أن إيران وحدها لا تملك القدرة والإمكانات لتقديم ائتمان بمئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار سورية” وهي في الحقيقة (أي إيران)لا تريد ذلك بل تريد سرقة كل سورية وتود لو جاء سواها وعمر سورية، فإيران لم تكن يومًا من الدول التي تمد يد المساعدة الى أي دولة، إلا بما يخدم تصوراتها ومشاريعها للمنطقة برمتها، ويحقق حلمها بالسيطرة على سورية وكل دول المحيط والجوار.
المصدر: وكالة ثقة