بينما تشهد التحركات العسكرية الروسية في أوكرانيا تغييرات ملحوظة، تركز موسكو على تحالفتها الاقتصادية في بلدان غير غربية خاصة السعودية التي استثمرت أكثر من 600 مليون دولار في شركات الطاقة الثلاث المهيمنة في روسيا، وفقا لما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز”.
وخلال الصيف، عندما خفضت الولايات المتحدة وكندا والعديد من الدول الأوروبية وارداتها النفطية من روسيا، ضاعفت السعودية كمية زيت الوقود الذي تشتريه من روسيا لمحطات الطاقة التابعة لها.
وذكرت الصحيفة أن موسكو والرياض قادتا هذا الشهر، منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والمنتجين المتحالفين معها (أوبك +) لدفعهم إلى خفض أهداف الإنتاج في محاولة لدعم أسعار النفط العالمية.
وتمثل هذه التحركات مجتمعة ميلا سعوديا متميزا نحو موسكو بعيدا عن الولايات المتحدة، ولا يرقى الموقف السعودي إلى مستوى التحالف السياسي الصريح بين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لكن الزعيمين وضعا ترتيبا يفيد الجانبين، وفقا للصحيفة.
ويقول بيل ريتشاردسون، وزير الطاقة الأميركي السابق والسفير لدى الأمم المتحدة، للصحيفة الأميركية: “من الواضح أن العلاقات السعودية الروسية تتعمق”.
ومن خلال العمل بشكل أوثق مع روسيا، تشير الصحيفة إلى أن السعودية تصعّب فعليا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عزل بوتين. وبينما تستعد أوروبا للحد بشكل كبير من كمية النفط التي تستوردها من روسيا، تتدخل السعودية ودول مثل الصين والهند كمشترين للملاذ الأخير.
وقرر تحالف “أوبك +”، خفض الإنتاج، في أكتوبر، بحوالي 100 ألف برميل يوميا، رغم محاولات الدول الغربية لإقناع الدول المصدرة للنفط بزيادة إنتاجها، من أجل احتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ عقود، ما يثير التساؤلات حول انعكاس هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي والأسعار ومن سيدفع ثمنها، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.
واعتبر الكاتب الاقتصادي والمعلق على أسواق النفط وعضو لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي سابقا، فهد بن جمعة، أن تخفيض “أوبك +” إنتاجها بمئة برميل يوميا، “يهدف إلى توازن أسواق النفط، مع ما تشهده من مضاربات وعدم وجود استقرار ولا ترابط بين الأسعار الفورية والآجلة”.
وذكر الكاتب في حديث سابق مع موقع “الحرة” أن “قرار أوبك + سيحمي الأسواق من الانهيارات، في ظل وجود شح في الإمدادات ونقص في الطاقة الفائضة ونمو في الطلب”.
وتقود السعودية مع روسيا تحالف “أوبك +” الذي يضم مجموعة الدول المنضوية في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” وخارجها، ويتحكم بكميات الإنتاج في السوق.
واستفادت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، من ارتفاع الأسعار الناجم عن الغزو الروسي قبل ستة أشهر، كما قاومت طلبات دول غربية لزيادة إنتاج “الذهب الأسود” في مسعى لكبح أسعاره.
من جهته، قال جيم كرين، خبير الشرق الأوسط في جامعة رايس، لنيويورك تايمز: “من الرائع أن تكون روسيا قادرة على إبقاء المملكة العربية السعودية في صفها”، مضيفا أن “هدف بوتين هو التدخل بين الولايات المتحدة وحلفائها، وفي حالة علاقة الولايات المتحدة بالسعودية، يحرز بوتين بعض التقدم”.
لكن بعض الخبراء في مجال الطاقة بالمنطقة رؤوا أن المملكة تحاول تحقيق مصالحها، إذ نقلت الصحيفة عن المدير التنفيذي السابق لشركة أرامكو السعودية، سداد إبراهيم آل حسيني قوله: “تحمي هذه القرارات المصالح التجارية الخاصة بالمملكة العربية السعودي ، ولها معنى هائل من منظور المملكة العربية السعودية الاقتصادي”.
في حين يشير بعض المسؤولين التنفيذيين في مجال الطاقة في الشرق الأوسط إلى أن الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى لم توفر شراكة موثوقة لمصدري النفط، “ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى سعيهم لفطم العالم عن الوقود الأحفوري في محاولة للتصدي لتغير المناخ”، وفقا لتعبير الصحيفة.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن بدر جعفر، رئيس شركة نفط الهلال، وهي شركة نفط في الإمارات العربية المتحدة، قوله: “أدت سنوات من سياسة الطاقة المنفصمة في أوروبا والولايات المتحدة إلى نقاط ضعف كبيرة في أمن الطاقة يتكيف معها كبار المنتجين”، مرجحا “أن تستمر رقعة الشطرنج في التحول في الأشهر والسنوات القادمة”.
المصدر: الحرة. نت