في عام 1979 كنت طالب عاشر في ثانوية ابن خلدون بمدينة #الرقة و كان الاستاذ فؤاد حقي Fuad Haqqi خريجاً جديداً يدرسنا الرياضيات.
كنت قد بدأت نشاطي السياسي ضد حكم الدكتاتور المقبور حافظ أسد و لم أكن أعرف وقتها توجهات الأستاذ فؤاد. و في يوم من أيام 1980 وضعت منشور للتجمع الوطني الديمقراطي في جيب جاكيت الأستاذ فؤاد و عندما هم الاستاذ بانهاء الدرس ، لبس جاكيته و مد يده في جيبه و اخرج الورقة بحركة آلية و نظر إليها فتغير لونه و إعادها بهدوء الى جيبه. ثم اجال نظره في الوجوه المتسمرة عليه فالتقت أعيننا فهز راسه. خفت من حركته و تخيلت أنه كشفني فسألته باعتباط: خير في شي استاذ؟ فأجاب بهدوء : لا ما في شي ابداً يلا اطلعوا ع الفرصة.
من وقتها عرفت بأنه لن يشي بوجود منشور في جيبه. و أصبحنا أصدقاء و لم يحكي يوماً في سيرة المناشير التي كان يجدها في جيوبه.
في ذات السنة بدأت معاهد الدروس الخاصة في الرقة، فرفض الاستاذ حقي بداية ان يشارك فيها و كان يقول:من لا يفهم الدرس هنا لن يفهمه بالدروس الخاصة.
بعد انهائي المرحلة الثانوية و دخولي الجامعة زرت مدرسة ابن خلدون و تحدثت يومها مع بعض الاستاذة و منهم الاستاذ فؤاد و كان وقتها يشارك في المعاهد الخاصة فسألته مستغرباً : كنت ترفض الدروس الخاصة فمالذي تغير؟ قال : يا خالد لا زلت عند قولي من لا يفهم الدرس في المدرسة لن يفهمه في المعهد. انا لم أتغير و لكن الوضع تغير. و أنت ايضاً ستجعلك الظروف تتغير. قلت : لا يا استاذي لن اتغير و سأتذكر كلامك الأول و أنسى الثاني. قال: يا خالد الحياة في هذا البلد صعبة و تسحق. يمكنك ان تتجنب هذا المصير فقط ان أصبحت زبال! اليوم رحل الاستاذ فؤاد حقي و ترك خلفه ارث حملته ولا زلت احمله.
الله يرحمك يا استاذي الجليل.
المصدر: صفحة خالد الحج صالح