لقي يافعان حتفهما من محافظة السويداء جنوب سوريا، قبل يومين أثناء توجههما إلى قطع أشجار البطم في حوش منطقة اللجاة، شمال غربي السويداء، فتم اعتراضهما من قبل أبناء تلك المنطقة الرافضين للتحطيب من الحرش، ودارت اشتباكات بين الطرفين، راح ضحيتها اليافعان، واعتقل اثنان آخران، أطلق سراحهما بعد مساعٍ محلية في المنطقة.
وقال أحد وجهاء منطقة اللجاة لـ«الشرق الأوسط»، إنه بقصد توفير الحطب استعداداً لقدوم فصل الشتاء أو بهدف الاتجار به، فإن الضحية في العملية نفس بشرية أعيتها الظروف السورية القاهرة والمريرة التي دفعت يافعين إلى الاقتراب من منطقة الأحراش وتجاهل التحذيرات المستمرة في هذه المنطقة.
ومع اقتراب فصل الشتاء، وبدء استعداد العائلات لقدومه، ارتفعت أسعار لوازم التدفئة من المحروقات والحطب في المنطقة، ما دفع كثيرين إلى عمليات التحطيب الجائر للأشجار الموجودة في الأحراش العامة البعيدة عن الأحياء السكنية، بغرض توفير حطب التدفئة، أو بيعه لادخار مبلغ مالي للشتاء بعد أن وصل سعر الطن الواحد من الحطب إلى مليون و100 ألف ليرة سورية؛ دون التفكير بما تسببه هذه العمليات الجائرة بحق الأشجار من مشكلات بيئية، وبالتوازي مع ارتفاع أسعار الحطب ارتفعت أسعار المحروقات، حيث وصل سعر اللتر الواحد من مادة الديزل (المازوت) المخصص للتدفئة إلى 7 آلاف ليرة سورية في السوق السوداء، وكل عائلة تحتاج بشكل يومي إلى ما لا يقل عن 5 لترات من المازوت للتدفئة، وأكثر من طنَّين من الحطب خلال فصل الشتاء، وكثير من العائلات بدأت بتحطيب أشجارها التي تملكها في حقولها لعجزها عن توفير الحطب أو المحروقات من الأسواق.
ويوضح فراس، من ريف درعا، الطريقة التي سوف تتعامل بها العائلات السورية مع هذا الشتاء، وسط الظروف المعيشية والاقتصادية المتردية في البلاد، قائلاً إنه لم يعد يحمل فصل الشتاء في أذهاننا تلك الجلسات الدافئة واللمة الحميمة، خاصة مع التفكير بكيفية توفير أبسط وسائل التدفئة من البرد القارس الذي يحمله الشتاء، ويقابله العجز عن مقاومته، ومعظم العائلات السورية باتت محدودة الدخل وغير قادرة على توفير أساسيات الاستمرار بالحياة. لذا سيكون هذا الشتاء أكثر معاناة، بالنظر إلى التكاليف المادية الكبيرة التي يحتاجها المواطن السوري لتوفير التدفئة لعائلته، إضافة إلى عدم توفر السيولة المادية بيد الناس، فالموظف في القطاعات العامة الحكومية مرتبه الشهري لا يتجاوز 50 دولاراً أميركياً، ويتساءل كيف يمكن تقسيمه على متطلبات المعيشة والمواصلات والتدفئة وغيرها. ومثلهم موظفو القطاع الخاص، وعمال المهن الحرة. ويضيف أن بعض الأشخاص خصصوا صيفهم لجمع المواد البلاستيكية وما تيسر من أغصان الأشجار الصغيرة المرمية على قارعة الطرقات، وجمع الألبسة المهترئة، لاعتمادها بدلاً عن الحطب والمحروقات للتدفئة في الأوقات الأشد برداً في فصل الشتاء. مشيراً إلى أن التقنين سيكون حليف العائلات السورية الفقيرة هذا الشتاء؛ حيث إن إيقاد أي وسيلة تدفئة بالنسبة لهذه العائلات هو ترف، ولن تنعم بإشعال وسيلة التدفئة بشكل يومي، وسوف توفر ما لديها من وسائل التدفئة إلى أيام الشتاء الأكثر برداً، وباقي أيام الشتاء العادية سوف تعتمد على الأغطية الصوفية للتدفئة.
بالنسبة للحكومة السورية، فقد اعتمدت منذ سنوات على نظام توزيع مخصصات للسوريين من مادة المازوت بالسعر المدعوم 2500 ليرة سورية للتر الواحد من المازوت المدعوم، وتوزع على كل عائلة مخصصات مؤلفة من 4 دفعات، كل دفعة توزيع تساوي 50 لتراً من المازوت، لكن ذلك يرتبط بتوفير المازوت لدى الدولة، وغالباً ما يحصل خلل أو نقص، ولا يحصل المواطن على 4 حصص، وإنما على حصتين، أي 100 لتر من المازوت المدعوم، أو 3 حصص، أي 150 لتراً من المازوت من مخصصاته، وهذه كمية لا تكفي العائلة لشهر واحد بالقياس إلى استهلاك 5 لترات من المازوت يومياً للتدفئة، وهذا ما يدفع الغالبية من الذين يستلمون حصصهم البسيطة إلى بيعها في السوق السوداء؛ حيث يشتري تجار المحروقات المازوت من العائلات بمبلغ 6000 – 6500 ليرة سورية للتر الواحد، ومن ثم تقوم العائلات باستبدال ثمن حصصهم بشراء وسائل أخرى للتدفئة، مثل الحطب أو الكسيح والجلة.
وبالحديث عن الكسيح والجلة، أوضح أبو يوسف، وهو رجل في الستينات من عمره، أنها وسائل تدفئة بدائية قديمة، وأغلب الأجيال الحديثة لم تمر عليها هذه التسمية، فهي عبارة عن البقايا الجافة للحيوانات، كانت تستخدم في الزمن القديم وسيلة للتدفئة، والآن دفعت الأحوال الاقتصادية والمعيشية المتردية في سوريا وغلاء وسائل التدفئة من المازوت والحطب، الأهالي في المناطق الريفية من جنوب سوريا، إلى العودة إلى الوسائل البدائية القديمة باعتبارها أقل تكلفة. مضيفاً أن آخرين سوف يعتبرونها وسيلة مساعدة مع الحطب للتدفئة، لتوفير كميات الحطب المستهلكة.
ويبلغ سعر الكسيح والجلة نحو 300 ألف ليرة سورية يتم شراؤها من مزارع الحيوانات. ورغم سلبيات استخدامها، فإن كثيرين من الذين تقطعت بهم السبل وأجبرتهم ظروفهم المادية والمعيشية على عدم توفير وسيلة تدفئة للشتاء، غير آبهين بمضارّها، وجلّ همهم توفير الدفء لأفراد الأسرة وسط هذه الظروف القاهرة. مشيراً إلى أن معظم العائلات في المنطقة الجنوبية كانت تعتمد على الحطب كوسيلة للتدفئة في الشتاء، وفي مثل هذا الوقت من كل عام، كانت العائلات في درعا تتسابق لحجز كميات الحطب استعداداً لفصل الشتاء. وكان يسمى فصل الخير والعطاء، وتنتشر فيه الزراعات السهلية والخضراوات الشتوية، والآن باتت العائلات تراه فصلاً يحمل كثيراً من الأعباء والتكاليف ويضاعف معاناتهم المعيشية.
المصدر: الشرق الأوسط