الملف النووي الإيراني والمأزق العربي

د. مخلص الصيادي

تتوقع مصادر متعددة أن يتمكن الطرفان الإيراني والأمريكي من تجاوز ما بقي من نقاط خلاف لاستعادة العمل بالاتفاق الدولي الخاص بالملف النووي الإيراني والموقع بين إيران والدول الست”(5+1) في العام 2015، ويتمحور الاتفاق المزمع توقيعه على المقترحات التي قدمها الاتحاد الأوربي في هذا الشأن.

وتمثل مطالب إيران بعدم سحب الولايات المتحدة موافقتها على الاتفاق الجديد مستقبلا، مثلما حدث في الاتفاق السابق حين سحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في  مايو من العام  2018 الموافقة السابقة للولايات المتحدة، وأن تعوض طهران عن ذلك إذا تكرر موقف ترامب مع أي رئيس جديد، واحدا من المطالب الإيرانية، إضافة إلى قضايا أخرى متعلقة بعمليات التفتيش، وملاحظات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مواقع نووية إيرانية سرية، وكذلك بالعقوبات المفروضة على ايران، وبالتدخلات الإيرانية في الدول الأخرى، ورغم أن عناصر مشروع الاتفاق الأوربي الجديد المقترح لم تعلن بعد، فإن علينا أن نتوقع أن لا يغيب الملف الإسرائيلي عن مثل هذه المباحثات.

التوصل إلى مشروع الاتفاق الأوربي المطروح استغرق مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران امتدت  16 شهرا، وشهدت شدا وجذبا بين الأطراف جميعا، فخلال هذه الفترة، وردا على العقوبات الأمريكية، رفعت طهران نسب التخصيب من67,3% كما ورد في أصل الاتفاق السداسي إلى 20  % ثم إلى 60 %، ويحدد الخبراء نسبة تخصيب 90 % لإنتاج السلاح النووي، وقياسا لسرعة إيران في تطوير قدراتها في تخصيب اليورانيوم، والزيادة الكبيرة جدا في عدد أجهزة الطرد المركزي، وفي نوعية هذه الأجهزة، يقدر الخبراء أن تصبح إيران قادرة على الوصول إلى المستوى اللازم لإنتاج هذا السلاح خلال أسابيع من اتخاذها قرارا بذلك. وقالت مصادر إيرانية غير رسمية إنه تم فعلا الوصول إلى النسبة الحرجة 90%

وخلال الفترة الماضية ظهر جليا أن “العقوبات” الغربية لم تعط أي نتيجة مرجوة، لا على مسيرة إيران النووية، ولا على تماسكها الداخلي، ولا على قدرتها ومشروعاتها في التدخل في دول الجوار.

كذلك ظهر جليا محدودية العمليات التي قامت بها ـ على الأرجح ـ “إسرائيل، وعملائها” لثني طهران عن المضي في برنامجها النووي، وشملت هذه العمليات عمليات التخريب السيبراني، والتفجيرات لمراكز الإنتاج والنشاط النووي، والاستيلاء على الوثائق النووية، وقتل وتصفية علماء نوويين إيرانيين، ورغم تهديدات الكيان الصهيوني بالعمل العسكري المباشر ضد البرنامج النووي الايراني إلا أن عواصم الغرب لا تثق بقدرة مثل هذا العمل على وقف هذا البرنامج، كما أن تخوفها شديد من ردود الفعل إيرانية حال حدوثه.

ورغم تطلع جهات عديدة إلى أهمية التوصل إلى إعادة تفعيل الاتفاق المشار إليه، إلا أن مسائل محددة تمثل حجر الزاوية في التخوف الإقليمي والغربي من أي اتفاق جديد مع إيران يفعل الاتفاق السداسي، وتتمثل هذه المسائل في قضايا محددة من أهمها:

** أن القيود النووية المفروضة على إيران محددة بسنوات معينة، وبعد مضي هذه السنوات من المفترض أن ترفع كل القيود.

** أن أي اتفاق لن يشمل الأنشطة العسكرية الإيرانية غير النووية” مثل انتاج الصواريخ، المسيرات…الخ”. وإنتاج مثل هذه الأسلحة يمثل ركنا أساسياً في منظومة السلاح النووي.

** أن انتظام إيران في إطار محور روسيا / الصين، يعني توفر غطاء دولي لها للقيام بدور إقليمي بأكثر مما تقبل به الولايات المتحدة وحلفاؤها، أو الكيان الصهيوني. وفي الوقت نفسه يوفر هذا الغطاء حماية لها من موقف دولي موحد ضد أي تطور يستهدف دخولها العملي في “النادي النووي”.

** مع رفع العقوبات فستكون قوة إيران “المالية والاقتصادية، والعسكرية” مفتوحة إلى أقصى مدى. وستكون أكثر قدرة على الحركة الحرة في محيطها الإقليمي، وفي دعم النظم والمنظمات التي تعتمد عليها من سوريا ولبنان والعراق، إلى اليمن والعمق الأفريقي والآسيوي.

** تتوفر لدى إيران كل عناصر الانطلاق بمشروعها النووي لأبعد مدى، وهذه العناصر هي: المعرفة التقنية” العلماء”، والبنية الأساسية “مراكز وأجهزة التخصيب”، المواد الخام النووية، الأمان النووي” سعة الجغرافيا، وتعدد وانتشار المراكز النووية”، ووسائط نقل هذا السلاح إلى مستهدفاته “الصواريخ، الطائرات، الغواصات”، وبالتالي فإن الانتقال إلى مرحلة الإنتاج النووي يصبح مسألة قرار سياسي.

إن كل التهييج الإسرائيلي ضد المشروع النووي الإيراني لا قيمة عملية له، ورغم كل الاختراقات الإسرائيلية للجسم النووي الإيراني فإنه لا يستطيع أن يمنع إيران من المضي في طريقها النووي، فقد عَبَرت إيران منذ فترة طويلة عنق الزجاجة بالنسبة لمسارها النووي، وباتت “دولة نووية”، وإن لم تمتلك بعد سلاحا نوويا، فهي تملك كل ما هو واجب لدولة ما أن تمتلكه حتى تدخل بوابة التسلح النووي.

فالمعلن والمعروف والمحدد أن في إيران ستة مراكز أبحاث نووية، وخمسة مواقع تخصيب لليورانيوم، وخمسة مفاعلات نووية تخضع لعمليات التفتيش الدولية، ومنجمي يورانيوم بطاقة انتاج تتجاوز ستين طن من الكعكة الصفراء سنويا، وثلاثة عشر مركزا علميا وتقنيا لخدمة هذا المشروع، وكل هذه المنشآت والمراكز موزعة على امتداد مساحة الأرض الإيرانية البالغة1648000   كم2 وعدد من هذه المنشآت مبنية في عمق الجبال بحيث تصمد للهجمات الجوية بمختلف أنواعها، إضافة إلى كل ما سبق هناك بالتأكيد منشآت لم يتم الكشف عنها، ولا تخضع لأي رقابة أو متابعة.

وبهذا الشكل فإن المشروع النووي الإيراني بات مكتفياً ذاتياً، وبات يتوفر له كل العناصر التي يحتاجها، ولم تصل إيران إلى هذا المستوى في غفلة من “المجتمع الدولي”، أو من مجتمع “النادي النووي”،  لذلك فإن الضجة المثارة حوله منذ إعلان منظمة الطاقة الذرية الدولية عن وجود برنامج نووي سري لإيران في العالم 2003، ـ بعد ان كشفت المعارضة الإيرانية عن هذا المشروع في العام 2002 ـ لا تعدو أن تكون ضجة غير جادة لا تستهدف منع ايران من المضي في برنامجها ـ الذي بدأ عملياً منذ العام 1990 ـ بقدر ما يستهدف ضبط ذلك في اطار رؤية هذه الدول للدور والمكانة الإيرانية في إقليمها، ولحصة الدول الكبرى في الاستثمارات النووية الإيرانية.

إن إدراك هذه الحقيقة يتيح لنا توقع حدود الخلاف الجاري بين الطرفين، وفرص التلاقي على حلول وسط تمكن كليهما من تحقيق أهدافهما.

بالتأكيد فإن الكيان الصهيوني لا يرغب في أن تتحول إيران إلى دولة نووية، لكن قبول أو رفض الكيان لهذا التطور ليس هو الحاسم، وإنما الأمر يتعلق برؤية الدول “الغربية العظمى” لإيران، ولدورها ومكانتها في الإقليم، وواضح أن هذه الدول ترى أن الكيان الصهيوني ـ لطبيعته، وطبيعة مشروعه ـ لا يستطيع لوحده أن يكون الضابط للمنطقة العربية، والمهيمن على مقدراتها، والمانع لفرص نهوضها، وأن تقاسم هذه المهمة مع النظام الإيراني بثوبه الجديد ” نظام ولاية الفقيه” يمكن أن يوفر هذا الضابط، لما يحمله المشروع الإيراني من استهداف لوحدة المجتمعات العربية، وبما يوقعه من تفتت وتفلت في بنيتها، وفي فكرها التاريخي والعقدي.

إن وجود الكيان الصهيوني، مشروعا ثم كيانا حرًض قاعدة من قواعد العمل الوحدوي بين النظم العربية وهي قاعدة ” التحدي الخارجي”، فباتت الأمة تلتقي على “فلسطين”، وعلى كل ما له علاقة بفلسطين، من منظمات، وأحداث، وتحالفات، وقد أدت هذه الحقيقة إلى أن تبقى “اتفاقيات كامب ديفيد والسلام المصري الإسرائيلي” في حالة “السلام البارد” رغم تجاوز عمرها العقود الأربعة، وتبعته في حالة “السلام البارد” اتفاقيات التسوية الأخرى ( وادي عربة، واتفاقية أوسلو).

 لكن دخول إيران بمشروعها “ولاية الفقيه” على المنطقة، فتح للنظام العربي باباً واسعاً للتخلص من ضغط الصراع العربي الصهيوني بشأن فلسطين، وليُبرز مواجهة الخطر الإيراني كأولوية، فصار ما يعرف بخطر” الهلال الشيعي” منافسا عند هذه النظم، بل متقدما على “الخطر الصهيوني”، الذي تحول تدريجيا عند العديد من أطراف النظام العربي إلى حليف يتمتع ب”الوضع التفضيلي”، وبصفة الدولة “الأولى بالرعاية”.

لقد حرر الموقف الإيراني النظام العربي الرسمي من التزاماته تجاه فلسطين، بدعوى التصدي للخطر الإيراني، وأوجدت تدخلات النظام الإيراني الدامية والمدمرة في المجتمعات العربية: العراق، لبنان، العراق، اليمن، بطبيعتها العسكرية، والطائفية، والفكرية قاعدة قبول شعبي لمواقف هذه النظم تجاه إيران.

إن إيران بطموحها الامبراطوري الفارسي، وباعتمادها نظرية” الولي الفقيه” كقاعدة للحكم والسياسية أصبحت عدوا للأمة العربية بكل مكوناتها، وليست عدوا حصريا للنظم العربية القائمة، إذ قد تجد هذه النظم قاعدة لقاء مع النظام الإيراني بدواعي مرحلية أو مصلحية، لكن اتفاق أو اختلاف هذه النظم مع النظام الإيراني لا يغير من إحساس الجمهور العربي بأن النظام الإيراني الراهن نظام عدو للأمة العربية: لوجودها، ومستقبلها، وتاريخها، وبنيانها العقدي.

والغرب يدرك تمام الإدراك هذا الدور الذي تقوم به إيران، ومدى قدرتها على إنجازه، وبالتالي فإنه يرى فيها فرصة حقيقية لتغيير اتجاه الصراع في المنطقة العربية، لذلك هو يريد أن تبقى إيران في الموضع ذاته، وأن تقوم بهذا الدور بالتحديد، دون ان تتجاوزه.

لكن ما تريده إيران في ظل نظام “ولاية الفقيه”، ليس محدودا بما يريد ويتطلع إليه الغرب، وإن كان هذا التطلع الغربي يوفر لها حدا أدنى من “التأمين الذاتي” وهو حد مهم لها لإتمام بناء ذاتها.

إيران تحمل مشروعا يقوم على التهام” المنطقة والأمة العربية”، والالتهام يعني تحديدا “السيطرة، والتبعية، والهضم”، يعني إعادة تكوين المنطقة وفكرها وتاريخها وقيمها، بما يتوافق والرؤية “الفارسية ـ الشيعية”، بحيث تصبح هذه الأمة بكل مكوناتها مجرد رقم في خارطة نظام “ولاية الفقيه”.

ويمتد مشروع “ولاية الفقيه” ليغطي كل مكان وجد فيه مجتمع إسلامي، جزئيا أو كليا، لذلك فإن خارطة التطلع لدى نظام الملالي تتسع إلى كل القارات، وكل الدول، حيثما وجد المسلمون. أي أن ايران تريد كذلك أن ترث المكانة العربية “تاريخيا وراهنا” في عموم المجتمع الإسلامي

وهذا الامتداد لمشروع “ولاية الفقيه” مما لا يوافق عليه النظام الغربي، لأنه يعطي إيران أكثر مما يريده الغرب، لكنه غير مضطر لمواجهته مواجهة حقيقية لأن هذا الطموح  لا يمثل تهديدا للغرب، فهو طموح “طائفي عنصري”،  أي أنه طموح يختزن في عمقه “قصورا ذاتيا”،  ولهذه الطبيعة هو طموح للهدم، وليس للبناء، والتدقيق في أثر هذا المشروع في الدول التي تسلل إليها يظهر أنه يخرب ويفتت قوة الإسلام: البشرية، والفكرية، والعقدية، والتاريخية، لكنه يعجز لطبيعته الطائفية والأسطورية أن يبني بديلا لهذه القوة، أي أن يقيم مجتمعا إسلاميا حقيقيا على المستوى الدولي.

بهذا المعنى فإن مشروع “ولاية الفقيه” مشروع تخريب وتدمير للمجتمعات والتجمعات الإسلامية، لذلك لا يرى الغرب الاستعماري فيه خطرا يستوجب التصدي الجاد له، وفي الوقت نفسه يرى إمكانات وافرة لجعله جزءا من المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة العربية، وبالتالي على المسلمين في كل مكان.

من هنا يصبح وجود نظام “ولاية الفقيه ” بنسخته الفارسية وفي بعض وجوهه، ملبيا لحاجة غربية، ويصبح من أهم مهام الغرب أن يعيد تكوين استهدافات هذا النظام الإيراني ليكون في حدود ما يريده له.

هذه حدود الخلافات والتجاذبات والصراعات الغربية مع النظام الإيراني الراهن. وهذه أيضا حدود التناقض والصراع بين إيران والكيان الصهيوني.

إن إيران تريد النووي، “السلاح والمنظومة والتكنولوجيا” كعنصر تأمين لها في مسعاها الأممي، الذي يغطي مشروعها، مشروع “ولاية الفقيه”، وكرافعة علمية وتقنية لمجتمعها، يحررها من الاعتماد على الخارج، ويؤمنها ضد أي تهديد خارجي جاد لنظامها، ولمشروعها.

وما يقال عن موقف الامام الخميني بتحريم أسلحة الدمار الشامل عموما، والمعزز بفتوى خامنئي عام 2003 بتحريم السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، وهو الموقف الذي أبلغته إيران رسميا وكالة الطاقة الذرية عام 2005، لا يمثل مانعا من العمل للحصول على هذا السلاح، ذلك أن الفتوى بطبيعتها متحركة تأتي استجابة للظرف والمخاطر، ثم إن من القواعد المسلم بها أن “من يمنع، هو من يمنح، ومن يحرم هو من يحلل”، فإذا كان الولي الفقيه هو من منع وحرم، فإنه يكون قادرا على أن يمنح ويحلل.

ولعل مما يشجع الموقف الإيراني بشأن برنامجها النووي، أن الموقف الدولي بشأن منع الانتشار النووي موقف يفتقد إلى أي قاعدة أخلاقية حاكمة، وموقف الدول الكبرى إزاء منع الانتشار النووي موقف انتقائي براغماتي، تتحكم فيه المصالح والتحالفات، وقد عاينا هذه الحقيقة في موقف هذه الدول من السلاح النووي الإسرائيلي.

إذا كانت هذه هي صورة ” الملف النووي الإيراني” على المستوى الدولي، فكيف تبدو هذه الصورة على مستوى النظام العربي؟

هل يمثل امتلاك إيران للسلاح النووي، تهديدا للمجتمع العربي، للنظام العربي، وللوجود العربي؟

وإذا كان الجواب بنعم، هل يستطيع النظام العربي أو يملك القدرة على تحصين نفسه ضد هذا الخطر؟ أو على إبطال أخطار هذا السلاح على أمنه؟

ثم هل لجوء النظام العربي إلى عدو الأمة التاريخي “الكيان الصهيوني” يمثل ردءا يحميه من الخطر الإيراني؟

هذه الأسئلة تفتح أبوابا واسعة للإجابة، وتحتاج إلى بسط بأكثر مما تسمح به مثل هذه المقالة، لكن تسليط الضوء على عدد من القواعد التي  تحكم هذه النظام في هذه المرحلة كافية لتوضيح اتجاه الإجابة على الأسئلة المطروحة:

** لم تعد هناك قيمة حقيقية لدى النظام العربي لمفهوم “الأمن القومي العربي”، لقد تجاوزت النظم العربية هذا المفهوم المتكئ على الإيمان بوجود “أمة عربية”، وأن أمن هذه الأمة أمن ذاتي توفره أو يجب أن توفرها نظمها القائمة. وأن فلسطين تمثل حجر الزاوية في هذا الأمن القومي العربي قد تراجع هذا المفهوم حتى كاد أن يفتقد كلية.

إن تحالفات النظم العربية قائمة كلها على غير قاعدة الأمن العربي، وإن الاندماج في التعامل والتحالف مع القوى الخارجية، بات هو الصورة الأوضح التي توفر ما تعتقده هذه النظم بأنه أمن لها.

** أن الدول العربية المركزية: بموقعها، وعمقها التاريخي، والديني، وعدد سكانها، وقدراتها المالية،” مصر، المملكة العربية السعودية، الجزائر… الخ” تملك مجتمعة القدرة على إقامة برنامج نووي عربي متكامل، وهي بحاجة ماسة لمثل هذا البرنامج بأوجهه وتجلياته المختلفة، لكنها تفتقد الإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك، وهي بدل أن تتقدم لإقامة أمنها الحقيقي المستقل، تذهب باتجاه استعارة أمنها من الغير، والغير هنا في حقيقته هو عدو لهذه الأمة ولأي مشروع تتطلع إليه.

** وإذا كان من المؤكد أن السلاح النووي يعطي الدولة التي تملكه قوة وحصانة إلا أنه ليس عنصرا من عناصر الصراع “الإيراني ـ العربي”، لاستحالة استخدامه في أي هذا الصراع، وبالتالي فإن الخطر الحقيقي على الأمن القومي العربي لا يتأتى من هذا السلاح الإيراني، وإنما من السلاح الآخر المتمثل بنظرية “ولاية الفقيه”، والسلاح النووي الإيراني لا يعدو أن يكون حارسا لذلك الخطر الحقيقي، أي سلاحا احتياطيا يحرس المشروع الايراني، وكما أن “النظام العربي” يفتقد الإرادة في امتلاك السلاح النووي، فإنه يفتقد الأهلية في التصدي للعدوانية التي تمثلها هذه النظرية الحاكمة للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الأمة العربية وتجاه المجتمعات الاسلامية، إذ لا يمكن التصدي لمثل هذا النوع من الخطر إلا بامتلاك رؤية فكرية وروحية وحضارية وأمنية لمفهوم الانتماء القومي، ومسؤولية هذا الانتماء تجاه الأمة وتجاه بعدها الإسلامي العام، ورسالتها الحضارية للمجتمعات الانسانية.

إيران تمضي قدما في برنامجها النووي الشامل، والعالم الغربي يحاول جاهدا أن يحد هذا البرنامج بحدود مصلحته ورؤيته للدور الإيراني، “والكيان الصهيوني” يريد أن تبقى إيران دون مستوى الشريك في السيطرة، وفي ضبط إيقاع التغيرات والتطورات في المنطقة العربية وبعدها الإسلامي والتحرري، والنظام العربي غائب كليا عن المشهد، وجل ما يفعله هو الهرب من مواجهة هذه الحقيقة برمي النفس في أحضان العدو نفسه، تارة العدو التاريخي ممثلا بالكيان الصهيوني، وتارة أخرى العدو المتجدد ممثلا بنظام الملالي في إيراني. ونتيجة ذلك كله يتصاعد خطر حقيقي بعيد الأثر على الأمة ومستقبلها ودورها، وعلى مكونات وجودها: دينا، ولغة، وبنية وطنية، وأخلاقا، وحضارة، وثقافة”، وهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها أمتنا لخطر على هذا المستوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى