كان لدينا موقعًا عسكريًا في منطقة “رأس النبع”/ بيروت، يعتبر من أخطر المواقع في العاصمة اللبنانية. وخلال حصار العدو الصهيوني لها، عجز مراراً على تحديد مكانه، علمًا أنه استهدف الموقع مرتين بالقصف، من قبل طيران العدو الصهيوني، وفشل في إصابته مباشرة، لأنه لا يمتلك إحداثيات دقيقة للموقع.
كان الموقع يشكل شريان الثورة الفلسطينية مع العالم الخارجي، فهو سفارتها، والمحرك الوحيد لديبلوماسيتها مع قادة العالم، إنه موقع “مدرسة البسطة الرسمية للبنات”، الذي كان أحد أهم المواقع السرية لحركة “أنصار الثورة”، وكثر من عناصر الحركة لا يعرفونه، ولا يعلمون شيئًا عن طبيعة عمله، نظرا لحساسيته.
كان الموقع يحتضن جهاز الاتصالات الدولي، “لمنظمة التحرير الفلسطينية”، وعبره يتلقى ويرسل أهم البرقيات اللاسلكية، الى العالم، ما يعني أن البرقيات السرية المتبادلة بين رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات، وغالبية زعماء العالم، تمرّ عبرنا. ولمن، وكنّا نحترم سرية عملهم، ولم نكن نتدخل في شؤونهم الخاصة، التي كانت تدار من الملجأ الثاني في المدرسة.
فقد كنّا مؤتمنين على الموقع، ولا يعرف مكانه سوى الشهيد “أبو جهاد”، وكان الأخ جهاد اللاسلكي (اسمه الحركي) مكلفًا بإدارته، وهو معروف اليوم باسمه الحقيقي سمير أبو عفش، مسؤول “حركة فتح” في لبنان.
كنا نتواجد ونستريح في حرم المدرسة الداخلي، من دون أيّ مظاهر عسكرية، أو ما يدل على الحياة في داخله. وكنا نعتمد أسلوب العمل، الذي يشبه مسلسل الاطفال المعروف “توم أند جيري”.
وعند إشعارنا بأيّ حركة طيران للعدو، كنا نعطّل كل الأجهزة في الموقع، ونوقفها كليا عن العمل، ونستأنف تشغيلها فقط عند الضرورة لفترة قصيرة جدًا، تفي بالمهمة.
لقد تعرّضنا للقصف الصهيوني غير مرة، وفي المرة الأولى كنت متواجدًا ومساعدًا لي داخل المدرسة مع الاخوة العاملين على الجهاز، ونتيجة لصعوبة تحديد مصدر الذبذبات اللاسلكية، تمّ قصف مبنى دمشقية، القريب منّا، وهو عبارة عن “فيلا” مقامة وسط حديقة ملاصقة لحائط المدرسة، مدخلها من شارع البسطة/ محطة العريس، حيث يشتبه بالموقع، من دون أضرار في مكان تواجدنا، سوى الضغط الناجم عن عصف الانفجار. ولله الحمد نجونا باعجوبة.
كما تعرض الموقع للقصف مرةً أخرى، واستهدفت الزاوية المقابلة في أول طلعة سيدي حسن، وعائلة قرنفل، وسقط بعض الشهداء المدنيين يومها. وفشلت مهمة العدو، الساعية الى إخراج شبكة الاتصالات الدولية للمنظمة عن العمل.
وتمّت ملاحقة الأخ سمير أبو عفش، بعد الحصار من قبل سلطة أمين الجميل، واعتقل بعد ذلك من قبل مخابرات نظام الاسد، مع بعض عناصر “أنصار الثورة”، الذين أمضوا أربع سنوات في سجن “فرع فلسطين” في العاصمة السورية دمشق.
.. لقد دفعنا ثمن صمودنا للنظام السوري، حيث فشل العدو الصهيوني في كسر شوكتنا.
* أمين عام “حركة أنصار الثورة” في تلك المرحلة.
المصدر: المدار نت