أهل الجولان والجنسيّة الإسرائيلية: مناصرو النظام السوري ليسوا مؤهلين أخلاقيا للتصدي لمشاريع تل أبيب

حسان شمس

اعتادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بين الفينة والأخرى تحريك مياه الجولان الراكدة، عبر تسريب أخبار مفادها أنّ نسبة إقبال أهالي الهضبة المحتلة على طلب الجنسية الإسرائيلية ارتفعت بعد اندلاع الثورة السورية وما يعصف بوطنهم مِن مآسٍ وآلام. بصرف النظر عن موقفي الشخصي مِن جنسية الاحتلال وعدم حيازتي لها، فإن الطريقة القروسطية، التخوينية، والبغيضة التي ينتهجها مَن يَعتبرون أنفسهم خندق الدفاع الأول عن الوطن وفطاحل “العمل الوطني” وصناديده في “مواجهتهم وتصدّيهم” لهذه المسألة (إقبال الأجيال الشابة على طلب الجنسية الإسرائيلية) كلّما طُرحت، هي بمثابة فَرس خاسرة يصرّ أصحابها على تربيحها بالقوة وعدم التعلمّ مِن عقم طرائقهم وعبثيتها.

مسألة الجنسية الإسرائيلية

كلامي هذا لا ينطوي على فتات أو حتى أضغاث أحلامٍ بأن يعدّل هؤلاء مِن قراقوشية طرائقهم ولو قيد أنملة، فقضيتهم تندرج في خانة “فالج لا تعالج”، وإنما أطرح ذلك لتمرير وجهة نظرٍ متواضعة ترى أن مسألة الجنسية الإسرائيلية حساسة جداً بالنسبة لأهالي منطقتنا، وهي أخطر كثيراً مِن أن تُترَك للعنتريات والمراجل وتسجيل المواقف المرائية والمزاودات الوطنجية الرخيصة، وكذلك أعقد مِن تبسيطها الذي يظنّه البعض أنها تزيح عن كاهل طالبي السفر إلى بعض البلدان إجراءات الحصول على الفيزا؛ الأمر الذي يمكن أن يتغيّر بين ليلة وضحاها بمجرد – لا قدّر الله – إقدام انتحاري ينحدر مِن بلادنا، مثلاً، على عملية إرهابية في تلك الدول التي تعفي الإسرائيليين مِن تأشيرة الدخول لأراضيها، كبلدان الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا، وساعتها سوف يتساوى الإسرائيلي الحاصل على الجنسية سواء كان يهودياً أم عربياً في ضرورة حصوله على الفيزا، حيث البلدان المتقدمة تمنع التمييز في قوانينها، وهي على درجة عالية مِن الحذر بكل ما مِن شأنه أن يُفهم على أنه عنصرية أو أحد أوجهها.

حيازة الجنسية للقفز على مسألة الحصول على فيزا تبدو، والحالة هذه، أمراً في منتهى الهشاشة والسطحية، إذا ما قورنت مثلاً بسبب آخر له مفاعليه وانعكاساته الخطيرة على تواجدهم في أرضهم مِن الأصل، كسحب حق المواطنة مِن عدة مغتربين جولانيين ممن يقيمون في الخارج بعد مضي أكثر مِن أربع سنوات متواصلة على تواجدهم أو لمجرد حصولهم على جنسية تلك الدول التي يقيمون فيها، وذلك جرّاء عدم حيازتهم الجنسية وجواز السفر الإسرائيليين وإنما على بطاقة عبور غير معرَّفة الجنسية، كما هو حال معظم الجَولانيين. هذه واحدة مِن الإشكاليات المهمة المرتبطة بهذه المسألة التي ينبغي تسليط الضوء عليها.

قيادة وطنية ديمقراطية

لو كانت في الوطن السوري قيادة وطنية ديمقراطية حقيقية مُنتخَبة مِن الشعب ولها صفة تمثيلية حقّة لكان التعاون بين أهالي الجولان المحتل و”قيادتهم” لحل هذه المعضلة وغيرها هو أوجب الأمور وأفضل الحلول وأقلها كلفة على الإطلاق، لكن حتى ذلك الحين (إن كان هناك أجل لهذا الحين مِن الأصل!) وفي ظل ما يلحق بالوطن مِن هلاك ودمار على أيدي نظامه الكيميائي المجرم وتحوّله ملعباً لكل أشكال التطرف وساحة للاحتلالات مِن كل شكل ولون ولتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وما لذلك مِن انعكاسات خطيرة على أهالي الجولان ومنظومة قيمهم وطقوسهم وتعاريفهم وتطلعاتهم الوطنية وحاضرهم ومستقبلهم، ينبغي وضع مسألة بهذا القدر مِن الأهمية بأيدي أهل الاختصاص والخبراء في القانون الدولي والإسرائيلي، على حد سواء، والمتمتعين بحصانة أخلاقية وإنسانية وكفاءة علمية لا يرقى الشك إلى نزاهتها للتقرير والفصل بشأن ما الذي ينبغي على أهالي الجولان فعله لزيادة فاعلية تجذّرهم في أرضهم، والمحافظة على حقوقهم المتمثلة في الأمن والصحة والتعليم والعيش الكريم والرفاهية، وحتى مواكبتهم كل أشكال التطور والتكنولوجيا: أن يكونوا خاضعين لمواثيق الأمم المتحدة التي يُفتَرَض أنها تكفل لهم ما سبق؟ أم بالحصول على المواطَنة الإسرائيلية عبر حيازتهم الجنسية وجواز السفر الإسرائيليين، ريثما تقوم قائمة دولتهم الأم مِن جديد وتكون قادرة أو حتى راغبة في استرجاع أرضها المحتلة؟

احترام عقول أبنائنا والتعامل اللبق والشفاف معهم وتقديم البيّنات والحجج لهم، وعدم تعمّد طمس حقائق تربط بين الحصول على الجنسية والخدمة في جيش الاحتلال يمكن كشفها بدقائق عبر “غوغل” لا سيما ما يتعلق بقانون الخدمة نفسه الذي لا يقتصر على حالمي الجنسية الإسرائيلية وحسب إنما على كل مقيم دائم على أراضي دولة إسرائيل، سواء كان يحمل الجنسية الإسرائيلية أم لا، وكذلك التعديلات التي أجريت على تبعات التخلف عن الخدمة هو الكفيل بكسب الأجيال الشابة والمحافظة عليها، مع عدم التقليل، طبعاً، مِن خطورة انتقال مكانة المواطن السوري في الجولان المحتل الذي يحمل جنسية إسرائيلية مِن “درزي سوري محتل” إلى “درزي إسرائيلي” وما قد ينطوي ذلك على سحبه بشكل فوري إلى الخدمة العسكرية، كون دروز إسرائيل يسري عليهم قانون التجنيد الإلزامي ولا يتم تأجيل استدعائهم للخدمة العسكرية كما الحال مع باقي نظرائهم العرب من الطوائف الأخرى، تماماً على غرار ما كان يحصل مع تأجيل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، حيث أقرّ في الكونغرس عام 1995 وكان يتم تأجيل الاعتراف به كل ستة أشهر على أيدي الرؤساء الأمريكيين إلى أن تم إقراره في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، في عهد الرئيس ترامب.

قانون الخدمة الإلزامية

نص قانون الخدمة الإلزامية يقول: “مطلوب للخدمة كل مواطن إسرائيلي أو مقيم دائم أتم الـ 16 عاماً ونصف، ولم يحصل على إعفاء من الخدمة الأمنية بسبب جيله حسب البند 36أ وما زال لم يمتثل للخدمة الأمنية”. وفي بند العقوبات للمتخلفين عن الخدمة، نصَ القانون على ما يلي في بند العقوبات، كحد أقصى: “سنتان سجن لمن يتهرب أو يكذب حول معطياته أو يحصل على أمر إعفاء أو تأجيل خدمة أو خروج لخارج البلاد. سنتان سجن لمن يقوم بهذه الأشياء بهدف وبقصد متعمد للتهرب من الخدمة أو يقوم بإيذاء نفسه للتهرب من الخدمة”. وفي مصدر آخر 15 سنة. لكن هذه العقوبة (5 أو 15 عاما) لم أعثر على ما يشير إلى أنها وُضعت قيد التنفيذ في أي مِن المراجع أو المصادر التي بحثت فيها.

التخوين والوعيد والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور والحرمان والقطيعة، ما عادت تساوي قيمة الحبر إن كانت مكتوبةً أو وزن الهواء المهدور إن جاءت جعجعة ولا تأتي إلا بمردود عكسي، سيّما وأن الذين يشهرون سيف التخوين عادةً يُعتبَرون بعيون شريحة لا يستهان بها مِن الجولانيين شركاء معنويين لسفاح دمشق في كل ما يرتكبه مِن جرائم بحق الشعب والوطن، وبعضهم غير محصّنين وطنياً لا بأشخاصهم ولا بأفراد أسرهم ويفتقدون لأية أهلية وحيثية إنسانية أو أخلاقية للتصدي لمشاريع إسرائيل، وبالتالي هم أكثر مَن يحتاجون إلى شهادات حسن سلوك وفحص دم بالوطنية. هذه الأمور، وغيرها مِن تفاهات وسقطات يرتكبها أيضاً بعض مَن هم في الخندق المعادي للنظام، جرّاء ما أصابهم مِن إحباط وخيبة بنتيجة الاستعصاء السوري الحاصل، وكل ذلك يختصر المسافة على إسرائيل لتحقيق مشاريعها في قرانا المحتلة لدرجة لا تتخيّلها تلك العقول الفقيرة والمشتغلة بمنطق الارتجال وردود الأفعال!

المسألة لا تحتاج إلى كل هذا التوتير، وهي أقل تعقيداً مما يعتقد كثيرون: حملُ جنسية دولة محتلة لم يكن يوماً شرفاً رفيعاً ولا أقل مِن رفيع، سواء كان الاحتلال اسمه إسرائيل أم عزرائيل، كما أن حمل السلاح في دول محتلة، تستعدي لدول من حولها، مِن قبل مواطنين محتلين لهم أقارب درجة أولى وصلات أرحام في تلك الدول، كسوريا ولبنان مثلاً، عدا عن قتال الفلسطينيين في أرضهم خيانة وطنية مِن عيار ثقيل ولا تغتفر. لا يحتاج الأمر إلى أكثر مِن تينك الجملتين، مِن دون تسويف وتبهير وطمس حقائق لتبيان مخاطر ذلك الأمر.

أمقتُ لوكَ ذات الأفكار وترداد بعض العبارات النمطية مِن قبيل “ما قبل ليس كما ما بعد”. ما حصل أيام الإضراب الكبير مطلع ثمانينيات القرن المنصرم كان عظيماً في وقته بكل مقياس، ومصدر عَظَمته ناتج عن فرادة الموقف الذي اتخذه الأهالي وقتها في زمن كان خذلان العرب وخيباتهم طافياً على كل ما عداه، لكن الواقع في الجولان المحتل الآن يختلف جذرياً عما كان عليه قبل الثورة، والمَهلكة التي ألحقها نظام الأسد بالسوريين وأرضهم ويتحمل هو وبالدرجة الأولى كامل المسؤولية عنها، لجهة الإحساس بضياع الهوية أو أقلّه التشويش الذي حصل عليها، ويقطع كل الشك بكل اليقين أن تغييراً جوهرياً حصل، ومِن الحكمة مواكبته عن كثب والاشتراك في رسم خط سيره لا التعمية عليه أو الاستقالة عن التعاطي معه، ثم الاضطرار لاحقا إلى التعامل مع نتائجه!

كاتب صحافي من الجولان السوري المحتل

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى