من المدونات إلى الثورة.. || رحلة شباب الإسلاميين ومستقبل جماعة الإخوان المسلمين

محمد فتوح

نحن الآن في النصف الثاني من عام 2022، أي إن أكثر من عشر سنوات تفصلنا عن تنحية الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وثلاث سنوات تفصلنا عن وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، رئيس مصر الأول بعد الثورة، وما يقرب من 6000 يوم تفصل بيننا وبين النص الذي نشرته الباحثة الألمانية “إيفيسا لوبين”(1) بعنوان: “الإسلاميون الشباب في الفضاء الإلكتروني.. عالم المدوَّنات لشباب الإخوان المسلمين”. فما الذي تُضيفه ترجمة نص ألماني عن حالة مدوَّنات الإسلاميين نُشِر عام 2008؟ وكيف يساعدنا في فهم ما نعيشه اليوم في عام 2022؟

لقد حملت السنوات الماضية ملايين الحكايات من القاهرة التي لا تنام، وهي بالطبع حكايات لا تسجلها كُتب الاجتماع السياسي، ولا ترصدها تحليلات الوضع الاقتصادي. فكتب السياسة والاقتصاد والاجتماع، وحتى التاريخ، ترقب في الغالب الأحداث الكبرى حتى تكاد تتلاشى بداخلها التفاصيل الصغيرة المميزة للواقع المَعيش، وتختفي في ثناياها ملامح الحياة اليومية، وتغيب بداخلها أصوات المهمشين. بيد أن علماء الاجتماع والمتخصصين في عمليات التغيُّر الاجتماعي يُخبروننا أن المجريات اليومية هي محور الاجتماع السياسي، وهي حقيقة أخبرنا بها عمليا الربيع العربي. ولذا، من المؤكد أن السنوات الماضية وما طوته من أحداث ينبغي أن تُنقل وتُبرَز تفاصيلها من بين الأحداث الكبرى.

ثمة أمر أهم يُكسب مثل هذا النص قيمته، وهو أن فهم الواقع المصري حاليا مرتبط بفهم التفاصيل الصغيرة التي يحكيها، فهو نص ينتمي إلى الواقع أكثر من الماضي، والأسماء الواردة فيه صارت من الفواعل البارزة بعد الثورة مباشرة، وممن لهم حضور حتى يومنا هذا، وسيتحوَّلون من محتجين متحدين ضد نظام مبارك عبر المدوَّنات إلى ثوار وسياسيين وخصوم وصحافيين ورؤساء أحزاب ونواب برلمان ومعتلقين ومرشحين للرئاسة.

الاحتجاج والتدوين

إذا أردنا أن نصف حالة الاجتماع السياسي في مصر قبيل نهاية حكم مبارك في لفظة واحدة، فلن نجد أفضل من لفظة “الضغط المكبوت” الذي انتهى بالانفجار في ثورة يناير، وقد حفظ لنا أرشيف الصحف المصرية آلاف العناوين التي يمكننا أن نستشف منها هذا الضغط في الشارع المصري آنذاك. وإذا أردنا أن نختصر النبض السياسي لهذه الحقبة في لفظة واحدة فستكون كلمة “الاحتجاج” هي الوصف الأمثل لما حدث وقتها. لقد كان الاحتجاج السمة الظاهرة لهذه الفترة، ولم يكد يمر شهر إلا ونشب احتجاج جديد. وشملت الاحتجاجات عامة طبقات المجتمع، بداية من كبار موظفي الدولة مثل القضاة وأساتذة الجامعات، ونهاية بالحركات الطلابية وانتفاضات العمال. واكتسب الشارع المصري في ذلك الزمان مفردات ترسخت في قاموسه، ونشأت حركات يسارية وليبرالية على هامش هذا الغضب المكبوت، وأخذت الحركات طابع “اللا حزبية” إلى حدٍّ كبير، فعرف الناس في ذلك الوقت أسماء مثل حركة “كفاية”، وشباب “6 إبريل”، والحملة الشعبية من أجل التغيير، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية، ثم الجمعية الوطنية للتغيير.

إلى جانب هذه الأسماء أتى النشاط الأكبر في الشارع المصري من الإسلاميين، وكانت جماعة الإخوان المسلمين الممثل الرئيسي وربما الوحيد البارز في المشهد. فقد دخلت الجماعة إلى أتون السياسة بكل ما أوتيت من قوة بعدما حصلت على 88 مقعدا برلمانيا في الانتخابات التشريعية لعام 2005. لكن المُلاحظ في هذه الفترة أن التنسيق الشبابي كان أكثر فاعلية من تنسيق الجماعات، فعلا صوت الشباب حتى همَّش أحيانا أصوات الكيانات الكبرى. وقد حصل تقارب حقيقي بين شباب الإخوان وشباب التيارات الأخرى حينئذ، وهو ما يكشفه هذا النص بالتفصيل. إن هذا التاريخ القريب كله غير منفصل عن واقعنا، ومن ثمَّ يستطيع القارئ أن يربط بين النص القديم والواقع الحديث بسهولة، فيرى إخوانيا يتحوَّل إلى ليبرالي، وسلفيا عازفا عن السياسة ومنكرا على الإخواني سياسته يتحوَّل إلى ممثل برلماني لحزب سلفي، ويساريا مناضلا ضد القمع في عهد مبارك ينقلب إلى أحد أركان تجميل نظام لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي عارضه.

كانت المدوَّنات الإلكترونية كلمة السرِّ وراء ذلك الحراك كله، إذ مَثَّلت المُتنفَّس الحقيقي للشباب الفاعل وقتها من مختلف التيارات الفكرية. ورغم التضييق والاعتقال الذي مارسته السلطات على المدونين في ذلك الوقت، فإن حيز الحرية كان أكبر بكثير من هذه المضايقات. وقد عرفت مصر ظاهرة المدوَّنات الإلكترونية مع مطلع الألفية، وتنامى مستخدموها نموا ملحوظا حتى وصل عدد المدوَّنات قبيل الثورة إلى 200 ألف مدونة، مما يعني أن المدوَّنات كانت ملء السمع والبصر حتى عدَّها البعض من عوامل التثوير قبيل ثورة يناير، مع ملاحظة أن عامة المدونين كانوا دون الثلاثين عاما آنذاك. وغلب على مستخدمي المدوَّنات السياسية الاتجاه الليبرالي واليساري والكتابة بالإنجليزية في بادئ الأمر، ولكن سرعان ما دخل شباب الإسلاميين إلى الساحة، وشكَّلوا ظاهرة كبرى عُرفت بـ “مدوَّنات شباب الإسلاميين”.

سيجد المُدقِّق أن لفظة “الإسلاميين” هنا تكاد تكون مقصورة على “شباب الإخوان المسلميين”، ولذا أُطلق على هذه المدوَّنات أحيانا مدوَّنات شباب الإخوان. فقد كان لشباب التيار السلفي قنوات معرفية أخرى انخرطوا فيها بعيدا عن السياسة والفعل السياسي، من شبكات العلماء إلى نشاطاتهم على المنتديات الإلكترونية إلى المناظرات الدينية للرد على المخالفين. ولم تكن العلاقة في المجمل جيدة بين شباب الإخوان وشباب السلفيين حينئذ لاختلاف التوجُّهات والرؤى الدينية، فضلا عن تباين أولويات العمل المجتمعي فيما بينهما، وكان العداء على أشده بين المُنظَّمين من السلفيين (سلفية الإسكندرية بالأخص) والإخوان، إذ رأى كلٌّ منهما ضمنيا أن الآخر خطر عليه. وهو ما ظهر صراحة بعد الثورة، وكان لهذه النفسية القديمة دورها لاحقا في الاختيارات السياسية، خاصة بعد إطاحة الجيش بحكم مرسي منتصف عام 2013.

الإسلاميون يشتبكون والأزهر ينزوي

انتعش دور الأزهر في مصر بعد الثورة، بيد أنه لم يكد يُسمع له صوت بوصفه فاعلاً حقيقياً قبل الثورة بعقدين أو ثلاثة على الأقل إلا عن طريق آحاد العلماء المؤثرين في العامة. فقد نظر أغلب المدونين إليه نظرة ريبة في ظل اصطفافه المُعتاد مع السلطة، وهاجموا شيخه في ذلك الوقت “محمد حسين طنطاوي”، وهاجموا رئيس جامعة الأزهر حينئذ الشيخ “أحمد الطيب”، كما رصدت “لوبين” في دراستها. تجعلنا هذه الحقائق نتساءل عن العبارة القائلة إن الإسلاميين هم مَن أقصى الأزهر عن المشهد العام، وبثوا في الناس روح “التشدد الديني”، وكأن الأزهر كان بخير وعافية في أدواره المجتمعية قبل ذلك، وظهر التيار الإسلامي فجأة ليسحب البساط من تحت قدميه.

يُمكِن لأي مُتابع للشأن العام أن يرى أن الأزهر هو الذي انزوى بنفسه عن المجتمع وقضاياه قبل 2011، واختط لنفسه طريقا منسجما مع المزاج السياسي حتى انفض كثيرون عنه. هذا وكتب كبار المفكرين المشتغلين بالشأن العام عن هذه الظاهرة قبل الثورة ونقدوها. وقد حاولت الجماعات الدينية -لا سيما الإخوان- أن تُوجِد لنفسها موطئ قدم أو قناة اتصال بالأزهر. ومهما كانت أوجه القصور الديني أو الفكري لما يُسمى بالتيار الإسلامي، فتبقى أجل حسناته المُحافظة على جذوة التديُّن في نفوس الشباب، واستبقاء الحس الديني المتصل بقضايا المسلمين بعدما غاب دور المؤسسة الدينية الرسمية. ومثل هذه الظواهر لا تسردها كتب التاريخ السياسي، وإنما يُجليها نص مثل الذي نضعه بين يدي القارئ.

إن المتابع للحالة الإسلامية بعد الثورة لا تُخطئ عينه أن نزعة “لبرلة” دخلت على كثير من شباب الإسلاميين، وانتشرت بين جيل المدوَّنات، الذين صاروا لاحقا في مواقع مؤثرة بالمجال العام العربي. كما مال جيل المدوَّنات هذا إلى التيار الإصلاحي، وهو أحد جناحي الإخوان آنذاك. وقد كان لهذا التقارب بين جيل المدونين والتيار الإصلاحي انعكاساته فيما بعد، فقد التف أكثرهم بعد الثورة حول الشخصية الأهم لجيل الإصلاحيين حين انشق عن الإخوان، وهو “عبد المنعم أبو الفتوح” وحزبه “مصر القوية”، بما حاول أن يُمثِّله من تيار رئيسي بين الإسلاميين والتيارات الأخرى، وإن لم تنجح محاولته في أرض الواقع.

يطرح النص أسئلة أخرى كثيرة في قضايا متعددة مثل حراك الإسلاميين الدعوي وعلاقته بالسياسي، وآليات فهم الشريعة والتعاطي معها، وموقع المرأة في الأحزاب الإسلامية. ويكشف اللثام عن التباينات الفكرية بين أعضاء التيار الواحد، بل وضمن أعضاء الجماعة الواحدة، وهو ما لا يظهر إلا لمَن اقترب من المشهد بدقة. كما يُبيِّن شيئا من الركاكة الفكرية التي اتَّسم بها شباب المدوَّنات في هذه الفترة، إذ انغمسوا في الحركة ولم يتناولوا التنظير إلا بصورة رخوة. وقد حضرت هذه الأسئلة بكثافة بعد الثورة والاشتباكات العنيفة التي وجد الإسلاميون أنفسهم طرفا فيها دون أن يكون لديهم إجابة عنها. والآن، بعد نهاية عصر المدوَّنات، وبعد الثورات والثورات المضادة؛ تزيد أهمية هذا النص الذي نشرته الكاتبة عام 2008 وتوجَّهت به للقارئ الألماني، ونحن الآن نقرؤه بالعربية بعد خمسة عشر عاما، ليس بعين القارئ الألماني، بل بعين العربي الذي شاهد الأحداث وعاصرها ويحاول الاستفادة من هذه التجارب.

شباب الإسلاميين.. أصوات ناقدة للتنظيم

بنهاية عام 2005 ظهرت أوائل المدوَّنات الإلكترونية للإخوان المسلمين. وكان الإخوان أكثر استخداما بالفعل للإنترنت من أي حزب سياسي، بما في ذلك “الحزب الوطني الديمقراطي” الحاكم. وفي عام 2003 أسَّس الإخوان موقع “إخوان أونلاين”، الذي بات الموقع الرسمي للجماعة. وبعده بفترة وجيزة أطلقوا منتدى “ملتقى الإخوان”، والنسخة الإنجليزية من موقع “إخوان ويب”. وبحلول انتخابات 2005 امتلكت الجماعة موقعا إلكترونيا لكل دائرة انتخابية تقريبا. ثم أتت في سبتمبر/أيلول 2008 النسخة التجريبية من موقع “إخوان ويكي”، وهو موقع للأرشفة الإلكترونية على شاكلة ويكيبيديا ركَّز على تاريخ الإخوان وأهم شخصياتهم. وقد اتخذ العديد من مدوني شباب الإخوان أسماء مستعارة أفصحت عن انتمائهم إلى الإخوان، مثل “ابن أخ” أو “شباب الإخوان”، وعبَّرت كذلك عن مشاعر الشباب الإسلامي في مصر حينئذ، مثل “تعالوا نحلم” و”البلد بلدنا”، وكشف بعضها عن حالة تمرُّد واستحقاق للحرية، مثل “بوابة الحرية” و”أنا حر”.

كان عامة مدوِّني الإسلاميين في ذلك الوقت بين العشرين والثلاثين عاما، وكانوا إما طلابا جامعيين أو باحثين شبابا أو صحافيين أو أطباء أو مهندسين أو تجارا ورجال أعمال، وقد نشأ جميعهم تحت نظام مبارك، ونشطوا في صفوف الحركة الطلابية. وفي الجامعات، كانوا أصحاب تجربة في انتخابات الاتحادات الطلابية، وتدخَّلت الأجهزة الأمنية بالتزوير لصالح الطلاب الموالين للنظام ضدهم. أما الطلاب المعارضون للنظام مُعارضة صريحة، ففُصِلوا من الجامعات، بل واعتُقلوا ونُكِّل بهم أحيانا(2).

لقد تحدَّث الطلاب وشباب الإسلاميين في السنوات السابقة للثورة في مدوَّناتهم عن أصدقائهم وعن الحراك السياسي في مصر، وكتبوا أشعار الغزل، وتدبروا علاقاتهم مع الله، وتجادلوا حول الأحداث السياسية، وتضامنوا في مواجهة الاعتقال السياسي، ووصفوا آمالهم ومخاوفهم حيال الوضع العام في مصر آنذاك. وأتت نظرة شباب الإسلاميين للواقع أكثر نقدا وأكثر تميزا وأكثر انفتاحا على العالم بالمقارنة مع قياداتهم من الأجيال الأكبر سِنًّا. وعبَّر عن ذلك المهندس “أحمد” في مدوَّنته “إخواني أخواتي” قائلا: “أنا مسافر في رحلة البحث عن الحقيقة. أنا إنسان يبحث عن معنى الإنسانية في الإنسان”. سعى هؤلاء الشباب إذن نحو فردانية تُوافق معتقدات الإسلاميين والمجتمع المحيط بهم.

كما بحث مدوِّنو الإسلاميين عن وعي جديد بذواتهم، فطالبوا بالتفكير النقدي تجاه سياسات الجماعة. فقد كتب “مجدي سعد” صاحب مدونة “يلا مش مهم” في إبريل/نيسان 2007 مقالة بعنوان: “علِّموا أنفسكم التمرد والدهشة ورمي الأحجار”(3). وأثار المقال نقاشا جدليا كبيرا، حيث عارض مجدي التراتبية الداخلية المتوارثة في الجماعة وتقوقعها عن المجتمع، مجادلا أن الجماعة التي ترضخ للروتين وتقاوم النقد الداخلي لا يمكنها أن تتطور، وأن على الإخوان أن يتحلوا بالشجاعة الأدبية ويُعبِّروا عن هذا النقد. ويدعو مجدي في الوقت نفسه إلى إبقاء الاحترام المتبادل والروح الأخوية بين الإخوة. وطالب “مجدي” أيضا بالمزيد من الانفتاح: “علينا أن نتعلَّم أن نندهش أن نفتح أعيننا على الأفكار ونتحمَّس لها. وهذا سيحدث فقط إذا تعلَّمنا أن نستمع للآراء المختلفة عنا. في هذا الأسبوع هناك واجب عملي بأن تتحاور مع شخص تعلم يقينا أنه على قناعات مختلفة عن قناعاتك. وعليك أن تندهش، ويمكنك أن تغضب، لكن عليك أن تسمع وتفهم وتحاول أن تجد شيئا مشتركا بينكما”.

مسوَّدة حزب الإخوان

في أغسطس/آب 2007، أرسلت قيادة الإخوان المسلمين مسوَّدة برنامج حزبهم المقترح آنذاك إلى خمسين مفكرا مصريا، طلبا لإبداء آرائهم في المسوَّدة. ولم يكن غرض الإخوان من هذه الخطوة تعزيز شفافيتهم القانونية في المجال العام فحسب، وإنما أرادوا أيضا الحصول على شرعية ضمنية من القوى المجتمعية، حتى لا يُحال بينهم وبين التمثيل الحزبي من قِبَل سلطة غير ديمقراطية. وفي ربيع العام نفسه، أجرت الحكومة تعديلات دستورية منعت بموجبها تكوين الأحزاب على أساس ديني. ولم يصطدم برنامج حزب الإخوان بنقد مفكرين يساريين وليبراليين فقط، حيث كتب الصحافي الإخواني “عبد المنعم محمود”، وأكثر المدونين الإخوان إثارة للجدل الداخلي، اعتراضات على البرنامج، منها رغبة الجماعة بإنشاء لجنة من علماء الشريعة يحق لها تقرير ما إذا كان هذا القانون أو ذاك موافقا للشريعة. ورأى “عبد المنعم” أن هذا الأمر يتعارض مع مبدأ سيادة الشعب، فلماذا أصلا هذا الطرح ونحن نُعلن ليل نهار أننا نؤمن بحق الأمة في مراجعة الحاكم وأن الشعب هو مصدر السلطات(4). كما اعترض “عبد المنعم” على البرنامج الذي نصَّ من جهة على مدنية الدولة، التي تعني مساواة جميع المواطنين، لكنه من جهة أخرى رفض تولي غير المسلمين للرئاسة.

في السياق ذاته، كتب “نجم الدين عزام”(5)، عضو اللجنة السياسية للإخوان في بريد القراء لمدونة “أمواج التغيير” آراء نقدية لمسوَّدة الحزب، ومنها أن المسوَّدة صاغها عدد محدود من النخبة السياسية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي أدلى فيها عضو في اللجنة السياسية بتصريحات نقدية، رغم أن اللجنة من المفترض أن تُمثِّل القلب السياسي للإخوان. وطالب عزام أيضا بالتزامات أوضح حيال البنوك والسياحة، فاقترح المرشد “محمد مهدي عاكف” بأن يلتزم السياح الأجانب بالدين الإسلامي وأخلاقياته. وبحسب “عزام”، فإن مثل هذا التصريح “هراء” سيضُر بالسياحة (التي تترتَّب عليها مئات آلاف فرص العمل سنويا).

رأى “عزام” أن من الكارثي أيضا انتقاد الإخوان للأداء الحكومي في مشاريع الإصلاح الاجتماعي، مثل مشاريع تنظيم الأسرة وتولية المرأة للقضاء والجدل المجتمعي حول ختان النساء، دون أن يتخذ الإخوان مبادرات مجتمعية إيجابية في الملفات ذاتها. وفيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي، كتب “عزام” أن على الإخوان أن يُفرِّقوا بوضوح بين اليهودية والصهيونية، قائلا: “نحن ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، لكننا لسنا ضد أتباع الديانة اليهودية”(6). ودعا “عزام” إلى خطاب مختلف تجاه الغرب، وإلى التزام واضح من الجماعة تجاه جميع المعاهدات والمواثيق الدولية التي أقرَّتها مصر.

أدى نقاش المدونين الإسلاميين حول مسوَّدة حزب الإخوان إلى المزيد من التفكير في فهم الإسلام ذاته، وطريقة الإخوان في فهم الشريعة، ومَن مِن التيارات الفكرية المختلفة داخل الجماعة وقف وراء محتوى هذا البرنامج المتناقض للحزب، وماذا نعني بكلمة “الشريعة”. وإذا أسس الإخوان حزبا بالفعل، فما شكل العلاقة التي ستكون بين الحزب والجماعة، وكيف ستكون العلاقة بين الدعوة والسياسة، وكيف يتصرف الإخوان إذا كان ثمة مطلب سياسي عليهم أن يتخذوه ببراغماتية لكنه يتعارض مع أصل شرعي. ويرى “عبد المنعم محمود” و”نجم الدين عزام” أن ثمة مقاومة كبيرة من كوادر الأقاليم الوسيطة داخل الجماعة تَحُول دون الانفتاح السياسي. وتعكس معارضة الانفتاح هذه نقاء سلوك الإخوة، لكنها في الوقت نفسه تُمثِّل ضعفا في الوعي السياسي، فلا يُدرك هؤلاء طبيعة الدولة المدنية الحديثة، ولا يستوعبون كيف تُشكَّل التكتلات السياسية.

إصلاحيون ومحافظون

يبرُز هُنا نموذج “إبراهيم الزعفراني”، الطبيب السكندري وأحد القادة الإصلاحيين في الجماعة، الذي دفع بزوجته “جيهان الحلفاوي” لتكون أول أخت من الأخوات تترشح لمقعد برلماني في مجلس الشعب في انتخابات 2000. والزعفراني (58 عاما آنذاك)، واحد من المدوِّنين القلائل الذين أتوا من الجيل الأكبر في الجماعة، وكتب في مدونته “مدونة الزعفراني”(7) ما مفاده أن ثمَّة مدرستين داخل الإخوان منذ حسن البنا. المدرسة الأولى تريد أن تنفتح على المجتمع، وتتعاون مع القوى المجتمعية الأخرى، والممثل الأهم لهذا التيار هو المرشد الثالث للإخوان المسلمين “عمر التلمساني”، الذي اهتم بإعادة اندماج الجماعة مرة أخرى في المجتمع المصري أثناء عصر السادات. أما الجناح الثاني ففيه تمسك بالأصولية الإسلامية، مع ولاء غير مشروط لأعضاء الجماعة، واستعداد دائم للتضحية، ونزوع للانزواء عن المجتمع. والممثل الأهم لهذا التيار هو “مصطفى مشهور”، الذي قاد الجماعة في التسعينيات، وكان في شبابه أحد قادة الجهاز السري للجماعة(8).

تتصل المرونة السياسية لجماعة ذات مرجعية إسلامية بالضرورة بسؤال المرجعية ذاته. وفي حوار صحافي أجراه المدوِّنان “عبد المنعم محمود” و”إسلام لطفي” مع أستاذ الفقه “عبد المجيد صبح”، انتقد “صبح” استخدام الكثير من المسلمين للنصوص الشرعية (بما فيها النصوص القرآنية) دون تدبُّر لما وراءها(9)، حيث تُبنى السياسة الإسلامية على الحق والعدل. ولذا، فمصر ليست دولة إسلامية كاملة على حد قوله، لأنها لم تلتزم بهذين المبدأين. أما المدون “محمد حمزة”، فقد طالَب في مدونته “واحد من الإخوان”(10) بأن يكون “فقه المقاصد” نقطة الانطلاق لتفسير السياسة الشرعية. وفقه المقاصد هو منهج الفقه السياسي في الإسلام، الذي يقف مع كليات الوحي الوسطية من حفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال. واقترح حمزة أن يُضاف إلى هذه الكليات الخمس، كُلية سادسة هي “حفظ الحرية”، وبهذا تكون هناك مساحة مرنة وفعالة في تفسير الشريعة، حيث لا يُمكِن للشريعة أن تُفرض على الأمة، فالقرآن ليس فيه إجبار على اعتقاد بعينه، وإنما مبادئ للشريعة فحسب يمكن للأمة أن تختارها مرجعية لها.

فيما يتعلَّق بمرجعية المؤسسة الدينية التقليدية، غلب سوء الظن تجاهها بين المدونين، وخاصة بعد حضور شيخ الأزهر “سيد طنطاوي” احتفال عيد الفطر مع الرئيس عام 2007، ومطالبته بتطبيق حد القذف على الصحفيين وجلدهم(11). وقد طرحت “شذا عصام”، صاحبة مدونة “مولوتوف”، استبانة في مدونتها سألت فيها: “من أي سلطة (دينية) تستمدون شرعية أفعالكم؟”، وقد أجاب نصف القراء بأنهم يستفتون قلوبهم، وقال 40% إنهم يسترشدون بفتاوى المواقع الإلكترونية أو برامج الفتوى التلفزيونية، في حين قال 10% فقط إنهم يعتمدون على دار الإفتاء، المؤسسة المسؤولة بالفعل عن الفتوى في مصر.

الإسلاميون والآخرون

شارك مدوِّنو الإسلاميين في الأنشطة والفعاليات التي أقامها شباب الحركات الأخرى، مثل حركة “كفاية” والمؤتمرات السنوية المناهضة للعولمة وكذلك فعاليات منظمات حقوق الإنسان. فقد سافرت “مروة”، صاحبة مدونة “حرية”، مع قافلة تضامنية في ديسمبر/كانون الأول 2007 لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وإيصال المساعدات عبر الحدود المصرية. وكتبت “مروة” عن موكب القافلة أنه “في مجمله تماما كالوطن، تجد فيه اليساري والإخواني والناصري، وتجد فيه أعضاء آخرين في الجبهة (الديمقراطية) أو في (حركة) كفاية، وتختفي بيننا الفروق والاتجاهات ويعلو صوت الهدف الواحد الذي اتفقنا عليه، والحلم الذي حملناه سويا في رحلتنا، حلم كسر الحصار عن غزة. رأيت في أتوبيسنا صورة مُصغَّرة لمصر. خليط متباين من الأفكار والاتجاهات والرؤى، لكنها كانت تحمل هدفا واحدا وطريقا واحدا جمعنا.. حلم الحرية للوطن العربي الأكبر وخاصة فلسطين، ومن قبله حلم الحرية لوطننا الأصغر مصر”.

ثم أضافت “مروة” عن الأجواء داخل الحافلة قائلة: “تشاركنا الفرحة والاستمتاع بالصحبة طوال الطريق، كما تشاركنا هم المنع ومرارة الظلم وقسوة البطش والقهر. في بداية الرحلة اشترك الجميع في الغناء، وأسمعنا البعض شعرا لأحمد مطر، تلتها أشعار لأحمد فؤاد نجم وأمل دنقل ومحمود درويش. نستمع قليلا لصوت عبد الحليم حافظ يغني للوطن، ثم نسمع شريط كاسيت يحمل أنشودة إسلامية، وهو خليط رغم اختلافه لم يشعرني لحظة بتنافره. لقد وقفنا بالساعات في الانتظار أمام كل نقطة تفتيش أمام عساكر الأمن وتلقينا ضرباته وصرخنا أمامه”.(12)

لطالما شهدت الحركة الطلابية في السبعينيات اشتباكات عنيفة استمرت طويلا بين اليسار والإسلاميين، لكن قبيل الثورة خيَّم شعور على الجميع بأن الشباب محروم من جميع حقوقه، وليس لديه أي آفاق مستقبلية. وقد حاول اليسار أن يصنع لنفسه بيتا سياسيا في حركة “كفاية”، أما الليبراليون فرأوا في مؤسس حزب الغد “أيمن نور” أملا جديدا، حتى أُدين “نور” بالسجن خمس سنوات في محاكمة صورية عقب ترشحه لانتخابات الرئاسة ضد مبارك. أما الناصريون فنقموا على الحزب الناصري وانشقوا ليؤسِّسوا حزبا جديدا هو “الكرامة”، الممنوع من الترخيص حتى 2011. وقد دفع هذا الشعور المشترك بالقلق نحو إعادة تعريف شباب الإخوان لأنفسهم، وإعادة النظر في علاقتهم بشباب القوى السياسة الأخرى.

في هذا الصدد كتب المدوَّن “محمد حمزة” على مدونته: “الليبراليون يتهمون الإخوان بأنهم يريدون نظاما شموليا. أما اليسار فيُصنِّفوننا كرجعيين، أما الإسلاميون فيرفضون أي شخص سواهم باعتباره علمانيا، وبدلا من الرفض المتبادل، فمن الأفضل أن نبحث عن المشتركات”. ومثل هذه المعاني لا تعني فقط، على حد قول “حمزة”، الاحترام المتبادل، ولكن تعني ضمنيا التبادل المُنظَّم للأفكار والفاعلية المشتركة كلما أمكن. فهناك العديد من نقاط التقاطع بين الإسلاميين والليبراليين، ولطالما دافع الليبراليون عن الهوية الإسلامية للبلاد. وهناك أيضا العديد من أوجه الشبه مع اليسار، لا سيما عندما يتعلق الأمر بقضية العدالة الاجتماعية. وهُنا نجد الناشط اليساري “محمد شريف” ينتقد قيادة حزب “التجمُّع” اليساري، ويصفه بأنه جعل من نفسه تابعا للحزب الوطني الحاكم بدافع كراهيته للإخوان.

وقد كتب “شريف” لمدونة “أمواج التغيير” بأن الإسلاميين ليسوا سبب الضعف الحالي لليسار كما ادَّعى حزب التجمُّع، وإنما سببه سياسات الحزب ذاته، التي بدأت منذ عقود الخضوع لمصالح الاتحاد السوفيتي، ثم تحالفت مع النظام الحالي. وعلى مدونة “أمواج التغيير”، المدونة الجماعية التي أدارها الإخوان الإصلاحيون، دعا “شريف” أيضا إلى “بناء يسار مستقل لا يعمل رهن إشارة النظام، وإنما يسار يضع يده في يد الإسلاميين، مثل حزب توده الإيراني، في تحالفات مشتركة: “وهذا يشمل التحالفات مع الإخوان المسلمين في محاربة قوانين الطوارئ، والتحالف من أجل انتخابات حرة، والتحالف ضد حملات الفساد في البلاد”، فالعداء الصريح من اليسار للإخوان المسلمين لن يخدم إلا النظام.

أظهر مدوِّنو الإخوان أيضا جدية كبيرة في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في قضية المدون “كريم عامر” الذي اختلف في الرأي عن الإخوان المسلمين. وقد حكمت عليه محكمة الإسكندرية في مارس/آذار 2007 بالسجن ثلاث سنوات لازدراء الإسلام والمساس بكرامة الرئيس(13). وبدلا من الدفاع عن الإسلام، انضم مدوِّنو الإخوان، ومواقع الجماعة الناطقة بالإنجليزية (مثل إسلام ويب)، إلى حملة التضامن مع “عامر”. وكتب “عبد المنعم محمود”، الذي احتُجز هو أيضا عدة أسابيع عام 2007 لنشاطه السياسي: “النظام لا يعنيه أمر الدين مطلقا لكي ينتفض مدافعا عنه، بل يعنيه خرس أي شخص يحاول أن يتكلم أو يُعبِّر عن آرائه.. أنا أختلف مع آراء عبد الكريم عامر، لكن لا أختلف أبدا على رفض التعامل الأمني معه ومعاقبته على آرائه الشخصية وإدانته لما سُمي ازدراء الرئيس”(14).

المرأة داخل الإخوان

“تمرُّد الأخوات المسلمات”، بهذا العنوان أثارت صحيفة الدستور الجدل بسبب رسالة وُجهت من إحدى الأخوات إلى المرشد “مهدي عاكف”، ونشرتها الدكتورة “رشا أحمد” في مدونة “أمواج التغيير” في نوفمبر/تشرين الثاني 2007(15). وقد دافعت صاحبة الرسالة ذاتها عن نفسها ضد هذا العنوان، وقالت إنها أرادت إصلاح الأوضاع الداخلية بصورة بنَّاءة، دون خوض معارك الجنسين. وقد بدأت رسالتها للمرشد بـ: “والدي المحترم، أنا واحدة من آلاف بناتك وأخواتك اللاتي يفتخرن بأنهن جزء من هذه الحركة المباركة”. ورغم ذلك تعرَّضت الأخت لانتقادات على مستويات مختلفة من داخل صفوف الأخوات المسلمات، وقالت في رسالتها: “يعرف كل فرد في الإخوان أنه لولا عمل الأخوات النشط لما كان الاكتساح الانتخابي عام 2005. ومع ذلك، فإن الأخوات المُسلمات مجرد قسم واحد من عدة أقسام داخل الجماعة، ولا يمكن للمرأة المشاركة في الانتخابات الداخلية للجماعة، ونحن مستبعدون من العمل في اللجان الهامة، مثل اللجنة السياسية، ولجنة العلاقات العامة، رغم وجود عدد من الأخوات المتخصصات اللاتي يتمتعن بسمعة علمية ممتازة داخل الإخوان”.

اشتكت الأخت أيضا من ضعف مستوى المواد التدريبية للأخوات مقارنة بمستوى دورات الإخوة، قائلة: “النتيجة هي أن العديد من لقاءاتنا لها طابع لقاءات ربات البيوت، حيث يتحدث الناس عن الأطفال والخضراوات، في حين أن الله وجَّه كلامه إلى النساء والرجال على حدٍّ سواء في القرآن. فعلى الإخوان إعداد المزيد من النساء في اللجان الهامة، حتى تصبح جماعة الإخوان نموذجا يُحتذى به في المجتمع وتبرهن عمليا أن المرأة شقيقة الرجل. يزيد الأمر أهمية خاصة مع النقاش حول برنامج الحزب، فعلينا أن نسأل أنفسنا: هل يجب أن يكون الحزب أيضا للرجال فقط؟”.

في مدونته “يلا مش مهم” كتب “مجدي سعد” عن حوار كاشف حول هذا الموضوع. ففي اجتماع لكوادر إخوانية سأل “مجدي” الجالس بجانبه عمَّن يُمثِّل في هذا الاجتماع، فأجاب أنه يُمثِّل الأخوات. وسأل “مجدي” مندهشا: “ألا يمكن للأخوات تمثيل أنفسهن؟!”، وأتت الإجابة مقتضبة: “مجدي، أنت تعرف الوضع الأمني”، ثم أكمل ثالث: “أنت تعلم جيدا ما يفعلونه بالسجناء السياسيين في المعتقلات، فتخيَّل أن يحصل هذا لإحدى الأخوات، هل تعتقد أن والدها أو أخاها أو زوجها سيجلس مسترخيا؟ أم أن هذا سيؤدي إلى حمام دم؟”.

لم يكتفِ “مجدي” بعرض الحُجة الأمنية، بل تساءل عن الوضع بعد أن تصبح الجماعة مُقنَّنة ولها مقرات ويمكنها عقد اجتماعات عامة دون قيود: “هل توافق على عقد اجتماعات مختلطة، وأن تكون امرأة مسؤولة لجنة، وهل ستستجيب لتوجيهاتها؟”، وإلى الأخوات: “هل تعتقدن أن الأخوات سيكُنَّ مستعدات ولديهن الجرأة للاندماج في الجماعة إذا عملن جنبا إلى جنب مع الرجال؟”. دعمت معظم التعليقات دورا أكبر للمرأة، ومع ذلك، فإن معظم التعليقات -وخاصة من الأخوات أكثر من الإخوة- رغبت في الاحتفاظ بكيانات منفصلة، وذلك بغض النظر عما إذا كان الإسلام يُبيح النشاطات المختلطة أم لا (والآراء حول هذا الموضوع جدلية للغاية)، خاصة أن تقاليد المجتمع المصري تَحُول دون هذا الاندماج.

لم تشارك كل المدوَّنات الإخوانية شباب الإخوان الإصلاحيين في انتقادهم للجماعة. ففي تعقيب محافظ (16) من الصيدلي “أحمد القبرصي” على مدونة “أمواج التغيير” سمَّاه “قبل أن يُغرقوا السفينة”، كتب أن على المدونين الكف عن الإضرار بصورة الجماعة والترويج للخلافات الداخلية وتسميم الأجواء الأخوية بذريعة النقد الذاتي. وقد دعم “محمد مرسي” المدوَّنات، وهو عضو مكتب الإرشاد آنذاك، وفي بيان تم تداوله على موقع “إخوان ويب” في سبتمبر/أيلول 2008 اعتبر فرضية الحمائم والصقور محاولة من قِبَل القوى المعادية للإسلام لتدمير الجماعة من الداخل.

في مايو/أيار 2008 تصاعد الخلاف بشأن انتخابات الإعادة لمكتب الإرشاد(17). وكتب “عبد المنعم محمود” في مدونته “أنا إخوان”، أن الجناح “المحافظ” استغل انتخابات الإعادة لتعزيز موقفه، وأن الانتخابات كانت تعيينات لا انتخابات. وتحدث عن تلاعب المحافظين في الانتخابات بثغرة غياب نائب المرشد المسؤول عن الشؤون التنظيمية، وهو “خيرت الشاطر” الذي كان يقضي في السجن حكما عسكريا بسبع سنوات في ذلك الوقت. وقد تم تداول اسم “خيرت الشاطر” بوصفه مرشدا محتملا للجماعة (لولا سجنه). وقد لقي “عبد المنعم” انتقادات من مدونين إصلاحيين عديدين، فقد رأوا إصلاح الجماعة وتقويتها من الداخل عبر النقد البناء.

في هذا النص الذي كُتِب عام 2007، يبدو جليا التجاذب حيال انخراط الإخوان المفتوح من عدمه في صفوف المعارضة السياسية المتنامية قبل 2011، وحماسها من عدمه للأفكار الإصلاحية المنتشرة بين الشباب على خلفية التداول الأوسع للأفكار الليبرالية والاشتراكية، وعزوفها عن إجراء إصلاحات حقيقية في بنية التنظيم الصلبة، وردود أفعال جيل جديد من الشباب النشط فكريا وحركيا على جمود التنظيم، والتناقضات التي رسمت ملامح التنظيم منذ السبعينيات بين جناح “العمل العام” الإصلاحي الذي ضمَّه التلمساني إلى الجماعة بعد 1976، والجناح المحافظ الذي تصدَّره صقور “التنظيم الخاص” المُفرَج عنهم من السجون. تبدو تلك الجدليات قادمة من زمن بعيد، بيد أنها سرعان ما انفتحت على مصراعيها، ورسمت مسارات اصطدام الشعب بنظام مبارك، ثم التيارات السياسية بعضها ببعض، وشباب الإخوان بقياداتهم بين 2011 و2013.

لا تزال أصداء تلك الأحداث سارية المفعول حتى يومنا هذا داخل التنظيم الذي لعله يعاني انقسامات أكثر من أي وقت مضى، ولا يزال المؤمنون به في انتظار إصلاح حقيقي وظهور قيادات جديدة من جيل شباب الثورة داخل التنظيم، أما مَن كفروا بالتنظيم فلا تزيدهم انقسامات الحاضر وإخفاقات الماضي إلا إيمانا بأن العصر الذهبي للإخوان قد انتهى، وأن جيل المدوَّنات وخروج جيل “العمل العام” وما تلاهما من أحداث كبرى كتب تدريجيا نهاية التنظيم الصلب، ومن ثمَّ فتح الباب على مصراعيه لتنظيمات وأحزاب إسلامية جديدة ستُعيد رسم ملامح الإسلام السياسي في السنوات والعقود القادمة.

————————————————————-

المصادر

1- باحثة ألمانية متخصصة في الحركات الإسلامية والحراك السياسي في الشرق الأوسط، درست الاقتصاد والسياسة واللغة العربية في جامعات “بامبرج” و”بِرن” و”دمشق”، وعملت صحفية مستقلة بالقاهرة في الفترة من 1990 إلى 2004. ركزت أعمالها على الإسلاميين والسياسة في الشرق الأوسط ومصر خاصة، وعملت باحثة في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة “ماربورج”، وتولت العمل على عدة مشاريع حول الإسلاميين والسياسة. وقد نُشرت الورقة التي نحن بصددها في العدد الخامس والخمسين من مجلة INAMO التي كانت تصدر بالألمانية حتى عام 2009 وركَّزت على الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وقد خُصص هذا العدد للحديث عن الاحتجاجات والأوضاع السياسية في مصر في هذه الفترة.

2- في هذه الفترة كانت المواجهة بين الحركة الطلابية الإسلامية والأجهزة الأمنية على أشدها في الجامعات، كما شهدت ما عُرف بانتخابات الظل، وهي انتخابات طلابية حُرة نظَّمها طلاب الإسلاميين عوضا عن الانتخابات الرسمية التي حُرموا منها.

3- نص التدوينة.

4- رابط المدونة.

5- لم أتعرف على هويته.

6- حُذفت مدونة “أمواج التغيير” من على الإنترنت، فليس هناك سبيل إلى الإحالة إليها، وقد كانت مدونة إخوانية متنوعة يحررها مصطفى النجار عندما كان ضمن شباب الإخوان.

7- لم أجدها على الإنترنت، وقد كان الزعفراني مثالا فريدا في الالتحام بشباب المدوَّنات في ذلك الوقت، كما كان له حراك شخصي كبير بينهم، فضلا عن دوره في النقابة. وقد أشار إلى هذا الدور موقع إخوان أونلاين تحت عنوان: قطار المدوَّنات الذي يسعى الكبار للحاق به، الحرية في عالم الديجيتال. وقد كان من مؤسسي مدونة “يالا نفضحهم” أيضا، ومؤخرا كتب الزعفراني شيئا من مذكراته وجُمعت تحت هذا الرابط بعنوان “حكايات الزعفراني”.

8- هذه السردية رائجة للغاية، وهي أساس ما يُعرف داخل الإخوان بجناحي الإصلاحيين والمحافظين، ويُعَدُّ التلمساني كلمة السر في ضم شباب الإصلاحيين إلى الجماعة، وقد كتب حولها كثير من المذكرات والشهادات.

9- نص كلام صبح.

10- رابط المدونة.

11- كانت هذه الواقعة مشهورة، وقد طالب الشيخ طنطاوي بهذا الأمر بعدما نشر عدد من الصحفيين أخبارا تفيد مرض الرئيس مبارك وقتها، ونشبت معركة على غرار ذلك بين شيخ الأزهر وبين الصحفيين. والعجيب أن أول مطالبة من الشيخ لإقامة الحد [هذا إن كان ما قالوه يستوجب الحد] كانت مطالبة بإقامة الحد على المخالفين للسلطة حصرا.

12- لمراجعة التدوينة كاملة، هنا.

13- كانت له قصة شهيرة بعد أحداث مسرحية محرم بك، التي كادت أن تكون فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين.

14- رابط التدوينة.

15- لم أقف على نص هذه الرسالة، لكن وقفت على بعض ما نُشر في الصحف حولها، وهذا نص أحد ما ورد في جريدة الدستور وكتبه عبد المنعم محمود.

16- كانت هناك ردود من تيار الإخوان المحافظ معارضة لظاهرة المدوَّنات، وأشهر هذه الردود أتت من “علي عبد الفتاح” -القيادي الوسيط في الجماعة والمقرب من جناح “محمود حسين” الآن- في نقد هؤلاء الشباب بمقال على موقع إخوان أونلاين سمَّاه “الإسلام مرجعيتنا”، ثم رد عليه بعض المدونين من الإخوان، حتى حذف الموقع مقال عبد الفتاح.

17- كانت الانتخابات حدثاً مفصلياً، فلم يُرد “مهدي عاكف” الترشح لفترة أخرى، وأتى بعده “محمد بديع”، مع تكهُّنات بالتزوير والتحايل.

المصدر: الجزيرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى