عاودت قوات النظام السوري التصعيد باتجاه البلدات التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة في ريف إدلب شمال غربي سورية، في خطوة تهدف إلى إبقاء الشمال السوري، الذي يضم ملايين المدنيين، جلهم من النازحين، بحالة عدم استقرار في سياق الضغط على تركيا.
وقصفت قوات النظام بالمدفعية، أمس الثلاثاء، بلدتي بينين وكنصفرة ومحيط بلدة كدورة بريف إدلب الجنوبي، بعد يوم من تصعيد مماثل شمل العديد من القرى والبلدات في هذا الريف، الذي يعد نقطة التماس الرئيسية بين فصائل المعارضة السورية وهذه القوات. كما طاول القصف المدفعي بلدتي مكلبيس وبلنتا في ريف حلب الغربي.
تصعيد متواصل من قبل النظام
وذكر الدفاع المدني في محافظة إدلب، في تقرير أمس الثلاثاء، أن شمال غربي سورية يشهد تصعيداً متواصلاً من قبل قوات النظام وروسيا والمليشيات الموالية لهما. وذكر أن القصف المدفعي والصاروخي استهدف منشآت مدنية ومنازل مدنيين في ريفي إدلب وحلب، ما أدى إلى وقوع ضحايا بين المدنيين.
وأشار إلى مقتل امرأة، أمس الأول الإثنين، بقصف صاروخي مصدره المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، استهدف أطراف مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي.
كما استهدفت قوات النظام بالصواريخ مزرعة لتربية الدواجن يقطنها نازحون على أطراف مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، ما أدى لدمار جزئي في الأبنية المستهدفة، وفق الدفاع المدني، الذي أشار إلى أن التصعيد “يأتي استمراراً لسياسة ممنهجة باستهداف المدنيين وضرب عوامل الاستقرار”.
وأشار النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم فصائل المعارضة في إدلب، إلى أن “عصابات الأسد والمليشيات الطائفية مستمرة في استهداف المدنيين، وخاصة في المناطق القريبة من الجبهات في ريفي إدلب وحلب”.
وقال، لـ”العربي الجديد”، إن “هذا الاستهداف سياسة إجرامية ممنهجة من قبل النظام والاحتلال الروسي والمليشيات الإيرانية. إنهم يستهدفون المدنيين تحديداً، ومجزرة جسر الشغور (وقعت فجر الجمعة الماضي وأدت إلى مقتل عدة أطفال) دليل على ذلك”.
الفصائل ترفع جهوزيتها القتالية
وأشار إلى أن “كل السيناريوهات محتملة في شمال غربي سورية”، مضيفاً: نحن كفصائل ثورية رفعنا الجاهزية القتالية على كل المحاور والجبهات استعداداً لكل الاحتمالات. عملية الردع الفوري مستمرة على مواقع العدو التي تستهدف المدنيين في المناطق المحررة.
إلى ذلك، أحصى “الدفاع المدني السوري” 227 هجوماً من قبل قوات النظام وروسيا والمليشيات الموالية لهما، بين بداية العام الحالي و25 يوليو/ تموز الحالي، موضحاً أن تلك الهجمات أدت إلى مقتل 33 مدنياً، بينهم 12 طفلاً، إلى جانب إصابة 65 آخرين، بينهم 24 طفلاً.
ويعكس التصعيد الحاصل من قبل النظام والجانب الروسي الخلاف بين أنقرة وموسكو حول العديد من الملفات الخاصة بالشمال السوري، وخاصة أن هذا التصعيد أعقب القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء إيران وتركيا وروسيا في طهران مؤخراً، والتي كما يبدو لم تفض إلى تفاهمات ترضي جميع الأطراف إزاء مجمل الأوضاع في الشمال السوري.
تمسك أنقرة وموسكو بتفاهماتهما
لكن التصعيد الحالي لا يشي بأن المنطقة مقبلة على عمليات عسكرية واسعة النطاق، لأن ذلك سينسف التفاهمات الروسية التركية التي تحكم المنطقة منذ مارس/ آذار 2020، والتي كما يبدو لا تريد أنقرة وموسكو انهيارها في الوقت الراهن. وكان الجانبان الروسي والتركي توصلا لاتفاق موسكو في ذلك العام، عقب تصعيد كبير أدى إلى سيطرة قوات النظام على مساحات كبيرة من أرياف حماة وحلب وإدلب.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مقابلة مع قناة “تي آر تي” الحكومية التركية، أمس الأول الإثنين، أنه تشاور بالتفصيل مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، حول الجوانب المختلفة للصراع السوري في إطار قمة أستانة الأخيرة، مؤكداً “الأهمية البالغة لمسار أستانة ولاستمرار التنسيق والتعاون بينهم من أجل الحل السياسي هناك”.
وقال إن “مكافحة الإرهاب كانت على رأس المواضيع التي تم بحثها خلال زيارته الأخيرة لإيران”، مضيفاً: “أصبحت سورية بؤرة للتنظيمات الإرهابية، لذلك على إيران وروسيا اتخاذ موقف حيال سورية، وخاصة في غربي وشرقي الفرات، حيث أن تنظيم واي بي جي (الوحدات الكردية)/ بي كي كي (حزب العمال الكردستاني) يواصل هجماته على المدنيين وبلدنا، ونقلت لبوتين ورئيسي، خلال القمة، تصميمنا على مكافحته”.
وأشار النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، وهو باحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “التصعيد العسكري لم يتوقف منذ الاتفاق التركي الروسي في موسكو عام 2020″، معرباً عن اعتقاده بأن “هدف التصعيد الحالي مواصلة الضغط على تركيا.
ضغط على تركيا عبر اللاجئين
وأضاف: النظام وروسيا يركزان بالتصعيد على القرى التي تقع بالقرب من خطوط التماس في أرياف إدلب وحماة وحلب، ما يدفع سكانها لتركها والتوجه إلى الحدود مع تركيا، وهذا يشكل عامل ضغط على تركيا، بالتزامن مع تصاعد مشكلة اللاجئين والتي تعمل المعارضة التركية على إثارتها.
ورأى حوراني أنه “لا تلوح في الأفق مؤشرات من روسيا والنظام لتطوير هذا التصعيد لعمل عسكري واسع النطاق، وإشعال الجبهات”. وقال: لدى فصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية القدرة على إفشال كل محاولات التسلل باتجاه المنطقة وإيقاع خسائر بشرية ومادية في صفوف المليشيات التابعة للنظام، التي تعاني أصلاً من ترهل في أداءها العسكري بسبب مهامها المتعددة، سواء في البادية مقابل تنظيم “داعش”، أو درعا، أو في منطقة شرق الفرات.
وفي السياق، أعرب المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق عن اعتقاده أن التصعيد الحاصل في إدلب “هو نتاج عدم التوافق بين تركيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى في مجمل الملف السوري، وحيال العملية العسكرية التي تنوي تركيا شنها في الشمال ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
التصعيد عبارة عن رسائل بين الأطراف
وأوضح، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “التصعيد على الأرض يسبق ويعقب قمم الثلاثي الضامن في سورية لتفاهمات مسار أستانة (تركيا، روسيا، إيران). ما يجري من تصعيد على الأرض رسائل بين الأطراف، وإدلب ليست منفصلة عن الملف السوري برمته”.
وتوقع أن يبقى الوضع في شمال غربي سورية “على ما هو عليه”، مضيفاً: لن يكون هناك تصعيد أكبر، وخاصة أن العملية العسكرية التركية كما يبدو ألغيت على الأقل في الوقت الراهن، بسبب الرفض الروسي والإيراني والأميركي لهذه العملية.
المصدر: العربي الجديد