ما كان لقمّة طهران التي عقدت أمس (الثلاثاء)، في إطار مسار أستانة الخاص بالقضية السورية، أن تحظى بهذه الأهمية، لولا ظروف انعقادها، إذ جاءت بعد القمة التي عقدت في جدة يوم السبت الماضي، وضمّت إلى الولايات المتحدة حلفاءها العرب، ما دعا مراقبين الى اعتبار قمّة طهران ردًا على قمة جدّة، رغم أن ذلك لا يستقيم في أي تحليل موضوعي، خصوصا أن روسيا تبدو حريصةً على تفاهماتها مع الرياض وعلاقاتها القوية مع الإمارات وغيرها من دول قمة جدّة التي ترفض حتى الآن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وإنهاء العمل باتفاق “أوبك بلَس”، كما تأمل واشنطن. كما أن قمة طهران تعدّ الأولى التي تعقد في إطار مسار أستانة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي. ورغم أنه يفترض أن تكون القمة مخصّصة لنقاش الوضع في سورية، إلا أن أحدا لم يتوقع في ظروف انعقادها أن تشغل سورية حيزا مهما من أعمالها، خصوصا بعد تراجع حظوظ العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، وبروز قضايا أكثر إلحاحا متصلة بحرب أوكرانيا وملف إيران النووي وقضايا الطاقة والغذاء وغيرها مما يشغل بال أطراف القمة التي حضرت، ولكلٍّ منها حساباتها وتوقعاتها المختلفة منها.
وعلى الرغم من أن القمّة تعقد في طهران، إلا أن روسيا تبدو الأكثر اهتمامًا بها وتعويلًا عليها. وبسبب “ورطة” أوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة التي فرضت عليها، لم تبدُ روسيا يومًا بحاجة إيران وتركيا حاجتها إليهما اليوم. إذ تأمل روسيا، لأول مرة ربما، الارتقاء بعلاقاتها بإيران إلى مستوى استراتيجي، بعد أن درجت على استخدامها ورقة تفاوض في تعاملاتها الدولية. وبسبب انهيار العلاقة مع الغرب، قد تسعى موسكو إلى عرض تحالفٍ استراتيجيٍّ على طهران، يدفعها إلى التخلي كليًا عن أي مسارٍ لإصلاح العلاقة مع الغرب من خلال إحياء الاتفاق النووي، ذلك أنه في ظروف العزلة والحصار التي تواجهها، فإن آخر ما تأمله موسكو تمكين إدارة بايدن من خطف نجاح استراتيجي (اتفاق نووي) يعيد إيران إلى أسواق النفط العالمية، يخفّض أسعارها، ويسهل الاستغناء عن النفط الروسي، كما يسهم في تحسين أوضاع إدارة بايدن داخليا، وهي الإدارة الأميركية الأكثر تشدّدا مع روسيا منذ نهاية الحرب الباردة.
لذلك من الممكن جدًا أن تعرض روسيا، في إطار معركة كسر عظم مع واشنطن، أسلحة على إيران، كانت ترفض تزويدها بها، من قبيل منظومة صواريخ إس 400. سوف تسهم هذه المنظومة في حال حصلت إيران عليها في تغيير كل معطيات التفاوض في برنامجها النووي، إذ سيكون بمقدورها توفير دفاعات قوية لمنشآتها النووية التي تعد اليوم مكشوفةً أمام هجمات جوية محتملة. سيكون لهذا التطور تداعيات كبرى على علاقات روسيا بإسرائيل والغرب، وسوف يُفضي حتما إلى القضاء على كل فرص العودة إلى الاتفاق النووي، لأنه يغير كل قواعد اللعبة التفاوضية بين واشنطن وطهران. وفيما قد تسعى روسيا أيضا، بحسب تقديرات أميركية، إلى الحصول على طائراتٍ مسيّرة إيرانية، لزجّها في الحرب الأوكرانية، سوف يحاول البلدان الواقعان تحت العقوبات الأميركية التنسيق وتبادل الخبرات في كيفية الالتفاف على العقوبات، وتعزيز فرص التجارة بينهما بعيدا عن النظام الدولاري العالمي، رغم أن ظروف التكامل بينهما لا تبدو واعدةً في هذا المجال، بسبب عدم وجود ما يحتاجه كل طرف لدى الآخر.
أما تركيا، الضلع الثالث في قمّة طهران، فالأرجح أن موسكو سوف تستمر في محاولات جذبها بعيدا عن الغرب، رغم كل التناقضات التي تحكم العلاقة معها. فحتى الآن، ورغم دعمها الواضح أوكرانيا، ترفض تركيا الالتزام بالعقوبات الغربية على موسكو، وتشكل نافذة مهمة لها، لا تستطيع الاستغناء عنها. تركيا تستفيد من إبقاء إحدى رجليها في معسكر طهران – موسكو والرجل الأخرى في المعسكر الأميركي، لأن هذا يجعل الطرفين بحاجة دائمة لها في ظروف المواجهة بينهما، كما يضعها في موقع فريد، كما يجري حاليا، حيث تتركّز أنظار العالم على جهود أنقرة في التوصل إلى اتفاقٍ يسمح بتصدير الحبوب من أوكرانيا، لكن هذا يحتاج أيضا إلى تجاوب موسكو، فهل يقدّم بوتين لأردوغان هذه الهدية في قمة طهران؟
المصدر: العربي الجديد