النازحون السوريون في لبنان بين قساوة اللجوء وصعوبة العودة إلى البلاد

  عبد معروف

عادت أزمة النزوح السوري إلى لبنان إلى الواجهة، بعد المواقف الحادة لقيادات لبنانية رسمية وغير رسمية، تطالب بإعادتهم إلى بلادهم، باعتبار أن لبنان لم يعد باستطاعته تحمل أعباء اللجوء، كما قال الرئيس ميشال عون، وبعد موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأخير الذي أكد فيه تصميم الحكومة اللبنانية على إعادة النازحين إلى وطنهم، بلا موافقة دولية.

وبالاطلاع على حقيقة المزاج اللبناني الرسمي والشعبي في الوقت الراهن فقد لوحظ تنامي المشاعر السلبية تجاه النازحين السوريين، وتلاشي الحياد إزاءهم شيئًا فشيئًا لدرجة الكراهية.

الموقف الرسمي والمزاج الشعبي اللبناني يتعلل بمطالبته إعادة السوريين إلى وطنهم، بلا موافقة دولية، بأن لبنان لم يعد في مقدوره تحمل أعباء النزوح السوري في ظل الأزمات والانهيارات المعيشية والأمنية التي يتعرض لها، وأن سوريا أضحت أكثر أمنا، بعد سيطرة النظام على معظم المناطق، وبالتالي، لا داعي لبقاء النازحين في لبنان الرازح تحت أزمات غير مسبوقة في تاريخه الحديث، بعدما أصبح 82 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وكذلك91 في المئة من النازحين السوريين، جلّهم مقيم في المخيمات والأكواخ في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ عددهم نحو 863000 ألف نازح، حسب أرقام الجهة الرسمية اللبنانية المعنيّة بملف النزوح كاشفة أنّ مجمل المساعدات المخصصة لهؤلاء لم يتعدَّ ثمانية مليارات من الدولارات وفق بيانات وتصريحات حكومية لبنانية.

وأبلغت الحكومة اللبنانية، الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة، في رسائل ومذكرات وخلال اجتماعات، عدم قدرة لبنان على تحمل ملف النازحين السوريين وطالبت بالمساعدة العاجلة لتسهيل عودتهم إلى بلادهم. وأكدت أن بيروت ملتزمة بمبدأ عدم الإعادة القسرية للنازحين، ولكن لم تعد الدولة قادرة على تحمل كلفة ضبط الأمن في مخيمات النازحين والمناطق التي ينتشرون فيها.

وتؤكد تقارير وزارة المهجرين اللبنانية، أن 82 في المئة من اللبنانيين يعانون من فقر متعدد الأبعاد، فخلال العام الماضي مثلًا تلقت الدولة اللبنانية مساعدات بقيمة 1.69 مليار دولار من أصل ملياري دولار.

كما «تكبّد لبنان خسائر كبيرة على مدى سنوات، جرّاء استفادة النازحين من دعم الدولة لسلع أساسية كالدواء والخبز والمحروقات، بالإضافة إلى اكتظاظ السجون والأعباء المترتبة عنه، ناهيك عن التفلّت الأمني ومنافسة اليد العاملة اللبنانية ومسؤوليّة ضبط الحدود لمكافحة الهجرة غير الشرعيّة» حسب وزير المهجرين.

منظمات دولية ومحلية معنية بحقوق اللاجئين، وصفت تصعيد المواقف الرسمية اللبنانية حول إعادة النازحين السوريين، بـ«الشعبوية» وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رفضها للمواقف اللبنانية وإعادتهم قسريا قبل استتباب الأمن والسلام الأمني والاجتماعي في سوريا.

وتشدد المتحدثة باسم المفوضية، دلال حرب، على ضرورة التمّسك بمبادئ القانون الدولي المتعلّقة باللاجئين السوريين، لاسيما فيما يتعلق بمبدأ عدم الإعادة القسرية إلى بلادهم.

وتقدر إحصائيات منظمات الأمم المتحدة في بيروت، أن عدد النازحين السوريين في لبنان، يتجاوز المليون ونصف مليون، وهذا ما يؤكده الرقم المتوفر في سجلات وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية.

كما أكدت هذه الأرقام لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الاسكوا» التي عملت أيضا مع إدارة الإحصاء المركزي اللبناني ومعهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة، على وضع الإحصائيات والدراسات حول أوضاع النازحين السوريين في لبنان.

واستهدف المشروع جمع المعطيات وتحليلها وتوفير نتائجها لصناع القرار، بغية الارتكاز عليها في اتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة، وفق مسؤول برنامج التكنولوجيا في «الاسكوا» فؤاد مراد، الذي قال «ارتكز المشروع على تحليل بيانات الاتصالات في محافظتي الشمال والبقاع اللبنانيتين، اللتين تضمّان العدد الأكبر من النازحين السوريين».

وأشرف على المعايير الأخلاقية للمشروع لجنة شُكلت من خبراء أكاديميين وممثلي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان وشركاء المجتمع المدني.

وأظهرت نتائج تحليل البيانات أن أغلبية النازحين السوريين لا يمارسون عملًا نظاميًّا أو رسميًّا، ويعانون أزمات اقتصادية حادة.

وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» عن قلقها البالغ إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للنازحين السوريين في لبنان، فجميعهم تقريباً باتوا عاجزين عن توفير الحدّ الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.

وأجرت المفوضية 2.455 تقييماً لتحديد المصلحة الفضلى للأطفال السوريين ممن يقعون في دائرة خطر الاعتداء والإهمال والعنف والاستغلال، وأكدت أن هؤلاء الأطفال يتعرضون لظروف مأساوية، حيث تحملوا الجزء الأكبر من أعباء النزوح، فـ30 في المئة من الذين هم في سن الدراسة لم يدخلوا المدرسة قط. وقد انخفض معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية بنسبة 25 في المئة بالإضافة إلى ذلك، استمر الاتجاه التصاعدي في عمالة الأطفال في أوساط السوريين، إذ بلغ عدد المنخرطين في سوق العمل أكثر من 27825 طفلاً.

وكشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان عن وضع بائس يُرثى له، إذ أن تسعة من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع، حيث واصل غالبيتهم الاعتماد على استراتيجيات مواجهة سلبية للبقاء على قيد الحياة، مثل التسول أو السرقة واقتراض المال أو التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة أو تقليص النفقات الصحية أو عدم تسديد الإيجار. وتشير التقارير الصادرة عن اتحاد الجمعيات السورية في لبنان، إلى أن النازحين يكابدون للعثور على مأوى لائق وآمن؛ فحوالي 60 في المئة من العائلات يعيشون في خيم ومساكن معرضة للخطر أو دون المعايير المطلوبة وعدد منهم مهدد بالطرد من مسكنه.

وفي الحي الغربي القريب من المدينة الرياضية في بيروت، يجلس عدد من النازحين السوريين يشربون الشاي ويتحدثون عن حياتهم ومصيرهم ومن وهاجر منهم بقوارب الموت إلى أوروبا، قال ليث «يتهمون السوريين في لبنان بأنهم يعيشون بحالة جيدة ويتسلمون مبالغ بالدولار من المفوضية العامة للاجئين» وأضاف مستدركا «من يقول ذلك ليتشرف بزيارتنا ويرى كيف نعيش وكيف نتعرض للقهر والحرمان والإهانة والسكن الذليل».

وتابع «كل أموال الدنيا لا تكفي للعيش في لبنان، هذا البلد ورغم تقديرنا لاستقباله لنا، لكنه يتعرض للانهيار المعيشي والمالي والسياسي والأمني، وهذا ليس له علاقة بالوجود السوري في البلاد، بل سبب الانهيار هو الفساد المتراكم والنهب المتواصل. فلم يعد مقبولا هذه الاتهامات ليتستر اللبنانيون بالسوريين لإيجاد مبررات لأزمتهم ولابتزاز المجتمع الدولي لتقديم المزيد من المساعدات إلى البلد ليس لدعم النازحين، بل لإنقاذه من الانهيار». من الواضح أن الانهيار المعيشي والاقتصادي انعكس بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية. فخلال الأشهر القليلة الماضية ارتفعت تكلفة المواد الغذائية بنسبة 404 في المئة، ما أدى إلى مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي وسط عائلات النازحين السوريين، حيث بلغت نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 49 في المئة. وقد اضطر ثلثا العائلات إلى تقليص حجم حصص الطعام أو تقليل عدد الوجبات المستهلكة يومياً.

تقدمت «القدس العربي» من امرأة تغطي وجهها بمنديل، وتقف أمام خيمتها في منطقة خلدة جنوب بيروت، بادرت بالقول: «نسمع الشتائم أحيانا، ونواجه بالنظرات المريبة، ونستمع إلى تصريحات الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين، نشعر بالخوف، ماذا يمكن لنا أن نفعل، دمروا بيوتنا في سوريا، تشردنا، وهنا في لبنان نعيش الذل وأطفالنا يتعرضون للجوع والقهر والحرمان».

وتابعت: لا يمكن لنا أن نعود إلى بلادنا، فالبيوت مدمرة والحياة صعبة، والخوف على الشباب، هاجر أخي وزوجي مع عدد من الشباب منذ شهر إلى ألمانيا عبر البحار والجبال، وانقطع الاتصال بهم ولا ندري أي خبر عن وصولهم أو عدم وصولهم. قال لي زوجي عند مغادرته لبنان، لابد من المغامرة، فهي أفضل مما نعيشه في لبنان».

الوضع في سوريا غير آمن لعودة اللاجئين حسب ما أكدته الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش في لبنان، آية مجذوب، لافتة إلى التقرير الذي أصدرته المنظمة، والذي وثق حالات اعتقال تعسفي وخطف وقتل من قبل أجهزة الأمن السوري بحق العائدين من لبنان والأردن.

وخلص التقرير الذي يحمل عنوان «حياة أشبه بالموت» إلى أن النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم من لبنان والأردن، خلال السنوات القليلة الماضية، واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، وعانى العائدون أيضا للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية في بلد دمره النزاع.

يقول وليد، نازح سوري في منطقة عبرا شرق مدينة صيدا، لـ«القدس العربي»: «هربت مع عائلتي عام 2015 من جحيم الحرب ونيران المدافع وصواريخ الطائرات والبراميل المتفجرة بعد مشقة كبيرة بين الجبال الفاصلة بين سوريا ولبنان وبعد أيام من العذاب وصلت إلى صيدا مع عائلتي، أمضيت سنوات بين الجوع والذل والتنمر من بعض اللبنانيين، عشنا أياما صعبة وتضاعفت الصعوبة بسبب الانهيار المعيشي في لبنان والتخبط الإداري، حاولت قبل حوالي شهرين العودة إلى بلدي، أرسلت زوجتي وأولاد للاطلاع على الأوضاع في سوريا، وجدت بيتي مدمرا بالكامل، وبقيت زوجتي لساعات أمام مقر المخابرات يسألون عني، ووجهت لزوجتي أسئلة شعرت بالخوف والقلق، أمضت زوجتي وأولادي أياما بضيافة الجيران المتبقين في البلدة، وعادت إلى لبنان قبل أيام، وطلبت مني أن لا أعود، فالبيت مدمر لا نملك القدرة على إعادة بنائه؟» وابتسم وليد.

النزوح السوري في لبنان أزمة ليس من السهل معالجتها بطريقة ارتجالية غير مدروسة ومتفق عليها مع المجتمع الدولي، ولبنان الذي يعيش حالة التخبط والارباك في معالجة الملفات الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية والتوتر المتصاعد في المياه الإقليمية الجنوبية ليس باستطاعته اليوم أن يجد حلا لملف النازحين السوريين في لبنان، ما يجعل التصريحات والبيانات عبارات للاستهلاك.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى