تتعدد المبادرات والوساطات في السودان لإنهاء حالة الخلافات والانشقاقات التي ضربت صفوف القوى والتيارات السياسية المناهضة للانقلاب العسكري في البلاد، وآخرها مبادرة “تجميع قوى الثورة”.
يقود مبادرة “تجميع قوى الثورة” عدد من نشطاء المجتمع المدني وأكاديميون وأساتذة جامعات وصحافيون وضباط جيش متقاعدون يدعمون الخط الثوري الحالي، المستمر منذ نحو 9 أشهر، لإسقاط الانقلاب، وإعادة العسكر إلى الثكنات، وتشكيل سلطة مدنية كاملة، والقصاص لضحايا الانقلاب، وعددهم لا يقل عن 114 قتيلاً، وأكثر من 5 آلاف مصاب.
القائمون على المبادرة بدأوا اتصالاتهم مع الأحزاب السياسية والأجسام النقابية ولجان المقاومة، على مستوى المركز والولايات. وعقدت ورشة خاصة حول أنسب الطرق لتوحيد قوى الثورة في كيان واحد، يضع استراتيجيات وتكتيكات وخطط لإسقاط حكم العسكر، وتجهيز البديل.
وقبل سقوط نظام الرئيس عمر البشير، في 11 إبريل/ نيسان 2019، تحققت أكبر وحدة، تجلت في تكوين تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، من 4 كتل رئيسية، هي قوى الإجماع الوطني، ومجموعة أحزاب نداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض، وتجمع المهنيين السودانيين.
انفراط عقد تحالف “الحرية والتغيير”
غير أن تحالف “الحرية والتغيير” سرعان ما انفرط عقده بانسحاب حركات الكفاح المسلح، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، التي فتحت لنفسها نافذة حوار مختلف مع العسكر، توج باتفاق جوبا في العام 2020. وخرجت اثنتان من الحركات، هما العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، في سبتمبر/ أيلول الماضي، نهائياً من “الحرية والتغيير”، وكونتا مع آخرين تحالفاً مستقلاً.
أما الحزب الشيوعي السوداني، ومعه تجمع المهنيين السودانيين، فقد غادرا تحالف “الحرية والتغيير” في العام 2020 احتجاجاً على ضعف أداء حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي شكلها التحالف وقتها. واتهما، وقتها، التحالف والحكومة معاً بالتماهي مع العسكر، والتنازل لهم عن الكثير من الصلاحيات في ملفات مهمة وحساسة، بالإضافة إلى الفشل في تحقيق أهداف وغايات ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018.
انقسام قوى الثورة تجاه انقلاب البرهان
وبوقوع انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انقسمت قوى الثورة المناهضة للانقلاب إلى قسمين رئيسيين، الأول يقوده تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير” ومعه بعض من لجان المقاومة وفصيل منشق من تجمع المهنيين، يتزعمه أحد أيقونات الثورة السودانية، الطبيب محمد ناجي الأصم. أما القسم الثاني، فيتزعمه الحزب الشيوعي ومعه تجمع المهنيين السودانيين وغالبية لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم.
وبرزت، خلال الفترة الماضية، أكثر من محاولة لتوحيد القسمين. ومن أبرزها ما قامت به لجان المقاومة السودانية نفسها، حين طرحت ميثاق عمل سياسي يضع أطراً لكيفية إسقاط العسكر، ويحظر التفاوض معهم، وقدم مقترحات عامة لبناء هياكل السلطة الانتقالية عقب سقوط العسكر.
ووضع الميثاق شروطاً قاسية لتوقيع قوى “إعلان الحرية والتغيير”، أبرزها اعتذارها عن تجربة الشراكة مع العسكر في الفترة الماضية، وأن يوقع كل حزب بمفرده على الميثاق، وليس توقيعاً واحداً للتحالف. لذا رفضت “الحرية والتغيير” تلك الشروط، التي عدتها تشدداً من لجان المقاومة.
وأخذ تحالف “الحرية والتغيير” زمام المبادرة بنفسه، ووجه دعوات، بداية يوليو/ تموز الحالي، لكل الأحزاب السياسية والنقابات ولجان المقاومة للاجتماع، لغرض واحد هو تكوين جبهة مدنية موحدة لمناهضة الانقلاب. لكنه فشل، مع رفض الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة هذا الأمر.
إلا أن الخلافات تفاقمت بين الطرفين، خصوصاً بعد استجابة تحالف قوى الحرية والتغيير لوساطة أميركية سعودية قضت بجلوسه وتفاوضه مباشرة مع المكون العسكري بأكثر من جولة، طويت صفحاتها بقرار قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان انسحاب المؤسسة العسكرية من أي تفاوض، وترك الأمر كله لحوار مدني مدني. واعتبر “الشيوعي” وتجمع المهنيين أن مجرد الجلوس مع العسكر بمثابة خيانة لأهم شعارات ما بعد الانقلاب: “لا تفاوض… لا شراكة… لا شرعية”.
ويعتقد كثيرون أن الشقاق بين قوى الثورة، وعمل كل فريق بمعزل عن الآخر، أضعف الحراك الثوري أولاً، ومد في عمر الانقلاب، الذي لا يزال يراهن على خلافات المدنيين بعضهم مع بعض، كسبب من أسباب وجوده في سدة الحكم. وجاء في هذا الإطار خطاب البرهان، مطلع الشهر الحالي، ووعده بتسليم السلطة لحكومة كفاءات مستقلة يتفق عليها المدنيون، على أن تكتفي المؤسسة العسكرية بإدارة نفسها وشؤون الأمن والدفاع.
لا توافق على مبادرة “تجميع قوى الثورة” السودانية
ومع انسداد أفق وحدة مناهضي الانقلاب، جاءت مبادرة “تجميع قوى الثورة”، والتي انتهت قبل أيام بصياغة مقترح أساسي لإنشاء مجلس يضم كل الأجسام الثورية، مهمته الرئيسية الإشراف على كل العمل المناوئ للانقلاب، وإدارة الخلافات في وجهات النظر داخل المجلس، عدا الترتيب لاستلام السلطة وبناء هياكل الحكم خلال الفترة الانتقالية.
ورأى القيادي في تحالف “الحرية والتغيير” عادل خلف الله أن أي خطوة نحو توحيد القوى المعارضة للانقلاب، والمتمسكة بالتحول الديمقراطي، لن تكون محل خلاف، لأن غياب الوحدة يعتبر واحداً من أسباب بقاء انقلاب 25 أكتوبر، لأكثر من 8 أشهر، رغم أنه ولد هشاً وضعيفاً ووجد معارضة في ساعاته الأولى، وقبل أن يذيع بيانه الأول، وبقي الانقلاب طوال تلك المدة عاجزاً عن إنتاج أي حلول.
وشدد خلف الله، في حديث لـ”العربي الجديد”، على أهمية وجود آليات مشتركة بين قوى المقاومة وقوى التحول الديمقراطي لمواجهة التحديات التي أفرزها الانقلاب، الذي تقف خلفه قوى متعددة، داخلية وخارجية، على أن تضمن تلك الآليات أوسع قاعدة مشاركة لتشكيل جبهة شعبية تدير أو تنسق العمل السياسي والميداني، ويتوج كل شيء بتنفيذ الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل.
وأشار خلف الله إلى أن تحالف “الحرية والتغيير” اجتمع في السابق مع ممثلين عن لجنة وحدة قوى الثورة، وطلب منهم تقديم تصور واضح يعرض على المجلس المركزي للموافقة عليه.
وقال خلف الله: “أكدنا للمجموعة أنه لا خلاف من حيث المبدأ على الفكرة التي تستمد أهميتها من حتمية الوحدة، أو التنسيق في الحد الأدنى، إذ من المستحيل لأي مركز ثوري إسقاط الانقلاب وهزيمته بمعزل عن بقية المراكز”.
وأضاف: “نبهنا المجموعة لعدم جدوى اقتراح قوالب جاهزة قبل الاتفاق على برنامج للعمل المعارض، وبرنامج للفترة الانتقالية تلتزم بها أي حكومة مدنية تكلف في المستقبل، لضمان عدم تجربة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي نفذ برامج لا علاقة لها بالحرية والتغيير، الجسم الذي رشحه لرئاسة الحكومة”.
تشكيك “الشيوعي” بنوايا القائمين على المبادرة
على الضفة الأخرى، لم تجد الدعوة لقيام مجلس ثوري موحد أي آذان صاغية من جانب الحزب الشيوعي، الذي بدا متشككاً بنوايا القائمين على مبادرة لجنة توحيد قوى الثورة.
وقالت الناطقة باسم “الشيوعي” آمال الزين، لـ”العربي الجديد”، إن حزبها تلقى دعوة من اللجنة، لكنه لم يتعاط معها، لما فيها من محاولة لخلق قيادة للعمل الميداني والسياسي، كجزء من أساليب حماية التسوية السياسية غير المعلنة بين العسكر والحرية والتغيير، ووضحت معالمها عبر خطاب قائد الانقلاب قبل أيام.
وأشارت إلى أن المقترحات الخاصة بتكوين المجلس الثوري تعد خطراً على الثورة، وعلى الحراك الحالي، لا سيما أنه لا يمكن طرح فكرة إنشاء مجلس بدون أسس محددة للوحدة.
وشككت الزين بوجود عمل “مطبوخ ومخبوز” من مجموعة غير معروفة، وغير معروف من يقف خلفها، تريد وضع فخاخ أمام الثورة ولصالح التسوية. وأوضحت أن ما تريده اللجنة هو استقواء الضعفاء بعضهم على بعض، في حين أن هناك على أرض الواقع تحالفاً للأقوياء من أحزاب ولجان مقاومة ونقابات يحرك الشارع ويعمل على إنجاز مشروع السودان الجديد على حساب السودان القديم، وله القدرة على تحقيق الانتصار في أي لحظة.
تجمع المهنيين يرفض المبادرة
ولا يختلف رأي تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد الحراك الثوري الأول في ديسمبر 2018، حول المبادرة، عن رأي الحزب الشيوعي. وبين المتحدث باسم التجمع حسن فاروق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه لا مجال للتفاعل مع مبادرة لجنة توحيد قوى الثورة، لأنهم يعولون فقط على المواثيق الصادرة عن لجان المقاومة التي تحدد مركزاً موحداً.
وأشار إلى أن عدداً من أعضاء المبادرة، من الموالين لتحالف “الحرية والتغيير”، يسعون لنفخ الروح فيها من جديد، وهمهم تسويق التسوية السياسية مع العسكر، ويعملون على الالتفاف على شعارات “لا تفاوض… لا شراكة… لا شرعية”، عدا عن أن الفكرة برمتها فوقية تتجاوز القواعد، وتتجاهل حتى مطالب القصاص للقتلى، وسيطرة المؤسسة العسكرية على الموارد الاقتصادية في الدولة.
وأكد فاروق أن موقف تجمع المهنيين هو الرفض الكامل للدخول في أي تحالف، أو عمل مشترك، مع “الحرية والتغيير”، التي باتت جزءاً أصيلاً من الدولة القديمة، وتتكئ على العسكر، رغم الخطابات النارية التي يتمظهر بها قادة التحالف.
وبين فاروق أنهم “على قناعة تامة بأن الخطاب الأخير لقائد الانقلاب تم بتوافق مع الحرية والتغيير، وجاء في سياق طبخة أميركية أوروبية سعودية، هدفها قطع الطريق على الثورة السودانية، ويبحثون عن طريقة لإخراجها عبر مبادرات كرتونية مماثلة”، على حد وصفه.
لكن درة قمبو، وهي من أعضاء لجنة توحيد قوى الثورة، تبدو غير مبالية بالاتهامات الموجهة للجنة، لجهة أن خطاب التخوين والتشكيك جزء من تعقيدات الانتقال الديمقراطي وسبب مباشر لإطالة أمد الانقلاب. وأشارت قمبو إلى أن “تلك الاتهامات لن تمنع اللجنة من التواصل مع الجميع، حتى الذين يصدر منهم الخطاب التخويني”.
وأوضحت قمبو، لـ”العربي الجديد”، أن نشاطهم امتد خارج الخرطوم، عبر لقاء لجان المقاومة في كل من الجزيرة وسنار ونهر النيل، مبينة أن اللجنة تعد العدة للقاء كتل ومجموعات سياسية خلال أسبوع.
وأوضحت أن مبادرات أخرى مماثلة تواصلت مع اللجنة للتنسيق، كما حرصت أجسام ثورية، مثل مبادرة “كلنا معكم” وتحالف “الردة مستحيلة”، على مباركة نشاط اللجنة، وأشارت إلى أن “الغاية النهائية لأعمال اللجنة هي تكوين المجلس الثوري، بعدها تنتهي مهمة اللجنة وتترك كل شيء للمجلس”.
المصدر: العربي الجديد