يأتي العيد على السوريين هذا العام وهم في أسوأ أحوالهم، فعدا عن كل ماحل بهم من تشرد وتهجير ونزوح، ومانالهم من صنوف القتل والموت، وتغييب أبنائهم وأحبائهم في معتقلات ومسالخ الأسد العالمية، والفقر والعوز الذي يهدر كراماتهم ويحولهم إلى جوعى يهيمون على وجوههم يبحثون عن مايسد رمقهم، عدا عن كل ذلك يأتي عليهم هذا العيد وهم في حالة من الفرقة والتشرذم والضياع، تسبب بها من ادعوا تمثيلهم والنطق بمعاناتهم والتعبير عن تطلعاتهم، وهم يلهثون وراء سراب المسارات الالتفافية والمنحرفة في سوتشي وآستانة، ولجان كتابة دستور “عصري” يبقي الأسد ومنظموته الأمنية متحكماً بهم (أطلقنا عليه في هذا المكان حوار الطرشان)، ووسط مزاعم بإصلاح الذات المعطوبة، ووعود كاذبة بتغيير البنية المهترئة، ولم يكن آخر تلك المخازي إلا ذلك اللقاء المرفوض مع (شواذ الأمة) ممن بكوا على مقتل المجرم قاسم سليماني وسموا شوارعهم وساحاتهم باسمه ونعتوه بشهيد الأمة، وذلك المضحك_ المبكي الذي ينطق باسم قوى الأمر الواقع، ويزعم على الشاشات أن المناطق (المحررة) في عمرانها وجمالها ونهضتها أصبحت وكأنها قطعة من باريس ولندن واسطنبول، وهي في حقيقة الأمر ليست إلا مرتعاً للفساد والجريمة والفوضى، في ظل قيادات ورجالات أصبحت محل تندر السوريين بألم وحسرة، ربطت مصيرها بأجندات الدول، ولم يعد لها من هم أو قضية سوى تحقيق مصالحها الخاصة.
يأتي العيد هذا العام على السوريين وهم في حالة من الشك وانعدام اليقين بغدهم ومستقبلهم الذي بات تحديده ومصيره بيد المتدخلين والمحتلين من غرب العالم وشرقه، ومن أولئك الذين يفتكون بجسد الأمة تحت ادعاءات (المقاومة والممانعة) التي لم يجد المؤتمر القومي العربي الذي انعقد مؤخراً في العاصمة اللبنانية/ بيروت أي خطر وجودي ماحق بما يفعلونه ويعملون عليه من تغيير ديمغرافي وهوياتي يطال حاضر ومستقبل الأمة، ولم يجد هؤلاء ولو كلمة واحدة يقولونها للتعبير عن معاناة الشعب السوري ومطالبه العادلة، ومحنته المستمرة، غير تحية شعبها وجيشها وقيادتها لصمودها الأسطوري في مواجهة (المؤامرة الكونية)، هؤلاء الذين كان ينتظر منهم بحكم بنيتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية، كنخبة، التبصير بالمخاطر التي تتعرض لها أمتنا جراء المشروع الطائفي الإيراني الخبيث وحشد كل الطاقات للتصدي له بكل ماتملك الأمة من أدوات المواجهة.
يأتي العيد على السوريين بعد أن تدولت قضيتهم وأصبحت التجاذبات الدولية في مجلس الأمن هي التي تحدد طرق إيصال الطعام وسلال الغذاء المحدودة لهم، ولعدة شهور، ومع كل تجديد، كما حصل قبل أيام، ليتكرر سيناريو الفيتو الروسي والخوف والقلق من أن يتم حصر وصولها بيد النظام الذي ثبت تلاعبه بالمساعدات وتوزيعها على ميليشياته وعصاباته وجيشه، وترك شعبه يتضور جوعاً بمن فيهم الذين مازالوا تحت سلطته.
قلنا من قبل وفي هذه الزاوية تحديداً (لا عيد إلا بسقوط الطاغية)، ونحن إذ نكرر هذا الموقف، عن وعي وقناعة، فذلك لأننا نعلم، كما كل السوريين، أن من تسبب بكل هذه الآلام ونزع الفرح من قلوبنا وحول أعيادنا إلى طقوس حزينة نرثي فيها أنفسنا وأحوالنا هو المجرم الكوني بشار الأسد الذي شابه أباه وربما سبقه في طغيانه وجبروته وعسفه.
وإزاء كل ذلك ينتظر عموم السوريين خلاصهم بكثير من الصبر والأمل بنهاية قريبة لما حل بهم على يد آل الأسد ليحل عليهم العيد الحقيقي المنتظر منذ عدة عقود، وهو ما يعني ضرورة وحدتهم ووحدة قواهم فهي المدخل المباشر والوحيد لتغيير كل المعادلات وبزوغ فجر العيد بكل معانيه وقيمه الانسانية والأخلاقية والسياسية.
صحيح أن القضية السورية تعقدت إلى درجة كبيرة وخصوصاً لجهة ارتباطها بملفات كبرى إقليمية ودولية، لكن ذلك لا يعني أبداً الاستسلام لهذا القدر والحال، بل يعني مواصلة العمل الجاد والمخلص وخلق حالة وطنية صحيحة في خطابها ورؤيتها وبنيتها تستطيع تجاوز كل عثرات السنوات الماضية واخفاقاتها. عيد السوريين وحدتهم، وإلى ذلك اليوم فإننا “محكومون بالأمل” والعمل في مواجهة الطغيان الأسدي ومن معه.