هل  ضحَّى (محور المقاومة) بحماس ؟

رأي الملتقى

كما الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتخذ حزب الله من شعار المقاومة عقيدة سياسية، والمقاومة هنا ليست سوى مواجهة الكيان الصهيوني وعدم الإعتراف به ومقارعته حتى النهاية، وجعل تلك العقيدة مبررًا لإنشاء الميليشيا المسلحة التي فاقت قوة الجيش اللبناني وانتهت بابتلاع الدولة والتحكم بلبنان، ثم أباح حزب الله لنفسه التدخل في سورية ضد الحركة الشعبية منذ انطلاقتها لا لشيء سوى لاعتبار النظام في سورية جزءًا من محور المقاومة ولكون انهياره سيكشف ظهر المقاومة اللبنانية التي تعتمد عليه كممر لتوريد السلاح من إيران وكحليف في لبنان أيضًا.

أباح حزب الله لنفسه التدخل ضد غالبية الشعب السوري وشن حرب غير مقدسة ضد هذا الشعب الذي هو أكثر الشعوب العربية التزامًا بالقضية الفلسطينية على مر التاريخ منذ نشأة تلك القضية، نعم أباح حزب الله لنفسه توجيه السلاح لقلب ذلك الشعب الأبي وقتله وتشريده ولعب دورًا رئيسيًا في مساندة النظام ومازال، وذلك تحت راية “المقاومة”.

وتمت تغطية طابعه الطائفي في لبنان وسورية واليمن باسم المقاومة التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه كما باسم النظام الإيراني وهكذا نشأ مايعرف بمحور المقاومة التي احتكرت مبدأ مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة واعتبرت نفسها الأمينة على تلك المهمة المقدسة.

بينما لم يجد محور المقاومة في لبنان بأسًا من اتفاق الهدنة مع إسرائيل الذي سمح بهدوء لم يسبق له مثيل بين إسرائيل ولبنان منذ حرب العام 2006 ولم يجد أي تناقض مع مبدأ المقاومة، مثلما هو حال النظام السوري الذي تمتعت إسرائيل بهدنة لايشوبها إطلاق لرصاصة واحدة على جبهة الجولان منذ العام 1974 وحتى اليوم .

بل لم يجد حزب الله أي تناقض بين ادعائه حمل راية المقاومة وعقده الإتفاقات مع إسرائيل لتقاسم حقول النفط في البحر المتوسط التي تعني بدون شك اعترافه الضمني بالكيان الصهيوني في فلسطين .

وباسم المقاومة جرى ترهيب الشعب اللبناني بقوة الميليشيات المسلحة واغتيال رفيق الحريري وتهديد جميع من لايخضع للنفوذ السياسي لحزب الله في الدولة اللبنانية وهكذا انقسم لبنان بين حليف لمحور المقاومة وعدو لذلك المحور (متواطىء مع إسرائيل) .

ومنذ عدة سنوات استطاع محور المقاومة جذب حماس والجهاد الإسلامي لصفه واتضح ذلك بزيارة قيادات حماس لطهران ومقابلة “إمام محور المقاومة وقائده ” المرشد الأعلى علي خامنئي، ثم إظهارهم علنًا الولاء لإيران والتحالف معها ضمن مايسمى بمحور المقاومة.

منذ بدء العملية العسكرية لحماس في السابع من أوكتوبر/ تشرين الأول حرص اسماعيل هنية على إهداء ذلك العمل المقاوم للجمهورية الاسلامية الإيرانية  التي تقود محور المقاومة وتمثل السند والداعم لذلك المحور في عموم المنطقة الممتدة من إيران حتى لبنان وغزة مرورًا بالعراق وسورية وحتى اليمن .

وفي غزة ارتفعت  صور قاسم سليماني الذي قاد المعارك ضد الشعب السوري ولعب دورًا مركزيًا في إقناع روسيا بالتدخل في سورية لدعم النظام السوري حين لم يعد كافيًا تدخل حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية الممولة والمنسقة بإشرافه كمفوض مطلق الصلاحية للمرشد الأعلى خامنئي.

توقع كثيرون أن حماس لم تكن لتقدم على العمل العسكري الواسع الذي قامت به في السابع من أوكتوبر/ تشرين الأول لولا قناعتها بأن محور المقاومة لن يتركها وحيدة في مواجهة إسرائيل حين تلجأ إسرائيل لتوسيع الحرب ضدها ردًا على تلك العملية، فهي قد أصبحت حلقة رئيسية في محور المقاومة التي تضم حزب الله والميليشيات الأخرى وتستند إلى قوة الجمهورية  الإسلامية الإيرانية الضاربة في المنطقة.

من أجل ذلك بدأت ترتسم إشارات الإستفهام حول موقف محور المقاومة من الحرب الإنتقامية الشرسة الواسعة التي أعلنتها إسرائيل على غزة ولقيت دعمًا لم يسبق له مثيل من الولايات المتحدة الأميركية وغالبية الدول الغربية، فهل يعقل أن لاتتلقى حماس مقابل ذلك التحالف الغربي – الإسرائيلي دعمًا مماثلاً من محور المقاومة يرتفع لمستوى التحدي والمعركة ؟

نظر الجميع في البدء نحو إيران منتظرين إشارة توحي بأن محور المقاومة  لن يترك غزة وحيدة في  المعركة، لكن االمفاجأة جاءت مع ذلك البرود الشديد الذي واجهت به السياسة الإيرانية معركة غزة والذي اكتفى بمواقف كلامية على غاية من الإعتدال والدبلوماسية بما يترجم بسياسة النأي بالنفس عن المواجهة التي أعقبت عملية حماس في غزة .

وبلغ من برود الموقف الإيراني أن الرئيس الإيراني في مقابلته مع قناة الجزيرة استخدم عبارة ” نحن نؤيد وقف إطلاق  النار في غزة ” فهو لم يطلب وقفًا فوريًا للعدوان على غزة مهددًا بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تقف مكتوفة اليدين أمام المجازر الفظيعة التي ترتكب في غزة والتي أشعلت غضب أحرار العالم كله ولكن اكتفى وبهدوء ملفت بإعلان تاييده لأي مسعى لدولة أخرى لوقف إطلاق النار في غزة .

منذ ذلك الوقت أدرك من كان يتابع رد فعل إيران على معركة غزة أن محور المقاومة قرر ترك حماس لمصيرها وكأنها لم تكن في وقت من الأوقات حلقة رئيسية في ذلك المحور، بينما أصبح واضحًا أن إسرائيل حشدت كل قوتها العسكرية ومن ورائها الدعم الأميركي غير المحدود الذي تفوق على دعم أوكرانيا ضد قوة حماس في مواجهة غير متكافئة على نحو كبير.

من أجل ذلك لم يكن مفاجئًا أبدًا أن ينحو حزب الله في موقفه من معركة غزة منحى الموقف الإيراني مع تعديلات محدودة وظيفتها التغطية على الموقف الحقيقي المتمثل في النأي بالنفس عن حرب غزة .

مع ذلك انتظر كثيرون خاصة في غزة المحاصرة التي تقصف ليلًا ونهارًا بدون تمييز موقفًا من الأمين العام لحزب الله الذي صمت كثيرًا منذ السابع من أوكتوبر/تشرين الأول، وبعد تمهيد مسرحي إعلامي رديء ظهر حسن نصر الله من وراء الشاشات ليلقي خطابًا ماراثونيًا شارحًا القضية الفلسطينية لمستمعيه وكأنهم سفراء لدول بعيدة عن القضية الفلسطينية وتاريخها، أما الموقف الذي كان منتظرًا لتهديد إسرائيل بأن محور المقاومة في لبنان لن يسكت عن إبادة غزة ولن يقبل بهزيمة حماس وأن المسألة بالنسبة إليه مسألة وجود ومصير، وأن يقرن ذلك التهديد بطلب فوري لوقف إطلاق النار ووقف قصف المستشفيات والمساجد والمدارس والأبنية السكنية خلال مهلة ساعات أو أيام محدودة، بدل مثل ذلك الموقف، أعطى حسن نصر الله ضوءًا أخضر لإسرائيل أنه لاينوي الإنخراط في معركة غزة، وضمنًا عليهم أن يقدروا حرج موقفه حين يضطر لإطلاق بعض الصواريخ ضمن مجال محدود لايصل أبعد من خمسة كيلومترات داخل (حدود إسرائيل) الشمالية.

تمامًا مثلما فعلت إيران بعد اغتيال (قاسم سليماني) وفق ما أعلنه الرئيس الأميركي السابق ترامب من أنها أرسلت رسالة سرية له بأنها مضطرة لإطلاق عدد من الصواريخ على إحدى القواعد الأميركية في العراق كرد على اغتيال سليماني وتعهدت بذات الوقت أن تلك الصواريخ لن تسبب أية خسائر بشرية أميركية فهي دقيقة جدًا في التصويب.

مثَّل موقف حزب الله الذي أعلنه حسن نصر الله خيبة أمل كبيرة لحماس أولًا ولأهل غزة الذين ظلوا يأملون بدعم المقاومة اللبنانية الشقيقة، ولجميع الذين راهنوا على جدية حزب الله في دعمه لحماس ولغزة.

هكذا تمخض محور المقاومة فولد فأرًا، وهكذا تركت غزة لمصيرها وتمت التضحية بها من أجل أن لايتعرض محور المقاومة لمواجهة غير مرغوبة مع إسرائيل وحلفاءها.

والسؤال الآن ماذا بقي من (محور المقاومة) بعد ذلك الخذلان لغزة وللقضية الفلسطينية ؟

لاشيء سوى طبول فارغة لميليشيات تختزن السلاح ولكن لمقاومة من؟

7
1

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. .. الأستاذ أحمد مظهر سعدو المحترم :
    تعليقي كان معدا حتى قبل ان أكمل قراءة المنشور وهو نعم قد تخلى ما تسميه محور الممانعة و المماتعة عن حماس و سيتخلى لاحقا عن ميليشايته في لبنان و سورية و العراق و حتى اليمن فإيران الصفوية الشوفينية تلتقي مع الصهيونية و داعمها الأمريكي أكثر مما تلتقي مع كل هؤلاء و لكنهم جميعا بكل أسف لايزالون ينامون في العسل و يفرحون ببعض ما يُقدم لهم من فتات مال أو سلاح و لا يعلمون و لا يدركون أن ما يُقدم لهم مجرد علف لتسمين الأضحية قبل يوم النحر و هو لا بد قادم فليفهم من يريد و ليتغابى من يريد و لكن هذا ما سيكون ..

  2. طبعا ضحى محور الكذب والنفاق بحركة حماس التي ضحة بثوابتها السوريه الجهاديه عندما وضعت اغلب أوراقها بسلة ما أسما نفسه محور المقاومه . وضحت بسمعتها السوريه الفلسطينيه . واصبحت ورقة لعب بيد من اعتدى على أمثال محاس،بسوريا . والعراق .واليمن . ولبنان. علما قلنا لخادل مشعل . وموسى ابو مرزوق اذا اقتربتم من إيران ستحرققكم النيران

  3. هل خذل نظام ملالي طهران وأذرعته الإرهابية الطائفية حركة حمـاس بـ #طوفان_الاقصى ؟ إن الدور المناط بأذرع ملالي طهران تنفذه بدقة في لبنان وسورية واليمن والعراق رافعة راية #تحرير_القدس لتبرير إرهابها بحق شعبنا العربي، إذاً ماذا بقي من (محور المقاولة والمماتعة) بعد هذا الخذلان لغزة وللقضية الفلسطينية؟ غير طبول فارغة لميليشيات تختزن السلاح لمقاومة شعبنا العربي الحر .

زر الذهاب إلى الأعلى