مع اقتراب عيد الأضحى المبارك تشهد الأسواق السورية حالة ركود كبيرة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، جراء تواصل ارتفاع الأسعار إلى حد التهام الحوالات المتدفقة من الخارج. ففي جولة على أسواق في دمشق وحمص وحماة الخاضعة لسيطرة النظام، لاحظت «الشرق الأوسط» أن عمليات الشراء تقتصر على الضروريات، فيما قدرت «جمعية حماية المستهلك» في دمشق وريفها نسبة التراجع في حركة الأسواق في الأسبوع الأخير قبل عيد الأضحى مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بما بين 50 و60 في المائة، وذلك «نتيجة غلاء أسعار المواد، وصعوبة وصول أهالي الريف إلى المدينة نتيجة أزمة المواصلات الحالية»، وفق ما قال نائب رئيس الجمعية، ماهر الأزعط، في تصريح لصحيفة «الوطن» المحلية.
وتعاني سوريا منذ مارس (آذار) الماضي أزمة محروقات خانقة نجمت عنها أزمة نقل أدت إلى ارتفاع أجور النقل وتكاليف الإنتاج، على شكل موجات تصاعدية. واستمرت الأزمة رغم الوعود الحكومية بانفراج أزمة الوقود بعد تفعيل خط الائتمان الإيراني ووصول 3 ناقلات نفط من إيران إلى سوريا خلال الأيام الأخيرة.
وسجلت أسعار الخبز والمعجنات واللحوم والغذائيات والمأكولات والمشروبات المقدمة في المطاعم ارتفاعات بداية الشهر الحالي بنسب تجاوزت 20 في المائة، مقابل تراجع الإقبال على شراء تلك المواد بنسبة 40 في المائة قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب تقديرات رسمية.
وجاء ذلك مع موجة حر لاهبة في ظل أزمة مياه وكهرباء دائمة، ساهمت في شل الحركة نهاراً، لتعود وتنشط نسبياً في ساعات المساء مع انخفاض درجات الحرارة، دون أن ينعكس ذلك بشكل ملموس على حركة البيع والشراء، في أسبوع وقفة العيد.
في «سوق الشيخ محيي الدين» الشعبية بدمشق بدا صاحب محل ألبسة مكتئباً فاقداً الأمل في تحسن الإقبال على الشراء. قال لـ«الشرق الأوسط»: «الناس في هذه الأيام بحاجة إلى جرعة ماء باردة ورغيف خبز يؤكل أكثر من حاجتها للملابس والحلويات… في العيد الماضي كانت حوالة بقيمة ما بين 100 و200 دولار من الخارج قادرة على أن تجلب العيد لأسرة متوسطة الحال، وأن تسهم في تحريك السوق. لكن ارتفاع معدل التضخم هذا العام التهم الحوالات، خصوصاً في ظل أزمة الكهرباء والبنزين والمحروقات. لم تعد الحوالات من الخارج كافية الآن لتغطية تكاليف الضروريات».
وتفيد تقديرات بأن الأسرة المؤلفة مما بين 4 و5 أشخاص تحتاج إلى نحو مليوني ليرة (الدولار الأميركي يعادل 3950 ليرة سورية) حداً أدنى لتغطية نفقات العيد؛ فمتوسط أسعار الأحذية يتراوح بين 90 و150 ألف ليرة، وقطعة الملابس بين 30 ألفاً و200 ألف، والحلويات تبدأ من 60 ألف ليرة للكيلو الواحد وتصل إلى أكثر من 150 ألفاً بحسب جودة المواد المصنوعة منها.
يقول عدنان، وهو رب أسرة مؤلفة من 7 أفراد، إنه دفع 300 ألف ليرة ثمن طحين وسمن وسكر لصنع كعك العيد في البيت، ولم يعد قادراً على شراء قطعة ملابس جديدة لكل ولد من أولاده؛ إذ إن مساعدة الـ150 يورو التي وصلت إليه من شقيقه المغترب «تبخرت بمجرد أن تسلمتها!».
ويقدر متوسط حوالات السوريين من الخارج إلى الداخل وعبر القنوات الرسمية للتحويل بـ10 ملايين دولار يومياً؛ أي نحو 300 مليون دولار شهرياً، تتضاعف في عيدي الفطر والأضحى وموعد فتح المدارس وتخزين المؤن آخر فصل الصيف. ويستفيد منها أكثر من نصف السوريين في الداخل.
وفي تقرير له، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن سوء الأوضاع المعيشية المستمر في مناطق سيطرة النظام تسبب في تنامي العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل الهجرة الجماعية؛ خصوصاً لفئة الشباب، وبيع العقارات، إلى جانب انجرار كثير من العاطلين عن العمل إلى تحصيل المال وكسبه بطرق غير قانونية، مثل السرقات والخطف والابتزاز وتجارة المخدرات… وغيرها، في ظل تغافل المؤسسات الحكومية عن الواقع المعيشي وأوضاع المدنيين، مشيراً إلى تصاعد وتيرة بيع العقارات بسبب تردي الأوضاع المعيشية وحاجة السكان لتكاليف المعيشة اليومية. كما يهدف بعضهم من خلال بيع عقاراتهم إلى تأمين تكلفة السفر خارج سوريا بحثاً عن واقع معيشي أفضل، وهروباً من غلاء الأسعار.
المصدر: الشرق الأوسط