شهدت مناطق سيطرة النظام السوري، خاصةً القريبة من الحدود مع لبنان، ارتفاعاً في عدد حالات الخطف التي تنفذها مجموعات مسلحة بدافع الحصول على الفدية المالية.
ولا توجد معلومات دقيقة عن تبعية العصابات التي تنفذ عمليات الخطف في المنطقة، بينما يرى مراقبون أنها مجموعات تابعة للميليشيات الرديفة للنظام السوري أو متعاونة معها وتنفذ عمليات الخطف بتسهيل منها، فمعظم أفراد تلك العصابات يبقون أحراراً من دون ملاحقة قانونية أو تعقب جادّ من سلطات النظام المعنية.
وظهرت مجموعات مسلحة محسوبة على الجهات الرسمية، بالتزامن مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وخصوصاً مجموعات اللجان الشعبية والمتطوعين المدنيين في الفرقة الرابعة وغيرها من التشكيلات، التي تمتعت بامتيازات سلطوية.
الأساليب المتعددة
تستهدف عصابات الخطف في معظم عملياتها السوريين الراغبين في السفر بطريقة غير شرعية إلى لبنان، إذ يتعرض عابرو الطرق التي توصل إلى لبنان إلى الخطف، ليتم إجبارهم على دفع مبلغ مالي، يتراوح بين 5 و25 ألف دولار، كما حصل أخيراً مع ستة شباب من محافظة درعا، واثنين من السويداء.
تستهدف عصابات الخطف في معظم عملياتها السوريين الراغبين في السفر بطريقة غير شرعية إلى لبنان، ليتم إجبارهم على دفع مبلغ مالي لقاء الإفراج عنهم
وتقوم تلك العصابات باتّباع أساليب عدة من أجل الضغط على أهالي المختطفين، لإجبارهم على دفع الفدية مقابل الإفراج عن ابنهم المختطف، وذلك بعد التهديد بقتله أو تعذيبه أو تصوير مقاطع فيديو له يبدو فيها بحالة بدنية ونفسية حرجة.
في 31 من شهر أيار/ مايو الماضي، قامت عصابة مسلحة بخطف مدني من أبناء محافظة درعا، في أثناء توجهه إلى لبنان، وطالبت عائلته بدفع 25 ألف دولار لقاء الإفراج عنه. وقالت مصادر محلية في السويداء، إن شابين من أبناء المحافظة تعرّضا للخطف على يد مجموعة مسلحة داخل الأراضي السورية، بعد عودتهما من لبنان بطريقة غير شرعية إلى سوريا. وبعد وساطة أمنية ومناشدات دفع ذووهما 5 آلاف دولار عن كل واحد منهما كي يتم الإفراج عنهما.
وذكرت شبكة السويداء 24 المحلية، في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، أن عصابةً مسلحةً نفّذت عملية خطف لـ15 شخصاً في ريف حمص الغربي، وطلبت فديات ماليةً من ذوي المخطوفين مقابل إطلاح سراحهم، وقالت الشبكة إن المخطوفين هم 14 شخصاً من دمشق وريفها، وشخص واحد من السويداء.
“الدفاع الوطني“
وحصل رصيف22، على إحصائية خاصة من تجمع أحرار حوران، وهو تجمع يغطي أخبار محافظة درعا في سوريا، عن عدد حالات الخطف في درعا، إذ قام التجمع بتوثيق 21 حالة خطف منذ مطلع العام الحالي حتى لحظة كتابة التقرير، وقال أيمن أبو نقطة الناطق الرسمي باسم التجمع، إن “ميليشيات الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري تقود شبكات الخطف في المنطقة، وذلك لأنها تنسق عمليات التهريب مع حزب الله اللبناني، عبر تسهيل خروج المطلوبين من المنطقة نحو ريف مدينة حمص الخاضعة لسيطرة حزب الله اللبناني”.
وأسهم الفلتان الأمني في كل من سوريا ولبنان، على جانبي الحدود تحديداً، في ازدياد ظاهرة الخطف والتعذيب من أجل الحصول على الفدية، ولا سيما في ظل سيطرة عناصر حزب الله اللبناني وقوات الفرقة الرابعة على المناطق الحدودية بين البلدين.
ويعاني أهالي المختطفين من ضغوط نفسية هائلة في أثناء عملهم على تأمين مبلغ الفدية، كونهم يجهلون الظروف التي يعيشها ابنهم المختطف خلال فترة الاحتجاز. وكون المبلغ الذي تطلبه العصابات كبيراً، ويفوق قدرة الأهالي في معظم الحالات، يلجأ معظمهم إلى بيع عقاراتهم من شقق سكنية وأراض، أو الاستدانة، وفي حال استحالة ذلك يطلبون المساعدة من الأقارب والمعارف أو الجمعيات من أجل توفير المبلغ وإطلاق سراح ابنهم.
خاطف لبناني
يقول يوسف الزعبي، أحد ذوي المخطوفين من درعا، لرصيف22: “ابني أراد المغادرة إلى لبنان بغرض الذهاب إلى دبي للعمل وإعالة عائلتنا الموجودة هنا في سوريا، لكن بحكم أنه مطلوب لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، لا يستطيع السفر بشكل شرعي من المعابر السورية، لأنه سيتعرض للتوقيف، ما اضطره إلى اللجوء إلى طريق التهريب إلى لبنان. وفي طريقه أوقفت مجموعة مسلحة السيارة التي كانت تقلّهم، على طريق حمص الشمالي الغربي في ريف مدينة القصير، واقتيد إلى جهة مجهولة”.
يضيف: “بعد يومين على فقدان الاتصال بابني، تلقينا اتصالاً من هاتفه، وكان الخاطف يتحدث باللهجة اللبنانية، وطلب مبلغاً مالياً مقداره 10 آلاف دولار مقابل إطلاق سراح ابني، وسط تكرار التهديد والوعيد في حال عدم الدفع”.
لم يكن يملك الزعبي المبلغ الذي طلبه الخاطف لإطلاق سراح ابنه، ما اضطره إلى اللجوء إلى المعارف والأصدقاء والجمعيات الخيرية. استمرّ في السعي إلى تأمين المال قرابة شهرين. يحاول جمع ما يُمكّنه من تحرير ابنه، وفي الوقت نفسه يفاوض الخاطفين، إلى أن استطاع تأمين نصف المبلغ وإقناع العصابة بالقبول بما استطاع جمعه، ليُطلق سراح ابنه بعدها.
دور حزب الله
محمد الأكرمي، شاب من مدينة دمشق، دفع مبلغ 7 آلاف دولار لقاء تحريره، بعد أن تم اختطافه في ريف حمص، وذلك في أثناء محاولته الدخول إلى لبنان. يقول لرصيف22، إنه “بسبب سوء الأوضاع المعيشية، ولتوقفي عن العمل منذ فترة، قررت السفر إلى لبنان ومنه إلى أوروبا. أمتلك شقتين وأرضاً في دمشق، بعت الشقة والأرض لتأمين مصاريف الطريق ومصروف عائلتي ريثما أستقر، وفي أثناء تواجدي في مدينة القصير تم إيقاف السيارة المتواجدين فيها من قبل عناصر ملثمين، لكن يبدو أنه غاب عن ذهنهم وجود شعار حزب الله على أكتافهم”.
يضيف: “طلبوا مني تأمين مبلغ 15 ألف دولار من أجل إطلاق سراحي، وبعد مفاوضات عدة وتهديدات بقتلي وإلحاق الضرر بي دفعت مبلغ 7 آلاف دولار. وهنا لم أعد قادراً على متابعة طريقي نحو لبنان، لأن المبلغ الذي أملكه ذهب القسم الأكبر منه إلى الخاطفين، وعدت إلى مدينة دمشق ريثما أجد حلاً لما وصلت إليه. خسرت ممتلكاتي من أجل السفر وتحسين وضع أسرتي، لكنها ذهبت إلى مجموعة من الخاطفين”.
طرق التهريب
حذر ناشطون وحقوقيون سوريون من الخروج إلى لبنان أو العودة منه بطريقة غير شرعية؛ نظراً لانتشار عصابات الخطف في المناطق الحدودية، وخاصةً في ريف مدينة القصير في حمص ووادي خالد في لبنان. وقالوا، إن هذه المناطق تحوي مجموعات تابعةً لـ”حزب الله” ومجموعات محليةً مسلحةً تابعةً للدفاع الوطني السوري تنشط في عمليات ابتزاز المدنيين وخطفهم من أجل الحصول على فدية. كما تصاعدت ظاهرة الانفلات الأمني بعد تجاهل المجموعات المسلحة المحسوبة على الجهات الأمنية، السلطة القضائية، وسط انتشار الفساد.
يسمح النظام لميليشياته بتحقيق هامش ثراء شخصي، عبر غض النظر عن الانتهاكات التي يمارسونها بحق المدنيين، من خطف واعتقال وإجبارهم على دفع الإتاوات
وتُعدّ مدينة القصير في ريف محافظة حمص، أحد أهم المنافذ غير الشرعية من أجل عبور المدنيين من لبنان وإليه خلال الآونة الأخيرة، كما أن جميع عمليات تهريب الأشخاص تتم بالتنسيق مع قياديين من حزب الله الذين يؤمنون ضمانة الوصول، وعدم المساءلة أو تفتيشهم على الحواجز في محافظة حمص أو داخل الأراضي اللبنانية على القرب من الحدود مع سوريا.
إتاوات منظمة
وتسلك عشرات العائلات بشكلٍ شبه يومي تلك الطرق بهدف الوصول إلى لبنان، وذلك هرباً من القبضة الأمنية بالدرجة الأولى في سوريا، وكذلك تدهور الوضع الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده مناطق سيطرة النظام.
ويوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لرصيف22، أن “الارتباط بين شبكات الخطف والأجهزة الأمنية الرسمية التابعة للنظام واضح، ولأن النظام غير قادر على منح عناصر الميليشيات الرديفة له رواتب تكفل بقاءهم إلى جانبه واستمرار ولائهم وتبعيتهم له، يسمح لهم بتحقيق هامش ثراء شخصي، عبر غض النظر عن الانتهاكات التي يمارسونها بحق المدنيين، من خطف واعتقال وإجبارهم على دفع الإتاوات عبر الحواجز التابعة لهم”.
ويضيف: “بالرغم من التحذيرات الكثيرة للمدنيين من سلك تلك الطرق التي تعرّض حياتهم للخطر، إلا أن سوء الأوضاع في المنطقة وقلة الخيارات لديهم يجعل من اتخاذ القرار في اتباع ذلك الطريق خياراً لا بد منه، إذ وقعوا بين مطرقة الجوع وسندان الخطف، في ظل انعدام الحلول في مواجهة تلك المشكلات”.
المصدر: رصيف