أربعونَ عامًا
وأنا أتوكَّأُ على عُكَّازةِ الحُبِّ
أربعونَ هَوَىً مَرَّ بقلبِي
ولمْ أتعَبْ
إلَّا مِنْكِ
أربعونَ، أقلُّ قليلًا
أكثرُ قليلًا
أمَرُّ حُلوًا
وحُلوٌ لمْ يَمُرَّ
إلَّا بكِ
يا بنةَ الأرضِ
دَعينِي أنتقِ من الأرضِ
مَا يَشفِي غَليْلِي
شيئًا يَشْبَهُكِ ويَشْبَهُ حُزْنِي
وردةً، قلعةً، خوخًا
ياسمينةً مفتَّحةً
سمراءَ
شيئًا مِنْ وطنِي
وطنًا مِنَ الشيءِ القليلِ
لمْ يمسَّهُ الحزنُ
ولمْ يمسَّهُ أحدٌ
إلَّا أناملُ الرَّبِّ
يا بنةَ الأرضِ
كيفَ أصبحتِ لا تُقدَّرينَ بثَمنْ؟!
مَنْ علَّمكِ الصَّنعَةَ
مَنْ صَنَعَ أساورَكِ الفِضَّةَ
مَنْ دلَّ الأحجارَ الكريمَةَ
على عُنُقِكِ
وهزَّ أقراطَ العاجِ بأذنيكِ
وسارَ بكِ عَبْرَ بوابةِ الزَّمنْ؟
أربعونَ عامًا أبحثُ عنكِ
ومثلُها أيضًا
كانتِ الأرضُ تُعِدُّكِ
تتردَّدُ في قَدِّكِ:
أطولُ سنتيمترًا
أدْوَرُ كتفًا
أكْعَبُ صَدْرًا
أبْهَجُ خَصْرًا
أغَضُّ طَرْفًا
وأرَقُّ دَمْعًا
وأدَقُّ رقْصًا
في مشيةِ الخُيلاءِ بالكعبِ
أ أنت ابنةُ الأرضِ؟
أمْ مِنْ خيالي خرجتِ
وسرقْتِ صَبِّي؟
إذنْ فَقُولِي:
مَنْ أنا ومَنْ أنتِ؟
في هَمسةِ النَّحلِ للوَرْدِ
في رَجفةِ العشقِ بالبَرْدِ
في لُعْبةِ الرِّيحِ
تُقلِّبُ الورقَ الأصفرَ
وأوجاعَ اليتامى
وسهرَ الأيَامى
وفلاسفةِ القُرونِ
وعجائزَ الغجرِ الفَرِحِيْنَ بالسَّرْدِ
قُولي: مَنْ أنا ومَنْ أنتِ؟
في غيابِ الصَّيفِ في الصَّيفِ
ونكثةِ القثَّاءِ في الثَّاءِ
وحضورِ اليومِ في الأمسِ
وسرابِ العمرِ
يا عُمريَ
الذي يَجري على قهرِ!
قُولي: مَنْ أنا؟
قبلَ ضياعِ الدَّربِ في الدَّربِ
وحزنِ الطفلِ في الشَّيبِ
وطعمِ اللثمِ في الغيبِ!
لكِ اللهُ مثلما لِي
كيفَ سَكَبْتِ الشَّمسَ في الكَأْسِ؟
وحوَّلْتِ مَجرى السواقِي
وأقنعتِ الطيور بالتحليقِ
في الكونِ بلا يأسِ؟
تحتَ الجفنِ
فوقَ السُّرَّةِ العَمياءِ
مُرورًا بالكلامِ الهشِّ
على طولِ المسافةِ
بينَ الحكمةِ الحمقاءِ والحَدْسِ
لكِ اللهُ مثلما لِي
كيفَ سَكَبْتِ الغيمَ في الكَأْسِ؟
وغنَّيتِ بلا نوتةٍ ولا صوتٍ
ماذا فعلْتِ؟!
تتوقُ إليكِ كلماتِي
فتتوقُ للقَولِ:
في الجَذْبِ والصَّدِّ
فَتَعَالِي وَرُوْحِي
وارقُصِي في حُروفِي
متى شئْتِ أسقِكِ
ومتى أشَأْ أسفحْ خمرةَ الحُبِّ
يا بنةَ الأرضِ
لَعلَّكِ أو لَعلِّي
لمْ يبقَ منِّي أكثرُ ممَّا لكِ
توكَّأتُ عليكِ
فابقِي تحتَ قلبِي
وامضِي على عكَّازتِي
ولسوفَ أمضِي.
المصدر: ضفاف