رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي

د. مخلص الصيادي

لمكانتك في ذاكرتي، ولما حملته هذه الذاكرة من تقدير لك، ولمواقفك، ولما مثلَته لجيل عاش مرحلة جمال عبد الناصر، وتربى على وقع معاركها، ونما على قيمها، ومفاهيمها، وأفكارها، ولما كان متوقعاً ومنتظراً منك، فإني رأيت أن من واجبي، ومن حق الشعب السوري علي، من حق الشهداء والمغيبين والمهجرين، وكذلك من حقك أنت علي، أن أكتب لك هذه الرسالة التي تعبر عن مدى فجيعتي وأنا أراك وقد انزلقت قدماك إلى مستنقع صنعته الطائفية والاستبداد والفساد والقتل، وقامت تروج له تحت شعارات زائفه من المقاومة والممانعة ومواجهة العدوانية الإسرائيلية، مستغلة منصة المؤتمر القومي العربي، المؤتمر القومي الإسلامي، وهما منصتان انشئتا أصلا في إطار تعزيز مشروع النهوض العربي، دفاعا عن فلسطين، ولمواجهة الاستبداد والفساد، ولتحقيق استقلالية القرار العربي، وذلك قبل أن تتحول هاتان المنصتان إلى منصتين لترويج أنظمة وممارسات وقيم تعارض وتناقض كل ما قامت لخدمته وإنمائه فكرة المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي.

بداية دعني أشدد على قناعة راسخة لدي، بأن أمتنا وهي تمر بمرحلة من أخطر مراحلها، وتتعرض لهجوم هو الأشد التي تتعرض له في تاريخها المعاصر، هجوم يستهدف كل شيء فيها: وجودا، وتاريخا، ورموزا، ودينا، وتطلعا، فإن مخرجها الوحيد ـ أو الذي يبدو لي وحيدا ـ هو ذلك المخرج الذي يجتمع عليه تيارا الأمة “القومي والإسلامي”، ليبنيا معا الكتلة الاجتماعية التاريخية القادرة على حمل عبء النهوض، وعلى دفع تكاليفه، ولقد مثل هذا الهدف تطلعا رئيسيا لجمال عبد الناصر في كل تجربته.

ومن أجل هذه الحقيقة فإن كل تحرك صادق يستهدف صنع هذه الكتلة التاريخية، يجب أن ينطلق من الحفاظ عليها، وتنميتها، وتحقيق التلاحم بين مكوناتها، وتنقيتها من كل الأمراض، والشوائب الطائفية، والمذهبية، والعرقية.

ودعني أشدد أيضا على قناعتي الراسخة بأن سوريا هي قلب العروبة النابض، كانت وستبقى، وبأن ما تتعرض له سوريا منذ أن تم فصلها عن الجمهورية العربية المتحدة، ومن ثم منذ أن تسلمتها القوى الحزبية والطائفية فأجهضت محاولات استعادة هذه الوحدة، إنما يستهدف هذه المكانة وبالتالي هذا الدور لسوريا، وليس هذا دور نظام بعينه، وإنما هو دور لسوريا الشعب والجغرافيا والتاريخ، وهو دور لسوريا في محيطها الطبيعي المتضمن لفلسطين، والملتحم مع أمته العربية.

وقد يكون مهما أن نستذكر أن كثيرا من الأنظمة التي مرت على سوريا عملت على تعطيل هذا الدور، وعملت على توظيفه في غير مساره الطبيعي والحقيقي. ولحقيقة هذه المكانة وهذا الدور لسوريا فإن التآمر عليها ليس بالأمر المستحدث، وإن استهدافها ليس حدثا طارئا، ولعله من المفيد هنا أن نستحضر أن أحد دوافع الوحدة السورية المصرية التي أثمرت ولادة الجمهورية العربية المتحدة على النحو الذي ولدت فيه، كان حجم التآمر الذي أحاط بسوريا في ذلك الوقت. ولم يستطع النظام الوطني آنذاك بكل أطيافه ومكوناته أن يحمي الوطن إلا بالانصياع إلى إرادة شعبه، وإلا بالاتجاه إلى أرض الكنانة، ونظامها الثوري، ليتوحد معه، وليمضيا معا على طريقٍ فَجًر طاقات الأمة كلها، وعزز وجودها، وحرك آمالها.

غريب أن يتحدث البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي عن “الصمود الأسطوري لسوريا شعبا وجيشا وقيادة بمواجهة الحرب الكونية التي استهدفت اسقاط الدولة وتفتيت المجتمع“، وأن يمر هذا النص أمام عينيك ولا يستلفت نظرك أن النظام السوري لم “يصمد صمودا اسطوريا”، هذا تزييف للحقائق التي لم تغب بعد، النظام سقط أو كاد أن يسقط حتى جاءت ميليشيات حزب الله الطائفية ونظيراتها من الحشد الشعبي، ومن الزينبيين والفاطميين والعباسيين.. القادمين بحقدهم الطائفي من باكستان وأفغانستان للدفاع عنه، بقيادة وتخطيط ومشاركة من الحرس الثوري الإيراني، وحين لم يُجدِ هذا شيئا، وكاد أن يسقط ثانية، جاءت القوات الروسية بقضها وقضيضها، وجربت من الأسلحة ما لم يخطر على بال أحد، حتى استطاعت أن تمنع سقوط النظام.

ألم يلفت انتباهك ما يحدث من تغيير ديموغرافي في سوريا، تغيير قائم على “التشييع”، وعلى التجنيس للمرتزقة القادمين من كل حدب وصوب، وعلى ما بات يعرف باسم “إقامة المزارات”. اذهب بنفسك وانظر ماذا يحدث في دمشق، والميادين، ودير الزور، والجزيرة … الخ. نقول هذا عن سوريا التي لم تعرف يوما تقسيما أو تقييما طائفيا، ولم تعرف تفرقة دينية أو عرقية أو مذهبية، ولعله لهذا السبب، أو لتوفر هذه الخاصية تمكن الطائفيون من التسلل إلى كل مراكز القرار في الدولة، حتى أحكموا قبضتهم عليها.

ألم يلفت انتباهك وأنت السياسي المجرب الذي تطلع يوما لأن يكون رئيسا لمصر كي يمضي بها على طريق عبد الناصر، حديث رئيس النظام السوري ـ حين بات الخطر يحيط به ـ عن “سوريا المفيدة”، وهو يعني الجزء من الوطن  السوري الذي يسيطر عليه.

غريب أن يتحدث البيان الختامي عن الصمود الأسطوري للشعب السوري وقد أدت غارات طائرات النظام وصواريخه، واسلحته المحرمة، وغارات الطائرات الروسية وصواريخه الباليستية التي كانت تطلق من البحر الأسود والأبيض، إلى تهجير نصف الشعب السوري بعد تدمير شامل لم يشاهد في دولة ما منذ الحرب العالمية الثانية.

التهجير السوري لم يحدث نتيجة قتال شوارع وأسلحة فردية، وإنما نتيجة نوع آخر من القصف، ولا أظن أحدا له اهتمام بالشأن العام، أو متابعة للوضع الإنساني لم ير حجم الدمار والخراب الذي أصاب المدن السورية، ولا حجم سيول اللاجئين الهاربين من هذا الجحيم.

ومعيب أيضا أن يخرج البيان الختامي بهذا التوصيف دون أن يتوقف للحظة، حتى ولو بكلمة واحدة، عن القتل والتعذيب والممنهج الذي اتبعه النظام في ساحات المعارك أو في أقبية التعذيب، والأمر لم يعد سرا، ودون أن يتحدث عن المغيبين، ومنهم أعضاء مؤسسون في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي، اختطفتهم أجهزة الأمن من مطار دمشق الدولي أو من شوارع دمشق، ثم غابوا ولم يظهر لهم أثر.

وإذ أتحدث هنا عن أخوتك السوريين، ألم يلفت انتباهك أنه في كل المؤتمر ليس هناك ناصري سوري، وأن الحاضرين السوريين أربعة، هم ممثلون وحلفاء للنظام القائم، وأنه في مؤتمرات سابقة كان الحضور السوري كثيف، بل إن الناصريين السوريين كانوا من المؤسسين الأوائل لهذا المؤتمر ولنظيره القومي الإسلامي.

إن في الداخل السوري قوى معارضة أصيلة من مثل هيئة التنسيق الوطنية غابت عن المؤتمر، موقفا أو ظرفا، ولها في السابق مشاركة في دورات المؤتمر القومي، كان من المفروض أن يقف المؤتمر ليحييها ويعلن وقوفه إلى جانبها ويدعم صمودها وهي تحت حصار السلطة وإرهاب أجهزتها.

نعم لابد أن نرفع صوتنا عاليا مطالبين برفع الحصار المفروض على سوريا، لكن ليس على النظام السوري، لأن هذا النظام يرفل بثروات سوريا ويحتكرها، وهو فاحش في مظاهر التمتع بها، فحشا لم نر مثيلا له في أي مرحلة، فحشا يحمل معنى التشفي من الشعب السوري كله، فيما ملايين السوريين في مناطق سيطرته يعيشون تحت خط الفقر بمسافات لا يمكن قياسها. مطلوب رفع الحصار، لكن هذه الخطوة يجب أن تقدم لسلطة وطنية جامعة تحدث عنها القرار الدولي2254، الذي يدعو الى إقامة سلطة حكم انتقالي تمثل السوريين جميعا، تتولى قيادة المجتمع في الفترة الانتقالية المنصوص عليها. ولقد كان مهما للسوريين أن يسمعوا من المؤتمر القومي تأييدا لهذا القرار الدولي ودعوة للأطراف كلها للالتزام به.

لا شك بأنني افتخر وأجل الجيش العربي السوري، الذي كان دائما إلى جانب شعبه وقضايا هذا الشعب، لكن الحديث هنا ليس عن هذا الجيش القائم الآن، الذي جرى على مدى عقود من الزمن تغيير بنيته الوطنية إلى بنية طائفية كاملة، واستنادا إلى هذا التغيير تم زج هذا الجيش في مذابح ضد المدنيين وفي صراعات لم يوجد لمثلها، وليس من مهمته الخوض فيها.

إن في مقدور أي باحث جاد وصادق أن يختبر هذا الواقع أو هذا التوصيف، فمما هو متوفر لأي باحث جداول بأسماء قادة ومسؤولي الوحدات العسكرية السورية القائمة منذ ما قبل تفجر الحراك الثوري وحتى الآن، ولا يحتاج الأمر إلى جهد ليكتشف حقيقة البنية الطائفية التي بات الجيش عليه.

إن المكانة والقدسية للجيش تأتي من الوظيفة التي يقوم بها، ومن الجهة التي يلتزم أمامها، ومن العدو الذي يواجهه، وإن لم يكن معقد هذا كله: “الشعب والوطن والاستقلال”، لا يعود للجيش أي قيمة فعلية. ولقد تم انهاء هذا الدور للجيش العربي السوري منذ أن اعتمد النظام الحاكم بشكل مبكر صيغة “الجيش العقائدي”، فصار حينئذ جيشنا هو جيش “البعث”، ولما تم الاستيلاء على الحزب طائفيا تشوه وجه هذا الجيش، وأخرج عن مهمته الوحيدة المشروعة.

هل نتحدث عن داعش، وعن الإرهاب، وعن دور النظام وحلفائه في وجود هذا النوع من التنظيمات الذي أخرجت قياداته مع سجون النظام، لتقوم بما تقوم به!

هل نتحدث عن الانفصالية الكردية المحمية أمريكيا، التي لم تنقطع خيوطها مع النظام وكان “التخادم العملياتي” ماليا وعسكريا، وما زال، سائدا بين الطرفين!

أليس غريبا أن يتحدث البيان عن الوجود العسكري التركي، والأمريكي، ولا يذكر أي شيء عن الوجود العسكري الإيراني والروسي، ووجود الميليشيات الطائفية، كيف يقبل أحد أن يحتج على التدخل العسكري السعودي في اليمن وقد جاء هذا التدخل بطلب من قيادة شرعية، ـ أيا كان رأينا فيها ـ، ثم يبرر في الوقت ذاته التدخل الروسي والإيراني في سوريا بدعوى أن “السلطة الشرعية” هي التي استدعت هذه القوات، ومثل هذه السلطة ـ على أقل تقدير ـ محل نزاع حقيقي وشرعية مطعون فيها.

ما الذي قاله البيان الختامي عن العراق الواقع تحت سيطرة القوى التابعة لطهران، والتي تعطل كل فرصة تظهر لخروجه من مأزقه الحالي، لم يقل شيئا، كلاما لا يعني شيئا، ولا يغني عن شيء، ولا يرى فيما يحيط بهذا الوطن الذي أغار عليه الأمريكيون فاحتلوه، ثم سلموه للإيرانيين أي رأي له معنى.

بالمختصر من سوريا إلى لبنان إلى اليمن إلى العراق لم يلحظ البيان أي وجود أو خطر من الجار الإيراني، ولم ير مطامح هذا الجار في هذه البلدان، مع العلم أن الإيرانيين لا يخفون مطامحهم، ولا يزينون أهدافهم، وهم يرون أن “ولاية الفقيه” تغطي أو يجب أن تغطي كل أوطاننا دونما استثناء.

ومما يلفت الانتباه أن المؤتمر وهو لا يمثل دولة ولا يتحدث باسم نظام ـ أو هكذا يجب أن يكون ـ لم يستطع أن يعطي موقفا واضحا من حدث عالمي ما زالت آثاره تهز المجتمع الإنساني بقوة، وتمثل خطرا عليه، وعلى سلامه وأمنه.

غزو روسيا لأوكرانيا، مر في البيان سريعا كأن لا وجود حقيقي له، ولم يظهر إلا من خلال الحديث عن ولادة نظام دولي جديد، وضرورة أن نكون جزءا من مكوناته، وأن يكون لنا دور فيه. لم يظهر في البيان أي إدراك للمعنى الحقيقي لهذا الغزو، ولخطره الممتد.

إن أخطر ما في هذا الغزو القاعدة التي يستند إليها، لأن في تمرير هذه القاعدة تغيير لقواعد وجود الدول المعاصرة.

على قاعدة غزو أوكرانيا وضم إقليم منها الى روسيا، يمكن أن يصبح مسموحا لدولة مثل بولندا ضم كالينينغراد الروسية لها، أو إعادة تفتيت بولندا بين دول الجوار، أو عودة روسيا للسيطرة على دول كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، أو ان تتطلع تركيا لضم مناطق من محافظتي حلب وادلب إليها، أو … الخ، فهذا كله ممكن أن يستند إلى المزاعم الروسية في غزو أوكرانيا، وتاريخيا كانت المطامح الإقليمية فيما بين الدول من أسباب اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية.

كان يجب أن يكون للمؤتمر موقف حاسم من هذا الغزو، وذلك توكيدا للنهج المستقل الذي يلتزمه القوميون العرب تجاه الأزمات الدولية. إن مسألة أوكرانيا ليست مسألة نظام وسلطة قائمة، وإنما مسألة كيان ومجتمع وشعب.

على مسار ثلاثة عقود مضت كان واضحا أن النظام الدولي القائم على القطبية الأحادية نظام عدواني مدمر، وظهر تدريجيا أن الولايات المتحدة التي تزعمت هذا النظام باتت عاجزة عن تحمل تبعاته، وأنه بدأ ينزوي، ولم تعد هناك قيمة حقيقية لحلف الناتو باعتباره الذراع العسكري لهذا النظام، وظهر هذا الوضع أكثر ما ظهر خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، لكن غزو روسيا لأوكرانيا قلب هذا الوضع، وبث روحا جديدة في هذا النظام وفي هذا الحلف، وبات الآن أخطر مما كان عليه.

إن أمتنا بحاجة لأن ترى موقعا لها في بناء نظام دولي بديل، قائم على تعدد الأقطاب، وعلى تبادل المنافع بين الشعوب والدول، وعلى السلم والعدل العالمي. وعلى الحفاظ على توازن العالم واستقرار مجتمعاته صحيا وغذائيا، وأمنا، وطاقة، وعلما.

لكن الأنظمة القائمة فيها تمر الآن في أزمة وجود حقيقية، وهي عاجزة عن مجرد التفكير في بناء أمن قومي عربي يكون له مكانة في نظام دولي جديد،  ولا شك فإن موقفا حاسما وقاطعا يجب أن يخرج عن المؤتمر إزاء ما دعي ب” الناتو العربي”، لكن دون أن يعني هذا الالتحاق بناتو “إيران ـ روسي” بزعم أنه جبهة مقاومة، إن ايران وروسيا باتت دول ذات تطلعات وسياسات امبريالية، نعاينها كما كنا نعاين الإمبريالية الأمريكية والاوربية، لقد كان رفض عبد الناصر للأحلاف موقفا مبدئيا صارما، ومن صلب هذا الموقف تولدت فكرة  حركة عدم الانحياز، وهذا درس لنا كقوى سياسية وهو أيضا مفهوم سياسي نحتكم إليه.

لا أدري هل تم فعلا مناقشة العلاقة مع دول الجوار أم أن الفقرة الخاصة بذلك جرى تمريرها دون تمحيص، لكن يجب الإشارة إلى أنها من أهم الفقرات رغم افتقارها لتصور يخرجها من إطار الشعار الى حيز الممارسة، كيف يمكن تحقيق التعاون مع دول الجوار، وقد ذكر البيان تركيا وإيران واثيوبيا، كيف لنا أن نلتزم تجاه هذه الدول، وأن تلتزم هذه الدول تجاهنا، اقتصادا، وأمنا، وسياسة.

يمكن لقرار دولي واحد حاسم أن يخرج تركيا وأن يخرج أمريكا من سوريا، وحتى أن يخرج روسيا، هذا كله محتمل، فهذه كلها دول لها مصالح اقتصادية  سياسية وأمنية، لكن كيف يمكن أن تخرج إيران من سوريا، كيف يمكن وقف الاختراق الطائفي والمذهبي، كيف يمكن إعادة هذه الميليشيات التي باتت تعتبر وجودها في سوريا حق لها، وتتطلع الى الاستيطان فيها!

إن أول مشاغل المؤتمر القومي العربي يجب أن يكون الأمن القومي العربي، وأول مشاغل المؤتمر القومي الإسلامي يجب أن يكون وجود وتنمية وحماية الكتلة التاريخية الاجتماعية “القومية ـ الإسلامية” للوحدة الوطنية في كل إقليم عربي.

وإذا كان حديثنا ينصب على المؤتمر القومي العربي فإن هذا الأمن القومي العربي الغائب الرئيس في كل البيان الختامي..

أختم رسالتي إليك بذكر واقعة قديمة:

حينما تفجر الوضع في سوريا، وكنا نحن القوميين الناصريين نكن لحسن نصر الله زعيم حزب الله مكانة رفيعة في قلوبنا، حتى الكثير منا وضع صورته إلى جانب صورة جمال عبد الناصر، رأيت أن في مقدور الرجل أن يقوم بدور إيجابي تجاه النظام السوري، وهو حليفه، وتجاه الشعب السوري، وهو من سانده قبل ذلك دون حدود ، وأن يقدم النصيحة لرأس النظام أن يأخذ طريق الإصلاح ويعدل عن الحل الأمني ويوقف حمام الدم الذي لم يرغب به أهلنا في الحراك الثوري ولم يتجهوا إليه، رغم أنهم يرون رؤيا العين رغبة النظام في دفعهم تجاه هذا الحل، فوجهت إليه رسالة قام أخ عزيز بإيصالها له، أتمنى عليه فيها أن يقوم بهذا الدور، ونشرت لاحقا الرسالة، لكن لم يثمر الأمر شيئا. ومن يوم أن سمعت زعيم الحزب يتحدث عن الوضع في حمص زاعما  بأنه لا شيء هناك، وأن الوضع طبيعي في حمص، فيما كانت هذه المدينة  تعيش أياما من أشد ما مر عليها، قصفا وقتلا وحصارا،  تبين لي أن الحزب وزعيمه بدأوا نهجا آخر، غير ذلك الذي كان يظهر أيام الصراع مع المحتل الصهيوني.

ورغم أن حزب الله، وزعيمه كان يوم بعد يوم يوغل في الدم السوري دون حدود، لكني لم أندم على تلك الرسالة، لأني كنت أقوم بما اعتقدت أنه واجب علي، ولعلي كنت أحسن الظن، أو أن معارك حزب الله ضد العدو الصهيوني، وإدارة زعيم الحزب لهذه المعارك بمهارة وحرفية، وبفكر سياسي واضح، هو ما جعني أعتقد أنه من مصلحة الحزب وزعيمه أن يقوم بهذا الدور، وأنه قادر عليه، وكنت أتمنى ذلك من كل قلبي، وكان اعتقادا خاطئا بلا شك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى