قراءة في رواية الحرملك

أحمد العربي

سماح العيسى كاتبة سورية، هذا اول عمل أقرأه لها. الحرملك تعتمد في السرد على لغة المتكلم، حيث يتناوب على منصة التحدث فتاتان منى وليلى.

كما تبدأ الرواية بطريقة الخطف خلفا السينمائية، حيث تبدأ من حدث ما في آخر الرواية أو في سياقها، ثم تعود لتبدأ الرواية من واقع سابق لتجتمع خيوط الرواية وحدثها وموضوعها مع ختامها.

تتحدث منى وليلى تباعا وكل منهما وفق مسار خاص بها. لكنهما تتقاطعان في المدينة اللاذقية، وفي الجامعة كلية الآداب، تصبحان صديقتان. ولكل منهما حياتها التي سترويها.

تبدأ الرواية على لسان منى انها في حفل زفاف يبدو أنه لإحدى أخواتها. حيث الكل يرقص ويدبك ويشرب الخمر، العريس ابن خالتها، حبيبها هي، من جيل واحد وعاشا معا، يحمل مسدسه و يرقص به متفاخرا. وامها واختها العروس ترقصان معه، وفي لحظة يطلق النار في سقف الصالة حيث الحفل، يطلق مرة وأخرى واخرى. ثم يوجه مسدسه باتجاه منى ويطلق عليها النار حيث تفارق الحياة فورا…

منى “العلوية” ابنة اللاذقية أصلها من القرى المجاورة، والدها عمل وعاش مع عائلته فيها، امها من يقود العائلة فهي ابنة عائلة ابناؤها مسؤولين في الجيش والأمن، وتعمل لتزوج بناتها من هؤلاء لتكتسب من خلالهم مزيد من السلطة والسطوة والمصالح والمكتسبات.

كبرت وسط عائلتها التي تتفاخر بسلطتها وعلاقاتها. ولأنها وأخواتها فتيات فقد كنّ رأس مال امها للحصول على مزيد من السلطة والثروة. زوّجت اختها من أحد المسؤولين من أقارب امها، لكنه طلقها بعد حين وعادت الى بيت اهلها حامل بطفلها الذي ستنجبه وتعيش حياتها بعد ذلك تجتر معاناتها وسوء حياتها.

منى تتابع دراستها الجامعية بعد البكالوريا وتدرس اللغة العربية. وهناك تتعرف على ريان، ليس من طائفتها، طالب مثلها و تتوطد علاقتهما، يتبادلان مشاعر الحب و يتواعدان على الزواج مستقبلا. رغم إدراكهما لصعوبة ذلك عائليا ومجتمعيا. ويزيد من صعوبة وضع منى ان ابن خالتها المسؤول الأمني في اللاذقية يحبها و يتقرب منها ويتودد لها، وهي لا تستجيب له. كان رجلا موتورا،  يظهر سلطته على الناس يعتدي ويضرب ويعتقل ويعذب، ويخطف الفتيات ويغتصبهن، ولا من يوقفه عند حده أو يحاسبه. يدعوه عناصره “المعلم” ومثله كثير، تعرفهم اللاذقية وناسها و مظلوميها.

يستمر المعلم ابن خالة منى بملاحقتها بحبه، وهي لا تستجيب له، ويعرف بعد ذلك أنها على علاقة حب مع زميلها في الجامعة، فيقرر أن يعاقبها به. يعتقله من الجامعة ويأخذه الى الفرع الأمني الذي يعمل به ويعذبه. منى تفتقد حبيبها لوقت طويل، وابن خالتها مستمر باعتقاله وتعذيبه، حتى تم الإفراج عنه بعدما دفع والده لمسؤولين امنيين رشوة مالية كبيرة جدا. وعندما خرج التقى بمنى واخبرها ان الحياة في اللاذقية لم تعد ممكنة له، وان بلادنا تحتاج ثورة عامة ولا يستطيع أفراد مواجهة النظام فهو قادر على سحقهم. وانه سيغادر الى خارج سوريا وبعد وقت سيبني نفسه ومستقبله ويرسل لها لتلتحق به ويبنيان حياتهما سوية. ذهب حبيبها وبقيت تتابع علمها وتبتعد عن تحرش ابن خالتها المسؤول الأمني بها، وتنتظر فرصة الهروب للخارج وراء حبيبها. والدتها حاولت إقناعها بالزواج من ابن خالتها، لكنها فشلت، فعرضت عليه اختها الاصغر منها، كانت صغيرة ومفتونة بمنصبه وجبروته، قبل على مضض و بقي متعلقا بمنى، وفي أعماقه إحساس بالذل انها لم تقبل به. وحصل العرس وشربوا أنخاب زواجه مع اختها. والدها ضعيف مسكين مستكين امام حضور أمها وتسلطها، اختها المطلقة الحزينة وطفلها الأشبه باليتيم. واختها العروس الطفلة التي لا تعلم إلى أي مصير تذهب، ومسدس يرقص مع صاحبه المعلم المسؤول الذي يفرغ رصاصاته في منى انتقاما في لحظة سكر لتموت تاركة وراءها مأساة حياتية لمن حولها.

ليلى ابنة مدينة حماة الفتاة التي كانت في بطن أمها عندما تم الهجوم من الجيش والأمن السوري على مدينة حماة في أوائل ثمانينات القرن الماضي، حيث سقط عشرات الالاف ضحية القتل والتدمير والاعدام الميداني في المدينة وقتها. أيام الصراع بين الإسلاميين والنظام الاستبدادي الطائفي السوري. هربت عائلة ليلى من حماة إلى مدينة امها اللاذقية ، ولدت هناك ، سكنوا بجوار اهل امها في حي الصليبة، كبرت هناك وتعلمت ودخلت كلية الآداب بعد حصولها على البكالوريا، وهناك تعرفت على زميل لها وحصل بينهما حب وعلاقة توطدت وتواعدا على الزواج بعد تخرجهما من الجامعة. لكن مستقبلا آخر كان ينتظر ليلى، فقد ظهر في اللاذقية الكثير من مسؤولي النظام وأولادهم ممن يستبيحون حرمات المدينة وفتياتها. اختطاف واغتصاب وقتل واعادتهن احيانا في حالة مزرية ومأساوية. يسمى المسؤول منهم “المعلم” ، وهم كثر، يتصرف وكأنه الله في عرشه. خُطفت ليلى من أمام الجامعة، أخذها المعلم المسؤول قريب منى، واغتصبها، احتفظ بها مسجونة في فرعه الأمني لفترة من الزمن، داوم على اغتصابها، وعندما ملّ منها ألقاها بجوار البحر كالقمامة. عادت الى بيت اهلها. اباها انكسر وأصيب بالشلل، امها عجزت عن فعل أي شيء، اخوها تصرف كبطل حامي للعرض والشرف وصب غضبه عليها. ضربا واذلالا، وكأنها مسؤولة عن اغتصابها. تكتموا عما حصل وقرروا مغادرة المدينة لكي لا يفضح امر ابنتهم ليلى، اما حبيب ليلى فقد هرب من حياتها، عندما علم ما حصل معها. وعاشت حياتها منبوذة مظلومة ولا من يحتضنها ويتفهم مصابها. صنع أخاها حكاية انها متزوجة ومطلقة، ثم زوجها من رجل يكبرها بالعمر وسيء الطباع والسلوك. المهم أن يستر الفضيحة. زُوجت ليلى مرغمة، عاملها زوجها بقسوة وسوء انتقلت من جحيم إلى جحيم. وفي لحظة ضعف قررت الانتحار لتتخلص من هذه الحياة القاسية المقيتة، وبالفعل صعدت الى سطح منزلها ونصبت مشنقة وشنقت نفسها…

عندها فقط ارتاحت ليلى المظلومة من حياتها، وفي حياتها.

هنا تنتهي الرواية .

وفي التعقيب عليها نقول:

أن الرواية بيان نسوي مطول يعيد طرح قضية مظلومية المرأة في بلادنا بكل جدارة وعمق ومصداقية، ومازالت المرأة على رأس قضايا القمع والظلم والتسلط في بلادنا وما زالت تحتاج للعدل والمحاسبة للّظالمين وسن القوانين التي تحميها وتجعلها تحصل على كامل حقوقها على قدم المساواة مع الرجل، كما خلقها الله.

كما الرواية تظهر واقع التسلط والهيمنة ذات الطابع الطائفي في سوريا كلها وخاصة مدن الساحل السوري حيث يتسلط المسؤولين وابناؤهم وهم من طائفة النظام، على الناس أملاكهم وحقوقهم وأولادهم سواء كانوا فتيات أو شباب. وحصول الكثير من التعديات على الأعراض، دون محاسبة او عقاب.. .

الرواية تجيب من خلال سرد واقع الحياة في اللاذقية ومظلومية الناس عن تساؤل لماذا قامت الثورة السورية ؟…

قامت لأجل حفظ كرامة الناس وصون أعراضهم وحقوقهم وعيشهم في دولة العدالة والقانون وتحقيق الحياة الأفضل…لهذا حصلت الثورة السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى