لُوحظ مؤخراً أن ظاهرة استقبال واستدعاء بعض الأدباء والفنانين السوريين الموالين لنظام القتل الفاشيستي الأسدي تزداد اطّراداً في تركيا، كان آخِرها استقبال وتكريم (علي أحمد سعيد إسبر) الملقب بـ (أدونيس) من مواليد قرية قصابين التابعة لمدينة جبلة على الساحل السوري عام 1930. وهذا الملقب بـ ” أدونيس” هو شخصية طالما عُرفت بتأييدها لما يفعله النظام السوري، في مواجهة الشعب المظلوم الذي قام بثورته أواسط شهر آذار/ مارس 2011، حيث لا يعترف (أدونيس) بأن ما حصل في سورية هو ثورة بل يتهمها بالإرهاب، وبأنها (خرجت من المساجد)، وهذا دليله كما يدّعي أنها تنتمي إلى الإرهاب أو (الإسلام الجهادي) الذي يسميه بالإرهاب. وهو في ذلك إنما يصطفّ (شاءَ أَمْ أبَى، وَعَى ذلك أم لم يَعِهِ، أعلن عن ذلك أم لم يعلن) طائفياً إلى جانب نظام الطائفة، الذي استمرأ القتل بالبراميل والكيماوي ضد شعبه، أمام صمت العالم، وعجز أصدقاء سورية، عن الفعل الجِدِّيِّ لنُصْرة الشعب السوري المظلوم.
وكان الواقع التركي قد استقبل قبل ذلك بالإضافة إلى أدونيس المغني الشبيح (علي الديك) وسواهما. وقد تحركت مجموعة من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي في حملة ضد زيارة الشاعر أدونيس وعلي الديك لكنها كانت حملة متواضعة لم ترقَ إلى مستوى الحدث، وقد تم تكريم (أدونيس) في مهرجان “هوميروس الدولي للفنون الأدبية” في مدينة “إزمير” التركية خلال فعّاليات الدورة الأولى للمهرجان في إزمير .
وجاء اسم (أدونيس) إلى جانب ثلاثة أسماء لكُتّاب وأدباء أتراك تم منحهم الجائزة، وهم: الكاتب والشاعر أوزدمير أونجه، والكاتب والشاعر يشار أكسوي، بالإضافة إلى الصحافي التركي ميردان ينارداغ.
هذه الظاهرة التي باتت منتشرة مدعومة من بعض مسؤولي المعارضة في تركيا، يُراد منها إثبات الوجود، وتأكيد الخلاف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي كان له -وما زال- الموقف الواضح في دعم الشعب السوري، ومناهضة نظام الأسد القمعي والقاتل. لكن يجدر بنا هنا أن نتساءل لماذا تستمر هذه الظاهرة وتتسع، دون إمكانية لجمها، أو إيقاف عجلتها، التي تستهتر بآلام السوريين ودمائهم، وتناصر القاتل والظالم، وكيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة وإنهاء حركتها حتى لا تتكرر باستمرار، وتزيد من آلام المعذبين، عبر حالة اختراق للقيم الإنسانية، وتجاوز كل مسائل التعاطي مع حقوق البشر في الحياة. ويمكن أن نعزو ذلك لعدة أسباب منها:
– لامبالاة المعارضة السورية بكل تلاوين الطيف السياسي، وإشاحة النظر عن ظاهرة لا يبدو أنها سهلة، أو أن وَقْعها هيِّن على السوريين، الذين يجدون في استقبال الشبيحة وتكريمهم في تركيا إهانة لكل دماء السوريين. وهذه اللامبالاة والانشغال بما هو أقل منها أهمية، يصبّ في حالة الصراعات القائمة بين أجنحة المعارضة والاصطفافات البَيْنِيّة، والتي تؤدي إلى إهمال الكثير من المسائل التي كان لا بد من أن تُولَى الأهمية اللازمة، ومنها أيضاً قضية المعتقلين التي أضحت مركونة على الرف لدى معظم واجهات المعارضة، قبل أن تكون لدى سواهم من أصدقاء الشعب السوري في الغرب أو الشرق.
– المسألة الأخرى هي اتّكاء أطراف المعارضة التركية التي تستدعي هذه الشخصيات إلى قوانين تركية داخلية تسمح لها بمثل هذه التحركات، وتحول دون قدرة الحكومة التركية على لجم ومنع هذه الدعوات التي لا تتساوق مع المُعطَى الإنساني برمته.
– علاوة على حالة الحملات الانتخابية التي بدأت مبكرة لدى المعارضة التركية، والتي باتت الحكومة منشغلة فيها، وتحاول عبر ذلك محاكاة المزاج الشعبي العامّ، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من إعطاء الوقت والمساحة إلى شخصيات تركية عنصرية طالما استغلت الحالات الانتخابية لإنجاز حشدٍ شعبيٍّ مَا على حساب اللاجئين السوريين وفي وَضَح النهار.
– كذلك ترهل النخب السورية التي كان يفترض فيها أن تتصدى لمثل هذه الظاهرة بالمزيد من الفضح والكشف لمسيرة ومسار هذه الشخصيات أمثال أدونيس وعلي الديك وغيرهما.
حيث الترهل والصدأ علا محيا النخب ومن يمسكون بالمنظمات والمؤسسات السورية، وكان يفترض بهم أن يتنكبوا لحملة أقوى، كي يتم منع مثل هذا التكريم لشخصيات تستهتر بدماء وآلام السوريين، كأدونيس مثلاً وهو أكثر شخصية معروفة حيث انفضح قُبح أدبه وشعره الذي لم يماشِ آلام شعبه، بل ذهب بعيداً عَبْر فكر طائفي، ليتساوق مع الطغيان الأسدي والاستبداد، الذي يدعي أنه لا يوافق عليه.
بينما نجد أصواتاً لدى بعض المثقفين والكُتّاب الترك الأنقياء يعلو ويعلو وهي صرخات مهمة في وجه (أدونيس) ومَن في حكمه، كما فعلت صحيفة “يني شفق” عَبْر الكاتبة المهمة (بيريين بير سايجيلي موت) ولو أن بعض السوريين من كُتّاب ونُخَب وسياسيين ومثقفين أعلنوا صرختهم بشكل أقوى، لكان تم منع هذا التكريم السيئ لمن يبرر الإجرام الأسدي.
وحتى لا تكون هذه الظاهرة ممكنة الاستمرار، وقادرة على الحياة في مرات قادمة، كان لا بد من تلافي هذا التقصير لدى جُل الحالة الإعلامية والثقافية السورية، وكذلك الشعبية حفاظاً على مشهد سوري أقل ما يقال فيه أنه واعٍ ومتضامن مع نفسه ومع ناسه، في مواجهة ثقافة وأدب الطغيان، وأدب (جمهورية الخوف) التي تتمدد وتتابع مسارها وسط حالة التخلي المعولم، عن الشعب السوري الذي عانى وما زال من استمرار ذلك على كل الصُّعُد. وضمن كل المنعرجات، ولا بد من إيقاظ جِدِّيٍّ لدى كل تمظهرات المعارضة السوري وصولاً إلى بناءات أقوى وأقدر على القيام بمسؤولياتها عاجلاً أم آجلاً.
وَعْي الظاهرة وإدراك كُنْهها والعمل على مواجهتها إعلامياً وثقافياً وشعبياً، يدفع باتجاه حالة سورية أفضل، ويمكن الاتّكاء في ذلك إلى بعض الضوء الذي يصلنا من مفاصل وَعْيَوِيَّة ثقافية منيرة في الكثير من تَمَفصلات المجتمع التركي، وهو ما لاحظناه في العديد من المنحنيات والمنعرجات التي مرت، ولفحت بنيرانها وَجْهَ شعبِنا السوري في بلاد الغربة واللجوء.
المصدر: نداء بوست