تحضر التطورات الميدانية في الشمال السوري والتهديد التركي بشنّ عملية واسعة النطاق ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في ريف حلب بقوة في الجولة 18 من مسار أستانة التفاوضي، المقرر عقدها اليوم الأربعاء وغداً الخميس في العاصمة الكازاخية نور سلطان، على الرغم من أنه لم يمهّد الطريق أمام حلول سياسية للقضية السورية، بعد مرور خمس سنوات على انطلاقه.
وأكد رئيس وفد المعارضة السورية إلى محادثات أستانة أحمد طعمة، في حديث مع “العربي الجديد”، مشاركة الوفد في الجولة الجديدة، المقرر أن تناقش العديد من الملفات “الساخنة”.
وتشارك في الجولة الجديدة وفود من الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (إيران، روسيا، تركيا)، ووفدي النظام والمعارضة السورية، ووفود أخرى بصفة مراقب.
العملية التركية في محادثات أستانة 18
وذكر المتحدث باسم وفد المعارضة السورية المشاركة باجتماعات “أستانة” أيمن العاسمي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أجندة اجتماعات أستانة 18 تدور حول ما يجري في الشمال وما يمكن أن يجري، وضرورة تطهير المنطقة من تهديد المجموعات الانفصالية الإرهابية (في إشارة إلى قوات قسد)، حتى نتمكن من إيجاد أرضية لحل سياسي”.
وأشار العاسمي إلى أن ملف اللاجئين السوريين سيكون حاضراً في الاجتماعات لـ”العمل عليه بطريقة جدية”، مضيفاً أن عملية التضليل التي يقوم بها النظام من خلال إصدار عفو لن تجدي نفعاً، فالأمر يحتاج إلى معالجة حقيقية.
وحمّل العاسمي روسيا مسؤولية “مناورات النظام في هذا الملف”، وأكد أن ملف المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري واحتمال استخدام روسيا الفيتو (حق النقض) ضد تجديد الآلية الدولية لدخول هذه المساعدات، هي من أبرز الملفات في الجولة الجديدة من أستانة.
من جانبه، يقلل الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، من أهمية الجولة 18 من مسار أستانة، معرباً عن اعتقاده بأنها “ستكون كالاجتماعات السابقة وتخرج ببيان مألوف يؤكد على وحدة الأراضي السورية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية”، وتابع أن الملفات التي من المتوقع مناقشتها، كالعملية العسكرية التركية، تلزمها تفاهمات من دول خارج مسار أستانة.
وكانت الجولة 17 من “أستانة” قد انعقدت في 21 و22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في العاصمة الكازاخية نور سلطان، ولكن من دون تحقيق تقدم في الملفات التي أخذ هذا المسار على عاتقه التعامل معها، خصوصاً في ما يتعلق بالمسائل السياسية، ما عدا تثبيت وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية، والذي شهد العديد من الخروق من جانب الروس وقوات النظام السوري، خصوصاً في ريف إدلب الجنوبي.
ومنذ انطلاق مسار أستانة، في عام 2017، يحمل وفد المعارضة السورية العديد من الملفات، أبرزها ملف المعتقلين لدى النظام، ولكن من دون تحقيق أي اختراق مهم، باستثناء عمليات تبادل أسرى بين وقت وآخر وبشكل محدود عبر معبر “أبو الزندين” في ريف حلب الشمالي. وجرى آخرها منذ أيام حين أطلق النظام أسرى في مقابل إطلاق فصائل المعارضة لعدد مماثل.
وتشي التطورات الأخيرة في الملف السوري بأن الجانب التركي سيطرح مسألة القلق الذي تشعر به أنقرة من تنامي قوة “قسد” في ريف حلب، الذي شهد العديد من عمليات استهداف ضباط وجنود أتراك خلال العام الحالي في هذا الريف.
وتلوّح أنقرة منذ أكثر من شهر بشن عملية عسكرية واسعة النطاق مع فصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي ضد “قسد” وقوات النظام، التي عززت مواقعها أخيراً في محيط بلدة تل رفعت ومدينة منبج.
ولكن من الواضح أن الأتراك لا يريدون شن أي عمل عسكري واسع غربي الفرات، من دون “رضى” روسيا وإيران، وهو كما يبدو لم تحصل عليه حتى اللحظة، مع تأكيد موسكو وطهران رفضهما لأي تغيير في معادلات السيطرة على الأرض لمصلحة أنقرة.
رغبة روسية بإبعاد “قسد”
وأظهرت التعزيزات الكبيرة لقوات النظام في ريف حلب الشمالي أن الجانب الروسي يدفع باتجاه مختلف، راغباً بإخراج “قسد” من تل رفعت ومنبج، على أن تسلّم إدارة المنطقتين للنظام السوري وليس لتركيا أو فصائل المعارضة السورية التابعة لها.
وحتى الآن ترفض “قسد” هذا الخيار، وتطالب النظام بالدفاع عن المنطقة في مقابل تسهيلات تتعلق بالنفط في منطقة شرقي نهر الفرات، وهو ما يرفضه النظام.
وتُشكّل تل رفعت ومنبج أهمية كبيرة في الصراع الدائر في الشمال السوري، مع سعي جميع الأطراف للسيطرة عليهما، لكونهما مفتاحين إلى حلب، أكبر مدن الشمال السوري، فالنظام حريص على عدم اقتراب فصائل المعارضة السورية مرة أخرى من تخوم حلب الشمالية.
من جانبها، تضغط فصائل المعارضة السورية لاستعادة منطقة تل رفعت “بشكل خاص”، لعودة آلاف النازحين الى منازلهم في البلدة وقرى في محيطها.
أما الطرف التركي فيخشى تكرار سيناريو عام 2019، حين أوقف عملية في شرق الفرات، بعد تعهّد الروس بإبعاد الوحدات الكردية عن الحدود التركية بعمق 30 كيلومتراً، ولكن الوقائع على الأرض تؤكد أن هذا الأمر لم يحدث.
ومن المستبعد أن توافق أنقرة في الجولة 18 لمسار أستانة على سيناريوهات يمكن أن تقرّب قوات النظام والمليشيات الإيرانية من حدودها الجنوبية، ما يعزز الاعتقاد بأن نتائج الجولة العتيدة لن تختلف عن سابقاتها.
ولكن من المرجح أن يثبّت الجانبان الروسي والتركي وقف إطلاق النار، كونه ليس من مصلحة أنقرة وموسكو انهيار تفاهم موسكو المُبرم في مارس/ آذار 2020، الذي ما زال يحكم ما بقي من محافظة إدلب تحت سيطرة فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً).
وكانت الجولة الأولى من مفاوضات مسار أستانة قد عُقدت في 23 يناير/ كانون الثاني 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعقب خروج المعارضة السورية المسلحة من أحياء حلب الشرقية بموجب اتفاق روسي تركي، بدا أنه كان البذرة الأولى لمسار أستانة.
ومنذ بدء هذا المسار نُزعت كل أوراق القوة من فصائل المعارضة السورية، التي أُبعدت من معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها بفعل الطيران الروسي، ما جعلها الطرف الأضعف في المعادلة السورية.
المصدر: العربي الجديد