من غير المتوقع أن تلجأ الكتل السياسية في العراق إلى التقدم بمشروع قرار لحلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخاباتٍ جديدة في ظل أجواء التنافس السياسي والانقسامات العميقة داخل البيت الشيعي، ومخاوف الغالبية من الذهاب إلى فوضى أمنية.
“التوافق” عامل معرقل
“الإطار التنسيقيّ” الذي يضمّ قوىً سياسية فاعلة في المشهدين الأمنيّ والسياسي، يعتقد أن استقالة نواب الكتلة الصدرية “سيخلق فجوةً كبيرة” في العملية السياسية.
في حين أن تمسّك قوى الإطار التنسيقي بخيار تشكيل “حكومة توافقية” مُتفق عليها داخل المكون الشيعي، يعدّ من أهم العقبات التي حالت دون تحقيق الكتلة الصدرية رغبتها بتشكيل حكومة “غالبية وطنية” من شأنها إنهاء المحاصصة السياسية.
ويلقي التيار الصدري على المحاصصة السياسية مسؤولية الفساد المالي والإداري الذي يقف أمام إعادة بناء العراق وتنميته وتقديم الخدمات وتحسين البنية التحتية، واستعادة سلطة الدولة والقضاء على السلاح خارج مؤسسات الدولة.
ويرى خبراء متابعون، أن قرار رئيس التيار الصدريّ مقتدى الصدر باستقالة أعضائه، سيكون لا عودة عنه خلافاً لقراراتٍ سابقة تراجع عنها، آخرها تراجعه عن إعلانه في يوليو/ تموز 2021 الانسحاب من العملية السياسية وإغلاق مكاتب التيار الصدريّ وعدم المشاركة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وكان زعيم التيار الصدري قد وجه أعضاء كتلته، الأحد، بتقديم الاستقالات إلى رئاسة البرلمان، على خلفية الانسداد السياسي بتشكيل الحكومة.
وجاء قرار الصدر بعد أقلّ من شهر على إعلانه التخلي عن مساعي تشكيل الحكومة الجديدة والانتقال إلى صفوف المعارضة لمدة ثلاثين يوماً، في خطوة قد تؤدي إلى إعلان البرلمان العراقيّ حلّ نفسه والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة.
انسداد سياسي
لا تبدو القوى السياسية الفاعلة قادرة على إخراج العراق من حالة “الانسداد السياسي” والأزمة المتفاقمة التي من المتوقع أن تُدخل العراق في أزماتٍ أعمق سياسية واقتصادية وأمنية.
ووفق التفاهمات بين الكتل السياسية، فإن رئاسة الوزراء أعلى سلطة تنفيذية في العراق، هي من استحقاق المكوّن الشيعي.
ومنذ تصديق المحكمة الاتحادية العليا على نتائج انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فشلت الكتلة الصدرية التي تحالفت مع “تحالف السيادة” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” بتمرير انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث جلسات بسبب موقف نواب قوى “الإطار التنسيقي” ومقاطعتهم تلك الجلسات.
وتحتاج جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اكتمال النصاب القانوني للجلسة المخصصة لذلك، أي حضور ثلثي أعضاء البرلمان (210 نواب)، وهو العدد المطلوب لمنح الثقة لأحد المرشحين.
ويعدّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية خطوةً لا بدّ منها دستورياً، للمضي في تكليف المرشح لتشكيل الحكومة.
ووفق الدستور، فإن رئيس الجمهورية المنتخب هو المخوّل بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، أي مرشح الكتلة الصدرية، لتشكيل الحكومة والموافقة عليها بجلسةٍ خاصة يعقدها مجلس النواب.
وخلافاً للتوقيتات الدستورية، أعطى مقتدى الصدر أربعين يوماً مهلةً للأحزاب السياسية في الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، ومن ثم مهلة أخرى للمستقلين وإعلانه الذهاب إلى المعارضة بعد ثلاثين يوماً تنتهي في 15 يونيو/ حزيران الجاري.
وحققت الكتلة الصدرية المرتبة الأولى في الانتخابات الأخيرة، لكن الخلافات السياسية مع قوى الإطار التنسيقي عرقلت انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
توافق أم غالبية وطنية
يُنظر إلى مقتدى الصدر بأنه الرجل الأقوى سياسياً في العراق، وله الكلمة الفصل في رسم المسار السياسي والتحكم بعموم المشهد السياسي.
وسعى الصدر إلى التأسيس لبرنامج “إصلاح” من شأنه اجتثاث الفساد وحصر السلاح بيد الدولة من خلال الفصل بين الحشد الشعبي والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، وفق رؤيته الخاصة عبر تشكيل حكومة “غالبية وطنية” خاضعة للرقابة والمحاسبة، بعيداً عن المحاصصات التي أسّست للفساد وغياب المحاسبة.
هذه الحكومة، يتوافق على تشكيلها مع حلفائه في “تحالف إنقاذ وطن”، والحزب الديمقراطي الكردستاني، إضافةً إلى العرب السنّة ممثلين في “تحالف السيادة”.
لكن قوى “الإطار التنسيقي” لديها رأي آخر، إذ تسعى إلى تشكيل حكومة توافقية وفق مبدأ المحاصصة السياسية.
أشهر من الركود السياسي
منذ نحو ثمانية أشهر، يعيش العراق أزمةً سياسية نتيجة خلافاتٍ حادّة على تشكيل الحكومة، بين الكتلة الصدرية التي فازت بالمرتبة الأولى بـ73 نائباً وأحزاب سياسية ممثلة فيما يعرف باسم “الإطار التنسيقي” المنافس لهذه الكتلة.
واليوم، لا يزال العراق في غياب من أي مسار سياسيّ واضح للخروج من الأزمة الراهنة، التي تفاقمت بشكل خطير بعد قرار الكتلة الصدرية الاستقالة من مجلس النواب.
وأمام العراقيين خيار حلّ البرلمان عبر تقديم ثلث أعضاء المجلس (110 أعضاء) طلباً إلى رئيس المجلس، أو طلب يتقدّم به رئيس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية يقدّم إلى مجلس النواب يصوّت عليه في كلتا الحالتين بموافقة الغالبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس (210 أعضاء).
من الناحية العملية، هناك الكثير من المعوقات الإجرائية بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، والمعوقات الفنية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي تحول دون إمكانية حلّ مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
ووفق الآليات المتبعة قانوناً في تعيين البدلاء عن النواب المستقيلين من الكتلة الصدرية، فإنهم سيكونون أعلى الخاسرين في الدائرة الانتخابية نفسها للنائب المستقيل، أي الذي يليه بأعلى الأصوات بعيداً عن الكتلة التي ينتمي إليها.
من شأن ذلك، ومع عدم صعود نواب من الكتلة الصدرية بدلاء من أقرانهم المستقيلين، أن يكون النواب الجدد غالباً من كتل سياسية تنتمي إلى الإطار التنسيقي، مثل ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح وائتلاف قوى الدولة وكتل أخرى، ما قد يرفع عدد نواب قوى الإطار التنسيقي إلى نحو 140 نائباً، وفق تقديرات.
ومن غير المستبعد أن تفضي استقالة نواب الكتلة الصدرية إلى الخروج من أزمة تشكيل الحكومة، إذ من المتوقع أن تعلن قوى الإطار التنسيقي أنها الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد أول جلسة لمجلس النواب يُنتخب فيها رئيسٌ للجمهورية، وهو احتمال شبه أكيد بعد عودة العلاقات بين الحزبين الكرديين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستانيّ.
المصدر: (الأناضول) القدس العربي