أعترف أنني ضد ” كورونا “، لقد داهمني على غفلة مني، مع أنني قاومته بفضل ولدي د. أحمد، الذي عالجني وتابعني في البيت ساعة بساعة من ” فليندا “. نعم أنا معادي لكورونا، لأنه هزم الدول المتقدمة، ولم يرحم الدول المتخلفة وحسب، بل سكن وطني سورية، وأقام بحمص وانتصر على أبنائها وبناتها الطيبين، واختطف أعلاماً أطباء وأدباء وأبرياء. تُجمع الأعياد والأفراح والتعازي وطهور الأطفال أو تعميدهم عائلة وحيا ومدينة وريفً. منذ عقد من السنين العجاف بدأنا نلتصق ببيوتنا، ولا نخرج إلا لعين ربطة خبز حوراء، أو لغادة غاز عبلة الساق ولكمشة مازوت. أحبُّ لمات الشمل والزحمة حتى في باصات النقل الداخلي، أفراحاً وأتراحاً، لاسيما إذا تسابقت فيها مناسف اللحم وصدور الفطاير. عدائي لكورونا لأنه هجّر المعزين، وفرض وسائل التواصل الاجتماعي، مع أن العين مغرفة الكلام. وضع كورونا الحواجز على الطرق، وحاصر أحياء المدينة، وصادر المناسف والصدور وحتى الصواني، ولجم ألسنة الخطباء وعشاق الكلام المعسول في التعازي والأفراح، وهذا ” كول ” سجل لصالح كورونا. لم يبقَ لأبناء حمص المسالمين والملتزمين بالإسلام الوسطي، إلا التعازي، واللقاء وتواصل الأفراح وأفراد العائلة والجيران والأصدقاء والأحبة ورفاق الدرب. فهل أعلن كورونا حالة الطوارئ، والعمل بالأحكام العرفية، أسوة بالحكام العرب؟. أم اكتفى بوسائل شاركت بواجب مرافقة جثمان الدكتور طيب تيزيني رحمه الله من مسجد قباء إلى مقبرة تل النصر، لم نتعدى كمرافقين أصابع يدي شخصين منا، في لحده وتوديعه وقراءة الفاتحة أمام قبره. دخلت مساءً بيت الطيب للتعزية، فوجدتُ حشداً من الناس، يمسك كل منهم جزءاً من القرآن الكريم، وكان صمت تل النصر مخيماً عليهم، حتى أنني حسبتهم أمواتاً. أعتقد أن الدكتور طيب ليس إنساناً عادياً، مع احترامي النسانية كل انسان. كان باستطاعة كل منهم يقرأ القرآن في بيته، لنتحدث عن مناقب الدكتور طيب وفكره، وما خلفه من تراث فكري وفلسفه لعائلته الكريمة ولمدينته ووطنه وللبشرية… كانت كلمة التأبين التي كتبتها تصرخ في جيبي رافضة اعتقالها، تنشد الحرية، وهي تليق بها، لترى النور، وأقرأ بعض أفكار المرحوم التيزيني. عدائي لكورونا لاستغلاله خيبتنا وتباعد لقاءاتنا، وتقطيع الطرق والحديث فيما بيننا، وعجز وقصور المجتمع المدني في بلدنا، فاستبدلنا مقبرة تل النصر بساحة جورجيت حداد، فهاجرت الساحة والمناسف وحتى الصواني. تباعد لقاء الأصدقاء والأحبة. كم ألغت حمص أعراساً وأفراحاً لوفاة جار أو فقيد لتشاركه حزنه، وتقديم سلل الطعام وقدور ” الثرود ” بالبرغل واللحم… هذه هي حمص التي أحب. الذكرى قد تغيب ، لكن الذاكرة مقيمة لا ترحم ولا تحابي، إذا امتطت فرسان القدر، قرأت منذ سنين كتابين للدكتور مصطفى الحجازي، الأول ” سيكلوجية الانسان المقهور” والثاني ” سيكلوجية الانسان المهدور” أتساءل : – لمَ قدم الحجازي المقهورعلى المهدور؟. اليوم أدركت مكر كورونا وطيبة وأخلاق الصديق المرحوم الطيب تيزيني… – قدم المقهور وأخر المهدور.