يؤدي تداخل التخوم بين الخاص والعام إلى التغطية على الخاص بادعاء أنه شأن عام ، ويعتدي على العام باعتباره شأن خاص . الحزب أي حزبٍ على سبيل المثال شأنٌ خاص ، يهمُّ أعضاءه المنتسبين إليه ، وبهذه الحال تصبح مرجعيته الفكرية والإيديولوجية شأن خاص، بينما برنامجه السياسي شأن عام ، طالما يجيب عن أسئلة الواقع ، ويتناول الشأن العام، ويتقدم من الآخرين بهذا البرنامج السياسي، لكن أيديولوجية الحزب ومرجعيته النظرية فهي شأنٌ خاص، وأية محاولة لفرضها على الآخرين هو تعدٍ على حريتهم وحقوقهم، وتعدٍ في آن على الحق العام وعلى الدولة. نسأل: – تجربة الحزب الشيوعي / 70 عام / في روسيا ودول الاتحاد السوفياتي والأحزاب والجبهات التقدمية في أوربا الشرقية والدول ” التقدمية” العربية، هل كانت أحزابها هي التي تقود الدولة والمجتمع؟. أم الأمين العام المسطرة استالين؟ حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق و سورية الشقيقتين، وبحدود مشتركة هل هو الذي كان يقود الدولة والمجتمع؟…نصت المادة الثامنة في الدستور السوري عام 1973 ” حزب البعث العربي الاشتراكي قائد للدولة والمجتمع “، وألغى دستور سورية بعد منتصف آذار 2011 عام 2012 هذه المادة التي تنص : حزب البعث قائد للدولة والمجتمع، ويقود جبهة تقدمية. وفي لبنان ” قرار 1559 يقضي بتسليم كل سلاح خارج عن إمرة الدولة، إن أي حوار لا يستقيم بين مواطن يحمل السلاح ومواطن أعزل” منى فياض . الحرة نت. – و حزب الله في لبنان تبنى أجندة غير” وطنية ” وشكل ميليشيات مسلحة و أجندة عامة، هدد بنية المجتمع اللبناني، ويهدد اليوم بنية الدولة. – عندما يحوز الحزب على الأغلبية البرلمانية له الحق بتشكيل الحكومة، ويتقدم ببيان حكومته إلى البرلمان لكسب الثقة، ويحاول تنفيذ برنامجه الانتخابي…لكن هذا الحزب ومن تحالف معه يشتغل على المتغير في الدولة ” الحكومة ” ، وليس بما هو ثابت كشأن عام ” الدستور” كما أصرّ الإخوان المسلمون وكما يفعل رئس مصر السيسي. – الحكومة سلطة تنفيذية متغير في الدولة الديمقراطية الحديثة تتنافس عليها الأحزاب والمستقلون، أما البرلمان سلطة الدولة التشريعية والقضاء سلطة قضائية هذه سلطات حيادية ومستقلة، والجيش والجامعات مؤسسات عامة … إن الدولة شأنٌ عام أعلى يعني كل مواطنيها، كوحدة أرضها وشعبها ودولتها، والبحث في شؤونها من حق أي مواطن فيها، انطلاق من المصلحة العامة المشتركة ومن تشارك كافة المواطنين في تقرير شؤونها ومصيرها، ولا يحق لأي مواطن ولا لأي حزب أو فئة حق ادعاء ” قيادة الدولة والمجتمع “. فهذا يتعارض مع مفهوم الدولة وحقيقة أنها شأن عام لكافة مواطنيها ومستقلة وحيادية. لا يستقر الأمر في هذا العصر للدولة إلا بالفصل التام بين ما هو خاص وبين ما هو عام، وعندما يتحقق الفصل، يسهم الخاص ويشترك في تقدم العام، كما يصبُّ العام في تحسين شروط الخاص، وإذا كان الفصل يجعل العام يتنامى ويسمو، يعود العام باحتضان الخاص وتمثله، ويدفع العناصر العامة الموجودة في الخاص إلى السعي لمزيد من تنامي ما فيه من عام، عندها تتحقق الجدلية بين الخاص وبين العام، و تتعزز حيادية الدولة واستقلالها. يؤدي الفصل بين الخاص العام إلى حيادية الدولة واستقلالها ، فلا تحابي الدولة الديمقراطية الحديثة أحداً ولا تنحاز إلى أحد آخر : فئة كانت أو طائفة أو منطقة جغرافية أو حزب أو عقيدة فكرية أو دينية أو إثنية… ويتيح حيادية الدولة حق المكونات كافة بممارسة نشاطها وشؤونها الخاصة كما ترتأيه هذه المكونات. الكل والفرد يعيش في حمى القانون. يحظر على الخاص أنى كان حمل السلاح لتجاوزه حق الخاص، ويحصر السلاح بالجيش والشرطة للدفاع عن الوطن في الاعتداء الخارجي، وهذه مهامهما. يترتب على حيادية الدولة واستقلالها الفصل بين السلطات بما فيها المحكمة الدستورية العليا كعلامة فارقة للسلطة القضائية، ويمنع الجيش والأمن والشرطة الاشتراك في الانتخابات التشريعية والرئاسية منعاً للهيمنة على المجتمع والدولة والتغول عليهما ، وتحقيقاً لاستقلالية السلطة التشريعية والقضائية. عززت تعبيرات المجتمع المدني السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة من نقابات وجمعيات حقوق الإنسان والإعلام والأحزاب السياسية وحماية البيئة…عززت هذه التعبيرات المجتمعية الفصل بين الخاص والعام، وحمت حيادية الدولة واستقلالها، كما منعت في آن هيمنة الدولة وتغولها على المجتمع، وجعلت من الجيش والأمن والشرطة مؤسسة تتبع للحكومة المدنية، وتقاد من قبل السلطة السياسية المدنية، وخارج التنافس السياسي ومتفرغة لمهامها الخاصة ، أسوةً بالقضاء .