مسيرة الأعلام في القدس المحتلة وانتهاك القانون الدولي

عبد الحميد صيام

 ركب رأسه رئيس وزراء المستوطنة الصهيونية، نيفتالي بينيت، ونفذ وعوده بإقامة مسيرة الأعلام يوم الأحد 29 أيار/مايو في منطقة باب العامود وحائط البراق، بينما اقتحم نحو خمسة آلاف منهم باحات المسجد الأقصى وأدوا صلوات وطقوسا تلمودية. وتأتي هذه المسيرات في ذكرى احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967 وقيام الكيان الصهيوني بتفكيك السور الذي أقيم بعد حرب عام 1948 وبوابة مندلبوم التي كانت تفتح كل يوم أربعاء لمرور قوافل التموين للجامعة العبرية التي ظلت ضمن المنطقة الخاضعة للسلطات الأردنية شرق القدس.

فيما مضى كانت تقام مسيرات الأعلام من دون أي تحد وبحراسة قليلة ويشارك فيها عينات مختلفة من سكان المستوطنة. لكن في السنوات الأخيرة وبعد الانتفاضتين تغيرت الأمور. فإما أن تلغى تماما أو أن تقوم السلطات بتشديد الحراسة على المشاركين لدرجة أن أعداد الشرطة والأمن في المسيرة الأخيرة قد ناهز عدد المشاركين إن لم يكن أكثر، ما يثبت، بدون أدنى شك، أن القدس ليست موحدة وأنها ليست العاصمة الأبدية للكيان بل هي محتلة بقوة السلاح والعربدة ضد القانون الدولي وأن شعبها الأصيل سيظل متمسكا بكل ذرة تراب فيها إلى أن تتحرر من غزاتها كما تحررت من قبل أكثر من عشرين مرة.

في السنة الماضية هددت فصائل الثورة بأن المسيرة إذا لم تتوقف فسيتم استهدافها وحدد موعد الاستهداف بالضبط. ولذلك لم يزد عدد المشاركين عن ألفين أو ثلاثة بداعي الخوف. وبمجرد بداية انهمار المقذوفات في أكثر من موقع وفي مناطق القدس الغربية تفرق المجتمعون كالفئران كل يبحث عن خلاصه الفردي. أما هذه السنة، فيبدو أن هناك قناعة لدى المسؤولين بأن استهداف المسيرة لن يحصل لأسباب أهمها، في رأيي، داخلية تتعلق بوضع المقاومة وعلاقتها مع أهل غزة، وليس كما يدعي مروجو نظرية المؤامرة أن اتفاقا عقد بين الكيان ومصر لاحتواء رد الفعل على أن تغير المسيرة مجراها.

لقد جاءت ردود الفعل العربية والدولية باهتة تماما وأصبحت بيانات بعض الدول العربية المطبعة كأنها اقتباس أو نسخ من بيانات المسؤولين الأممين الذين نتيجة تقاعس السلطة وارتباطاتها في عمليات التنسيق الأمني، أصبحوا يتحدثون عن أطراف النزاع ويساوون بين الضحية والجلاد وكأن هناك صراعا متوازنا بين خصمين متساويين في القوة والعدة والعدد.

موقف الأمين العام من مسيرة الأعلام

أثرنا هنا في الأمم المتحدة مسألة صمت الأمين العام ومبعوثه لعملية السلام والأوضاع تتفاقم نحو يوم المسيرة. وسألت المتحدث الرسمي لماذا لا يصدر الأمين العام أو ممثله في الأرض الفلسطينية المحتلة، تور وينيسلاند، بيانا يدعو فيه إلى إلغاء المسيرة أو تغيير مسارها؟ أم أنه سينتظر إلى أن تبدأ المسيرة وتنهمر المقذوفات ثم يصدر بيانا يدين الفلسطينيين كما فعل السنة الماضية، حيث صمت كل الوقت وعندما أطلقت أول مقذوفة أصدر بيانا بعد ثلاث دقائق بالضبط يدين بأقسى العبارات إطلاق الصواريخ على المدنيين.

وهذه المرة لم ينطق الأمين العام بأي كلمة. كل ما صدر عن وينيسلاند «تغريدة» على حسابه في تويتر تقول: «ونحن نقترب من يوم 29 أيار/مايو، أدعو جميع الأطراف أن يمارسوا أعلى درجات ضبط النفس وأن يتخذوا قرارات حكيمة كي يتجنبوا صراعا عنيفا سيحصد مزيدا من الأرواح. إنني على تواصل مع الأطراف المعنية لأحض قياداتهم على التجاوب مع هذه الدعوة».

هذا كل ما صدر عن أي مسؤول أممي. لم يعلق أحد على الإصابات التي لحقت بمئات الفلسطينيين في شارع صلاح الدين والاعتقالات وتكسير المحال التجارية والاعتداء على الصحافيين، ومن بينهم مراسلة قناة فرنسا 24 ومراسل قناة «كان» الإسرائيلية حيث تعرّض للضرب المبرح، ربما لأنه عربي، على أيدي المستوطنين الذين ضربوه على رأسه وسرقوا هاتفه المحمول في حي الشيخ جراح.

جوهر موقف الأمم المتحدة يقوم على الوقوف على مسافة واحدة من القاتل والقتيل، وهو في المحصلة موقف منحاز لجانب الظلم وانتهاك القانون الدولي وانتهاك قرارات الأمم المتحدة نفسها، والتي من المفروض أن تشكل مرجعية للمسؤولين يلتزمون بها ولا يحيدون عن مضامينها.

المسيرة من منظور القانون الدولي

إن مسيرة الأعلام انتهاك للقانون الدولي لأنها تقام على أرض محتلة. فهناك نصوص واضحة في اتفاقية جنيف الرابعة ترصد كافة أنواع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني المتعلق بمعاملة المدنيين في مناطق النزاع والمناطق الواقعة تحت الاحتلال لا أريد أن أكررها.

لكن المسيرة نفسها تشكل حالة انتهاك لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس. فهناك قرارات واضحة لا لبس فيها اعتمدها مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان، كلها تؤكد أن القدس الشرقية أرض محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على كافة الأراضي التي احتلت عام 1967. وحتى قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، لا قيمة قانونية له كما جاء في قرار الجمعية العامة في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017 بغالبية 128 دولة صوتت لصالح رفض قرار ترامب مقابل تسع دول صغيرة أو صغيرة جدا.

لكن هناك ثلاثة قرارات لمجلس الأمن الدولي اعتمدت بعد حرب 1967 تتعلق بقرار إسرائيل إقامة احتفال وعرض عسكري في الذكرى الأولى للاحتلال عام 1968 حيث طالب القرار 250 (27 نيسان/أبريل 1968) بوقف تنظيم الاستعراض العسكري في القدس المحتلة. كما أصدر القرار 251 (في نفس يوم العرض 2 ايار/مايو 1968) الذي شجب إسرائيل لأنها لم تلتزم بالقرار. والقراران اعتمدا بالإجماع. ثم أصدر مجلس الأمن القرار 252 (21 ايار/مايو 1968) الذي يعتبر جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي تميل إلى تغيير الوضع القانوني في القدس باطلة ولا يمكن أن تغير هذا الوضع، ودعا إسرائيل على وجه الاستعجال إلى إلغاء جميع هذه التدابير التي اتخذت بالفعل والكف فورا عن اتخاذ أي إجراء آخر يميل إلى تغيير وضع القدس. وقد صوتت الولايات المتحدة وكندا بامتناع.

أحببت أن أشير إلى هذه القرارات المتعلقة بالمسيرات وتنظيم أنشطة في القدس المحتلة والتي يمكن أن تكون مرجعية للمسؤولين الفلسطينيين والعرب والدوليين لإثبات عدم شرعية قيام أنشطة من دولة الاحتلال في الأرض الواقعة تحت الاحتلال.

وقد تابع مجلس الأمن الدولي باعتماد العديد من القرارات المتعلقة بالقدس والحرم الشريف، حيث صدر القرار 271 (1969) بعد محاولة حرق المسجد الأقصى نص على: «حماية الحرم الشريف ووقف كافة الأنشطة التي تعمل على تغيير معالم المدينة». أما القرار 298 (1971) فقد أكد «أن كافة الإجراءات الإدارية والتشريعية التي قامت بها إسرائيل في المدينة مثل التحويلات العقارية ومصادرة الأراضي غير شرعية». كما دعا القرار إلى وقف كافة الأنشطة والإجراءات التي تحاول تغيير تركيبة المدينة السكانية. ثم اعتمد مجلس الأمن القرارين 476 و 478 عام 1980 بعد اعتماد الكنيست القانون الأساسي المتعلق بتوحيد القدس واعتبارها عاصمة للكيان، فقد نص القرار 476 على أن «كافة الإجراءات التي تعمل على تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها». أما القرار 478 فقد شجب سن القانون الأساسي الإسرائيلي الذي أعلن ضم القدس الموحدة إلى إسرائيل واعتبره انتهاكا للقانون الدولي.

التمسك بمبادئ مهمة مستندة للقانون الدولية

نود هنا أن نشير إلى مجموعة مبادئ تنسجم مع القانون الدولي فيما يتعلق بالكيان:

– يجب تركيز الخطاب السياسي على أن كل فلسطين محتلة، فالتركيز فقط على القدس وخاصة الحرم الشريف قد يخدم بشكل غير مباشر التوجهات الإسرائيلية ومفادها أن الدفاع عن القدس من أرضية دينية فقط وليس من منطلق احتلال الأرض ومصادرتها وتهجير السكان وبناء المستوطنات وتدمير الممتلكات وتغيير معالم المدن وتدمير الثقافة الفلسطينية الأصيلة؛

– يجب التركيز على أن هذه دولة مارقة تتبع نظام الأبرتهايد كما نصت على ذلك تقارير الإسكوا وبيتسيلم ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وتقرير مقرر حقوق الإنسان الأممي؛

– يجب أن يشمل الخطاب السياسي في كل مرة الحصار على غزة لأنه أيضا غير قانوني وغير شرعي وفيه انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؛

– يجب إظهار الجرائم اليومية ضد الشعب الفلسطيني سواء من قوات الأمن أو الجيش أو الشرطة أو المستوطنين- لا فرق، خاصة القتل التعسفي والقتل خارج نطاق القانون وهدم البيوت وإقامة الحواجز وحجز الجثامين واعتقال الأطفال والاعتقالات الإدارية والإهمال الطبي للأسرى وتعذيبهم وغير ذلك الكثير فكلها انتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؛

– وأخيرا ألا يخشى أحد من الدفاع عن حق الشعب الواقع تحت الاحتلال في مقاومة هذا الاحتلال بالطرق التي يراها مناسبة. إنه القانون الدولي والذي لا يتغير حتى يزول الاحتلال تماما.

بهذا نضع مسيرة الأعلام في إطارها الصحيح. فالصراع مع مستوطنة الأبرتهايد هذه أكبر وأوسع وأعقد من التصدي لمسيرة الأعلام على أهمية ذلك.

المصدر:  «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى