في الساعات المبكرة من صباح الأحد، توجه اللبنانيون إلى مراكز الاقتراع لانتخاب برلمان جديد على وقع انهيار اقتصادي يبدل وجه البلاد، وتوقعات متواضعة بأن التصويت قد يؤدي إلى تغيير ذي مغزى.
وتتنافس مجموعة جديدة من مرشحي الحراك الاحتجاجي لعام 2019 ضد الطبقة الحاكمة الراسخة في البلاد، على أمل الإطاحة بها. لكنهم منقسمون ويفتقرون إلى المال والخبرة والمزايا الأخرى التي يمتلكها الحكام السياسيون التقليديون.
وبدأت عملية التصويت بعد فترة وجيزة من فتح مراكز الاقتراع، تحت حماية قوات الأمن التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد.
وتعد انتخابات الأحد الأولى منذ بدء الانهيار الداخلي في لبنان في أكتوبر 2019، الذي أثار احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة.
وهي أيضا أول انتخابات منذ الانفجار الهائل الذي وقع في أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الآلاف وتدمير أجزاء من العاصمة اللبنانية.
ووقع الانفجار، الذي يلقى باللوم فيه على الإهمال، بسبب مئات الأطنان من نترات الأمونيوم سيئة التخزين التي اشتعلت في مستودع بالمرفأ بعد اندلاع حريق في المنشأة.
وينظر إلى الانتخابات على أنها فرصة أخيرة لعكس المسار، ومعاقبة المجموعة الحالية من السياسيين، الذين يستمد معظمهم قوته من النظام السياسي الطائفي في لبنان والغنائم السياسية التي تم حصدها بعد نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن التصويت أول فرصة للجمهور للرد رسميًا على أداء قادتهم، لذا فإن الأمر على المحك ليس فقط من سيفوز بأي مقعد، ولكن السؤال الأكبر حول ما إذا كان النظام السياسي في لبنان قادرًا على إصلاح اختلالاته العديدة.
وقالت إن قلة من المحللين يعتقدون ذلك، على الأقل في المدى القصير. وأشارت الصحيفة إلى أن التركيبة الاجتماعية المعقدة للبلاد، مع 18 طائفة دينية معترف بها رسميًا وتاريخ من الصراع الأهلي، تدفع العديد من الناخبين إلى انتخاب إخوانهم في الدين، حتى لو كانوا فاسدين.
وأشارت إلى أن العديد من المرشحين وجوه مألوفة سيكافحون لتقديم أنفسهم كعوامل تغيير مثل نبيه بري، رئيس مجلس النواب البالغ من العمر 84 عامًا، والذي شغل هذا المنصب دون انقطاع لما يقرب من ثلاثة عقود، وعلي حسن خليل، وزير المالية السابق، الذي عمل على عرقلة التحقيق في سبب انفجار بيروت، وجبران باسيل، صهر الرئيس، الذي تتهمه الولايات المتحدة بالفساد وفرضت عليه عقوبات العام الماضي.
بالإضافة إلى حزب الله، الذي له كتلة كبيرة في البرلمان وتعتبره الولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية، وآخرون هم أمراء الحرب من الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت عام 1990، أو في بعض الحالات أبناءهم.
ولقد سئم الكثير من الناخبين، وليس لديهم ثقة كبيرة في أن أصواتهم ستحدث فرقًا.
“لبنان حالة ميؤوس منها”
وقالت كلوديت مهنا، التي تعمل خياطة، لصحيفة نيويورك تايمز: “يأتي المرشح الآن ويقول سأفعل هذا وذاك، وأقول لهم: لقد جاء الكثيرون قبلكم ولم يتمكنوا من تغيير أي شيء”.
وأكدت مهنا أنها تود التصويت لشخصية جديدة خرجت من احتجاجات 2019، لكن بسبب الطريقة التي تجري بها الانتخابات، يتعين عليها التصويت لقوائم تضم مرشحين تكرههم.
وتابعت: “نحن نختنق. إذا جعلت نفسي أفكر في الذهاب والتصويت، لا أستطيع التفكير في من سأصوت له”.
وفي السياق، قال رباح عباس (74 عاما)، لوكالة أسوشيتدبرس بعد الإدلاء بصوته في بيروت: “فعلت ما يمكنني فعله وأنا أعلم أن الوضع لن يتغير 180 درجة”
ويخشى عباس أن تكون انتخابات الأحد مجرد تصويت رمزي، وأن لبنان سيعلق مرة أخرى في مشاحنات سياسية بعد التصويت بشأن تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد في أكتوبر. وأضاف “لبنان حالة ميؤوس منها”، معبرا عن المشاعر السائدة في لبنان.
وتغلق مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة 7 مساء بالتوقيت المحلي (1600 بتوقيت غرينتش)، ومن المتوقع الإعلان عن النتائج الرسمية غدا الاثنين.
“وجوه جديدة”
وبدا مدى الانهيار الاقتصادي في لبنان واضحا الأحد، لاسيما في مدينة طرابلس الواقعة شمالا – وهي أكثر مدن لبنان فقرا – حيث انقطعت الكهرباء عن عدة مراكز اقتراع واضطر الناخبون إلى صعود عدة درجات من السلالم للإدلاء بأصواتهم. وشوهد الناخبون وهم يستخدمون أضواء هواتفهم المحمولة للتحقق من قائمتهم قبل وضع أوراق الاقتراع في الصندوق.
وإلى هذا، قالت ميرفت دمشقية (55 عاما) وهي ربة منزل، إنها ستصوت للتغيير ولترشح “وجوه جديدة”، مضيفة أنه يجب على السياسيين القدامى التنحي. وتابعت “يجب أن يعطوا فرصة للآخرين. كفى سرقة”.
منذ بدء الانهيار، فقد عشرات الآلاف وظائفهم، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمائة من قيمتها، وغادر كثيرون البلاد بحثا عن فرص في الخارج.
ويعيش الآن ثلاثة أرباع سكان البلاد، البالغ عددهم ستة ملايين، وبينهم مليون لاجئ سوري، في فقر. ووصف البنك الدولي انهيار لبنان الاقتصادي بأنه من الأسوأ في العالم خلال 150 عاما الماضية.
ويتنافس 718 مرشحا في 103 قوائم على مقاعد البرلمان المؤلف من 128 عضوا. يجرى التصويت مرة كل أربع سنوات. وفي عام 2018، منح الناخبون جماعة حزب الله النافذة وحلفاءها الأغلبية بواقع 71 مقعدا.
يوجد في لبنان أكثر من 3.5 مليون ناخب مؤهل، وكثيرون منهم سيدلون بأصواتهم في دوائرهم الانتخابية الخمسة عشر. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أدلى اللبنانيون المقيمون في الخارج بأصواتهم في البلدان التي يعيشون فيها.
تجاوزات في مراكز الاقتراع
ولم تسجل مراكز الاقتراع إقبالاً كثيفاً حتى الساعة في معظم المناطق، وأعلنت وزارة الداخلية أن نسبة الاقتراع بلغت 14.6 في المئة، بعد مرور أربع ساعات على فتح الصناديق.
ووثقت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) التعرّض لمندوبيها في مناطق عدة بالتهديد أو الضرب، الجزء الأكبر منها في مناطق تحت نفوذ حزب الله.
ونشرت الجمعية صوراً ومقاطع فيديو تظهر مندوبين لحزب الله وحركة أمل يرافقون الناخبين خلف العازل في بعض الأقلام الانتخابية بشكل مخالف للقوانين.
وأوقفت القوى الأمنية مندوب لائحة معارضة في حارة حريك جنوب بيروت، لشتمه رئيس الجمهورية ميشال عون أثناء خروجه من مركز الاقتراع.
ووقعت إشكالات بين مناصرين حزبيين في مناطق عدة، أبرزها في مدينة زحلة في البقاع (شرق) بين مناصري حزب الله ومناصري حزب القوات اللبنانية الذي أفاد عن طرد مندوبي لائحته من تسع قرى في بعلبك الهرمل التي تعد معقلاً لحزب الله.
وقالت نايلة (28 عاماً) بعد اقتراعها في مركز في منطقة الجميزة في بيروت لوكالة فرانس برس “أنا مع التغيير لأننا جرّبنا الطبقة السياسية من قبل وحان الآن الوقت لاختبار وجوه جديدة”.
وقالت سينتيا طوكاجيان (37 عاماً) التي تعمل في مجال الاستشارات، بعد اقتراعها في محلة الكرنتينا في بيروت، لفرانس برس “أتمنى أن يشعر الذين كانوا جزءاً من هذه المنظومة المكسورة، أن من واجبهم اليوم أن يكونوا جزءاً من عملية إصلاحها عبر الانتخاب” ضدها.
وتقول ماريانا فودوليان (32 عاماً) وهي من المتحدثين باسم عائلات ضحايا انفجار المرفأ لفرانس برس “نحن ضد المنظومة التي حكمتنا منذ ثلاثين عاماً وسرقتنا وفجّرَتنا. الانتخابات فرصة لتغيير المنظومة ومحاسبتها”.
المصدر: الحرة. نت