إعلان سورية الاتحادية هو الإعلان الذي صدر بتوقيع عدد من الأشخاص المعروفين منهم ابراهيم الجبين وميشيل كيلو وأحمد برقاوي وغيرهم. هو يشبه دعوة قسم من السوريين الأكراد إلى الادارة الذاتية، وهذه الدعوات تأتي كرد فعل على النظام الاستبدادي الفاسد (” القاتل لكل اشكال الحياة” كما وصفته في مقابلة مطولة نشرت في جريدة الراية القطرية في شهر ايار ٢٠١١ أجراها معي شادي جابر في شهر نيسان ) ، شديد المركزية والاطباق على انفاس الشعب السوري امنيا وممارسة للسلطة المطلقة غير المحكومة بدستور او قانون او مبادئ او اخلاق في التصرف بجميع شؤون ومقدرات ومصائر الدولة والشعب والمواطنين الاقتصادية والسياسية ، العامة والخاصة ، الحاضرة والمستقبلية . رد الفعل هذا يرى علاج المشكلات التي خلفها هذا النظام هو في تغيير الشكل والاسلوب الاداري من الشكل المركزي جدا الى الشكل اللامركزي ، وهذا التغيير الشكلي كفيل بتغيير المضمون ، من نظام استبدادي فاسد لا وطني الى نظام ديمقراطي وطني ! ويحدث ذلك عندما يمتلك ويمارس سكان كل منطقة او ولاية او جماعة بشرية اثنية او طائفية… الخ حق تشكيل مستويات السلطة والادارة المحلية واتخاذ القرار بأهم المسائل الخاصة بهم مع بقاء مسائل الدفاع والعلاقات الدبلوماسية الخارجية، مثلا، شؤونا مركزية تقررها السلطة العليا المتشكلة من ممثلين لهذه الادارات المحلية شبه المستقلة. لا يوجد نموذج واحد في العالم يقاس عليه، بل هناك تدرجات كثيرة بين بلد وآخر من الدول ذات المركزية الشديدة والسلطة المطلقة للمركز الى الدول التي تتمتع فيها السلطات والادارات المحلية بالقسم الاعظم من السلطات والصلاحيات والقرارات، لكن الاغلب في العالم هو الانظمة المختلطة، وهذه ايضا مختلفة. وتستخدم ايضا تسمية النظام الرئاسي او النظام البرلماني تبعا لحجم الصلاحيات التي يتمتع بها الحاكم الاعلى او يتمتع بها النواب المنتخبون من قبل الشعب. وهنا تبرز مشكلة حرية الانتخابات ودرجة صدقية التمثيل. وتتدرج المركزية واللامركزية ما بين الوجود الرمزي والاسمي والشكلي للحاكم الأعلى، كما في الملكية الدستورية البريطانية التي لا تتدخل فيها الملكة في اي شان عام، وهي تملك ولا تحكم، كما يقال، علما انها لا تملك الا فيما يخص حياتها الخاصة وحياة العائلة المالكة، اذ ان مخصصاتها المالية تحدد في الميزانية مع اقرار الميزانية في البرلمان والتي تتحكم بها الاغلبية البرلمانية. اما جميع شؤون الدولة فهي بيد السلطات الاخرى، المستقلة، كالبرلمان والحكومة والقضاء. واذكر ان مخصصات العائلة الملكية السنوية كانت، في التسعينات، بحدود خمسة ملايين جنيه استرليني، وزيدت الى ثمانية ملايين، ويتحدد الرقم تفصيلا بالآلاف والوحدات، ويختلف كل سنة حسب اختلاف المهام والحاجات! وفي اواسط التسعينات قضيت في جامعة دورهام في شمال بريطانية بمهمة علمية من جامعة دمشق ستة اشهر لدراسة اتفاقيات الشراكة التي كان الاتحاد الاوربي يعرضها على دول جنوب وشرق المتوسط وجرى توقيع عدد منها ، مثلا مع المغرب وتونس والاردن ، وبالطبع ، كان اشملها واعمقها مع اسرائيل ، الوحيدة التي وقع معها اتفاقية التعاون العلمي التكنولوجي التي تجعل اسرائيل مالكة لكل نتائج الابحاث العلمية التكنولوجية التي يتوصل اليها الاتحاد الاوربي بمجرد مشاركة اسرائيلي واحد فيها ، ولا تدفع اسرائيل مقابل ذلك سوى مائة مليون دولار سنويا . وحتى مع سورية وقعت، بالأحرف الاولى، اتفاقية شراكة بعد سنوات طويلة من الاخذ والرد، وكنا قد عقدنا لمناقشتها بعض ندوات الثلاثاء الاقتصادي. ثم انقلبت الظروف، كما نعلم، ولم يجر التوقيع النهائي على الاتفاقية، لسبب رئيس وهو البنود التي تتضمن حقوق الانسان والحريات، والتي لا يقبل النظام اي كلمة من الخارج حولها لأنه يعتبر نفسه دولة مستقلة ذات سيادة وعزة وكرامة لا تتحمل اي تدخل في الشؤون الداخلية قد يصل الى حد الانتقاص منها. وكأن هذه الأوصاف لا تتأثر بما تفعله السلطة الحاكمة ببلدها ولو ادى الى ازالة الدولة والشعب من الوجود. لذلك نرى هذه الايام المحاكم الاوربية تحاكم من يقع بين يديها من رجال السلطة السورية، بينما يستمر النظام في غيه واستبداده، وكأنه لم يفعل شيئا، رغم انه لم يبق على الارض السورية شيء اسمه الدولة والشعب والاقتصاد والدستور والقانون والحقوق العامة والخاصة واولها حق الحياة والحق بالخبز! وردا على، واستغلالا لهذه الظروف الاستثنائية جدا، بادر بعض من المواطنين السوريين الاكراد، ومثلهم الموقعون على بيان سورية الاتحادية لتسويق فكرة الدولة الاتحادية، والترويج لها لتكون شكلا عاما لنظام الحكم في سورية، ودون انتظار موافقة الاغلبية العظمى من الشعب السوري! ووجهة نظري في المسألة تتلخص بانه في القضايا المصيرية يجب، اولا، عدم التسرع والتسابق لإملاء ما يشاء البعض ويناسب مصالحهم الخاصة على عموم الشعب السوري او محاولة فرضه عليه كأمر واقع، وربما، بالعنف وبالغصب، في تكرار مهلك ومنفر لما تفعله الانظمة الاستبدادية الفاسدة، و، ثانيا، يجب عدم تغليب الشكل على المضمون! يجب العمل، بداية، على كسب الرأي العام السوري، ثم اعطاء الاولوية للمضمون، لان الأمر الجوهري هو طبيعة السلطة والنظام: فاسد ام غير فاسد، ديكتاتوري ام ديمقراطي! فاذا كان فاسدا ومستبدا فانه سيكون كذلك في كل مقاطعة او ولاية وادارة او مؤسسة، بغض النظر عن الحجم او درجة المركزية او اللامركزية، والعكس بالعكس. والنظام البرلماني واللامركزي في العراق اليوم مثل بليغ على ذلك. بينما كل العالم اليوم يتحدث عن تفوق النظام المركزي الصيني على جميع الليبراليات والديمقراطيات الغربية في مواجهة واحد من أكبر الاخطار في التاريخ، وهو جائحة فيروس كورونا، مع استثناء عدد من الديمقراطيات الغربية كالدول الإسكندنافية والمانيا والنمسا واليونان، والحديث يطول!
441 3 دقائق