كانت هناك نظرية تقول إن مصلحة روسيا تكمن في الاستجابة للعالم وتغيير الرئيس السوري، وأن ذلك سيمنحها الإشراف على سورية، بل والإقرار باحتلالها. تبيّن أنّها نظرية لا تهمّ الروس، حيث ستنال الدول المتدخلة مصالح وأجزاء كبيرة من الكعكة. انتهى ذلك كله، مع انحسار المناطق الخارجة عن النظام، واحتلال روسيا القسم الأكبر من الأراضي السورية، والاقتصاد، وفرضت سياساتها على الجيش وأجهزة الأمن، بل وهَمشت آليات التعامل الدبلوماسي مع الرئاسة السورية.
روسيا، إذاً، لن تساوم العالم على رحيل الأسد قبل ضمان مصالح كبرى لها في سورية وخارجها، وهنا جوهر المسألة؛ فهذا البلد بيدها، نعم بيدها؛ فالأميركان تنازلوا عن أوراق كثيرة لصالح الرئيس الروسي، بوتين، وليس أقلّها تهميش المعارضة السياسيّة والعسكريّة، وتقترب من الاندثار! وأخيراً الانسحاب من مناطق واسعة في شرق سورية، وأيضاً تتحرّك تركيا وإيران وفقاً للهوى الروسي، والمعاندة في ذلك. تدفع روسيا إلى توتير الأوضاع، واقتطاع مناطق جديدة لها على حساب إيران وتركيا، وبالتالي ترضخان، وحينها تكون روسيا هي المستفيد الأكبر.
تناقلت الأخبار أخيرا أنّ أوساطاً روسيّة مقربة من الرئيس بوتين تُصعّد ضد النظام السوري ورأسه، وأن الفساد يعيق المشاريع الروسية، وهو أخطر من الإرهاب في سورية، وليس من معارك ضد “داعش”! ربما هذا صحيح، وربما يكون الخلاف الكبير بين الرئاسة وعائلة مخلوف حقيقياً، حيث نَقلت الأخيرة مصالح كثيرة لها إلى روسيا، ولكن ذلك لا يعني أن لتلك الأخبار قيمة حقيقيّة في وضع نهايةٍ لنظام الأسد واستبداله. هناك مصلحة روسيّة في بقاء هذا النظام بالذات؛ فهو من شَرّعَ وجود الروس، وهو من مكّنَهم في سورية والمنطقة، وهو يخضع لهم حالما يضغطون عليه، وعدا ذلك كله، هو في حالة ضعفٍ شديد، والمعارضة أصبحت أكثر ضعفاً منه، وليست هناك أوراق جديدة تقدمها أوروبا وأميركا قبالة أيّة مساوماتٍ فاعلة على النظام السوري. وبالتالي، ربما تكون الأخبار السابقة الذكر وسائل ضغط جديدة، أو رسائل روسيّة إلى النظام السوري، وتتعلق بتلك الوسائل، أي تخصّ الصراعات الروسية على سورية أكثر مما هي تفيد بأيّ جديدٍ عن اقترب موعد رحيل الأسد.
أن يزور وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، دمشق، على الرغم من خطورة الوضع في بلاده، سيما في موضوع فيروس كورونا، فهذا يعني أن هناك مشكلات مع النظام السوري، ويجب تحديدها، والتداول بشأنها، وليس بالضرورة أن هناك جديداً في الساحة السورية! طبعاً، أي إيقاف لإطلاق النار في إدلب هو ضرر كامل لإيران وللنظام، حيث ستستفيد منه روسيا وتركيا ومن يحكم من السوريين المناطق الخارجة عن النظام، ولكن ذلك الإيقاف تمّ عبر صفقة بين روسيا وتركيا، وهو ينفذ تدريجياً. وعدا ذلك هناك تأكيد عالمي بضرورة أن تخرج إيران من سورية، وأن ذلك سيغيّر في سياساتٍ كثيرة إزاء النظام وروسيا ذاتها ولمصلحتهما. أصبحت هذه الفكرة، منذ زمن بعيد، رهن الدبلوماسية الروسية، وهم يهمشون فعليّاً إيران وبهدوء، ويسمحون لإسرائيل بمتابعة قصفها المواقع الإيرانية، ولكن روسيا لم تقبض بعد الثمن الفعلي لطرد إيران، ولم تستغن عنها بعد في معاركها على الأرض السورية. الخطر الحقيقي على إيران سيكون حينما تتفق تركيا وأميركا وروسيا على كيفية التهام سورية، وبالتالي ما يزال لإيران أهمية، وفقاً للحسابات الروسية.
إذاً لا تغيير في السياسة الروسية إزاء سورية، والنظام الحالي باقٍ، وربما تتجمع أوراق الصفقة حالما يحين موعد الانتخابات الرئاسية السورية. أكرّر، ربما، حيث أصبح الموضوع السوري ورقةً لدى الروس، وستفاوض فيها مع جملة قضايا الأخرى لإنهاء العقوبات المفروضة عليهم، وتغيير السياسات الغربية إزاء روسيا.
ربما تحصل متغيرات معينة، تؤثر في موضوع التفاوض العالمي، وهذا خارج الحسابات الدوليّة الحاليّة. إن فيروس كورونا، وإطلاق رئيس هيئة الأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، نداءً لإيقاف إطلاق النار في العالم، لم يُغيّر في السياسات العالمية، وكذلك حاولت روسيا والصين إعادة شرعنة النظام السوري عالمياً ورفع العقوبات عنه، ليتمكّن من مواجهة فيروس كورونا. لم يفد ذلك كله شيئاً، ولم تتوقف الصراعات العالمية، وربما خفتت قليلاً، ولكن العالم ما زال يسير كما كان قبل كورونا.
هناك من يجادل بأن النظام ورئيسه سيُرحَّلان حالما ترفع إسرائيل وأميركا الغطاء عنهما، وضمن ذلك هناك من السوريين من يعتبر هذه الفكرة حقيقة، فيذهب إلى إسرائيل، أو يثرثر عن اتفاقية سلام مستقبليّة في حال رُحِّلَ الرئيس السوري ونُصِّبَ الثرثار بديلاً عنه. هذه أيضاً من الآراء المؤامراتية؛ فروسيا الآن هي من يتحكّم بالأوضاع السورية. نستطرد أيضاً: كان للنظام السوري، أي قبل 2011، دور إقليمي وداخلي، ومعرفته الدقيقة بالعلاقات الإقليمية والعالمية، وتبادله المصالح معها، هو ما ساهم في تخفيف الضغوط عليه، وذلك ينفي أن استمرار وجوده منذ 1970 كان بسبب علاقته الوثيقة مع إسرائيل وأميركا، أو هما من تنصبانه! وأنّه لن يتغيّر قبل أن تتقدّم المعارضة، أو معارضين أو شخصيات، وتحلّ مكان آل الأسد فينتقل الحكم إليها.
الأسد باقٍ في الوقت الحالي، وأغلب الظن أن الدول قد تصل إلى صفقةٍ ما بموعد الانتخابات الرئاسية السورية في 2021؛ فهناك تعقيدات كثيرة تمنع بقاءه في حال الوصول إلى صفقةٍ حقيقيّة، وتغيرات كبيرة حدثت في سورية. ما فعلته روسيا منذ 2011، وعبر كل مساراتها الفاشلة، لم يسمح لها بإعادة إنتاج النظام؛ السياسات الغربية واضحة بصدّد ذلك، وبالتالي ليس هناك من تغييرٍ إزاء الوضع السوري إلى أن يُتفق على تلك الصفقة.
أحلام بعض السوريين بالرئاسة هراء محض، وتعبر عن خفةٍّ لا تحتمل في فهم السياسة، وكيفية اختيار رجال الحكم والرئاسة وسواه، وهي تعبّر عن ضعفٍ شديد في المشاريع الوطنية، نظاماً ومعارضة. وبالتالي، هناك ضرورة كبيرة، كي يتعلم السوريون السياسة، وتثقيف أنفسهم بأحوالها، ومعرفة قدراتهم إزاء المناصب التي يطمحون للوصول إليها. نعم يجب أن نعترف بأننا، نحن السوريين، لسنا واعين جيداً لقدراتنا، ونعظّم منها أو نخفف من قيمتها، وهذا ربما ما يسمح لأغلبية المحللين، والناس عامة، باستبدال الوقائع بالأحلام، بل بالأوهام بأدق المعاني.
المصدر: العربي الجديد