الصراع السني الشيعي…الجذور والأبعاد

علي جبلي

ظاهرة الصراع قديمة قدم الإنسانية، وهي من الظواهر المعقدة في الدراسات الاجتماعية، ولعل ذلك يعود إلى تداخل العوامل المنشئة لحالة الصراع وتنوع مصادره، وتعدد الأهداف والدوافع والأبعاد، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية منها بالتحديد، التي أصبحت ساحة نفوذ للقوى الكبرى، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبواسطتها تم استدعاء الخلافات البينية، وتطييف الصراعات السياسية، حتى أصبحت ورقة الخلاف السني الشيعي من أهم أدوات الصراع، ومن أبرز وسائل التعبئة الجماهيرية، ووسيلة لتقسيم المنطقة واستنزاف القوى السياسية المتصارعة.

في إطار هذا التنافس ترى إيران أنها تمتلك عدداً من المقومات الحضارية والسياسية والعسكرية، تجعل منها قوة إقليمية ومركزاً للشيعة في المنطقة، التي يعد المذهب الأغلب فيها هو المذهب السني وعلى الرغم من ذلك ليس هناك قوة إقليمية موحدة لمواجهة الطموح الإيراني، وتعد المملكة العربية السعودية في نظر إيران دولة محورية تعيق الطموحات الإيرانية، وترى في النفوذ الإيراني خطراً على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومن ثم نشب الصراع المباشر وغير المباشر بين الدولتين، لعدد من العوامل الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وأصبح العامل المذهبي أحد أهم هذه العوامل.

يُعدُّ العامل المذهبي القائم على نظرية الإمامة الاثنا عشرية وفرعها ولاية الفقيه أحد المحركات الرئيسية لظاهرة التوسع الإيراني، ولعل هذا أهم أسباب الخلاف السني الشيعي، حيث يرى المذهب الشيعي الاثنا عشري الحكم أصلاً من أصول الدين، ويرى في ولاية الفقيه فكرة مركزية عابرة للحدود القطرية، ويجب أن تستوعب المكون الشيعي أينما كان. في حين يرى المكون السني أن الحكم فرع من الفروع، يخضع للاجتهاد البشري في إطار القواعد والقيم الإسلامية العامة.

وقد أسهمت الدولة الحديثة في تخفيف الحمولات السياسية المذهبية إلى حد بعيد، باستثناء الفكرة السياسية الشيعية التي لا تزال جاثمة على النظام السياسي الإيراني بثقلها التاريخي والجغرافي والعرقي.

والعامل المذهبي وإن كان أحد أدوات الصراع فإنه يظل وسيلة لأهداف سياسية كبرى، وحتى في الماضي لم يمثل حالة صراع تاريخي دائم، حيث يرى بعض الدارسين لتاريخ العلاقات السنية الشيعية أن الاستقراء التاريخي يدل على أن الأصل في العلاقة بين المذهبين التواصل لا القطيعة، وأن أسباب القطيعة التي ظهرت في بعض مراحل التاريخ كانت سياسية وثقافية وعرقية في جلها، وإن كان التعبير عنها جاء بصيغة دينية ومذهبية غالباً، ولهذا كانت تسميتنا للصراع القائم بأنه سني شيعي تجوزاً نتيجة شيوع العامل المذهبي على الرغم من أن أسباب الصراع سياسية لأهداف توسعية أكثر من كونها مذهبية.

وعلى الرغم من تعدد المذاهب الشيعية التي حكمت العالمين العربي والإسلامي في بعض المراحل الزمنية، فإن الشيعة الإمامية التي تمثل حجر الزاوية في الصراع الحالي ليس لهم نشاط سياسي تاريخي طويل، ويعود النشاط السياسي التاريخي للشيعة الإسماعيلية من خلال الدولة الفاطمية، والشيعة الزيدية من خلال الدولة الإمامية في اليمن.

في هذه الدراسة سنحاول التركيز على فهم حالة الصراع القائم، التي لا يمكن استيعابها دون الإلمام بالأصول السياسية لدى المذهبين السني والشيعي، ولهذا ركزنا في المحور الأول والثاني من هذه الدراسة على شرح الصراع والنظريات المفسرة له والأبعاد المذهبية لفهم ظاهرة الصراع، كما تم التركيز في المحور الثالث على مظاهر الصراع وأدواته المتعددة، وفي المحور الأخير قراءة لفرص الصراع ومآلاته في ظل التوجهات الدولية نحو تهدئة المنطقة للتفرغ للطموحات الصينية.

المحور الأول: الجذور التأسيسية للصراع السني الشيعي

ظاهرة الصراع ليست مفهوماً جديداً في حقل الدراسات الاجتماعية، ولا شكلاً من أشكال الحياة المعاصرة، بل هي ظاهرة ممتدة مع امتداد الحياة، وموجودة منذ وجد الإنسان على الأرض، وذلك لتلازمها الدائم مع الإنسان والحياة. وقد تعددت تفسيرات الفلاسفة والمفكرين لهذه الظاهرة القديمة الجديدة، نظراً ربما لتعدد زوايا النظر واختلاف أدوات الصراع بين كل حقبة وأخرى.

أولاً: الصراع المفهوم والنظريات المفسرة

التباين في الأهداف والتنافس على المصالح والسعي للتوسع والرغبة في الاستحواذ والتخوف من الآخر، ربما تعد هذه أبرز المظاهر التي تكشف عن طبيعة الصراع، سواء في إطار الأفراد أو في إطار المجتمعات، وتناولنا للتعريف سيخص الصراع في طبيعته الكبرى المتعلقة بالمجتمع أو الدولة.

يُعرف قاموس “بنغوين” للعلاقات الدولية الصراعَ بأنه: “وضع اجتماعي ينشأ حين يسعى طرفان أو أكثر لتحقيق أهداف متعاكسة أو غير متلائمة”[1]، ويعرف إسماعيل صبري مقلد ظاهرة الصراع بأنها: “التنازع الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وإمكاناتها، وهو ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق، ولكن برغم ذلك يظل الصراع بكل توتراته وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة”[2].

ويعرف الباحث في علم الاجتماع لويس كوسر الصراع بأنه: “تنافس على القيم وعلى القوة والموارد يكون الهدف فيه بين المتنافسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم”[3].

وبالوقوف على هذه التعاريف يمكننا القول إن الصراع حالة أعلى من التنافس، لأن التنافس قد لا يحصل من خلاله إيذاء الآخرين، أو منعهم من الوصول إلى أهدافهم، ففي ظاهر التنافس يسعى كل طرف للحصول على ما يريد، دون السعي لمنع الآخر من الوصول إلى ما يريد، في حين يكون الصراع عندما يتحول التنافس إلى حالة من السعي للحيلولة دون وصول الآخرين إلى أهدافهم أو تأخير الوصول، وقد يتطور إلى تدميرهم قبل الوصول إليها، سواء بأدوات صلبة أو ناعمة.

كذلك فإن الصراع يختلف عن الحرب؛ لأن الحرب في التعريف العلمي استخدام القوات المسلحة في نزاع ما، وبخاصة بين البلدان، وقد يتحول الصراع إلى حرب، وتبقى صفة الصراع ملازمة له، لأن الحرب من أدوات الصراع الخشنة، وليست كل أدوات الصراع خشنة، فقد تنشب حرب وتهدأ وتغيب مسبباتها، لكن الصراع خطورته في صعوبة القضاء عليه تماماً، لأن أسبابه مركبة ومعقدة، لكن يمكن إدارتها بشكل يمنع التجاوز، ضمن استراتيجيات الردع أو موازنة القوى وغيرها.

وما يهمنا هنا هو تعريف الصراع السني الشيعي بالتحديد، حيث يمكن القول إن الصراع في هذا الإطار هو وضع اجتماعي ينشأ عندما يتعرض أو يتوهم طرف من الأطراف اعتداء الطرف الآخر عليه بأي شكل من أشكال الاعتداء، وتُستَخدم من خلاله القوة سواء بمعناها الصلب أو الناعم في سبيل دفع الطرف الآخر أو التحكم فيه قبل تحقيق أهدافه.

ولظاهرة الصراع عموماً عدد من النظريات المفسرة لها، ومن أشهرها:

  1. النظرية النفسية “السيكولوجية”

وهي عبارة عن مجموعة معطيات تفسر ظاهرة الصراع من خلال مجموعة من الدوافع والعوامل النفسية للقائد أو صانع القرار لدى أطراف الصراع، مثل الرغبة في التسلط والسيطرة والمكانة أو الحقد والكراهية، والنزاعات العدوانية كالثأر والانتقام والإحباط وخيبة الأمل والانطباعات والصور الذهنية والانفعالات النفسية، وغيرها من العوامل والدوافع النفسية[4].

وهذه النظرية تكشف عنها عدد من الاتجاهات، من أشهرها الاتجاه الذي يربط بين النزعة العدوانية والطبيعة الإنسانية، ومن أبرز رموز هذا الاتجاه عالم النفس سيجموند فرويد، وهذا الاتجاه مُنتقد باستقراء عدد من حالات الصراع، ففي مختلف مراحل التاريخ نجد أن هناك قادة دول كثيرين دُفعوا قسراً واضطراراً إلى انتهاج وسيلة الصراع المسلح بعد أن تكون كل البدائل الأخرى والأقل تطرفاً في العنف قد أخفقت في أن تؤدي دورها في حماية المصالح الوطنية أو في تسوية المواقف المتنازع عليها بطريقة مقبولة[5].

  1. نظرية العلاقات المجتمعية

وترى هذه النظرية أن أسباب الصراع هي الانقسام والاستقطاب المستمر، وحالة عدم الثقة والعداء بين الطوائف أو الجماعات المتنوعة داخل المجتمع أو الدولة.

  1. نظرية الحاجات الأساسية الإنسانية

وهي من أكثر النظريات التي تلقى اهتماماً وجدلاً في تفسير أسباب الصراع، وتشير هذه النظرية إلى أن عدم توفر أو إشباع الحاجات الأساسية الإنسانية، يولد العنف والصراع كوسيلة لتوفير الحاجات الأساسية أو الحصول عليها، ومن أهم منظريها: لويس كوسر، ويوهان غالتونغ، وإدوارد عازار.

وتعد أهم الحاجات الأساسية التي تتسبب في الصراعات: الحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الهوية والانتماء، والحاجة إلى الاعتراف (الاحترام/ التقدير/ الكرامة)، والحاجة إلى المشاركة في القرار والحكم، والحاجة إلى العدالة والحرية، والحاجة إلى الغذاء والصحة والسكن.

  1. النظرية الماركسية

تفسر الصراع بين الدول تفسيراً مادياً أو اقتصادياً، في حين أن الصراعات الداخلية تكون في البنية الطبقية أو الصراع الطبقي داخل المجتمع أو الدولة، خاصة بين طبقة العمال وطبقة الأغنياء أو أصحاب العمل[6].

وكما اختلف علماء الاجتماع في تفسير ظاهرة الصراع فإنهم كذلك يختلفون فيما إذا كان الصراع يعد مسألة عقلانية ويؤدي وظيفة اجتماعية، أو أنه ظاهرة مرضية غير عقلانية، ويبدو أن أغلب علماء النفس وعلماء النفس الاجتماعي في الوقت الحاضر يميلون إلى أن يعدوا كل أشكال العنف العدواني في النطاق السياسي ظاهرة غير عقلانية، وغير مرغوب فيها، وهو ما يؤيدهم فيه كل ذوي التوجهات القانونية وفلاسفة الأخلاق[7].

والصراعات عموماً تحمل طابعاً مركباً ومعقداً في نفس الوقت، حيث يتداخل فيها عدد من العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية، ولها امتدادات تاريخية ومحفزات خارجية، تستقي منها جميعاً عوامل الديمومة والاستمرار.

وقد تعددت أسباب الصراع وتباينت لدى الدارسين؛ نظراً لتعدد الحقول العلمية والمعرفية التي تسهم إسهاماً واضحاً في التفسيرات العلمية للأحداث، أو نظراً للتباين الأيديولوجي أحياناً الذي يحكم نظرة المتخصصين لحالة الصراع، أو تعدد المناهج العلمية التي يتبنونها في دراسة معطيات الصراع.

وقد قسم كوينسي رايت، وهو أحد العلماء المؤسسين لحقل دراسات الصراعات والحروب، العوامل والأسباب إلى ما يلي[8]:

  1. العوامل المثالية الأخلاقية: وتشير هذه العوامل إلى أن الأفراد والشعوب تتحرك باتجاه الصراع والحروب بسبب حماسها تجاه مثاليات يُعبَّر عنها من خلال الدين، أو الوطنية، أو القومية، أو الدائرة الحضارية الإنسانية، وذلك لحمايتها أو لنشرها من خلال استخدام وسائل الإكراه ضد المعارضين.
  2. العوامل النفسية: وتتمثل بتحرك الأفراد والشعوب باتجاه العنف والحروب بسبب أملها في الهروب أو التخلص من الظروف القاسية أو غير المرضية أو غير المحتملة أو الخطيرة، وغير ذلك من أشكال رفض المعاناة.
  3. العوامل السياسية: في حالات معينة يعد العنف أو الحرب بالنسبة إلى كثير من القادة أو الشعوب أداة ضرورية أو ملائمة لتطبيق سياسة خارجية ما، أو لإيجاد أو حفظ زيادة نفوذ الحكومة، أو حزب أو طبقة داخل الدولة، أو المحافظة على أو زيادة نفوذ الدولة بالمقارنة مع الدول الأخرى.
  4. العوامل القانونية: وذلك بسبب ظهور ظروف أو حدوث تطورات يعتقد أن فيها انتهاكاً لقواعد القانون الدولي وحقوق الآخرين، ومن ثم يمكن أن يكون اللجوء إلى القوة أو الحرب هو العلاج المناسب، وفق شرعية قانونية أو قضائية.

وهذه العوامل ربما تكون عوامل مساعدة للأزمات الحقيقية التي تعاني منها الدول، وخصوصاً في عالمنا الثالث، حيث تكمن الأسباب الرئيسية للصراع في غياب الشرعية السياسية وما تحمله من معاني الحرية والعدالة وضعف التوزيع العادل للثروة، وفي ظل وجود هذه الفجوة برز العامل المذهبي مُذكياً حالة الصراع الداخلي في المنطقة، وقد وجد هذا العامل نفسه مسنوداً بأدوات داخلية وخارجية، ومنسجماً مع التحليلات الاستشراقية والتوجهات الدولية التي تحاول إبراز التفسير الديني والمذهبي والحضاري لحالة الصراع في العالم الثالث.

ومع وجود البعد المذهبي في حالة الصراع في المنطقة، فإن هذا لا يعني أنه العامل الأساس في الصراع، فثمة عوامل أخرى، وأحياناً كثيرة يكون الدين أو المذهب وسيلة من وسائل التعبئة، سواء من الأنظمة السياسية في العالم الثالث، أو من خلال التعاطي الغربي مع هذه المجتمعات، فدعم وإحياء الصراع الطائفي أصبح وسيلة للتحكم في ظاهرة الصراع وتجييرها إلى المربع الذي تبقى معه محافظة على المصالح الدولية.

ثانياً: التصورات السياسية الشيعية ودورها في الصراع

الخلاف السني الشيعي ليس وليد اللحظة وتعود جذوره للبدايات التأسيسية للفرقتين، وكان البُعد السياسي هو المسيطر على الفكرة منذ نشأتها، وهذا ما يدعونا إلى البحث في حقيقة الصراع وجذوره التأسيسية.

وقد فرضت مسألة الحكم نفسها على الواقع الفكري والسياسي منذ بداية التاريخ الإسلامي، وكانت الخلفيات التأسيسية الأولى لكثير من الفرق ذات بعد سياسي، فبداية ظهـور الشيعة كانت من خلال تَزَعُّم فكرة حب علي بن أبي طالب، ثم تطور التشيع فيما بعد كرد فعل على الجماعات المعارضة لعلي.

  1. الخلافات السياسية الأولى وأثرها في بلورة فكرة التشيع

كان الخلاف السياسي الأول هـو بداية النشأة الطبيعية لأشهر الفرق الإسلامية، لكن الشيعة يرون أن نشأتهم متقدمة، إلى عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأفرزهـا الخلاف الأول حول مسألة الحكم في سقيفة بني ساعدة، الذي افترقت فيه الأمة إلى ثلاث فرق حسب رأي الشيعة؛ “فرقة منها سميت الشيعة وهـم فرقة علي بن أبي طالب، ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها”[9]، وفرقة الأنصار بقيادة سعد بن عبادة، وفرقة المهـاجرين بقيادة أبي بكر الصديق، ومعهم في هـذا الرأي القائل بأن البداية من سقيفة بني ساعدة بعض علماء الاستشراق[10].

وهـناك من يرى فَرقاً بين التشيع السياسي والتشيع الديني، ويرى بأن التشيع السياسي أقدم من التشيع الديني أو العقدي أو الروحي، وهـذا الرأي تبناه المفكر العراقي أحمد الكاتب، في كتابه (التشيع السياسي والتشيع الديني)[11].

والواقع أن التشيع كان في بداية أمره موقفاً سياسياً؛ لتأييد أحد المعسكرات السياسية الموجودة حينها، بدليل أن هـناك شيعة عثمان وشيعة معاوية، فهـو موقف سياسي، والتشيع عملية توصيف للمجموعات السياسية المتعددة، ذات الولاءات المختلفة، وفي بداياته الأولى كان يدور حول شخصيات دينية ورموز سياسية لها صدارتهـا في المشهـد ويُنسب إليها، ولم تكن له روافع فكرية أو نظريات سياسية محددة، والتشيع لعلي كان أحد هذه الأشكال، ودخل فيه عموم المسلمين حينها، ويمكن القول إن التشيع كمنتج تاريخي أخذ أطواراً عدة في التشكل، امتزج فيها السياسي بالديني في فترات متعددة وبنسب متفاوتة.

ولعل الأهـم في الموضوع أنه إذا قُصد بالتشيع والشيعة معنى الميل إلى إمارة علي بن أبي طالب، والطموح إلى تقديمه وتفضيله، فإننا سنجد جماعة غير منظمة تجمعها هذه الآراء والأماني، منذ أن طُرحت مسألة الإمارة عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استمرت بهذا النمط واستمر هـواهـا مع علي حتى بويع له بالخلافة، وظهـر الخلاف بينه وبين طلحة والزبير، ثم بينه وبين معاوية، وبينه وبين معاوية من جهـة وبين الخوارج من جهـة أخرى، وحينهـا أطلق على الذين حاربوا معه ونصروه على خصومه شيعة علي، والحق أن هـذا الوصف يدخل فيه حتى مدرسة البغداديين من المعتزلة أتباع بشر بن المعتمر، التي تميزت بتفضيل علي على كل الصحابة، وهـم ليسوا شيعة بالمعنى الفني، حسب تعبير الدكتور محمد عمارة، فتفضيل علي ليس هـو ما يميز بين الشيعة وغيرهم، وإنما عقيدة (النص والوصية) هـي ما تميز الشيعة، وهذه العقيدة وضع قواعدهـا هـشام بن الحكم ثم أخذها عنه معاصروه ومن أتوا بعده[12].

ويمكن القول إن نشأة التشيع ارتبطت بعوامل سياسية في بداياته الأولى، والصياغة الكلامية والفقهية للمذهب جاءت بعد تشكله السياسي، وقد مر التشيع بأطوار رئيسية أسهمت في تأسيس فكرة النظرية السياسية، شأنها شأن أي فرقة أو جماعة تمر بأطوار مختلفة، وهي:

المرحلة الأولى: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وظهـور أنصار علي بن أبي طالب الذين كان رأيهـم أن يكون هـو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لا على أساس وصية أو نص، وإنما حباً له، وكان فيهم من الصحابة والتابعين، وهذه المرحلة استمرت حتى بويع لعلي بالخلافة بعد وفاة عثمان بن عفان؛ لكنهـا لم تفرز فكراً خاصاً بها.

وهـذا التأييد لعلي قبل خلافته ظل في المستوى الفردي والشخصي، ولم يتحول إلى حزب أو جماعة خاصة يجمعها موقف سياسي موحد ورابطة داخلية ناظمة للمؤيدين يصح من خلالها إطلاق كلمة شيعة على مناصريه ومؤيديه، إلا أن المؤيدين والمناصرين له، في زمن الخلفاء الثلاثة لم يشكلوا حالة سياسية أو جماعة ذات تطلعات سياسية ورؤى عقائدية خاصة، ولعل إعراض علي عن التصدي للسلطة أو المطالبة بها، وإيثاره الانضواء في ظل الدولة المتشكلة حديثاً، ضيق هـامش الجدل والتنافس على السلطة، وقلل من فرصة نشوء تضامنات سياسية لم تخرج إلى الضوء إلا قبيل مقتل عثمان، حين ظهـر الانقسام الاجتماعي والتنافس السياسي وبرزت جماعات مصالح متضاربة، معنية بطبيعة السلطة وبحركة القرار فيها[13].

المرحلة الثانية: بدأت من المبايعة لعلي بالخلافة، وخصوصاً مع ظهـور المعارضة له، وحركات الاحتجاج ضده، من ثلاثة معسكرات على الأقل، أولها المعسكر الذي تزعمه طلحة والزبير المطالب بدم عثمان، ومعسكر معاوية بن أبي سفيان في الشام، ومعسكر الخوارج، وأمام هذه المعسكرات الثلاثة سمي من ناصر علياً ووقف معه شيعة علي، واستمر عدد من هؤلاء مع ذريته من بعده، وعارضوا حكم بني أمية والعباس.

وهذه المعارضة الشيعية إلى الآن لم تكن في بدايتهـا قائمة على عقيدة متميزة، بل على موقف سياسي مغاير، لذلك نرى أن الحركة الشيعية ضمت في أوائل عهـدهـا، قبل تطورهـا إلى مذهـب وطائفة، رجالاً محسوبين على الاتجاه الفقهي السني، بل ضمت بعض أركان هـذا الاتجاه مثل الإمام أبي حنفية، مؤسس أول مدرسة فقهية سنية[14].

المرحلة الثالثة: ظهـور فكرة النص والوصية. وبدأت هذه المرحلة منذ مطلع القرن الأول، ومعها بدأ الفكر الشيعي يتدرج في بلورة رؤيته للحكم، فقال أولاً بأولوية أهـل البيت في الحكم والخلافة، ثم قال بعضهـم بتعيين الله للأئمة، وقد التقت هذه المفاهـيم التي كانت تتبلور مع حالة التمزق الذي كان يعصف بالحركة الشيعية والصراع الداخلي على القيادة بين أجنحة أهـل البيت المختلفة، فأدى كل ذلك إلى نشوء نظرية الإمامة[15].

ومع ظهور فكرة النص حدث الخلاف في النص الذي يقولون به أهـو جلي أم خفي؟ ثم في تفضيل علي؛ أيلغي حكم من سبق وفضله؟ أم هـو مفضل مع بقاء حكم من سبقه وجواز إمامتهـم في وجوده؟ ثم فيمن يستحق الإمامة وشروطهـا. وبهذا تعددت فرق الشيعة، وخصوصاً بعد وفاة الباقر، حيث وقع الخلاف بعده فيمن يستحق الإمامة، ففريق يراهـا لجعفر بن محمد وآخرون يرونهـا لزيد، وحدث تباين في الموقف من الإمامة بين جعفر وزيد، فزيد يرى وجوب الخروج ومواجهـة الظلم، وجعفر يرى أن الإمامة تتحقق بمجرد الوصف ولا يُشترط عنده الخروج، ولم يتعامل جعفر مع الثورات التي خرجت، ولم يرشح نفسه لذلك، ومن هـنا بدأ الخلاف بين الزيدية والجعفرية، واشتد بعدهما بين أنصارهما، فالقائلون بإمامة جعفر بن محمد أطلق عليهم الجعفرية، والقائلون بإمامة زيد بن علي بعد محمد بن علي بن أبي طالب أطلق عليهم الزيدية، وكانت لرؤية كل منهما أثر في فلسفة الحكم عند أتباعه.

وبعد وفاة جعفر الصادق اختلف الشيعة في الإمام فقالت طائفة هو إسماعيل بن جعفر الذي مات قبل وفاة أبيه وهم “الإسماعيلية”، ثم تفرقت الإسماعيلية فرقاً عدة، وفريق رأوا الإمامة لأخيه موسى الكاظم، وهم الاثنا عشرية، وهم من نخصهم بحديثنا، وخصوصاً ما يتعلق برؤيتهم للحكم، التي تتلخص في:

الإمامة أصل من أصول الدين

ترى الاثنا عشرية أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وهي لطف من الله، ويجب أن يكون في كل عصر إمام هاد، وهي استمرار للنبوة، ولا يجوز أن يخلو عصر من إمام.

عصمة الإمام

تشترط الاثنا عشرية عصمة الإمام، فالإمام عندهـم يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهـر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمداً أو سهـواً[16]، وتحشد الاثنا عشرية عدداً من المبررات لإثبات هذه الدعوى، منها أن الشريعة الإسلامية خالدة، ومصلحتها خالدة وثابتة إلى قيام الساعة، ولهذا لا بد لهذه الشريعة من حافظ، ولا يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمة أو بعضهـا، وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة؛ لأن الأمة يجوز عليها السهـو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عما عملته[17].

الإمامة نص من الله

ترى الاثنا عشرية أن الإمامة منصب إلهي، وصاحبها مُختار من الله لسابق علمه، ويأمر النبي بالدلالة عليه، بالنص الجلي، حيث يرون إمامة اثني عشر؛ وهم: علي بن أبي طالب وابناه الحسن بن علي والحسين بن علي وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي ومحمد بن الحسن العسكري.

ويرون أن الإمام محمد بن الحسن العسكري اختفى منذ اثني عشر قرناً، وقد كانت فكرة الانتظار للإمام الثاني عشر هي المعتمدة، بل لا يزال إلى الآن من يعتقد بها، لكن لم يكن للفقهاء بد من تطوير نظريتهم، وقد قام الخميني بالبناء على جهود من سبقه في تطوير نظرية ولاية الفقيه لتحل هذا الإشكال الحاصل.

  1. فكرة ولاية الفقيه ودورها في الصراع السني الشيعي المعاصر

تنطلق فكرة ولاية الفقيه من نقل فكرة الإمامة من الانتظار إلى التفعيل، وقد جاءت جهود آية الله الخميني مكملة لجهود رجال دين شيعة سابقين رأوا ضرورة الخروج من الواقع، والاجتهاد للمرحلة التي يغيب فيها الإمام الثاني عشر الذي تؤمن به الشيعة الجعفرية، وخرجوا بنظرية ولاية الفقيه كحل للواقع.

وثمة اختلاف في المصادر الشيعية حول ميلاد فكرة ولاية الفقيه، فلم يكن الخميني أول من قالها، لكنه بالتأكيد هو من طورها وطبقها، حيث يرى الخميني أن الولي الفقيه يقوم بوظائفه حتى يظهـر الإمام، وعلى هـذا يقول: “وإذا كنا نعتقد أن الأحكام التي تخص بناء الحكومة الإسلامية لا تزال مستمرة، وأن الشريعة تنبذ الفوضى، كان لزاماً علينا تشكيل الحكومة، والعقل يحكم بضرورة ذلك”[18].

وقد شكلت نظرية ولاية الفقيه نقلة نوعية في الفكر السياسي الشيعي، وجاءت على موج الثورة لتصل إلى مرحلة التطبيق العملي بوصفها محوراً أساسياً في التركيبة السياسية الشيعية، وترتكز على النص المقدس الذي أوجد آلية لخلافة الإمام الغائب، وتقوم على أساس تعيين الأكثر قرباً منه لناحية المواصفات، ويرتكز هذا التعيين على أساس رأي أهل الخبرة الذين لا يحق لهم وضع المعايير والمواصفات، بل فقط يحددون الشخص الأفضل والأكثر قرباً من المعصوم، وفق شروط النص[19].

وولاية الفقيه ليست رؤية ملهمة بقدر ما هي أصل النظام السياسي الإيراني، حيث تؤكد ديباجة الدستور الإيراني المعدل لعام 1989 على مسألة ولاية الفقيه وأنها أعلى سلطة في إيران، وتم ترسيخها في متن الدستور، وتحديداً في المادة (57) التي أعطت التأكيد الشرعي الدستوري لهذا المبدأ، وقد منح المرشد الأعلى السيادة السياسية والدينية، فضلاً عن جعل الإيمان بولاية الفقيه من الركائز السياسية للجمهورية الإيرانية[20].

تعد نظرية ولاية الفقيه فكرة عابرة للحدود الإيرانية، ترتبط بالجغرافيا الشيعية أينما كانت، وتحاول استمالة الأقليات الشيعية في الدول الأخرى للارتباط بمركزية ولاية الفقيه، وإعادة تشكيل النظام الدولي على أساس التعددية القطبية، وقد سعت إيران إلى بناء تحالفات استراتيجية مع أدواتها في المنطقة، ونجحت في تسخير قدراتها السياسية وطموحاتها الاستراتيجية في سبيل تشكيل الجيوبولتيك الشيعي.

يشير مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي إلى أن إيران تشكل الركيزة الأساسية للعالم الشيعي، ضمن إطار الجيوبوليتيك الإسلامي، وتأتي فكرة المركزية الشيعية هنا بنفس الصيغة التي طرحها المفكر الاستراتيجي هالفورد جون ماكيندر، عندما صاغ نظرية قلب الأرض، التي تتكون من نقطة مركزية هي أوراسيا، وتحيط بها مجالات حيوية أخرى مرتبطة بها، وهو ما يمكن تناوله في إطار الجيوبوليتيك الشيعي عن طريق العديد من النظريات الجيوبوليتيكية التي طُرحت، والتي يأتي في مقدمتها نظرية “دولة أم القرى”، التي طرحها علي لاريجاني، الذي اعتبر فيها أن إيران تشكل الركيزة الأساسية للعالم الشيعي، وهو في ذلك يؤطر لنفس الفكرة التي نادى بها ماكيندر عندما تكلم عن المنطقة المحورية في العالم.

ويشكل هذا التوجه هدفاً استراتيجياً تسعى إيران لتحقيقه، فكل الطروحات الفكرية التي نادى بها الخميني جاءت في إطار تحقيق هذا المسعى الاستراتيجي الإيراني، الذي يشكل في النهاية اللبنة الأساسية لتشكيل الإمبراطورية الشيعية العالمية، التي يقودها الولي الفقيه في إيران، فحتى فكرة ولاية الفقيه هنا تأتي ضمن سياق استراتيجي يهدف إلى إيجاد حالة ربط بين فكرة المركزية الشيعية العالمية-إيران، ومركزية صنع القرار- ولاية الفقيه، الذي يمثل مركز الشرعية السياسية في العالم الإسلامي الشيعي، مستندة في ذلك إلى الظروف التاريخية والسياسية التي مرت بها أيديولوجيا الإسلام السياسي الشيعي في إيران[21].

التوسع الإيراني كما أنه مسنود بنظرية ولاية الفقيه، فإن البعد الجيوسياسي والعرقي من العوامل المهمة المحركة للصراع، ولهذا فإن الطموح الإيراني نحو التوسع الإقليمي ليس وليد اللحظة، وإنما ترتبط جذوره بالتاريخ الطويل للإمبراطورية الفارسية، وترى في نفسها امتداداً طبيعياً لحضارة قديمة، لم تحترم بالقدر الذي يليق بها، وخصوصاً من البيئة العربية.

ثمة بعد آخر في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية يراه الدكتور عبد الله النفيسي يتعلق بالإدراك الفارسي للرمزية العربية، حيث تشيع في المخيال الفارسي صورة العربي بوصفه الفاتح الغازي المقتحم الذي لا يبالي بالموروث الفارسي، وهذه الصورة قد ترسخت عبر الزمن، وخاصة في مرحلة الشاه محمد رضا بهلوي[22].

ثالثاً: الفكرة السياسية عند السنة

لم يكن الافتراق السني الشيعي بارزاً في الخلافات السياسية الأولى، ذلك أن جزءاً كبيراً من المسلمين كانوا من المدافعين عن ولاية علي، وقد كانت التسمية الأولى لعموم المسلمين “الجماعة” نسبة لعام الجماعة، ثم أضيف فيما بعد مفهوم أهل السنة، وترسخ هذا المفهوم نتيجة السجال مع أفكار المعتزلة، ووقع التنازع بين الأشاعرة والماتريدية من جهة وبين أهل الحديث من جهة أخرى حول من يمثل منهم هذه التسمية، لكن ما يهمنا أن للسنة رؤية سياسية تختلف عن الرؤية الشيعية.

يؤصل كثير من كتب التراث السني أن الإمامة واجبة، وأنها واجبة بالشرع، حيث يرى الماوردي أن الإمامة “موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدُهـا لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع، واختلف في وجوبها هـل وجبت بالعقل أو بالشرع، فقالت طائفة وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء في التسليم لزعيم يمنعهـم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهـملين، وهـمجاً مضاعين، وقالت طائفة أخرى: بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزاً في العقل ألا يرد التعبد بها”[23].

وعلى هـذا فمذهـب أكثر السنة أن الإمامة واجبة وجوباً شرعياً، ويستدلون على وجوبها بالإجماع، فالإمامة عندهـم ثابتة بإجماع الصحابة أولاً، ثم بإجماع الأمة، قبل ظهـور الخلاف عند نشأة علم الكلام، ولما كان الإجماع أحد المصادر التي يستقى منها الشرع قالوا إن مصدر وجوب الإمامة هـو الشرع.

وعلى هذا الأساس يعد الحكم في الموروث السني من الفرعيات لا من قواعد العقائد، بل هـي ولاية عامة، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في التآخي والتحري كما يرى أبو المعالي الجويني[24]، ويقول ابن تيمية: “وغايتهـا أن تكون كبعض الواجبات: كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله”[25]، وجرت عادة بعض المؤلفين من أهـل السنة ذكرهـا في مباحث علم الكلام، تماشياً مع الشيعة الذين يذكرونهـا في أبواب علم الكلام، ومن باب الرد عليهم.

وفي تعيين الإمام قال أهـل السنة بالاختيار[26]، وهـناك قلة من أصحاب الحديث قالوا إن الإمامة بالنص، وإن خلافة أبي بكر كانت بالنص؛ لكن الغالبية منهم أنه لا نص في الإمامة.

وتقول السنة بشرط القرشية؛ انطلاقاً من بعض النصوص النبوية، لكن كثيراً من المتأخرين لهم استدراكات وتأويلات لهذا الشرط الذي شاع في كتبهم، وأسس هـؤلاء رأيهـم على رأي ابن خلدون الذي يرى القرشية شرطاً اجتماعياً اقتضته ظروف الواقع، وذلك أن قريشاً كانوا عصبة، وكان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف، فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك، ويستكينون لغلبهم؛ فلو جعل الأمر في سواهم لتُوقع افتراق الكلمة بمخالفتهـم وعدم انقيادهـم، ولا يقدر غيرهم من قبائل مضر أن يردهـم عن الخلاف، ولا يحملهم على الكرّة فتتفرق الجماعة، وتختلف الكلمة[27].

وكلام ابن خلدون أصبح مدخلاً تأسيسياً لتجاوز هـذا الشرط، الذي كان في بدايته ربما تقديراً لظرف زماني ومكاني معين، ولم يكن شرطاً إلزامياً، ولما انتهت تلك العلة زال الحكم؛ هذا إذا افترضنا أنه حكم ملزم.

وفي عصر الدولة الحديثة ذابت أغلب أصول النظرية السنية في إطار الدولة الحديثة، بما تحمله من مقومات سياسية تختلف عن شكل الإمبراطوريات السابقة، وأصبح لكل دولة مساحتها الجغرافية المحددة، وسكانها الأصليون، ونضامها السياسي، وغاب كثير من الأفكار السياسية السابقة لصالح الدولة المعاصرة، وفي هذا الإطار لم تعد كثير من الأفكار الاجتهادية السابقة حاضرة في الأدبيات السياسية المعاصرة، مع تغييب للشورى في كثير من دول العالم الإسلامي التي تعد أصلاً من أصول السياسة في الإسلام، وتغييب الشفافية والمحاسبة والتوزيع العادل للثروة، إضافة إلى ضعف القوانين والتشريعات التي تستوعب الأقليات، وهو ما عزز من الصراع السني الشيعي.

رابعاً: العلاقة بين التصورات السياسية السنية والشيعية

مسألة الحكم أصل من أصول الدين لدى الشيعة، في حين أنها لدى السنة تعد من فروع الدين، وما حدث بعد ذلك من تقديس للإمامة والإمام، والارتباط بالإمام، ربما كان مصدره بيئة أخرى خارج البيئة الإسلامية، كما يرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري في كتابه “العقل الأخلاقي العربي”، حيث يُرجع هـذا التحول إلى عهـد هـشام بن عبد الملك، الذي تُرجم في زمنه الموروث الفارسي، خاصة منه ما يتعلق بالملوك والآداب السلطانية والبرتوكول والسياسة والأخلاق والكتاب[28]، وفي هـذا الإطار يقول أبو عثمان الجاحظ في كتابه “التاج في أخلاق الملوك” مبيناً مدى تأثر الثقافة الإسلامية بالموروث الفارسي: “وعنهم أخذنا قوانين الملك والمملكة، وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية، وإلزام كل طبقة حظهـا”[29].

والحق الإلهي لدى الشيعة يعود لانقياد الفرس للحاكم، وهذه الحالة أثرت في الفكر الشيعي أكثر، ويمكن أن نستنتج أن الاختلاف بين الفريقين مشابه للاختلاف بين الديمقراطية وعقيدة الحق الإلهي، وهذا ما خلص إليه العديد من المستشرقين[30].

إضافة إلى ذلك يعد البعد القبلي هو المسيطر في صراعات الإمامة في بداية الأمر، واستمد وجوده من نزاعات النفوذ قبل الإسلام بين القبائل القرشية بعضهـا مع بعض، كما كان بين بني أمية وبني هاشم، أو بعد الرسالة كما كان بين الأنصار والمهـاجرين، أو ما حدث بعد ذلك من خلاف بين الأمويين والهاشميين بقسميهـم العباسي والعلوي، ثم بين العباسيين والعلويين فيما بينهم.

كما أن التداخل والتواصل بين السنة والشيعة في الحياة الفكرية والفقهية هو السائد تاريخياً، فمِنْ علماء وأمراء السنة مَنْ ظهرت ترجمته في كتب الشيعة على أنه شيعي، ومن علماء وأمراء الشيعة من تُرجمَ له في كتب السنة على أنه سني، وقد نقل الطرفان الحديث النبوي عن رواة الطرف الآخر دون حرج، ولم ير علماء الحديث السنة الأقدمون في التشيع مانعاً من الثقة بالراوي والرواية عنه[31].

هذا الافتراق إلى سني وشيعي لم يأخذ حالة التشظي عن أصل انشق الآخرون عنه، وإنما هي تفاعلات متعددة أدت لتكون عدد من التمثلات المختلفة، من خلال الردود والردود المضادة، وخلال الردود نشأت السنة مذهباً رئيساً عند أهل الحديث والمتكلمين، ضد المعتزلة والزيدية والشيعة، قبل أن يصبح تياراً سنياً[32].

وعلى الرغم من ذلك استمر التواصل الاجتماعي والسياسي بين السنة والشيعة في أغلب مراحل التاريخ، حيث شهد مسار العلاقات السنية الشيعية تموجات وانتقالات دائبة بين التواصل والقطيعة طيلة مراحل التاريخ الإسلامي، ويمتاز كل من منهج التواصل ومنهج القطيعة بسمات تحسن الإشارة إليها، فأهم سمات التواصل الإحساس بالاشتراك في الدين والتاريخ والهوية والانتماء والمصير، وأما القطيعة فهي تنكر لكل هذه المشتركات، ورفع لأسوار عالية بين الطائفتين، مع تغليب سوء الظن والتخوين، ويدل الاستقراء التاريخي على أن التواصل العلمي والاجتماعي والسياسي بين السنة والشيعة كان سائداً في أغلب مراحل التاريخ الإسلامي، وأن العلاقات السنية مع الشيعة الإمامية لم تكن علاقات قطيعة في أغلب مراحل التاريخ، بل ظل التواصل الاجتماعي والسياسي والفكري غالباً عليها، وقد سادت القطيعة بين السنة والشيعة في أربعة سياقات زمنية وهي[33]:

  1. الصراع بين المالكية والإسماعيلية خلال الحكم الفاطمي.
  2. المناوشات الحنبلية الشيعية في بغداد تحت الحكم البويهي الذي دام مئة وخمس سنوات.
  3. صراع النفوذ بين العثمانيين والصفويين في العراق وشمال الشام وشرق الأناضول.
  4. الصراع على ضفتي الخليج منذ الثورة الإيرانية 1979 إلى الآن.

وعلى الرغم كذلك من التواصل السني الشيعي في أغلب مراحل التاريخ فإن هناك عوامل داخلية تذكي الصراع بين المذهبين، يأتي على رأسها الذاكرة التاريخية للخلافات السياسية الأولى، واستدعاء التصورات السياسية السابقة، التي لا تزال مؤثرة في الأداء السياسي وخصوصاً الشيعي، ولعل أقرب مثال على ذلك تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وقوله: “الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد… والحسين بلون آخر لا يزال موجوداً… إذاً أنصار يزيد وأنصار الحسين مرة أخرى وعلى طول الخط يصطدمون في مواجهة شرسة عنيدة، وهذا يعطينا رؤية بأن الجريمة التي ارتكبت بحق الحسين لم تنته”[34].

ويضاف إلى ذلك الشعور الشيعي العربي، وبالأخص عند شيعة السعودية، بالمظلومية، وقد حافظ الخطاب الصادر عنهم على مقولاته الأساسية، وأبرزها أن مسؤولية المظلومية الطائفية يتحملها المذهب الوهابي الحاكم، والجزم بأن الدولة بمؤسساتها المختلفة في حالة خصام مع الشيعة، هو تأكيد أن التمييز تحول من تدابير سياسية إلى ثقافة متأصلة في بنية المجتمع والسلطة[35].

هذا الاستدعاء التاريخي من جهة، والتمسك بالتصورات السياسية الفقهية والتعامل معها كبنى ثابتة، من جهة ثانية، أدى إلى مزيد من التباعد، وولد الشعور بالمظلومية لدى الشيعة، وقد عززت الخطابات السياسية والفتاوى الفقهية، وخاصة في إطار الصراع بين مصطلحي “الروافض والنواصب”، هذا التباعد، وهو ما أدى إلى مزيد من عزلة المكون الشيعي العربي وبحثه عن روافع سياسية خارج حدود دولته، كما أسهم هذا الخطاب في تصدير إيران بصفتها ممثلاً ومدافعاً عن الأقليات الشيعية في المنطقة.

خامساً: الموقع الجغرافي والصراع السني الشيعي

لم يكن البعد المذهبي وحده المحرك للصراع السني الشيعي؛ فللجغرافيا بما تحمله من مقومات جيوسياسية واقتصادية أهمية تفوق أهمية المذهب، فإيران تشرف على منابع النفط في الخليج العربي وآسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز، وهذا الأمر جعل منها قوة نفطية، إضافة إلى وقوعها على طريق الحرير بين آسيا وأوروبا، وربطها المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي، هذا وغيره مكن إيران من الإطلالة على عدد من المسطحات المائية الرئيسة، وهي: الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو ما أتاح لها التأثير في صادرات النفط، وبناء القواعد البحرية.

الوجود الإيراني على الخليج العربي يمتد شمالاً من الكويت والعراق، وينتهي جنوباً عند مضيق هرمز، ويمثل “عنق الزجاجة” للخليج، وتنفتح الملاحة بعده على بحر العرب والمحيط الهندي وخطط الملاحة الدولية، ويفصل إيران عن الدول العربية الخليجية الواقعة على الضفة الجنوبية من الخليج، وهذه الضفة واقعة في حيازة الدولة الخليجية، في مقابل الضفة الشمالية الواقعة في حيازة إيران، وعبرها تشرف إيران على الخليج من أول نقطة في شماله إلى آخر نقطة في جنوبه، كما تسيطر على مضيق هرمز عبر جزيرة قشم وميناء بندر عباس، كما تسيطر على الجزر الإماراتية (طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى) لتضمن من خلالها سيطرتها الكاملة على ممرات الملاحة في الخليج التي تشرف عليها الجزر الثلاث[36].

ويعد الخليج العربي أحد أبرز المسارات التي ينطلق منها النفط العربي المصدر إلى الخارج، الذي يمر عبر المحيط الهندي إلى أنحاء العالم كافة، ومن ثم فهو يسهم في إنعاش التجارة والاقتصاد الخليجيين، كما يعدّ مضيق هرمز ورقة قوة لدى إيران؛ لكون قرابة 17 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وسبق أن هدد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، مراراً بإغلاق المضيق ردّاً على العقوبات الأمريكية ضد بلاده، وهو ما يعني منع تصدير كمّيات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبُّب بأزمة في معروض النفط ومن ثم ارتفاع أسعاره.[37]

هذا الموقع الجغرافي جعل الصراع بين ضفتي الخليج أمراً لا مفر منه، بدا ذلك من تسمية الخليج التي تحرص إيران على تسميته بـ”الخليج الفارسي”، وتستفزها أي تسمية له بـ”الخليج العربي”، على الرغم من إطلال الدول العربية على المساحة الكبرى فيه، مروراً بالصراع على الجزر والممرات المائية، وليس انتهاء بالتهديدات الأمنية والتلويح بورقة إغلاق مضيق هرمز، فإيران ترى أن لها سلطة شرعية وتاريخية في هذا المكان الحساس من العالم، في حين تحرص دول الخليج على إبقاء الحماية الأمنية الأمريكية في المنطقة لموازنة الصراع.

إضافة إلى ذلك فإن إيران تسعى للوصول إلى المنافذ البحرية الرئيسية في المنطقة، والسيطرة على باب المندب، بالإضافة إلى هيمنتها على مضيق هرمز، وهذا الأمر سيمكنها من التحكم في نفط المنطقة، وتطويق السعودية من الجنوب من خلال السيطرة على المحافظات الشمالية في اليمن، سعياً إلى هدفها الكبير المتمثل في السيطرة على منابع النفط في السعودية، وقيادة الحرمين، وتسلم زمام قيادة الأمة الإسلامية.

المحور الثاني: مظاهر وأشكال الصراع السني الشيعي المعاصر

الخلاف السني الشيعي كامن في بنية المجتمعات العربية ذات البعد المذهبي، ويستدعى بين حين وآخر لأهداف سياسية، وفي مراحل زمنية متعددة حُيِّدت الظاهرة الطائفية على حساب الانتماءات الحزبية والأيديولوجية، فصعدت الخلافات الإسلامية القومية وغابت الانتماءات المذهبية، ويعود ذلك لعدد من العوامل الداخلية والخارجية.

أولاً: مراحل الصراع السني الشيعي المعاصرة

الصراع السني الشيعي المعاصر أخذ بعده التوسعي في ثلاث مراحل زمنية، حيث كانت الثورة الإيرانية 1979 فاتحة الصراع، وأصبح تصدير الثورة الحلم الأهم الذي يراود القيادة الإيرانية.

المرحلة الأولى: الثورة الإيرانية وتأثيرها في المنطقة

تعد الثورة الإيرانية أحد أهم الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، فإضافة إلى التحول الجذري الذي أحدثته في البنية السياسية والثقافية الإيرانية، فقد أحدثت انعكاسات جوهرية عربية وإسلامية، ولا تزال تداعياتها مستمرة على كل المستويات؛ السياسية والثقافية والاجتماعية، ذلك أن الثورة في طبيعتها تحمل أبعاداً توسعية.

وقد ساهم المجتمع الدولي في إنجاح الثورة الإيرانية لإغلاق الباب أمام التمدد السوفييتي حينها من جهة، إضافة إلى أن هذا الخيار الجديد سيساهم في إعادة تشكيل الصراع السني الشيعي وتوظيفه في معادلة الصراع الجديدة في المنطقة، من جهة أخرى.

وقد طرحت أوساط إيرانية فكرة تصدير الثورة إلى العالم الإسلامي، واعتبرت أن التجربة الثورية الإيرانية قابلة للتكرار في غير بلد عربي وإسلامي، ونشأت علاقات بين فئات شيعية في العراق ولبنان وبلدان الخليج، وبين تلك الأوساط الإيرانية، فطهران تريد تصدير الثورة والمساهمة في تغيير الواقع السياسي العربي، وبعض الشيعة العرب يستندون إلى إيران سياسياً ومادياً لمقاومة ما يدعونه من تهميش[38].

وفي مواجهة تداعيات تصدير الثورة الإيرانية كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو/أيار 1981، حيث أوحت الأحداث السياسية أن تأسيسه كان رداً تاريخياً على الثورة الإيرانية وما تمثله من اتجاه عقائدي راديكالي معاد للأنظمة الوراثية التقليدية، وقد فكر الأمريكان بعد الثورة بمظلة سياسية لمشروع عسكري في الخليج والجزيرة فكان مجلس التعاون هو هذه المظلة[39].

في المقابل كانت منظمة “الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية” قد تشكلت منذ العام 1975، وهي منظمة شيعية سعودية رأسها حسن الصفار، وتعد فرعاً للحركة الشيعية الأم “الطلائع الرساليون”، وقد أسهمت أجواء الثورة الإيرانية في تأسيس جناح عسكري للمنظمة سمي بـ”حزب الله الحجاز”، الذي نفذ تفجيرات متعددة في الثمانينيات والتسعينيات، وقد توقف نشاط الحزب عام 2000 بعد حملات أمنية مكثفة للحكومة السعودية، سبق ذلك مراجعات قامت بها قيادة الحزب، وتفكك حركة الطلائع الأم، وقد أعلنت وزارة الداخلية السعودية الحزب حركة إرهابية في 2014.

وفي عام 1980 تأسس تجمع علماء الحجاز على يد مجموعة من علماء القطيف والأحساء في مدينة قم الإيرانية، وهي تجمع ضم مجموعة من العلماء المقلدين للخميني، وكان الهدف من هذا التجمع نشر مرجعية الخميني في القطيف والأحساء التي كانت تدين لمرجعية النجف بالولاء، وأطلق على هذا التيار “خط الإمام” نسبة للخميني[40].

وهكذا ولدت الثورة الإيرانية مملوءة بالطمع السياسي في المنطقة، ومنذ ذلك الحين برز الصراع السعودي الإيراني، وتم تطييف الخلاف السياسي في أرجاء واسعة من الوطن العربي والإسلامي، وعملت إيران على دعم التيارات الشيعية داخل الدول العربية، كالمجلس الإسلامي العراقي وحزب الله في لبنان، ونشأت ردود الفعل في المنطقة، تسندها التوازنات الدولية أحياناً، بما يضمن استمرارية الصراع.

المرحلة الثانية: الغزو الأمريكي للعراق

بعد أن كان الصراع السني الشيعي محصوراً في بلد صغير هو لبنان في حربه الأهلية الطويلة حتى اتفاق الطائف، ظهرت بوادر هذه الحرب على المستوى الإقليمي بعد احتلال العراق عام 2003، وتغلغل النفوذ الإيراني فيه مسلحاً أيديولوجياً بنظرية ولاية الفقيه[41]، وقد أسهمت إيران في تسهيل الغزو الأمريكي للعراق، على الرغم من التباين الكبير بين المنظورين الأمريكي والإيراني، وسمحت للمعارضة العراقية المتمركزة في إيران منذ 2002 بالانضمام إلى مؤتمرات التشجيع على الغزو والإعداد له[42].

وعلى الرغم من المواجهات المباشرة بين العراق وإيران طوال الحرب العراقية الإيرانية فإن تلك الفترة لم تستطع أن تحيي الصراع السني الشيعي مثلما أحياه الغزو الأمريكي للعراق، وذلك ربما يعود لقدرات العامل الخارجي في إذكاء نيران الطائفية في المجتمعات العربية، وضرب بعضها ببعض، إضافة إلى أن فكرة تقاسم السلطة عمقت مسألة التترس الطائفي، إذ أصبحت رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة، إضافة إلى تقسيم الموارد بين المركز والمناطق الأخرى، الذي يلقى جدلاً كبيراً نتيجة الموارد غير المتكافئة، إضافة إلى استخدام الورقة الطائفية في استقطاب الدعم الشعبي والتحشيد الانتخابي، بين أطراف الصراع المتعددة، والتي غالباً ما يكون العامل الطائفي حاضراً فيها بقوة، سواء باستخدام مشاعر الانتماء والمظلومية لدى الطرف الشيعي، أو التعويل على نقد التقاسم الطائفي للسلطة واعتباره وسيلة للتعبير عن نقص الحصص.

ولم يقتصر الصراع على الأدوات السياسية، بل تعداه إلى الوسائل الخشنة، وقد تعرض العراقيون السنة لموجة تهجير مليونَي سني في العراق بين عامي 2003-2006، إضافة للقتل الذي استهدف النخب العراقية الدولية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، من أجل تكوين مناطق طائفية صافية، صاحب كل ذلك تكوين أجهزة عسكرية وشرطية وأمنية شبه طائفية لعزل السنة عن إمكانيات المشاركة.

وبحسب الدكتور رضوان السيد، في تقديمة لكتاب “أفول أهل السنة في العراق”، فإن أحداً لم يبق خارج الغوص في الدم العراقي؛ الإيرانيون من خلال مليشيات الصدر وغيرها، وأصوليو القاعدة الذين استخدمهم الجميع، والأمريكيون والبريطانيون الذين اعتبروا لفترة “2003-2006” كتائب الموت الشيعية وسيلة مفيدة في الاستخدام بمواجهة المقاومة السنية للاحتلال[43].

هذا الوضع السياسي والعسكري المعقد كانت انعكاساته على المشهد السياسي العراقي مؤلمة، فحالة الفساد المالي والإداري على أشدها، وبعضها يأتي في إطار صفقات سياسية، إضافة إلى التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية، وشغور بعض الوزارات أحياناً أوقاتاً طويلة، ورفض الكتل السياسية المتصارعة للتعديلات والمقترحات الوزارية، وتمسكها بوزرائها حتى المتهمين بالفساد منهم، وعدم استطاعة القوى السياسية الوصول إلى آلية توافقية تضمن استقرار النظام السياسي، وشعور الفصائل السنية بفقدان مكانتها، والسعي لإعادة التوازن في إطار البيت الشيعي، هذه الأسباب وغيرها تسببت في يأس الشارع العراقي من أي حالة إصلاح يمكن أن يأتي بها النظام الحالي، وهذا ما يفسر حالة العزوف الشعبي في الانتخابات البرلمانية الماضية. إضافة إلى ذلك يعيش العراق حالة انقسام سياسي أمريكي وإيراني، وينسحب هذا الانقسام على كل المستويات العسكرية والإعلامية والاقتصادية[44].

لقد فتح الاحتلال الأمريكي للعراق شهية إيران، وأصبحت واثقة بإمكانية حضورها العسكري أو السياسي أو الثقافي خارج حدودها، وإعادة رسم خريطة المنطقة والاضطلاع بدور إقليمي جديد، واعتماد سياسة المبادأة، ولهذا عززت من نشاطها في عدد من الدول، وخصوصاً سوريا، نتيجة موقعها الاستراتيجي الفعال، على الرغم من محدودية الوجود الشيعي الاثنا عشري هناك.

في المقابل لم يكن الدور السعودي في العراق حاضراً بنفس القوة التي حضرت بها إيران، خصوصاً في ولاية نوري المالكي، وهذا الابتعاد خسرت معه السعودية عمقها الاستراتيجي الشمالي، وعزز السيطرة الإيرانية على مفاصل الدولة، وكان بإمكان السعودية الاقتراب من المشهد العراقي، ورعاية المبادرات السياسية، والمساهمة الإيجابية في تقريب وجهات النظر، ولعل هذا ما تتبناه السعودية منذ العام 2014، لكن بعدها المباشر سابقاً أثر كثيراً على ثقلها السياسي في الساحة العراقية. ويضاف إلى ذلك إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر عام 2016، الذي تعاطف معه الجمهور الشيعي في العراق، والتردد في اختيار الحلفاء العراقيين، كل ذلك ربما أضعف الدور السعودي أكثر.

المرحلة الثالثة: الربيع العربي

تعد فترة الربيع العربي من الفترات التي توسعت فيها مساحة الصراع السني الشيعي، واتخذ توسع النفوذ الإيراني في المشرق العربي شكل العمل في أوساط التجمعات السكانية الشيعية متوقعاً منها الميل إلى إيران الذي قد يصل إلى حد الولاء، كما اتخذ الشكل الأخطر من ناحية حساسيته في إذكاء الطائفية، ومحاولة تشييع فئات سنية، وهو ما جرى نموذجياً في بعض البلدات والقرى السورية، وفي أوساط العمال السوريين في لبنان، وقابل ذلك “النشاط التبشيري للجماعات السلفية”[45].

وقد توسع الدعم الإيراني ليشمل بيئات أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي، ودعم النظام السوري في مواجهة الثورة، ودعم الانقلاب على الشرعية اليمنية في 2014، وهذا الدعم والاحتواء سبق الربيع العربي زمنياً، لكن الثورات زادته انكشافاً ووضوحاً، وأثبت وقوف إيران ضد ثورات الربيع العربي على الرغم من رفعها شعارات التأييد في البداية؛ لأسباب تتعلق بالرغبة الإيرانية في تجيير هذه الثورات لمصلحة مشروع الثورة الإيرانية. فقد وصف المرشد الإيراني علي خامنئي الاحتجاجات العربية حينها بالصحوة الإسلامية وأنها امتداد للثورة الإيرانية، ومع توسع الاحتجاجات لتشمل سوريا، تراجع الخطاب المؤيد للثورات، وحشدت إيران كل إمكاناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية لدعم النظام السوري، إضافة إلى دعمها للحوثيين في اليمن من أجل القضاء على مشروع الثورة الشبابية الشعبية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وهذا ما يؤكد أن إيران تعاملت مع الربيع العربي حسب ما يخدم مصالحها، واستثمرت الربيع العربي في تحقيق أهدافها التوسعية.

في المقابل تماهت المملكة العربية السعودية مع الثورة السورية على الرغم من موقفها غير المؤيد لثورات الربيع العربي، وعلى العكس من موقفها في سوريا دعمت حكومة البحرين في تجاوز موجة الاحتجاجات المتزامنة مع الربيع العربي، كما أطلقت التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، في مواجهة جماعة الحوثي.

وهكذا وضع الربيع العربي دول الإقليم في صراع مباشر مع إيران ورغبتها التوسعية في المنطقة. وتعد هذه المرحلة من أشد مراحل الصراع مقارنة بما مضى، حيث تعيش المنطقة جملة من المتغيرات السياسية والاقتصادية، ويسعى كل طرف لتجيير هذه المتغيرات بما يتماشى مع مصالحه في المنطقة، بعيداً عن مطامح الشعوب، فبينما ترغب السعودية في بقاء الوضع العربي على ما هو عليه، وتتخوف من أي بديل قادم، تسعى إيران إلى استثمار أي فرصة تسنح لتحقق من خلالها رغبتها التوسعية.

ثانياً: أشكال الصراع وتأثيرها السياسي والعسكري

الحضور السني في الصراع ربما غير ممثل بدولة، ويستمد وجوده شعبياً أكثر، من خلال المكونات والأحزاب، وتبقى السعودية من أكثر الدول حضوراً في هذا الصراع، نتيجة الرمزية الدينية التي تتميز بها المملكة عن غيرها من الدول، وفي هذا الإطار تُتهم بدعم تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري في لبنان، ودعم المجموعات المعارضة لإيران، ودعم بعض المجموعات السنية في العراق، وعلى إثر التمدد الإيراني في المنطقة، أُسس التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن في العام 2015، وهو تحالف عسكري يضم عدداً من الدول العربية على رأسها السعودية والإمارات، ويهدف إلى استعادة الشرعية اليمنية، ومقاومة الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً، ومن قبله تشكلت قوات درع الجزيرة، وهي قوات خليجية مشتركة لدعم البحرين 2011، وقد جاءت هذه القوات لإخماد المظاهرات التي اندلعت في عدد من المدن البحرينية، وقد أسهم هذا التدخل في إيقاف المظاهرات.

كما تعمل المملكة العربية السعودية على استقطاب الرموز الشيعية المناوئة لإيران، وفي هذا الإطار حاولت استقطاب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، واستقباله في السعودية عام 2017، وبناء حالة من التهدئة مع التيار الشيعي الرافض للوجود الإيراني، لكن هذا التيار بقيادة الصدر ربما تغيرت مواقفه بعد زيارته لإيران في العام 2019، ولقائه بالمرشد الإيراني علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني.

عملت السعودية كذلك على استقطاب رجل الدين الشيعي اللبناني محمد الحسيني، وهو الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، ومنحته الجنسية السعودية عام 2021. في حين عملت إيران على استقطاب شخصيات سعودية ودعمها، من أمثال معن الجربا، وهو مؤسس “حركة كرامة” في لبنان، وهو من أسرة سنية شافعي المذهب أشعري العقيدة، ويعتز بانتمائه لما يسمى محور المقاومة، ويبدو أن فكر الرجل الأشعري الصوفي غير المرحب به كثيراً في السعودية أوجد نقاطاً مشتركةً بينه بين التوجهات الشيعية.

وإذ تتبنى إيران شعار تصدير الثورة الإيرانية في المنطقة، فقد عملت على دعم عدد من التشكيلات المسلحة في عدد من البلدان العربية، ففي سوريا يعد النظام السوري حليف إيران الأول منذ قيام الثورة الإيرانية، ودعم حزب البعث إيران في حربها مع العراق، والعلاقة بين النظام السوري وإيران تتجاوز تأسيس وتدريب المليشيات العسكرية إلى أداء أدوار أكبر في المجال السياسي وقطاعات الاقتصاد السوري، وتعد سوريا معبراً لدعم حزب الله، الذي يعد رأس حربة إيران في لبنان، كما تجد إيران المناخ الاجتماعي المضطرب للشيعة في السعودية والبحرين أداة للضغط على النظم الملكية هناك، حيث يوفر العامل المذهبي شبكة من وسائل الدعم الاجتماعي والأيديولوجي التي تقدمها إيران لشيعة السعودية والبحرين، ويمتد الدور الإيراني إلى اليمن الذي تنظر إليه إيران على أنه ساحة منافسة جيوسياسية مع السعودية، ومن خلالها تستطيع خنق المملكة العربية السعودية من الجنوب[46].

ولا يقتصر الدور الإيراني على المجال العسكري بل تعداه إلى المجال السياسي والثقافي، حيث وظفت هذا الفضاء للإطلالة على الإقليم ككل، وعلى العالم بمجتمعاته وثقافاته، فكانت المراكز الثقافية الإيرانية نقطة ارتكاز مباشرة في دعم الدبلوماسية الشعبية في مجالها الثقافي، خاصة مع انسداد مجالات التواصل السياسي الفاعل خلال حقبة الحصار والعزل الطويلة. وتميزت السفارات الإيرانية بالحركة الدؤوبة في التواصل، حتى عدها البعض من أنشط دول العالم الثالث في الدبلوماسية الشعبية والتواصل مع المجتمع المدني[47].

كذلك تنشط إيران في إطار عدد من الأدوات الثقافية، مثل الملحقيات الثقافية الإيرانية، وتوظيف المراكز الثقافية التابعة للسفارات الإيرانية، والمدارس والحوزات الإيرانية في الخارج، والبعثات الدراسية، والوكالات الإعلامية، وتبني قنوات إعلامية عربية، والأفلام والمسلسلات المدبلجة إلى العربية، والمؤسسات الثقافية الإيرانية في الخارج، مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، ولجنة الإمام الخميني الإغاثية، ومركز حوار الحضارات، ومحاولتها استقطاب تيارات سنية أخرى، وهذه الأدوات وغيرها تعد فرصة بالنسبة لإيران في إطار تعزيز حلمها الخارجي.

ظاهرة الاستقطاب للتشيع السياسي لإيران ربما فاقت ظاهرة الاستقطاب للتشيع المذهبي، حيث تنشط إيران في دعم اليسار العربي واحتوائه على الرغم من الفروق الجوهرية بين الرؤيتين، كما تدعم حركات المقاومة الفلسطينية حماس/الجهاد في محاولة لامتلاك ورقة المقاومة والممانعة للكيان الإسرائيلي.

حالة الصراع ليست وليدة الغرف المغلقة، بل أصبحت من أدوات التعبئة الجماهيرية، ولهذا تحضر على مستوى الإعلام وفي مناهج المدارس والجامعات، وفي خطب المسجد، خاصة في مناطق الصراع كلبنان والعراق واليمن وسوريا، والخطورة الكبرى أن جزءاً كبيراً من المناهج التعليمية للأطفال قد أصبحت مشبعة بهذا الخطاب، وهو ما سيؤثر في مستقبل الأجيال القادمة.

ثالثاً: تركيا في معادلة الصراع السني الشيعي

الحضور التركي في المنطقة لم يأخذ طابعاً سُنياً، لكن تركيا ترى أنها تمتلك إرثاً حضارياً وسياسياً، وقوة اقتصادية وجيوسياسية، وإسهاماً إيجابياً في كثير من ملفات المنطقة، وتأييداً لتطلعات الشعوب العربية والإسلامية، وهذا الأمر يدعوها لتعزيز نفوذها، وخلق حضور سياسي في المنطقة، وتنظر بعض الأطراف العربية إلى أن هذا الحضور يقلص الدور الإيراني، في المقابل فإن إيران قلقة من هذا الحضور وخاصة بعد التقدم الذي أحرزته تركيا في إقليم “قره باغ” الأذربيجاني 2021، الذي قلب الموازين، بخلاف ما تريده إيران.

وترى إيران كذلك أن الدور التركي في المنطقة سوف يأخذ- من دون شك- جزءاً من المكان الذي تشغله، وذلك سيقود بالنتيجة إلى أن تكون تركيا فاعلاً مهماً على حساب مكانة إيران، وبناء على ذلك لا بد أن تكون طهران أكثر انفتاحاً على أنقرة، على الرغم من تحفظها بتوجساتها التاريخية والثقافية والجيوستراتيجية، فإيران تدرك الموقع المميز لتركيا، بالإضافة إلى الحضور والعلاقات الاستراتيجية التي تربطها مع أوروبا وأمريكا، وتسعى لأن تكون تركيا ممراً مهماً لها بسبب العزلة، وتحاول استثمار هذه العلاقة في أي تفاهمات مع الغرب[48].

إضافة إلى أن سعي إيران لإنشاء ما يسمى بـ”الهلال الشيعي” قد قدم خدمة كبيرة لتركيا، ففي الوقت الذي تطرح فيه الدولتان نفسيهما على أنهما تمتلكان مشروعاً سياسياً إسلامياً، نجد أن نجاح المشروع السياسي التركي جاء على حساب إخفاقات المشروع السياسي الإيراني، فالصورة الطائفية التي قدمت بها إيران نفسها أدت إلى عزلها إقليمياً وزيادة عدم الاستقرار داخلياً، ومن ثم سمح ذلك لتركيا بأن تدخل هذه المجتمعات من الباب الواسع، لتطرح نفسها على أنها البديل السياسي الناجح والقادر على تبني القضايا الإسلامية والعربية.

وفي جميع الأحوال، يوضح النهج الذي تتبعه تركيا فيما يتعلق بعلاقاتها مع إيران كيف أنها استفادت من ظروف إيران من أجل تعزيز أهدافها، ومن المتوقع أن تستمر في تعزيز تلك الروابط مع إيران لتحقيق مصالحها المتمثلة في مواجهة التحديات المحلية والإقليمية، والمحافظة على النظام القائم، لأن أي نظام سياسي جديد في إيران سيكون قريباً من الغرب، بل والأكثر من ذلك سيكون قومياً علمانياً بامتياز، وهو ما يفرض محدداً آخر للأمن القومي التركي، لأن تركيا ستكون حينها أمام تحديين، أولهما غياب نظام سياسي إسلامي أعطى قوة دفع كبيرة للأدوار التركية في المنطقة بسبب أدواره السلبية، وثانياً مجيء نظام جديد قريب من الغرب، ولا يستبعد أن يستخدم ضدها، ولهذا فإن المحافظة على الجمهورية الإيرانية هي مصلحة قومية عليا لتركيا[49].

لم يأخذ المشروع التركي- على الرغم من حضوره المحدود في المنطقة- بعداً مذهبياً ضيقاً، بل هو منفتح على كل المكونات، وتحضر معه الأهداف الاقتصادية والأمنية والإنسانية، وعلى الرغم من امتلاكه أدوات النهوض الحضاري والسياسي وفرص النجاح والقبول، فإن طموحه ربما لا يرقى لطموح المشروع الإيراني، ويمارس التدخل أحياناً تحت إكراهات التهديد الخارجي، ولأن الموقف التركي مؤيد للثورات الشعبية والمطالب الإصلاحية فقد وجد شعبية لدى قوى التغيير وخاصة التيار الإسلامي منها، وهي النقطة ذاتها التي يتباين فيها موقفه مع موقف المملكة العربية السعودية، حيث تتخذ موقفاً سلبياً تجاه ثورات الربيع العربي، وهذه أحد أسباب القطيعة بين الدولتين خلال الفترة الماضية.

رابعاً: البعد الدولي وتأثيره في الصراع السني الشيعي

ينظر المجتمع الدولي إلى الصراع السني الشيعي بوصفه استراتيجية فعالة يجب تعميقها في المجتمعات العربية واستثمارها جيداً، وقد طبق هذا الأمر فعلاً في لبنان والعراق إلى حد بعيد، وما يزال العمل لترسيخ هذا النموذج في سوريا واليمن جارياً، في إطار سعي الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى صياغة واقع جديد في المنطقة، بهدف تحقيق الهيمنة الشاملة على الإقليم والمحافظة على المصالح الغربية، ولعل ذلك يعود إلى:

  1. الأهمية الاستراتيجية للمنطقة

لمنطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً أهمية كبيرة؛ استراتيجية وسياسية واقتصادية، في الماضي والحاضر، فكما عُرفت سابقاً بأنها الطريق الحيوي للبريطانيين والشريان الرئيسي الذي يربط بين أوروبا وآسيا براً وبحراً وجواً، فلا تزال تحتفظ بأهميتها الاستراتيجية، حيث تعد حلقة الوصل بين دول العالم، وهي أكبر منتج للنفط، وتشرف على أكبر مجموعة مائية من المحيطات والبحار والممرات البحرية المهمة، وتحتوي على الأنهار الكبرى، وتتميز بتعدد المصادر الطبيعية والمعدنية وتنوع المناخ؛ وهذا ما جعل منها ساحة للصراع الدولي ومركزاً لتحديد المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، ولهذا يصر كثير من الخبراء على أن من يتحكم في الشرق الأوسط باستطاعته التحكم في العالم كله.

هذه الأهمية جعلت من المنطقة قبلة للأطماع القديمة والجديدة، وأصبحت فكرة تأمين المنطقة من الأفكار التي تبناها النظام الدولي، وحشد لها كل الإمكانات، تحت مظلة تأمين النفط بوصفه سلعة استراتيجية للأمن والسلم العالميين، وحتى يكون هناك مبرر للتدخل كان لا بد من إذكاء الصراع الطائفي؛ لكونه أحد أدوات استدامة الصراع في المنطقة.

  1. المحافظة على الكيان الصهيوني

تعد الفكرة الصهيونية، بحسب تيودور هرتزل، “فكرة استعمارية” مدينة بفكرها وقوتها وتحولها إلى حقيقة للإمبريالية الغربية، والكيان الإسرائيلي امتداد لهذه الإمبريالية، ويتسم بكل صفاتها، وأهم أهداف الإمبريالية تحقيق النفوذ السياسي والربح الاقتصادي، ولهذا تسعى الفكرة الصهيونية إلى إنشاء منطقة نفوذ توازن القوى القومية في الشرق الأوسط[50].

في سبيل ذلك تسعى القوى الدولية إلى ضمان بقاء الكيان الإسرائيلي، وترى أن مما يساعد على البقاء إثارة الخلافات البينية، وهذه الرؤية لها منظروها الغربيون من أمثال برنارد لويس، الذي يُعد أحد المستشرقين اليهود الذين يؤمنون بضرورة تمزيق المنطقتين العربية والإسلامية على أسس طائفية وعرقية، وقد كانت هذه الرؤية حاضرة لدى جورج بوش الابن أثناء غزوه للعراق وإعادة ترتيبه على أسس طائفية وعرقية.

وفي إطار ذلك يعد مبدأ “توازن القوى” هو الحاكمَ للعلاقة الإيرانية بالمحيط الإقليمي، ولهذا فإن علاقتها مع الكيان الإسرائيلي يحكمها هذا الاعتبار، فلا مصلحة لإيران في انتصار الكيان الإسرائيلي أو سقوطه، ويعود السبب في ذلك إلى خشية إيران من أن يؤدي انتصار العرب على الكيان الإسرائيلي أو حل القضية الفلسطينية بشكل مقبول، إلى تكتلهم ضدها وضد طموحاتها في التمدد الإقليمي، وربما حتى دعم الحركات الانفصالية في إيران، وفي المقابل فإن انتصار الكيان الإسرائيلي على العرب سيؤدي إلى قيام نظام إقليمي جديد بهيمنة (إسرائيلية)، وهو ما سيعرقل طموحات إيران الإقليمية أيضاً، ومن ثم فإن المصلحة الإيرانية تتعزز عندما تنشأ حالة من توزان القوى بين الطرفين[51].

في المقابل يجري تسويق الكيان الإسرائيلي في المنطقة على أنه ضد الهيمنة الإيرانية، وتصديره في مقابل المشروع الإيراني في معادلة الصراع الحالية، وهذا ما دعا بعض الدول الخليجية للتقارب معه، وكان أبرز تجليات هذا التقارب إعلان الإمارات والبحرين التطبيع، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية والاستخباراتية التي تربطه بعدد من الدول الخليجية، والحديث عن نوايا هذه الدول إعلان التطبيع مع هذا الكيان في مواجهة إيران.

  1. إنهاك فئتي الصراع

الحالة الطائفية التي تعيشها بعض دول المنطقة تدل على أن هناك نوعاً من التغذية لهذا الصراع، وإلباسه لباساً طائفياً، وهذا الصراع متمدد بطبيعته، وقد يكون نموذجاً لإلباس أكثر دول المنطقة به، وقد شاع مؤخراً أن هناك خطة أمريكية وضعها خمسة من قادة التحالف المسيحي والصهيوني، هدفها الوقيعة بين السنة والشيعة، ومحاصرة الإسلام من خلال الفتنة وإثارة القلاقل والحروب الأهلية، والهدف من ذلك الإنهاك المستمر لفئتي الصراع، باعتماد سياسة الوقوف مع الفئة القوية وتقويتها إذا لزم الأمر، واستمرار الخلاف لإضعاف المجموعة القوية وإنهاكها، وبهذا يسهل القضاء على المجوعتين من خلال تصارعهما[52].

وفي ظل هذا الواقع تسعى أمريكا للسيطرة على التمدد الإيراني لا بقصد إنهائه وإنما بهدف التحكم فيه، وذلك لاستنزاف إيران أكثر، واستثمار تمددها في ابتزاز الأنظمة العربية وخصوصاً دول الخليج، وهذه العملية قد تخرج في أحيان كثيرة عما تريده أمريكا، نظراً للتباين لدى صانع القرار الأمريكي بشأن النظام الإيراني من جهة، وللطموح الإيراني المتجاوز للمساحات الأمريكية من جهة أخرى.

هذا الأمر هو ما يؤدي إلى توتر العلاقة بين طهران وواشنطن، وهذا الطبيعي في العلاقة بينهما، ولكنه توتر في إطار السيطرة، وبما لا يؤدي إلى انهيار النظام الإيراني وخسارة الفزاعة الإيرانية، وقد أظهرت إيران قدرات لا بأس بها في امتصاص الضربات الأمريكية، والاستفادة من المساحات، واستثمار الفراغ، والمراوغة على أكثر من صعيد، وهو ما مكنها من ممارسة دور محوري في المنطقة.

وخلاصة القول أن أمريكا والغرب عموماً مستفيدون من مظاهر الصراع السني الشيعي، وتكمن استفادتهم من ذلك في استمرار وجودهم في المنطقة للمحافظة على أمن المنطقة، بحجة مواجهة التهديدات الإيرانية، وتمكين المشروع الصهيوني من المنطقة ليستكمل الدور الأمريكي بشكل مباشر، وذلك من خلال تشجيع عملية التطبيع العربي لمواجهة المخاطر الإيرانية، وهذا ما يحدث حالياً.

المحور الثالث: مستقبل الصراع السني الشيعي

يبدو الصراع السني الشيعي في أشد مراحله مقارنة بما مضى، حيث إن للتغيرات السياسية في المنطقة أثر في تأزيم حالة الصراع أكثر، وبناء على ذلك فإن إيران تسعى بكل قوتها لتعزيز قدراتها الذاتية، وتمكين دورها الإقليمي، وتحقيق طموحها لتكون قوة دولية في عالم متعدد الأقطاب، ولهذا سعت لتميكن أدواتها في المنطقة، وتوسيع دائرة الاستقطاب لتشمل حتى التيار السني، والبحث عن مشتركات مع تيار اليسار العربي، واللعب من خلال هذه الأدوات، وتشكيل أوراق ضغط متعددة.

أولاً: فرص الصراع وتحدياته في المنطقة

فرص الحضور الإيراني في المنطقة محدودة، نتيجة تشوه صورته الذهنية على المستوى الرسمي، أو على مستوى الشعوب العربية، وتتحدد فرصة النجاح الإيراني في وجود مجموعات شيعية في المنطقة تدين بالولاء للولي الفقيه، نتيجة شعور بعضها بالإقصاء، وعلى هذا الاعتبار فإن فرص التقارب العربي الرسمي مع هذه المكونات قد يفقدها استغلال هذه الورقة، إضافة إلى دعم القضية الفلسطينية كمدخل لرفع راية المقاومة في المنطقة، وتسويق نفسها ناصرة للمستضعفين، وتسعى من خلال ذلك لتحقيق عدد من الأهداف على رأسها التأثير في الشعوب العربية والإسلامية الموالية لفلسطين، نتيجة رصيدها لدى شعوب المنطقة.

وعلى الرغم من هذه الفرص فإن ثمة تحديات حقيقية يواجهها المشروع الشيعي، يتمثل أولها في معارضة بعض المرجعيات الدينية لفكرة ولاية الفقيه؛ فمرجعية النجف مستقلة عن مرجعية إيران، وهي صاحبة سلطة دينية، ويُفترض أنها لا ولاية لها على الشأن العام، أما لبنان فليس فيه مرجعية موحدة، ويواجه حزب الله معارضة حتى من الصف الشيعي نفسه، أما اليمن فيختلف مذهبياً وفكرياً عن إيران، على الرغم من التقارب السياسي الكبير بينهما، كما أن إيران تواجه رفضاً عربياً شعبياً ورسمياً، نتيجة حالة الفوضى التي رسختها في المنطقة، وخضوع مؤسسات الدولة لنفوذ القوى المسلحة، وهي حالة دولة داخل الدولة، كالحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، إضافة إلى سوء الخدمات العامة وتراجع المستوى المعيشي واستشراء الفساد الداخلي، وكل ذلك يعني أن المشروع الإيراني المدفوع بالحس الإمبراطوري والخيال المذهبي، والمسكون بحب السيطرة وتحويل الأغلبية السنية إلى أقلية، لم يستطع التصالح مع المنطقة وطمأنة الشعوب بمشروعه البديل، وهذه التحديات تشكل أزمة في طريق تحقيق التطلعات الإيرانية في المنطقة.

بناء على ذلك فإن حضور إيران في المنطقة تسنده القوة التي تمتلكها إيران والفراغ الذي تعيشه المنطقة، ومع هذا بدأ يتقلص دورها، نظراً لعدم تمكنها من تحقيق الأهداف التي تتطلع إليها شعوب المنطقة، خاصة أن إيران استفادت من الفراغ الذي أحدثته ثورات الربيع العربي، ولم تستطع سد ذلك الفراغ، بل يتهمها شباب الربيع العربي بدورها في دعم محور الثورة المضادة، كما هو الشاهد في سوريا واليمن، وعليه فإن القوة هي العنصر الوحيد الذي يتيح لإيران هذا الحضور، بعد أن أثبتت الأحداث المختلفة تباينها مع وجدان وتطلعات الشعوب العربية والإسلامية.

في مقابل ذلك فإن المشروع السني ضعيف، ولم يستطع تأسيس نموذج صالح للتعايش المذهبي، إضافة إلى تفوق الجانب الشيعي في امتلاك أدوات الصراع المختلفة، بما يفوق في كثير من الأحيان أدوات الصراع السني، ومن أمثلة ذلك:

  1. غياب المشروع الجامع والقيادة الموحدة لدى المشروع السني، فليس ثمة مشروع سني واحد، حتى المجموعات والجماعات السنية ليس بينها تنسيق داخلي، إضافة إلى أن الدول العربية عجزت عن تأسيس حضور عربي جماعي، في حين تحرص إيران على كسب المكونات الشيعية وتلك المكونات السنية التي على خلاف مع بعض الأنظمة العربية السنية.
  2. التيار السني في وضعية الدفاع الدائمة، فلا يمتلك أدوات التوسع، في حين أن المشروع الإيراني يمتلك خاصية المبادرة والمبادأة، وينحصر الأمر لدى الدول العربية والجماعات السنية في إطار رد الفعل، وتستثمر بعض الأنظمة العربية في هذا الصراع فقط لإشغال الشعوب والتهرب من استحقاقات الإصلاح الداخلي بحجة مقاومة التوسع الإيراني في المنطقة.
  3. فارق التسليح؛ حيث أتيح المجال لإيران أن تمتلك السلاح النووي، ووُقِّعت الاتفاقيات النووية مع النظام الإيراني، ويجري التفاوض للعودة لذلك الاتفاق، في حين لم يتح لغيرها من الأنظمة العربية السنية امتلاك ذلك.

ثانياً: مآلات الصراع ووسائل الحد منه

على الرغم من دعوات التقريب الفكري بين السنة والشيعة التي تبناها عدد من المؤسسات العلمائية سابقاً، فإن الصراع لم يتوقف، وربما توسعت أدواته ومساحاته بعد فشل هذه المقاربات التي وصلت إلى طريق مسدود، وذلك ربما يعود لعدد من الأسباب، على رأسها الطموح الإيراني بتصدير مشروع الثورة الإيرانية، وبهذا دخل الصراع السني الشيعي مراحل معقدة، ويبدو حالياً أنه قد أخذ مداه في التصاعد، وهو بحاجة إلى التهدئة، وتأسيس تفاهمات جديدة، خصوصاً في ظل المعطيات الدولية الجديدة التي تركز على الملفين الصيني والروسي، لأنهما يشكلان تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الإطار تواصل الإدارة الأمريكية الانسحاب العسكري من المنطقة وإحياء المفاوضات بخصوص الملف النووي مع إيران، ولهذا تحاول السعودية الدخول في مفاوضات مع إيران لمواكبة التوجه الدولي حول طهران.

الإدارة الأمريكية تسعى حالياً -على ما يبدو- لتقريب طهران والأذرع المسلحة التابعة لها، لقطع الطريق أمام التوجهات الصينية في المنطقة، وفي هذا الإطار عملت على رفع العقوبات عن جماعة الحوثي وشطبها من قائمة الإرهاب، لكن هذا التوجه ليس سياسة دائمة، فالموقف الأمريكي تجاه إيران وأذرعها في المنطقة تحدده المساحة المسموح بها لإيران، ولهذا قد تكثف الإدارة الأمريكية من ضغطها السياسي أحياناً لإدارة هذه التوازنات.

إضافة إلى أن طرفي الصراع الكبيرين؛ إيران والسعودية، لم ينجحا في التخفيف من انعكاسات الصراع على الوضع الأمني والاقتصادي الداخلي، فالاستنزاف الاقتصادي والتبعات الأمنية والسياسية أثرت كثيراً في البلدين، فإيران تسعى للتغلب على العقوبات الاقتصادية والتخفيف منها، وأخذ استراحة مؤقتة، والسعودية يبدو أنها استنزفت كثيراً في الحرب الدائرة في اليمن، وهناك حالة من الانسداد السياسي لأزمات الدول العربية التي تربطها علاقة مباشرة بطرفي الصراع مثل سوريا واليمن، وبدرجة أخف لبنان والعراق، كل ذلك ربما يدعو للتهدئة.

من أجل ذلك بدأت الرياض وطهران مفاوضات مباشرة برعاية عراقية منذ بداية شهر أبريل/نيسان 2022، وقد التقى وفد سعودي سراً وفداً إيرانياً في 9/4/2021، في المنطقة الخضراء في بغداد، ورأس الوفد السعودي في المباحثات خالد بن علي الحميدان رئيس الاستخبارات، في حين رأس الوفد الإيراني سعيد عرفاني نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي.

هذه المفاوضات المعقدة من جراء تداخل الملفات البينية والإقليمية تحدياتُ نجاحها كبيرة، لكنها قد تسهم في التوصل إلى تفاهمات مؤقتة، خصوصاً بعد وصول ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين إلى السعودية لتمثيل طهران في منظمة المؤتمر الإسلامي، ولعل الدولتين وصلتا إلى قناعة أن كلفة السلام أقل من كلفة الحرب، ولهذا ذهبتا للتفاوض من دون أي شروط مسبقة.

وعلى الرغم من مؤشرات النجاح الجزئي لا يزال مؤشر الفشل مطروحاً وبقوة، فإيران يبدو أنها غير مستعدة للتضحية بملفاتها في المنطقة، في المقابل تبدو السعودية كذلك غير مستعدة للقبول بإيران في ظل هذا التمدد، فإيران ذات أهداف توسعية، وترى نفسها مركزاً للإسلام الشيعي في المنطقة، وترى في السعودية نظاماً معيقاً لتمددها، وهي تسعى على الأقل لتطويق السعودية أكثر من خلال السيطرة على ما تبقى من اليمن الشمالي عن طريق الحوثيين.

وعلى كل فإن طبيعة النظام السياسي الإيراني القائم على فكرة التوسع وتصدير الثورة، والمتميز بخصائص المبادرة، إضافة للبعد الدولي المتحكم في الصراع لأهداف كبرى، تدل على أن الصراع سيبقى لكن ربما يدخل في موجات مختلفة من التهدئة لأهداف دولية، وقد يتطور الصراع الشيعي ويتحول إلى دول سنية أخرى، وإن حدثت هناك تهدئة عسكرية فإن الصراع السياسي سيظل قائماً نتيجة بقاء العوامل المغذية للظاهرة.

الخاتمة

الخلاف السني الشيعي ليس وليد اللحظة، بل نشأ مع بدايات الخلافات السياسية الأولى، ثم توسع بتوسع الجغرافيا الإسلامية، لكنه لم يتحول إلى صراع إلا في فترات محددة من التاريخ، وتعد نظرية ولاية الفقيه والتحول السياسي في إيران الذي أعقب ثورة 1979 أحد أهم التحولات السياسية المعاصرة التي أكسبت النظرية السياسية الشيعية بعداً توسعياً عزز الطموحات الجيوسياسية والقومية الإيرانية، وأصبحت ترى في الأقليات الشيعية في المنطقة فرصة لتوسيع تحالفاتها الإقليمية.

الصراع السني الشيعي بقدر ما تحكمه الطبيعة المذهبية فإن الأطماع السياسية والمعطيات الجغرافية والتخوفات الإقليمية والتدخلات الخارجية عوامل مهمة أسهمت وتسهم في تعزيز الطموحات الإيرانية، ومن ثم فإن التوسع الإيراني القائم على ثنائية المبادرة والمبادأة وجد في الغزو الأمريكي للعراق وثورات الربيع العربي فرصة لزيادة التوسع، نتيجة فراغ القوة الذي تعيشه المنطقة، وغياب القيادة العربية الموحدة.

المعطيات الجغرافية تتحكم في قوة الدول وضعفها، وكما يشكل الموقع فرصة للنظام الإيراني فإنه يشكل تحدياً وعبئاً في نفس الوقت، فإيران لم تستطع الاضطلاع بدور إقليمي يشجع الدول المجاورة على بناء علاقات استراتيجية معها، كما أن استخدامها السلبي لسلاح النفط، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز يضطر الدول النفطية إلى البحث عن خطوط بحرية وبرية أكثر أمناً، وهو ما قد يجعل هذه الورقة أقل تأثيراً في سوق النفط العالمية، إضافة إلى ذلك فإن التمدد الإيراني أضر بسمعتها في المنطقة والعالم، حيث لم تستطع أن تبني نموذجاً مشرفاً، علاوة على أن عملية التمدد استنزفت الاقتصاد الإيراني بدرجة أثرت في الحالة الاقتصادية الداخلية.

وعلى الرغم من أن هناك رفضاً شعبياً للوجود الإيراني في المنطقة فإنه لم يستثمر جيداً، نتيجة ضعف الروافع الإقليمية السنية، فالدول السنية إذا جاز التعبير بقدر قوتها لا تشكل كياناً موحداً رافضاً لفكرة التوسع، ويحكمها العامل الدولي أكثر، وبناء على ذلك يمكن أن يبقى الصراع لكن قد يدخل في موجات تهدئة، وخصوصاً في حال نجاح الاتفاق النووي، وهذا بالنسبة للصراع الإقليمي.

أما الصراع السني الشيعي في إطار الدولة الواحدة، فربما هو بحاجة إلى جهود فكرية وسياسية، تؤسس لنظريات جديدة، تستوعب الهويات المتعددة داخل الدولة الواحدة، وفي هذا الإطار تطرح كثير من الحلول المتعلقة بتفعيل قيم العدالة والحرية، وأخرى تتعلق بعلمنة المجتمعات العربية والإسلامية.

المراجع

أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، ط1، 1989.

أبو جعفر الطوسي، تلخيص الشافي، مكتبة العلمين الطوسي وبحر العلوم، النجف الأشرف، 1928.

أبو عثمان الجاحظ، التاج في أخلاق الملوك، مكتبة المصطفى الإلكترونية. https://cutt.us/eW7yh

أبو المعالي الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق: مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم، دار الدعوة، مصر، ط1، 1979.

أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، ط1، 1987.

أحمد حسين وآخرون، القوة الناعمة في المنطقة العربية، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط2، 2018.

أحمد الكاتب، التشيع السياسي والتشيع الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2010.

أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، دار الجديد، بيروت، ط1، 1998.

إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، المكتبة الأكاديمية، مصر، طبعة خاصة، 1991.

بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، الحراك الشيعي في السعودية.. تسييس المذهب ومذهبة السياسة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013.

جيمس دورتي وروبرت بالستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة: وليد عبد الحي، شركة كاظمة للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1985.

الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، منشورات الرضا، بيروت، ط1، 2012.

رضوان السيد، تقديم كتاب: أفول أهل السنة.. التهجير الطائفي ومليشيات الموت وحياة المنفى بعد الغزو الأمريكي للعراق، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2014.

رضوان السيد، العرب والإيرانيون والعلاقات العربية الإيرانية في الزمن الحاضر، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2014.

روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية- دروس فقهية، النجف الأشرف، 1970.

سامي إبراهيم الخزندار، إدارة الصراعات وفض النزاعات إطار نظري، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 2014.

عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار يعرب، سوريا، ط1، 2004.

عبد الكريم الشهرستاني، نهـاية الإقدام في علم الكلام، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، ط1، 2009.

عبد الكريم كاظم عجيل، العلاقات التركية الإسرائيلية في ضوء الاستراتيجية التركية الجديدة، دار مجدلاوي للنشر، الأردن، ط1، 2015.

عبد الله النفيسي، إيران والخليج ديالكتيك الدمج والنبذ، دار قرطاس، الكويت، ط1، 1999.

عبد الوهاب المسيري، الأيديولوجية الصهيونية: دراسة في علم اجتماع المعرفة، عالم المعرفة، الكويت، ط1، 1982.

عزمي بشارة، الطائفة الطائفية الطوائف المتخيلة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2018.

علي جبلي، الاحتجاجات العربية بين الإصرار الشعبي وتحديات المرحلة، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2020.

علي الوردي، دراسات في سوسيولوجيا الإسلام، الوراق للنشر المحدودة، لندن، ط1، 2013.

غراهام إيفانز وجيفري نونيهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، دبي، ط1، 2004.

فراس إلياس، إيران تشكل قيمة استراتيجية عليا لتركيا، معهد واشنطن، 16/7/2019، تاريخ الاطلاع: 12/1/2022. https://cutt.us/R29CC

فراس إلياس، الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 2015.

لؤي صافي، العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، ط1، 1996.

محمد أبو رزق، ما قصة الصراع مع إيران على تسمية “الخليج العربي” تاريخياً، الخليج أونلاين، 19/1/2020، تاريخ الاطلاع: 28/1/2022. https://cutt.us/Osr3b

محمد جابر الأنصاري وآخرون، النزاعات الأهلية العربية العوامل الداخلية والخارجية، مكتبة الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997.

محمد الخير حامد عبد العزيز، مستقبل المنطقة العربية بعد الربيع العربي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2018.

محمد رضا المظفر، عقائد الإمامة، مركز الأبحاث العقائدية، قم، 2001.

محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، ط1، 2001.

محمد عمارة، الإسلام وفلسفة الحكم، دار الشروق، القاهـرة، ط1.

محمد مختار الشنقيطي، أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2016.

محمد مختار الشنقيطي، السنة والشيعة بين التواصل والقطيعة، الجزيرة نت، 1/4/2014، تاريخ الاطلاع: 21/1/2022. https://cutt.us/NlDJS

مصطفى الحباب وآخرون، السعوديون الشيعة الفكرة والإشكالات، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2015.

مصطفى اللباد، إيران والقضية الفلسطينية: مشاعر التضامن وحسابات المصالح، مجلة الدراسات الدولية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ربيع 2013.

نجلاء مكاوي وآخرون، الاستراتيجية الإيرانية في الخليج العربي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط3، 2017.

نوري المالكي، المعركة لا زالت مستمرة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، شؤون عراقية، تاريخ الاطلاع: 30/1/2022. https://cutt.us/JaXEV

وجيه قانصو، الشيعة الإمامية بين النص والتاريخ، دار الفارابي، لبنان، ط1، 2016.

ياسر عبد الحسين، السياسة الخارجية الإيرانية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط1، 2015.

[1] غراهام إيفانز وجيفري نونيهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، دبي، ط1، 2004، ص129.

 [2] إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، المكتبة الأكاديمية، طبعة خاصة، مصر، 1991، ص223.

 [3] جيمس دورتي وروبرت بالستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة: وليد عبد الحي، شركة كاظمة للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1985، ص140.

 [4] سامي إبراهيم الخزندار، إدارة الصراعات وفض النزاعات إطار نظري، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 2014، ص135.

 [5]  إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية دراسة في الأصول والنظريات، مرجع سابق، ص225.

 [6]  سامي إبراهيم الخزندار، مرجع سابق، ص139.

 [7] جيمس دورتي وروبرت بالستغراف، مرجع سابق، ص144.

 [8]  سامي إبراهيم الخزندار، مرجع سابق، ص134.

 [9] الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، منشورات الرضا، بيروت، ط1، 2012، ص32.

 [10] محمد عمارة، الإسلام وفلسفة الحكم، دار الشروق، القاهـرة، ط1، ص132.

 [11] أحمد الكاتب، التشيع السياسي والتشيع الديني، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط1، 2010، ص30.

[12]محمد عمارة، الإسلام وفلسفة الحكم، مرجع سابق، ص134-135.

 [13] وجيه قانصو، الشيعة الإمامية بين النص والتاريخ، دار الفارابي، لبنان، ط1، 2016، ص192.

 [14] لؤي صافي، العقيدة والسياسة معالم نظرية عامة للدولة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، ط1، 1996، ص63.

 [15] أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه، دار الجديد، بيروت، ط1، 1998، ص89.

 [16] محمد رضا المظفر، عقائد الإمامة، مركز الأبحاث العقائدية، قم، 2001، ص75.

 [17] أبو جعفر الطوسي، تلخيص الشافي، تقديم حسين بحر العلوم، مكتبة العلمين الطوسي وبحر العلوم، النجف الأشرف، 1928، 1/134.

 [18] روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية- دروس فقهية، النجف الأشرف، 1970، ص48.

 [19] ياسر عبد الحسين، السياسة الخارجية الإيرانية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، ط1، 2015، ص41.

 [20] المرجع نفسه، ص43.

 [21] فراس إلياس، الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، ط1، 2015، ص5.

 [22] عبد الله النفيسي، إيران والخليج ديالكتيك الدمج والنبذ، دار قرطاس، الكويت، ط1، 1999، ص12.

 [23] أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، ط1، 1989، ص3.

 [24] أبو المعالي الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق: مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم، دار الدعوة، مصر، ط1، 1979، ص48.

 [25] أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، منهاج السنة النبوية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، ط1، 1987، 1/99.

 [26] عبد الكريم الشهرستاني، نهـاية الإقدام في علم الكلام، مكتبة الثقافة الدينية، مصر، ط1، 2009، ص477.

 [27] عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار يعرب، سوريا، ط1، 2004، 1/371.

 [28] محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، ط1، 2001، ص147.

 [29] أبو عثمان الجاحظ، التاج في أخلاق الملوك، مكتبة المصطفى الإلكترونية، ص7. https://cutt.us/eW7yh

 [30] علي الوردي، دراسات في سوسيولوجيا الإسلام، الوراق للنشر المحدودة، لندن، ط1، 2013، ص78.

 [31]  محمد مختار الشنقيطي، السنة والشيعة بين التواصل والقطيعة، الجزيرة نت، 1/4/2014، تاريخ الاطلاع: 21/1/2022. https://cutt.us/NlDJS

 [32]  عزمي بشارة، الطائفة الطائفية الطوائف المتخيلة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2018، ص200.

 [33]  محمد مختار الشنقيطي، أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2016، ص12.

[34] نوري المالكي، المعركة لا زالت مستمرة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، شؤون عراقية، تاريخ الاطلاع: 30/1/2022. https://cutt.us/JaXEV

 [35] مصطفى الحباب وآخرون، السعوديون الشيعة.. الفكرة والإشكالات، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2015، ص 96.

 [36] نجلاء مكاوي وآخرون، الاستراتيجية الإيرانية في الخليج العربي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط3، 2017، ص165.

[37] محمد أبو رزق، ما قصة الصراع مع إيران على تسمية “الخليج العربي” تاريخياً، الخليج أونلاين، 19/1/2020، تاريخ الاطلاع: 28/1/2022. https://cutt.us/Osr3b

 [38] محمد جابر الأنصاري وآخرون، النزاعات الأهلية العربية العوامل الداخلية والخارجية، مكتبة الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997، ص166.

 [39] عبد الله النفيسي، إيران والخليج ديالكتيك الدمج والنبذ، ص20- 21.

 [40] بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، الحراك الشيعي في السعودية.. تسييس المذهب ومذهبة السياسة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2013، ص144.

 [41] عزمي بشارة، مرجع سابق، ص67.

 [42] رضوان السيد، العرب والإيرانيون والعلاقات العربية الإيرانية في الزمن الحاضر، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2014، ص108.

 [43] رضوان السيد، تقديم كتاب: أفول أهل السنة.. التهجير الطائفي ومليشيات الموت وحياة المنفى بعد الغزو الأمريكي للعراق، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2014، ص14.

 [44] علي جبلي، الاحتجاجات العربية بين الإصرار الشعبي وتحديات المرحلة، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2020، ص45.

 [45] عزمي بشارة، مرجع سابق، ص61.

 [46] نجلاء مكاوي وآخرون، مرجع سابق، ص246-264.

 [47] أحمد حسين وآخرون، القوة الناعمة في المنطقة العربية، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط2، 2018، ص213.

 [48] عبد الكريم كاظم عجيل، العلاقات التركية الإسرائيلية في ضوء الاستراتيجية التركية الجديدة، دار مجدلاوي للنشر، الأردن، ط1، 2015، ص185.

 [49] فراس إلياس، إيران تشكل قيمة استراتيجية عليا لتركيا، معهد واشنطن، (16/7/2019)، تاريخ الاطلاع: (12/1/2022). https://cutt.us/R29CC

 [50] عبد الوهاب المسيري، الأيديولوجية الصهيونية: دراسة في علم اجتماع المعرفة، عالم المعرفة، الكويت، ط1، 1982، ص122.

 [51] مصطفى اللباد، إيران والقضية الفلسطينية: مشاعر التضامن وحسابات المصالح، مجلة الدراسات الدولية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ربيع 2013، عدد 94، ص79.

 [52] محمد الخير حامد عبد العزيز، مستقبل المنطقة العربية بعد الربيع العربي، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إسطنبول، ط1، 2018، ص75.

المصدر: مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى