أكدت مجلة “إيكونوميست” في تقرير لها بعنوان “ما مدى فساد الجيش الروسي؟”، أن ميزانية الدفاع الروسية، التي تزيد عن 250 مليار دولار، تبلغ حوالي ثلاثة أضعاف ميزانية بريطانيا أو فرنسا، لكن الكثير منها يُبدد أو يُسرق.
وقالت المجلة إنه كان من المفترض أن تظهر قوة الجيش الروسي الحديث للعالم أن الرئيس فلاديمير بوتين أعاد بلاده إلى العظمة بعد الإذلال الذي أصابها بانهيار الاتحاد السوفيتي. لكن بدلاً من ذلك، كشف التقدم الضعيف والخسائر الفادحة في أوكرانيا عن عيوب عميقة داخل روسيا. وترى المجلة أنه بالنسبة لأولئك الذين هددهم عدوان بوتين، فإن تراجع الجيش أمر يبعث على الارتياح. لكن لسوء الحظ، فإنه يترك أيضًا لروسيا سلاحا نوويًا لإثبات وجودها.
وتؤكد المجلة أنه حتى الآن، كان غزو أوكرانيا بمثابة كارثة للقوات المسلحة الروسية. وبحسب تقديرات استخباراتية بريطانية فإن نحو 15 ألف عسكري روسي قتلوا خلال شهرين من القتال. وتم تدمير ما لا يقل عن 1600 مركبة مدرعة، إلى جانب عشرات الطائرات ورائد أسطول البحر الأسود “الطراد موسكوفا”. كما أن الهجوم على العاصمة كييف كان فشلاً فوضويًا كارثيا.
وتقول المجلة إن ليون تروتسكي كان كتب أن “الجيش هو نسخة من المجتمع ويعاني من جميع أمراضه، وعادة ما تكون بدرجة حرارة أعلى”. وترى أن القتال في شرق وجنوب أوكرانيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة لن يحدد مسار الحرب فحسب، بل سيحدد أيضا مدى قدرة الجيش الروسي على إنقاذ سمعته وسمعة المجتمع الذي يجسده.
وتشير إلى أن ميزانية الدفاع الروسية، التي تزيد عن 250 مليار دولار، تبلغ حوالي ثلاثة أضعاف ميزانية بريطانيا أو فرنسا، لكن الكثير منها يُبدد أو يُسرق.
وتنوه إلى أن بوتين وكبار قادته احتفظوا بخطط الغزو الخاصة بهم من كبار الضباط، مما يعكس نقصا شديدا في الثقة. وقد هجر الجنود الساخطون، الذين يتغذون على وجبات غذائية منتهية الصلاحية، سياراتهم. قامت الوحدات بالتعذيب والاغتصاب والقتل وقام الكرملين بتكريمها.
وأكدت أن روسيا فشلت في السيطرة على الأجواء أو الجمع بين القوة الجوية وقوة الدبابات والمدفعية والمشاة. وبسبب غرقهم في الفساد، وعجزهم عن أخذ زمام المبادرة أو التعلم من أخطائهم، تخلى جنرالاتها المحبطون عن العقيدة العسكرية المتقدمة وعادوا إلى تدمير المدن وترويع المدنيين.
وشددت على أن القوات الأوكرانية ذات الحوافز العالية تفضح هذه الإخفاقات الروسية. فعلى الرغم من كونهم أقل عددا وأقل تسليحا، فقد قاوموا الجيش الغازي من خلال تمرير عملية صنع القرار إلى وحدات محلية صغيرة وقابلة للتكيف مع تقديم معلومات استخبارية حديثة.
وتقول المجلة إنه حتى لو حققت الحملة الروسية، تحت قيادة قائد واحد، مكاسب في دونباس، فإنها ستفعل ذلك بشكل رئيسي بفضل حجمها الهائل. و”إن ادعاءها بأنها قوة حديثة متطورة مقنع بقدر برج الدبابة الذي يصاب بالصدأ في حقل أوكراني”.
وتؤكد أنه بالنسبة لبوتين فهذه نكسة ساحقة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه على الرغم من أنه يتحكم في آلة دعاية هائلة للمساعدة في إغراق منتقديه، فإن فقدان ماء الوجه يهدد مكانته في الوطن. يرجع ذلك في الغالب إلى أن استخدام القوة العسكرية يشكل جانبا محوريا لاستراتيجيته لجعل روسيا ذات مكانة في العالم.
وبحسبها فقد تكون روسيا شاسعة، لكنها كيان سياسي متوسط الحجم لا يزال يتوق إلى أن يصبح قوة عظمى. يصنف دخل سكانها بين بنغلاديش والمكسيك، واقتصادها بين البرازيل وكوريا الجنوبية وحصتها من الصادرات العالمية بين تايوان وسويسرا. وعلى الرغم من أن روسيا تتمتع ببعض التعاطف في دول عدم الانحياز مثل جنوب أفريقيا والهند، إلا أن قوتها الناعمة تنحسر، ومما يسارع ذلك إظهار عدم الكفاءة والوحشية في أوكرانيا.
وترى أنه لملء الفجوة بين قوتها وتطلعاتها – ولمقاومة ما يراه تعديا لأمريكا – تحول بوتين مرارا إلى المجال الوحيد الذي لا يزال بإمكان روسيا أن تدعي أنه من الطراز العالمي: القوة العسكرية، ففي السنوات الـ 14 الماضية، غزا جورجيا وأوكرانيا (مرتين) وقاتل في سوريا. وقد انتشر مرتزقته في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان والآن أوكرانيا.
وتقول المجلة إن “بوتين متنمر عالمي مهووس بأوجه القصور في بلاده. قارن ذلك بالصين، التي لديها أيضا طموحات، لكنها تمكنت حتى الآن من تحقيق نتائج باستخدام ثقلها الاقتصادي والدبلوماسي المتزايد”.
وتعتبر أن “الإذلال في أوكرانيا يضعف محاولات روسيا إثبات نفسها كقوة عظمى. وقد تستمر الحرب، وأثناء حدوثها، لن تتمكن روسيا من شن عمليات كبيرة في مكان آخر”.
ويتم استنفاد المعدات والذخيرة والقوى العاملة بسرعة. وقد تستغرق استعادة القوات الروسية لكامل قوتها وتدريبها لتجنب الأخطاء التي ارتكبتها في أوكرانيا سنوات. وإذا استمرت العقوبات لأن بوتين لا يزال في السلطة، فستتطلب المهمة وقتا أطول.
وتؤكد أن الصواريخ الروسية مليئة بالقطع الغربية. وسوف يؤثر هروب الروس الموهوبين والمتطلعين إلى الخارج على الاقتصاد. وطوال الوقت، كلما قلَّت قدرة روسيا على إظهار قوتها العسكرية، قلَّت قدرتها على التأثير في العالم.
وبحسبها سيكون ذلك موضع ترحيب. ولكن مع ذلك، فإن غزو أوكرانيا يحمل أيضا دروسا أقل بعثا على الراحة، لسبب واحد، أنه يظهر أنه في السعي وراء هذه الاستراتيجية، فإن بوتين مستعد للمخاطرة التي يعتبرها العديد من الآخرين – بما في ذلك العديد من الروس – لا معنى لها. وقد يؤدي المزيد من التراجع في القوة الروسية إلى المزيد من العدوان المتهور.
وتظهر أوكرانيا أيضا أنه في الحروب المستقبلية إذا لم تتمكن القوات الروسية من الانتصار في ساحة المعركة، فسوف تلجأ إلى الفظائع. ويمكن أن يكون الجيش الروسي الأضعف أكثر وحشية. بالنسبة لأولئك الذين يواجهون العدوان الروسي في جميع أنحاء العالم، هذا احتمال رهيب.
وتقول المجلة “إنه في النهاية، قد يقود الضعف روسيا إلى الحلبة الأخيرة حيث لا تزال بلا منازع قوة عظمى: الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. ومنذ بداية هذه الحرب، لوح بوتين وحكومته مرارا بتهديد أسلحة الدمار الشامل”.
وترى أن بوتين عقلاني، من حيث أنه يريد لنظامه أن يستمر، وبالتالي فإن فرص استخدامه ربما تظل ضئيلة. لكن مع نفاد الخيارات التقليدية للقوات المسلحة الروسية، سيزداد بالتأكيد إغراء التصعيد.
وإن الرسالة الموجهة إلى العالم الأوسع هي أن الانتهازية العسكرية لبوتين في أوكرانيا يجب أن يُنظر إليها على أنها فاشلة من قبل ضباطه واستراتيجييه، الذين قد يخففون من خطته القوية التالية.
والجمود في دونباس من شأنه أن يؤدي فقط إلى المعركة التالية وقد تكون أكثر تهديدا مما هو عليه اليوم.
وتؤكد أنه مع ذلك، حتى لو هُزم بوتين، فسيظل خطيرا، وأن رسالة الناتو هي أنه يحتاج إلى تحديث دفاعه القائم على قوات ردع صغيرة. ويعتمد هذا على فكرة أن المحاولة الروسية لأخذ جزء من دول البلطيق، على سبيل المثال، قد تنجح في البداية، لكنها ستطلق حربا أوسع يفوز بها الناتو في النهاية.
وتختم بالقول إنه “ينطوي هذا الدفاع على مخاطر سوء التقدير والتصعيد، وهو أمر محفوف بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى إذا كانت القوات الروسية التقليدية ضعيفة. من الأفضل أن يكون لديك قوة أمامية كبيرة تجد روسيا صعوبة في هزيمتها منذ البداية. وأفضل طريقة للبقاء في مأمن من بوتين وجيشه الفاسد هي ردعه عن القتال ابتداء”.
المصدر: “القدس العربي”