عندما يريد أي من أبناء جيلنا أن يشرح لأبنائه أو أحفاده ما جرى في فلسطين منذ العام 1948 وما يجري في الجزء المتبقي منها( الضفة وغزة) فليس أمامه إلا حل واحد بسيط؛ أن يهديهم أي من كتب المؤرخ الإسرائيلي المقيم في بريطانيا منذ ثلاثة عقود؛ إيلان بابه.
ما يمكن أن تقع عليه لدى بابه لن تعثر عليه في أي مصنف آخر منذ ضياع مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية إثر اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
ما جرى في فلسطين عام 1948 كان تطهيرا عرقيا. وبابه لا يقول كلاما مرسلا عندما ينحت هذا المصطلح ، بل يقدم الأسانيد والوقائع ويضيف عليها متانة لغة المؤرخ وبساطتها.
عندما وقعت النسخة العربية من كتاب” التطهير العرقي في فلسطين” في يدي قبل نحو عقدين، قرأتها بشغف.و لم أتمالك نفسي من إهداء أكثر من 15 نسخة منه للأصدقاء الشغوفين بالقراءة والمعرفة.
قبل أربعة أشهر عثرت في مكتبة أنطوان على كتابه الجديد” أكبر سجن على الأرض” حيث الرواية المنتظرة على ما نشهده من ممارسات إسرائيلية في الضفة الغربية وغزة.
قبل قراءة هذا الكتاب لم أكن أعرف – رغم متابعتي اللصيقة لما يكتب وينشر عن فلسطين- أن الترتيب لاحتلال الضفة الغربية بدأته نخبة عسكرية وسياسية إسرائيلية منذ عام 1963. وعندما أتت حرب 1967 كانت كل الخطط لبدء الاستيطان وتحويل الضفة إلى معازل جاهزة للتطبيق.
في كتاب بابه، لا مكان للروايات المرسلة ، هنالك محاضر لاجتماعات الحكومة الإسرائيلية، ولأقوال الفاعلين فيها ومواقفهم ، بدءا من موشيه ديان وليفي إشكول، وانتهاءا ببنحاس سابير وإيغال آلون.
هذا الكتاب برأيي يغني عن ترسانة أبحاث. ففيه تفسير لما يجري في الضفة بدءا بوظيفة “الإدارة المدنية” وتحكمها بتسميم حياة الفلسطينيين كلما وقع انفجار، وانتهاء بالخيارات المستحيلة التي وضع أمامها ياسر عرفات خلال مفاوضات كمب ديفد عام 2000.