هل يحق لأي شخص أن يتفاجأ؟ لقد أعلن نظام العصابات في الكرملين أن أمنه بات مهدداً من قبل جار أصغر بكثير، يزعم النظام أنه ليس دولة ذات سيادة حقيقية، وإنما مجرد ألعوبة في أيدي الدول الغربية الأكثر قوة. ولجعل نفسه أكثر أمناً، يصر الكرملين على أنه بحاجة إلى قضم بعض أراضي جاره. تنهار المفاوضات بين الجانبين، وتبدأ موسكو عملية الغزو.
حدث ذلك في عام 1939، وكان النظام في الكرملين يقوده جوزيف ستالين، وكانت الدولة المجاورة هي فنلندا. عرض ستالين تبادل الأراضي مع الفنلنديين، إذ أراد استخدام الجزر الفنلندية كقواعد عسكرية متقدمة في بحر البلطيق، إضافة إلى السيطرة على معظم برزخ “كاريليا”، وهو شريط من الأرض تقع في طرفه الجنوبي مدينة لينينغراد [تسمى الآن اسم بطرسبورغ، وهي مركز مقاطعة تطل على بحر البلطيق]. في المقابل، عرض ستالين على فنلندا غابة شاسعة وموحلة في كاريليا السوفياتية، على الحدود مع فنلندا إلى الشمال من البرزخ. ولدهشة ستالين، على الرغم من التعديلات المتتالية لمطالبه الأصلية، رفض الفنلنديون الصفقة. لقد رفضت فنلندا، التي يبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة ولديها جيش صغير، مطالب العملاق السوفياتي الذي يعد قوة إمبراطورية يبلغ تعداد سكانه 170 مليون نسمة ويمتلك أكبر قوة عسكرية في العالم.
غزا السوفيات فنلندا، لكن المقاتلين الفنلنديين أوقفوا لعدة أشهر الهجوم السوفياتي الذي خطط له ونفذ بشكل سيئ، ولقنوا “الجيش الأحمر” درساً قاسياً. نالت مقاومتهم إعجاب الغرب، حيث أشاد رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وقادة أوروبيون آخرون بشجاعة فنلندا، لكن بقي الإعجاب كلامياً، ولم ترسل القوى الغربية أسلحة إلى فنلندا، ولم يكن مطروحاً أن تتدخل عسكرياً. في النهاية، حافظ الفنلنديون على شرفهم، لكنهم خسروا حرب استنزاف طاحنة، وتنازلوا عن أراضٍ أكثر مما طالب به ستالين في البداية. تجاوزت الخسائر السوفياتية خسائر الفنلنديين، وشرع ستالين بشكل متأخر في إعادة تنظيم “الجيش الأحمر” من الأعلى إلى الأسفل. وقتئذٍ، استنتج أدولف هتلر والقيادة العليا الألمانية أن الجيش السوفياتي لم يكن في النهاية قوياً للغاية.
ننتقل بالزمن سريعاً إلى اليوم، حيث أمر مستبد في الكرملين مرة أخرى بغزو دولة صغيرة أخرى، وتوقع أن يجري اجتياحها بسرعة. لقد كان يتبجح بتراجع الغرب، وتخيل أن الأميركيين المشتتين وحلفائهم القليلي الأهمية، قد يشتكون، فإن أياً منهم لن يساعد دولة صغيرة ضعيفة. لقد أخطأ الطاغية في التقدير. وبنى حساباته الاستراتيجية على دعايته الخاصة التي تردد أصداءها في غرفته المغلقة التي يحاط فيها بثلة من المتملقين. في المقابل، قرر الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الاحتشاد بشكل حاسم ضده، ولم ينأَ بنفسه عن القتال.
في عام 1950، حينما كان ستالين لا يزال في السلطة، ولكن هذه المرة، كانت الدولة الصغيرة المعنية هي كوريا الجنوبية التي غزتها القوات الكورية الشمالية بعد أن أعطى ستالين للمستبد في بيونغ يانغ، كيم إيل سونغ، الضوء الأخضر. ولدهشة ستالين، شكلت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً دولياً مدعوماً بقرار من الأمم المتحدة، بعد أن فشل السوفييت في ممارسة حق النقض لأنهم قاطعوا وقتها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هبطت قوات الأمم المتحدة في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية، وطردت الكوريين الشماليين على طول الطريق إلى الحدود الصينية. نجح ستالين، مستفيداً من فشل واشنطن في الاهتمام بتقاريرها الاستخباراتية، في تمرير خطئه الفادح إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ. ولقد فاجأ تدخل جيش التحرير الشعبي الصيني بإعداد هائلة، القائد الأميركي، وأعاد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى الخط الذي قسم الشمال والجنوب قبل عدوان كوريا الشمالية، ما أدى إلى مأزق مكلف.
الآن، لنعد إلى الحاضر، حيث ولى ستالين والاتحاد السوفياتي منذ زمن بعيد وحل محلهما فلاديمير بوتين الذي يعتبر طاغية أقل شراسة، وروسيا التي تعتبر قوة ثانوية ولو أنها لا تزال خطيرة بعد أن ورثت ترسانة “نهاية العالم” [إشارة إلى الأسلحة النووية] التي كانت بحوزة الاتحاد السوفياتي وحق النقض في الأمم المتحدة والعداء تجاه الغرب. في فبراير (شباط) 2022، حينما اختار بوتين غزو أوكرانيا، ورفض سيادتها واستهزأ بها باعتباره بيدقاً في أيدي أعداء روسيا، توقع رداً دولياً مثل الذي لاقاه ستالين حينما غزا فنلندا في عام 1939، بمعنى حدوث صراخ على الهامش وشقاق وتقاعس، لكن حتى الآن، أنتجت الحرب في أوكرانيا واقعاً أقرب إلى ما حدث في كوريا الجنوبية في عام 1950، على الرغم من أن الأوروبيين كانوا هذه المرة متقدمين على الأميركيين. لقد أيقظ عدوان بوتين، وبشكل حاسم، بطولة وبراعة الشعب الأوكراني والجنود والمدنيين على حد سواء، والعزيمة والذكاء اللذين أظهرهما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أيقظ الغرب من سباته وحفزه للتحرك. لقد دافع الأوكرانيون، على غرار الفنلنديين، على شرفهم، وكذلك فعل الغرب هذه المرة.
واستطراداً، لا تظهر تلك الحوادث المتشابهة أن التاريخ يعيد نفسه، إنها بالأحرى تبين أن التاريخ الذي صنع في أوقات سابقة لا يزال يصنع حتى اليوم. وتبرز الإمبريالية الروسية الخالدة كأسهل تفسير لما يحدث، كما لو أن هناك ميلاً ثقافياً فطرياً نحو العدوان، لكن لا يوجد ذلك الشيء. من ناحية أخرى، سيكون من التبسيط أيضاً النظر إلى الغزو الروسي على أنه مجرد رد فعل على الإمبريالية الغربية، سواء في شكل حلف شمال الأطلسي أو الشكل الموسع من الحلف [بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، توسعت عضوية الناتو بانضمام دول أوروبية جديدة إليه]، لأن ذلك النمط العدواني سابق على وجود الناتو بوقت طويل.
تعكس هذه الحوادث المتكررة من العدوان الروسي، على الرغم من كل اختلافاتها، فخاً جيوسياسياً متشابهاً نصبه حكام روس لأنفسهم بشكل متكرر. ينظر عديد من الروس إلى بلادهم كقوة من السماء، ذات حضارة متميزة لديها مهمة خاصة في العالم، لكن قدرات روسيا لا تتناسب مع تطلعاتها، ولذا، يلجأ حكامها مراراً وتكراراً إلى التركيز المفرط لسلطة الدولة في جهد قسري لسد الفجوة المتزايدة مع الغرب، لكن قوة الدفع باتجاه إرساء دولة قوية لا تلقى النجاح، بل تتحول دائماً إلى حكم شخصي. وفي خطوة تالية، يؤدي الجمع بين الضعف والعظمة، إلى الدفع بالحاكم المستبد إلى مفاقمة المشكلة ذاتها التي أسهمت في ظهوره. بعد عام 1991، حينما اتسعت الفجوة مع الغرب بشكل جذري، استمرت الجغرافيا السياسية لروسيا، وفق ما أشرت إليه في هذه المجلة سنة 2016. وسوف تستمر حتى يتخذ الحكام الروس الخيار الاستراتيجي المتمثل في التخلي عن السعي المستحيل إلى تحويل بلادهم إلى قوة عظمى مساوية لـلغرب، ويختاروا [الحكام الروس] بدلاً من ذلك، التعايش مع الغرب والتركيز على التنمية الداخلية لروسيا.
تفسر تلك الأمور كلها السبب في كون نهاية “الحرب الباردة” الأصلية مجرد سراب [شكلت “الحرب الباردة” حقبة صراع ضار بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي، خلال معظم النصف الثاني من القرن العشرين]. لقد كانت حوادث 1989-1991 مهمة [فترة تفكك الاتحاد السوفياتي ثم الكتلة الاشتراكية كلها]، لكنها لم تكن بمثل تلك الأهمية التي أعطاها إياها معظم المراقبين، بمن فيهم أنا. خلال تلك السنوات، توحدت ألمانيا مرة أخرى ضمن التحالف عبر الأطلسي، وعانت القوة الروسية من تدهور مؤقت حاد. وقد أدت تلك النتائج، مع الانسحاب اللاحق للقوات الروسية، إلى تحرر دول أوروبا الشرقية الصغيرة كي تبني أنظمة دستورية ديمقراطية واقتصادات رأسمالية، وتنضم إلى الغرب في الاتحاد الأوروبي والناتو. لقد غيرت تلك الحوادث حياة الناس في البلدان الواقعة بين ألمانيا وروسيا، وضمن هذين البلدين العدوين الصديقين التاريخيين نفسيهما، لكنها لم تغير العالم كثيراً، إذ ظلت ألمانيا الموحدة غير فاعلة من الناحية الجيوسياسية إلى حد كبير، على الأقل حتى الأسابيع التي أعقبت غزو أوكرانيا، حينما تبنت برلين موقفاً أكثر حزماً، حتى الآن في الأقل. من ناحية أخرى، بدأت دول في أوروبا الشرقية، كالمجر وبولندا، اللتين اندرجتا ضمن أكبر الخاسرين في الحربين العالميتين ودخلتا في تسويات السلام الناجمة عنهما، لكنهما شرعتا في إظهار ميولاً غير ليبرالية، وبهذه الطريقة أكدتا وجود أوجه قصور في الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من تواصل التقلص الجذري لحجم الدولة الروسية (حتى الآن)، فإن انهيار القوة الروسية لم يكن نهائياً، تماماً على غرار عدم انهيارها نهائياً بعد “معاهدة فرساي” عام 1919. [أنهت المعاهدة الحرب العالمية الأولى التي شهدت انهيار الإمبراطورية القيصرية الروسية، وانسحاب البلاشفة الذين استولوا على السلطة آنذاك، من تلك الحرب]. وفي ما يشبه رفة عين، جاءت تلك الفترة من استراحة الغرب القصيرة نسبياً من تنافس القوة العظمى مع روسيا.
وطوال الوقت، ظلت شبه الجزيرة الكورية منقسمة، وظلت الصين شيوعية وتواصل الإصرار على مطالبتها بجزيرة تايوان الديمقراطية المتمتعة بالحكم الذاتي، بما في ذلك الحق في توحيدها بالقوة مع البر الرئيس. وبعيداً من آسيا، تستمر المنافسات ذات الطابع الأيديولوجي والمقاومة للقوة الأميركية والقيم الغربية المعلنة. وفوق كل شيء، لقد استمرت إمكانية اندلاع حرب نووية مدمرة، التي شكلت إحدى ضوابط “الحرب الباردة”. لذلك، يشكل القول إن “الحرب الباردة” قد انتهت، مجرد اختزال لهذا الصراع في وجود الدولة السوفياتية وحدها.
من المؤكد أن تغييرات هيكلية واسعة النطاق حدثت منذ عام 1991، وليس في مجال التكنولوجيا وحده. لقد شكلت الصين في الماضي الشريك الأصغر في النظام البديل المعادي للغرب. واليوم تحتل روسيا هذا الموقف. وبصورة عامة، تحول مركز تنافس القوى العظمى إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي في تغيير تدريجي بدأ منذ سبعينيات القرن العشرين وتسارع في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. ولقد أرسيت الأسس لهذا التحول خلال الحرب العالمية الثانية وتراكمت أثناء “الحرب الباردة”.
من وجهة نظر جيوسياسية، بدا التحول التاريخي الذي عرفه القرن العشرون أقل تجذراً في الفترة الممتدة بين عامي 1989 و1991 بالمقارنة مع عام 1979، حينما عمل الزعيم الصيني دينغ خسياو بينغ على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وبدأ رضوخ الحزب الشيوعي الصيني لليبرالية الاقتصادية. وأدى ذلك إلى توسع اقتصاد الصين وتنامي قوتها العالمية بشكل كبير. وفي العام نفسه، وصل الإسلام السياسي إلى السلطة في إيران في أعقاب ثورة تردد صداها خارج إيران، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى إشراف الولايات المتحدة على تنظيم مقاومة إسلامية للغزو السوفياتي لأفغانستان. وفي الوقت نفس تقريباً، في ظل ركود تضخمي عميق وانحلال القيم الاجتماعية، أطلقت ثورة ريغان – تاتشر تجديداً للمجال الأنغلو أميركي مع التركيز على الأسواق الحرة، ما حفز عقوداً من النمو وأدى في النهاية إلى عودة اليسار السياسي إلى الساحة، مع ظهور حزب العمال الجديد برئاسة توني بلير في المملكة المتحدة والديمقراطيين الجدد في الولايات المتحدة بقيادة بيل كلينتون، هذا المزيج الرائع المتمثل في بروز الصين اللينينية كصديقة لاقتصاد السوق، ووصول الإسلام السياسي إلى السلطة، وتجدد الغرب، أعاد تشكيل العالم بشكل أعمق من أي شيء آخر منذ التحولات التي عرفتها ألمانيا واليابان بعد الحرب [العالمية الثانية] وتوطيد الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
دفع الاعتقاد الخاطئ بأن “الحرب الباردة” انتهت بتفكك الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة إلى اتخاذ بعض الخيارات السياسة الخارجية المصيرية. فبعد أن اعتقدوا أنهم حسموا بالتأكيد التنافس الأيديولوجي لمصلحتهم، ابتعد معظم صناع السياسة والمفكرين الأميركيين عن رؤية بلادهم باعتبارها حجر الأساس للغرب، الذي لا يعني كياناً جغرافياً وإنما مجموعة من المؤسسات والقيم على غرار الحرية الفردية والملكية الخاصة، وسيادة القانون، والأسواق المفتوحة، والمعارضة السياسية. وكذلك لا يشمل الغرب أوروبا الغربية وأميركا الشمالية فحسب، بل يمتد إلى أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وعدد من الأماكن الأخرى. وبدلاً من مفهوم الغرب، تبنى عدد من النخب الأميركية رؤية “نظام دولي ليبرالي” تقوده الولايات المتحدة، ويمكن من خلاله نظرياً دمج العالم بأسره، بما في ذلك المجتمعات التي لا تتقاسم المؤسسات والقيم الغربية، في نظام واحد معولم ومتكامل.
لقد حجبت أحلام اليقظة بنظام ليبرالي غير محدود، الإصرار العنيد للجغرافيا السياسية، إذ لم تختفِ فجأة الحضارات الثلاث القديمة لأوراسيا، أي الصين وإيران وروسيا. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، أثبتت نخب هذه الحضارات بوضوح أنها لا تنوي الانخراط في عالم واحد وفقاً للشروط الغربية. على العكس من ذلك، استفادت الصين من اندماجها في الاقتصاد العالمي من دون الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية، ناهيك بتحرير نظامها السياسي. كذلك سعت إيران باستمرار إلى تفجير جوارها بذريعة حماية أمنها، مع مساعدة غير ذكية جائتها من الغزو الأميركي للعراق. كذلك انزعجت النخب الروسية من استيعاب الغرب للجمهوريات السوفياتية السابقة، حتى مع استفادة عديد من المسؤولين الحكوميين الروس من خدمات غسل الأموال التي تقدمها الشركات الغربية الكبرى. في النهاية، أعاد الكرملين بناء موارده المالية للإتيان بردة فعل. ومنذ نحو عقدين من الزمن، بدأت الصين وروسيا في تطوير شراكة معادية للغرب تجمعها مظالم متبادلة بين طرفيها، وجرى ذلك كله في وضح النهار.
العالم الذي صنعته الحرب
أثارت تلك الحوادث نقاشاً حول ما إذا كان ينبغي أو لا ينبغي أن تكون هناك (أو ما إذا كانت هناك بالفعل) “حرب باردة” جديدة، حرب تضع واشنطن في المقام الأول في مواجهة بكين. بقي هذا الجدل يدور على الهامش، لأن هذا الصراع ليس بجديد.
من المرجح أن تتكرر المنافسة العالمية الكبرى حول آسيا جزئياً لأن المنافستين الأخيرتين دارتا حول آسيا أيضاً بدرجة لا تحظى بالتقدير من قبل العديد من المراقبين الغربيين. لقد شكل تصحيح التصور الخاطئ، في الأقل بشأن الحرب العالمية الثانية، جزءاً من مهمة المؤرخ ريتشارد أوفري في كتابه الأخير “الدم والدمار”، الذي يسعى إلى تغيير وجهات النظر حول الحرب وحقبة ما بعد الحرب، من خلال دعوته إلى مزيد من الاهتمام بآسيا. ولقد لاحظ أن “الحرب الآسيوية وعواقبها أدت دوراً مهماً في صناعة عالم ما بعد الحرب، على غرار الدور الذي أدته هزيمة ألمانيا في أوروبا، ويمكن القول إنها كانت أكثر من ذلك”.
تبدو بعض حجج أوفري كأنها تأنيب للضمير، إذ يرى مثلاً أن التأريخ المتمحور حول النزعة الأوروبية الذي يرجع تاريخ اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى عام 1939 “لم يعد مفيداً،” وأنه “يجب فهم الحرب على أنها حدث عالمي، وليس حدثاً يقتصر على هزيمة دول المحور الأوروبي تكون فيه حرب المحيط الهادي مجرد ملحق،” وأنه “يجب إعادة تعريف الصراع على أنه عدد من أنواع الحروب المختلفة” بما في ذلك “الحروب الأهلية التي جرى خوضها إلى جانب الصراع العسكري الرئيس [وكذلك] “الحروب الأهلية” التي كانت إما عبارة عن حروب تحرير ضد قوة محتلة (بما في ذلك الحلفاء) أو كحروب للدفاع الأهلي عن النفس”. وليس أقل من أن توصف حجته الرئيسة بأن “الحرب العالمية الثانية الطويلة كانت آخر حرب إمبريالية”، بأنها غير اعتياديةً بالنسبة إلى خبير متخصص في التاريخ الآسيوي أو العالمي، لكن تبين أن هذا الرأي يتعارض مع دعوته المرحب بها لزيادة التركيز على آسيا.
حدد أوفري إطاره الإمبريالي باستحضار الحروب الكبرى المختلفة قبل عام 1914، كالصدام الصيني – الياباني في 1894-1895، واستشهد بستالين حينما قال إن أزمة الرأسمالية “كثفت الصراع من أجل الأسواق” وأن القومية الاقتصادية المتطرفة “تجعل من الحرب وسيلة معتادة لإعادة تقسيم العالم ومجالات النفوذ”. ولا يسهب أوفري في الحديث عن حقيقة أن ستالين نفسه سعى إلى تقسيم العالم بالقوة إلى مناطق نفوذ هرمية، وإن كان ذلك غير مرتبط بالوصول إلى الأسواق. وعلى الرغم من تركيزه على الإمبريالية ودعوته إلى تسليط الضوء على آسيا، فإن فصول كتابه الافتتاحية تقدم صورة مألوفة تتمحور حول هتلر والدبلوماسية بين الحربين وبداية الحرب العالمية الثانية، التي هي موضوعه الرئيس. ومع ذلك فإنه يجرؤ على المراجعة، ويعيد وصف سياسة الترضية البريطانية [قبل الحرب العالمية الثانية، اتبعت بريطانيا مع هتلر سياسة قائمة على القبول ببعض مطالبه، ومحاولة إرضائه بتنازلات تتضمن تلبية بعض تلك المطالب] على أنها “احتواء” مقترن بالردع [يستخدم مصطلح الاحتواء للإشارة إلى السياسة التي اتبعها الغرب حيال الاتحاد السوفياتي خلال “الحرب الباردة”، خصوصاً بعد حقبة ستالين]، على الرغم من أن حشد الأسلحة الذي نهضت به لندن جرى على نحو بطيء للغاية، وقد افتقر الاحتواء إلى المصداقية. لقد تجاهل أوفري اتفاق عدم الاعتداء في 1939 بين هتلر وستالين، كأنما الاتحاد السوفياتي لم يكن متورطاً في اندلاع الحرب العالمية الثانية.
على أي حال، بالنسبة إلى ملايين الآسيويين ممن طاولهم لهيب الحرب، لم تكن للحرب علاقة تذكر بهتلر أو ستالين أو رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين [الذي قاد سياسة الترضية حيال هتلر]، بل تعلق أمرها كله بالنسبة إلى الآسيويين، باليابان واشتباكها مع الولايات المتحدة، وهو الاشتباك الذي وضعه أوفري في مرتبة ثانوية ضمن سرديته. كذلك وجد أوفري صعوبة في إظهار الطبيعة الإمبراطورية للجيوش المتحاربة. كانت الدولة الوحيدة التي كان لها جيش إمبراطوري واسع النطاق هي المملكة المتحدة، فقد حشدت البلدان الخاضعة للتاج البريطاني 2.6 مليون جندي، وحشدت الهند 2.7 مليون جندي آخرين، لكن جرى نشر تلك الإعداد في المقام الأول خارج المسارح الرئيسة للحرب.
مع ذلك، استطاع كتاب أوفري التحليق حينما انتقل إلى الحديث حول لوجيستيات الحرب والإنتاج والميكانيكا. ومثلاً، يوضح أوفري، أن ما يسمى اليوم “بالحرب الحديثة” تختلف كثيراً عن نوع الصراع الذي هيمنت عليه الصناعة في منتصف القرن العشرين. فخلال الحرب العالمية الثانية، أنتجت الأطراف المتقاتلة أسلحة بسيطة نسبياً في الغالب، وبكميات هائلة كي تكون سهلة الاستخدام من قبل أكثر من 100 مليون مجند من الرجال والنساء زج بهم في القتال مع قليل من التدريب. على عكس عدد من الروايات التاريخية للحرب، يتجنب أوفري دراما معارك الدبابات الكبرى، وبدلاً من ذلك سلط الضوء على الخسارة المذهلة لجميع الدبابات التي أنتجها أطراف الصراع تقريباً. إنه ليس تاريخ البراعة العسكرية، وإنما تاريخ من الحرمان غير المفهوم، والفظائع والإبادة الجماعية.
إنها أيضاً قصة مؤثرة حول القدرة على التنظيم. يوضح أوفري كيف أن الاختراقات الأولية المثيرة التي حققتها قوى المحور كانت محدودة في أساسها، وكيف أن هزيمتها أيضاً لم تكن ضرورية. في هذا الصدد، كتب أوفري “لقد كانت دول المحور تتمتع بالفضاء عوضاً عن الوقت، وكان الفضاء هو الذي أبطأ تقدمهم وأوقفهم في عام 1942”. وأضاف أن “الحلفاء لم يكونوا أقرب إلى غزو الأوطان اليابانية أو الألمانية أو الإيطالية في عام 1942، لكن أصبح لديهم الوقت والامتداد العالمي للعمل على كيفية إعادة تنظيم وتحسين قدراتهم العسكرية حتى يكونوا في وضع يمكنهم من القيام بذلك خلال عامي الأخيرين من الحرب”. كان الكدح إلى النصر يعني التعلم بمشقة كيفية القتال بشكل أفضل وتطوير الوسائل الكاملة للتوصل إلى ذلك. يوضح أوفري كيف استوعب السوفييت بألم دروس حرب الدبابات الألمانية، وفي النهاية قاموا بمحاكاة براعة النازيين، وأحدثوا ثورة في إنتاج الدبابات على الرغم من خسارتهم الهائلة للأراضي والبنية التحتية المادية والعمال. في غضون ذلك، سعى البريطانيون بدورهم بمشقة لتقليد الحرب الجوية الألمانية وإصلاح أسطولهم الجوي. صحيح أن أوفري لم يكن دقيقاً في ما يخص الطريقة التي واجه بها الأميركيون المهمة الأكثر إرباكاً على الإطلاق، والمتمثلة في القتال في المحيطات تزامناً مع بناء أكبر قوة بحرية وجوية وأكثرها تقدماً في العالم. ومع ذلك، فقد استنتج بصدق أن “المؤسسات العسكرية التابعة للحلفاء أصبحت، بحسب وصف المنظر التنظيمي ترينت هون، أنظمة تكيفية معقدة، بمعنى أنه يمكن العمل من خلالها على منحنى التعلم”، وقد جرى صوغ مصطلح “منحنى التعلم” [إشارة إلى العلاقة بين الوقت من جهة وكمية التعلم من جهة اخرى] في عام 1936.
في نهاية المطاف، لم تكسب الحرب العالمية الثانية في الغالب على الجبهة الشرقية، حيث تكبد الجيش الأحمر خسائر هائلة من أجل القضاء على الـ”فيرماخت” [الجيش الألماني الذي ألفه الرايخ النازي بين عامي 1921 و1945]، بل كسبت الحرب في البحار والجو. لقد تعمدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة تدمير قدرة ألمانيا واليابان على إنتاج أسلحة الحرب ونقلها إلى الجبهات. بحلول عام 1944، لم يكن ممكناً سوى حشد جزء ضئيل من قدرات الحرب الألمانية واليابانية في المعركة. بالنسبة إلى اليابان، تلاشت أهمية غزواتها الخارجية ومواردها الطبيعية الهائلة، بمجرد قضاء القوات الأميركية على الشحن التجاري الياباني. في ألمانيا، حينما نقلت المصانع إنتاجها (عادة تحت الأرض)، أدى الانتقال السريع إلى معدلات عيوب أعلى، مع صرف العمال عن مهام التصنيع الأساسية.
وبدلاً من تسليط الضوء على إنجازات الحلفاء هذه، ركز أوفري على تكاليف استراتيجية الإنكار الأنغلو أميركية. مع ذلك، أشار إلى أن الاتحاد السوفياتي لم يكن لديه الوسائل اللازمة للانخراط في حرب اقتصادية منهجية، وأن محاولة ألمانيا حصار المملكة المتحدة في المحيطات تعثرت، ما عبر عن فشل ألمانيا في الاستثمار بشكل كافٍ في الغواصات حتى فوات الأوان. في المقابل، لقد استنتج أن “حجم الإنتاج وتقاسم السلع العسكرية أثبتا أنهما يشكلان المساهمة الاقتصادية الأكيدة في النصر”. وبديهي القول إن الإنتاج والتدمير شكلا وجهين لعملة واحدة. ويسلط أوفري نفسه الضوء على الاستثمارات الضخمة في القوة الجوية والبحرية للسيطرة على الممرات البحرية وشن الهجمات من مسافة بعيدة، ويوضح إلى أي حد ذهبت قوى المحور في شن حرب استباقية ضد محاولة الحلفاء منعها من الوصول إلى المواد الخام الضرورية، كالنفط والمعادن النادرة، التي لم تسيطر عليها قوى المحور. لقد شل تفكير قادة ألمانيا واليابان تحت تأثير الموارد التي لا مثيل لها والقدرات الاعتراضية للإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة القارية، فضلاً عن الاتحاد السوفياتي الشاسع. لذا، فقد شعروا بأنهم مضطرون لخوض حرب من أجل أن يكونوا قادرين على خوض حرب.
أحلام كاليفورنيا
يكشف فهم أوفري للإمبراطورية، عن صبغة سياسية واضحة، إذ يرى مثلاً أن الاحتلال السوفياتي بعد الحرب وفرضه القسري للأنظمة المستنسخة في أوروبا الشرقية لم يشكل إمبريالية [بمعنى تكوين إمبراطورية]، وأن الإمبريالية البريطانية يمكن مساواتها مع غزوات “المحور” وأعمال النهب التي أجراها. وفي هذا الصدد، كتب أوفري، “وفق شكاية أحد المسؤولين اليابانيين، لماذا من المقبول أخلاقياً أن تهيمن بريطانيا على الهند، ولكن ليس أن تهيمن اليابان على الصين؟”. في المقابل، ليست كل أشكال الهيمنة متشابهة، إذ لم يعمل البريطانيون، على الرغم من كل غدرهم، بما في ذلك سوء الحكم الذي أسهم في مجاعة البنغال عام 1943، على محو البنية التحتية للهند، أو قصف المدنيين الهنود، أو إجبار ملايين الهنود على العبودية الجنسية، أو إجراء تجارب علمية مروعة على البشر، وكلها أفعال أقدم عليها اليابانيون حيال الآسيويين في الصين. يشير أوفري كذلك إلى أن إصرار المملكة المتحدة في عام 1945 على استعادة مالايا وهونغ كونغ لا يختلف كثيراً عن محاولة اليابان الاستيلاء عليهما واحتلالهما، لكن في الواقع، يمكن لعديد من الآسيويين الذين رفضوا الحكم البريطاني التمييز بينه وبين مذابح اليابان.
وعلى الرغم من كل تركيزه على الإمبريالية البريطانية، أخفق أوفري في تسليط الضوء على قصة إعادة استيلاء بريطانيا على هونغ كونغ، التي سيطرت عليها المملكة المتحدة لمدة قرن قبل استيلاء اليابان عليها في عام 1941. ففي كتاب يزعم توجيه التركيز نحو لآسيا، كان بإمكانه التأكيد بصدق على أن مصير هونغ كونغ من الناحية الجيوسياسية كان أكثر أهمية من مصير بولندا مثلاً [شكلت بولندا سبباً مباشراً في اندلاع الحرب العالمية الثانية، إثر خلاف مع هتلر. وشكلت مقراً لحلف وارسو الذي قاده الاتحاد السوفياتي، خلال “الحرب الباردة]. من المستطاع الإشارة إلى أنه باستثناء الاستيلاء السوفياتي على برلين في مايو 1945 والبرقية الصارمة التي أرسلها الرئيس الأميركي هاري ترومان إلى ستالين في أغسطس من ذلك العام لتحذيره من غزو جزيرة “هوكايدو” (إحدى جزر اليابان الرئيسة الأربع)، تجاوزت إعادة احتلال هونغ كونغ من قبل البريطانيين في عام 1945 أي حدث آخر خلال الحرب، من حيث تداعياتها الاستراتيجية.
وحينما بدا فجأة في صيف عام 1945 أن استسلام اليابان بات وشيكاً، وقد تفاجأت واشنطن بذلك، سارعت إدارة ترومان إلى العمل على خطة لتسليم الأراضي التي كانت تحتلها اليابان وأسندت هونغ كونغ، بعد قبول اليابان التخلي عنها، ليس للبريطانيين، بل لحكومة شيانغ كاي شيك القومية الصينية. ومع ذلك، أجرى البريطانيون استعدادات عسكرية وسياسية محمومة لاستعادة هونغ كونغ تحت سيطرتهم. أراد المسؤولون الأميركيون إرضاء حلفائهم البريطانيين وفي الوقت نفسه تمكين شيانغ من حفظ ماء وجهه، لذا اقترحوا بنباهة أن يقبل البريطانيون الاستسلام نيابة عن الحكومة الصينية، لكن البريطانيين رفضوا هذا العرض، وفي النهاية رضخت واشنطن لمطالب بريطانيا. رضخ تشيانغ أيضاً، لأنه كان يعول على الدعم العسكري واللوجيستي للولايات المتحدة لاستعادة مناطق صينية أخرى. كانت النتيجة انتقال هونغ كونغ من اليابانيين إلى البريطانيين. وبقيت على ذلك الحال حتى بعد عام 1949، حينما انتصر الشيوعيون على القوميين التابعين لتشيانغ في الحرب الأهلية الصينية، وتراجع الشيوعيون عن محاولة طرد البريطانيين من ميناء هونغ كونغ الجنوبي الاستراتيجي.
لو رضخ البريطانيون بدلاً من الأميركيين وتشيانغ، لاتخذ التاريخ منحى مختلفاً تماماً، لكن مع الذي حدث، استطاع النظام الشيوعي في بكين الاستفادة بشكل غير عادي من شيء لم يكن ليمتلكه لولا ذلك، تمثل في الحصول على مركز مالي دولي له مستوى عالمي ويخضع لحكم القانون. خلال فترة إصلاحات دنغ شياو بينغ، تحولت هونغ كونغ البريطانية إلى بوابة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمهمة إلى الصين الشيوعية، خصوصاً من اليابان وتايوان.
كثيراً ما يتساءل الناس لماذا لم يتبع رئيس الوزراء السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، عند محاولته إعادة تنشيط الاقتصاد السوفياتي في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين، النهج الصيني الناجح في الإصلاحات. وبعيداً من الهوة الهائلة بين دولة في غاية التحضر والتصنيع، ودولة يغلب عليها الطابع الريفي والزراعي، لم يكن لدى الاتحاد السوفياتي ما يشبه هونغ كونغ لجذب الاستثمارات وتوجيهها وفقاً لاعتبارات السوق، وليس لاعتبارات سياسية. لولا هونغ كونغ البريطانية، ما كانت هناك معجزة صينية.
لم تعد هونغ كونغ إلى سيطرة بكين إلا في عام 1997، بموجب اتفاق أعلنته الصين والمملكة المتحدة في عام 1984. وبموجب مبدأ “دولة واحدة ونظامان،” وافق الحزب الشيوعي الصيني على السماح لهونغ كونغ بالحفاظ على مستوى من الحكم الذاتي، والحكم الديمقراطي والحريات المدنية، على الأقل حتى عام 2047، لكن الرئيس الصيني شي جينبينغ لم يحترم وعود بلاده بموجب المعاهدة. لقد أدى منطق الحكم الشيوعي إلى شن حملة شرسة أدت إلى نتائج عكسية على مراكز الثروة والسلطة والحرية المستقلة في هونغ كونغ، التي هددت كلها احتكار الحزب الشيوعي للسلطة.
واستطراداً، لا تنسجم بسهولة حالة الإمبريالية الصينية ومثيلاتها، مع سردية أوفري بشأن نهاية الإمبريالية. ولم تكن هونغ كونغ المكان الوحيد الذي تأذى بالحكم الشيوعي. لقد ورثت الصين الشيوعية إمبراطورية سلالة تشينغ المتعددة الأعراق. وفي عامي 1950 و1951، احتل الشيوعيون هضبة التبت [تضم سلسلة جبال همالايا الشهيرة]، التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1912. كان ستالين يدعم الانفصاليين المسلمين في منطقة “شينجيانغ” ذات الغالبية الأويغورية أثناء الحرب وبعدها، ولكن في عام 1949، نصح ستالين الشيوعيين الصينيين بتشجيع استيطان قومية الـ”هان” هناك. تمثل الهدف من ذلك في رفع نسبة السكان من العرق الصيني في “شينجيانغ” إلى 30 في المائة، انطلاقاً من خمسة في المئة، بهدف تعزيز التنمية وتقوية قبضة الصين على الإقليم. في عام 2020، وفقاً لتعداد سكاني، شكل الـ”هان” الصينيون 42 في المئة من سكان شينجيانغ. في عام 2018، أشار تقرير للأمم المتحدة، عززت نتائجه صور وفيرة ومفتوحة المصدر جاءت من أقمار صناعية، إلى أن بكين سجنت ما لا يقل عن مليون من الأويغور في معسكرات “إعادة التثقيف” والعمل القسري.
لم تكن التوترات العرقية التحدي الوحيد الذي واجه الصين الشيوعية بعد احتلالها العسكري الناجح وشرعنة حكمها على رقعة الأرض المعروفة باسم “آسيا الداخلية،” وهي منطقة تمتد من التبت إلى تركمانستان. كانت منطقة منيعة بتضاريسها من الصحارى والجبال والهضاب العالية، ولم تمنح الصين ما يماثل فوائد الساحل الغربي الأميركي. وباختصار، ليس لدى الصين ما يشبه ولاية كاليفورنيا. واليوم، تحاول بكين الاستحواذ على شيء يشبه كاليفورنيا مقلدة بهدف الوصول إلى المحيط الهندي عبر خليج البنغال وبحر العرب من خلال توسيع البنية التحتية الصينية إلى باكستان وميانمار المضطربة. في المقابل، لا يشكل ذلك بديلاً عن الشيء الحقيقي [ولاية كاليفورنيا بالنسبة إلى أميركا]، بمعنى وجود ساحل ثان يوفر خندقاً أمنياً هائلاً وطريقاً سريعاً تجارياً لا يقدر بثمن جعل من كاليفورنيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي. إن الافتقار إلى أي شيء من هذا القبيل هو إلى حد بعيد أكبر نقص استراتيجي للصين.
كيف توحد الغرب؟
لقد ألقت آسيا ضوءاً كاشفاً قاسياً على عديد من الأميركيين الذين طالما اشتهروا بفضل حنكتهم السياسية العظيمة في أوروبا والاتحاد السوفياتي. ومن الأمثلة على ذلك المبعوث الأميركي جورج مارشال ومهمته الفاشلة إلى الصين للتوفيق بين القوميين بقيادة تشيانغ والشيوعيين بزعامة ماو تسي تونغ، والدبلوماسي جورج كينان الذي جرى تجاهل توصياته بأن تتخلي أميركا عن القوميين الصينيين وتشن غزواً عسكرياً على تايوان يحرم كل من القوميين والشيوعيين من الجزيرة، ووزير الخارجية دين أتشيسون الذي استبعد شبه الجزيرة الكورية من النطاق الدفاعي للولايات المتحدة.
في ذلك الإطار، لطالما خشي ستالين، بأكثر مما فعل صانعي السياسة في الولايات المتحدة، من الثقل التنافسي للصين التي تنافست بعد وفاته في عام 1953 على الهيمنة داخل الكتلة الشيوعية (وعبر ما سمي آنذاك العالم الثالث). يلقي عديد من المحللين باللوم على كلينتون لتشجيعه بسذاجة انضمام الصين الشيوعية إلى “منظمة التجارة العالمية”، من دون شروط أو معاملة بالمثل. ويبدو ذلك منصفاً بما فيه الكفاية، لكن يمكن للمرء أن يشير بإصبع الاتهام إلى الرئيس جيمي كارتر الذي أعاد وضع “الدولة الأكثر تفضيلاً” إلى الصين، على الرغم من نظامها الشمولي واقتصادها المنافي لاقتصاد السوق.
في الحقيقة، يعود التخبط الأصلي للسياسية الأميركية تجاه الصين الحديثة إلى الرئيس فرانكلين روزفلت، إذ امتلك زعيم الحرب روزفلت [الذي قاد الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية] حدساً غامضاً حول أهمية الصين في عالم ما بعد الحرب الذي تصوره، لكنه تخلى فعلياً عن الصين، حتى حينما رفع مكانتها بجعلها واحدة من الدول الأربع (ثم الخمس في النهاية) التي تمتعت بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المشكل حديثاً آنذاك. صدم تشرشل بفكرة روزفلت منح الصين دور قوة عظمى (مجرد “تصنع” من جانب بكين، من وجهة نظر رئيس الوزراء البريطاني). كذلك استحضر أوفري أن الولايات المتحدة وزعت نحو 800 مليون دولار من المساعدات على الصين بين عامي 1945 و1948 (أي ما يعادل أكثر من 10 مليارات دولار بقيمة الدولار الحالية)، ودربت 16 فرقة من جيش الحكومة القومية وساعدت 20 فرقة أخرى، وقدمت نحو 80 في المئة من معدات تشيانغ العسكرية، قبل أن تسحب نفسها من الحرب الأهلية الصينية. من خلال التشبث بمعتقداته الشيوعية والمعادية للغرب، أضفى ماو وضوحاً عدائياً على العلاقة الثنائية المشوشة. وبينما تجادل الأميركيون لعقود حول “من خسر الصين؟”. كانت الصين تحت حكم ماو، هي التي خسرت الولايات المتحدة. اليوم، بعد أكثر من 40 عاماً من تطبيع العلاقات بين البلدين، يخاطر الرئيس الصيني شي جينبينغ بفعل الشيء نفسه.
لم يسبق للعالم أن كان في وضع يشبه الوضع الذي هو فيه اليوم. وللمرة الأولى في التاريخ، تعتبر الصين والولايات المتحدة قوتين عظميين في الوقت نفسه. كانت الصين أبرز دولة في العالم حينما استقلت 13 مستعمرة أميركية عن المملكة المتحدة [كي تشكل لاحقاً الولايات المتحدة الأميركية]. وعلى مدى القرنين التاليين تقريباً، حينما صعدت الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم وأعظم قوة معروفة في التاريخ، دخلت الصين، ليس من طريق الصدفة، نفقاً طويلاً مظلماً من النهب الخارجي والداخلي على وجه الخصوص. انتهى ذلك حينما أصبح البلدان متشابكين بأشكال عميقة. لم يكن لتلك العملية علاقة بتملق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لماو، بهدف توسيع الشرخ الذي فتحته بكين مع موسكو، بقدر ما كان له علاقة بقرار دينغ التاريخي بالتخلي عن السوفييت، وارتداء قبعة رعاة البقر خلال زيارته إلى تكساس عام 1979 وربط قطار بلاده مع السوق الاستهلاكية الأميركية المتطلبة، ما شكل سيراً منه [دينغ] على النهج الذي سلكته بشكل مذهل كل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. في تسعينيات القرن العشرين، استعاد الرئيس الصيني جيانغ زيمين علاقة حيوية مع روسيا المهجورة ومجمعها الصناعي العسكري، وفي الوقت نفسه استطاع الحفاظ على التوجه الاستراتيجي للصين تجاه الولايات المتحدة، ما سمح لبكين بالجمع بين النقيضين.
في المقابل، تملك الأنظمة في أوراسيا طريقة لتذكير الولايات المتحدة وحلفائها، بغض النظر عن مدى عمق غرقها في الأوهام، بما هو مهم ولماذا. لقد أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب غيرة الرجل القوي، ولم يسع لسوى إبرام الصفقات التجارية، لكن رئاسته حفزت تحولاً ملحوظاً نحو إجماع وطني متشدد ضد الصين، التي تحملت مجيء إدارة بايدن على الرغم من أن العديد من أعضاء فريق الرئيس بايدن خدموا في إدارة أوباما الخانعة للغاية. كذلك أدى غزو بوتين لأوكرانيا وتواطؤ شي الواضح معه إلى تشجيع أوروبا على انهاء اعتمادها على الطاقة الروسية، ونهجها التجاري فوق كل شيء مع الصين وزعيمها. ويفيد الرأي السائد حالياً بأنه لا يمكن السماح لبوتين بالنصر في أوكرانيا ليس من أجل أوكرانيا وأوروبا وحدهما، لكن أيضاً من أجل الاستراتيجية الأميركية وحلفائها في آسيا. لقد أصبحت موسكو الآن منبوذة، ولم يعد العمل كالمعتاد مع بكين مقبولاً. وللمضي قدماً، ليس هناك ما هو أهم من الوحدة الغربية ضد كل من الصين وروسيا، هذا هو المكان الذي اتخذت فيه إدارة بايدن خطوة مهمة إلى الأمام، على الرغم من تخبطها في الانسحاب من أفغانستان وإطلاق اتفاق “أوكوس الأمني”.
في سياق متصل، لا يقتصر التقارب مع روسيا على شي لوحده في الصين، إذ يشمل ذلك القوميين الصينيين، في صفوف عموم الجمهور، وبين الخبراء وفي الدوائر الحاكمة، ممن يلومون حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بقوة على الحرب في أوكرانيا. إنهم يحثون الصين على الاقتراب أكثر من روسيا. يريد هؤلاء الصينيون المتشددون أن تنتصر روسيا، لأنهم يريدون أن تستولي بلادهم على تايوان ويعتقدون أن الولايات المتحدة ستنتهك أي معيار دولي في سعيها للهيمنة. ومع ذلك، لاحظت بعض النخب الصينية إلى أي مدى تمكنت وكالات الاستخبارات الغربية من اختراق نظام بوتين، والسهولة التي جرى بها فصل روسيا عن النظام المالي العالمي، وكيف يمكن لمستبد محاط بالمتملقين أن يخطئ في الحسابات بطريقة مدمرة. في النهاية، ربما ليست فكرة جيدة أن يسمح لرجل واحد بتحويل نظام استبدادي تستفيد منه مجموعات كبيرة من ذوي المصالح، إلى نظام إقطاعي شخصي يخاطر بكل شيء.
مع ذلك، بينما ناور ستالين كي يمرر غلطته في الحرب الكورية إلى ماو ووقود المدافع الصينية من الجند، ترك شي خلال حرب أوكرانيا حتى الآن بوتين والجنود الروس ليدفعوا تكاليف محاولة تسريع الانحدار المفترض للغرب وما يشير إليه الزعيم الصيني مراراً على أنه “تغييرات كبيرة لم نشهدها خلال قرن”.
في الواقع، لقد أعاد الغرب اكتشاف قوته المتنوعة. ففي كل مرة يعلن فيها عن موت التحالف عبر الأطلسي، ينبعث من جديد، ولم يسبق لانبعاثه أن جاء أكثر قوة مما كان عليه هذه المرة. وحتى أكثر الأمميين الليبراليين التزاماً، بمن فيهم بعض العاملين في إدارة بايدن، بدأوا يرون أن الخصومات المستدامة تشكل حرباً باردة متواصلة، وأن العالم في صورته الحالية لم يبدأ في 1989-1991، بل بدأ في أربعينيات القرن العشرين، حينما شكل عن قصد أعظم فضاء للنفوذ في التاريخ بهدف مواجهة الاتحاد السوفياتي وستالين. إنه في الأساس فضاء نفوذ اختياري يوفر الرخاء والسلام المتبادلين، على عكس المجال المغلق والقسري الذي تتبعه روسيا في أوكرانيا، والصين في منطقتها وخارجها.
في هذا الصدد، ليس قليلاً أهميةً الصفات الملموسة التي تتيح للولايات المتحدة بأن تقود ليس نظاماً دولياً ليبيرالياً وهمياً، بل غرباً لا تحده الجغرافيا. كثيراً ما يخطئ القادة الأميركيون، لكن يمكنهم التعلم من أخطائهم. تمتلك الدولة آليات تصحيحية في شكل انتخابات حرة ونزيهة واقتصاد سوق ديناميكي. مثلاً، تمتلك الولايات المتحدة وحلفاؤها مؤسسات قوية ومجتمعات مدنية قوية ووسائل إعلام مستقلة وحرة. تشكل تلك المعطيات المزايا التي يوفرها الانتماء إلى الغرب، والتي لا ينبغي الخجل منها، وهي مزايا لا ينبغي على الأميركيين أن يعتبروها من المسلمات.
حزب التكتل
لقد تلاشت آثار الحوادث الثلاث الكبيرة التي اندلعت في عام 1979. فمنذ زمن طويل، انكشف إفلاس الإسلام السياسي، وظهر ذلك بشكل أشد وضوحاً في إيران. ففي ظل عجزها على توفير التنمية لاقتصادها أو الرفاهية لشعبها، تحتفظ الجمهورية الإسلامية ببقائها من خلال القمع الداخلي والأكاذيب وهجرة خصومها. بالنسبة إلى الصين، فإنها تواجه مشاكل ديموغرافية وتحدياً خطيراً للهروب مما يسمى “فخ الدخل المتوسط” [يشير التعبير إلى فشل الصين في رفع متوسط الدخل الفردي فيها إلى المستوى الموجود في البلدان الصناعية المتقدمة، بل إنه يبقى عند مستوى الطبقة الوسطى في تلك البلدان]، علاوة على الإخفاقات الواضحة والتناقضات المستحيلة لنظام الحكم فيها. وعلى نحو مماثل، لم يعد النظام اللينيني في بكين قادراً على التسامح مع القطاع الخاص الواسع الآن، الذي تعتبر ديناميكيته حيوية للغاية بالنسبة إلى النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، لكنه بات يهدد وجود النظام. في المقابل، يمضي نهج ريغان – تاتشر في مساره داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ويرجع ذلك جزئياً إلى تنامي بعض سلبياته مع مرور الوقت، لكن في الغالب لأن نجاحاته غيرت وألغت جزئياً الظروف التي نشأت وعملت فيها. وفي المقابل، بينما تعجز الإسلاموية و”لينينية السوق” عن تعزيز أنظمة قادرة على إصلاح نفسها مع البقاء مستقرة، يشير التاريخ إلى أنه من خلال القيادة والرؤية، تستطيع أنظمة سيادة القانون الغربية تجديد نفسها، بالتالي يتجسد ما تحتاج إليه الدول الغربية الآن، بغض النظر عن موقعها الجغرافي، في توليفة جديدة من الفرص الموسعة بشكل كبير، إضافة إلى إجماع سياسي وطني.
على الصعيد العالمي، ينظر إلى الغرب نظرة غيرة واستياء. ففي العقود الأخيرة، تمكنت أوروبا، وبخاصة الولايات المتحدة من تقليل الغيرة وتضخيم الاستياء، من أميركا اللاتينية إلى جنوب شرقي آسيا والأراضي الواقعة بينهما. وبينما ينبغي قلب مسار هذه الآلية، لم يجر حتى الآن سوى تعزيزها بعد الرد الغربي على العدوان الروسي ضد أوكرانيا، الذي أدى على المدى القصير إلى تشجيع المنتقدين الذين يستغلون نفاق الغرب فيما يتعلق بالتدخل في شؤون الدول ونهجه الانتهازي تجاه القانون الدولي واستخدام السلطة المفرطة.
من المغري انتقاء بوتين وشي وتخيل أن الأفراد يصعدون مصادفةً إلى قمة دول كبرى، بالتالي، فإن إزالتهم ستحل التحديات الجيوسياسية التي تفرضها أنظمتهم. في المقابل، وعلى الرغم من أهمية الشخصيات بالطبع، فإن الأنظمة لديها أسلوب في اختيار أنواع معينة من قاداتها. في هذا الصدد، تعتبر إمبراطوريات الكتلة الأرضية الأوراسية أضعف عند مقارنتها مع النموذج الأنغلو أميركي الحديث، لجهة التفوق في القوة البحرية، والتجارة الحرة مع الدول الغنية الأخرى والحكومة المحدودة نسبياً. لقد مكن انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية هذا النموذج من الامتداد إلى ليس أوروبا الغربية فحسب، بل إلى جزء من أوروبا الوسطى أيضاً، ومع مرور الوقت، إلى أول سلسلة جزر في شرق آسيا. واستطراداً، فحتى الصين أصبحت أيضاً قوة تجارية عبر الانتفاع مجاناً من الأمن الذي توفره البحرية الأميركية. ولم تعمل الصين على بناء أسطولها البحري بهدف حماية موقعها، إلا في وقت متأخر. ومع ذلك، لا تزال الصين تعاني بعض أوجه من الضعف التي تعانيها قوى أوراسيا، على غرار كونها تتوفر على ساحل واحد، محاصر إلى حد كبير، على الرغم من الاستيلاء على الشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي وتحويلها إلى منشآت عسكرية.
إن وصف الغرب بأنه مجموعة من دول متغطرسة تحاول قسر الآخرين على تبني الحداثة، يشكل إطراءً مخادعاً من قبل أوراسيا للغرب. لا يزال الوصول إلى الأسواق الاستهلاكية في الولايات المتحدة وأوروبا، وعمليات نقل التكنولوجيا المتطورة والسيطرة على البحار والعملات الاحتياطية وتأمين إمدادات الطاقة والمعادن النادرة، أمراً حاسماً. ووفق ما يوضح كتاب أوفري، إن السعي وراء ذلك تحديداً وتشكيل تكتلات مكتفية ذاتياً يمثل أساس الحروب العالمية وشخصيتها وتداعياتها. يخلط أوفري هذا الأمر بالإمبراطورية ويؤكد أن الحرب العالمية الثانية هي التي قضت على حقبة الإمبريالية بأكملها.
لكن الإمبراطوريات تأتي وتذهب، في حين أن التكتلات تستمر. من المستطاع الإشارة إلى أن الصين اليوم تنتهج استراتيجية مشابهة لتلك التي تبنتها ألمانيا النازية الإمبراطورية اليابانية، حتى لو أنها تفعل ذلك بكل الوسائل عدا الحرب. ويتمثل الهدف من تلك الاستراتيجية في أن تصبح الصين منيعة ضد أي حصار وعقوبات. والآن، بعد أن تسبب بوتين في حصار على بلاده، سيضاعف شي جهوده.
سيستمر آخرون في مناقشة إذا كان صراع القوى العظمى والمعضلات الأمنية مسائل لا تنتهي. ومع ذلك، فإن النقطة المهمة هنا ليست نظرية بل تاريخية. لقد استمرت معالم العالم الحديث الذي خلفته الحرب العالمية الثانية حتى المنعطف العظيم لعام 1979 والمنعطف الأصغر في 1989-1991. ويعتمد المدى الذي قطعه العالم الآن في الوصول إلى نقطة تحول أخرى أكبر أو أصغر، وإلى حد كبير، على مخرجات الحرب في أوكرانيا، وإذا كان الغرب سيبدد إعادة اكتشاف نفسه أو سيعززها من خلال التجدد.
* ستيفن كوتكين هو أستاذ “جون بي بيركلوند 52” للتاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، وزميل أول في “معهد هوفر” بجامعة ستانفورد، وهو مؤلف كتاب مقبل بعنوان “ستالين، القوة العظمى الشمولية، 1941-1990،” وهو الكتاب الأخير في سيرة ستالين المكونة من ثلاثة مجلدات.
فورين آفيرز مايو (ايار)/ يونيو (حزيران) 2022
المصدر: اندبندنت عربية