لم يواجه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تحديات تهدد وجوده منذ تأسيسه قبل نحو 10 سنوات، كتلك التي يواجهها اليوم إثر قرارات غير مسبوقة اتخذها باستبعاد كتل سياسية داخله، وفصل شخصيات ظلّت لفترة طويلة تتصدر المشهد السياسي السوري المعارض.
ووفق النظام الداخلي، استبعدت الهيئة العامة في الائتلاف، الخميس الماضي، 4 من مكونات الائتلاف، وهي: “حركة العمل الوطني”، “الكتلة الوطنية المؤسسة”، “الحراك الثوري”، و”الحركة الكردية المستقلة”. ووسعت الهيئة دائرة التمثيل لرابطة الكرد المستقلين من ممثل واحد إلى ثلاثة، وأبقت على عضوية عدد من ممثلي كتلة “الحراك الثوري”، ولكن كمستقلين، بعدما أقالت، مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي، 14 عضواً، بالإضافة إلى إجراء عملية تبديل في تمثيل المجالس المحلية للمحافظات.
لوّحت شخصيات عدّة بورقة تشكيل كيان سياسي يمكن أن ينازع “الائتلاف” الشرعية الثورية والسياسية للمعارضة
وتباينت ردود الفعل إزاء هذه القرارات التي لطالما طالب بها الشارع السوري المعارض، ولوّحت شخصيات عدّة بورقة تشكيل كيان سياسي يمكن أن ينازع “الائتلاف” الشرعية الثورية والسياسية للمعارضة السورية.
الائتلاف السوري المعارض… محاولات إصلاح لم تنقطع
وكانت عمليات “إصلاح” عدة جرت في الائتلاف منذ تأسيسه أواخر عام 2012، إلا أنها لم تنجح في تحريك مياهه الراكدة منذ سنوات. وتعد المحاولة الجديدة الكبرى داخل الائتلاف، خصوصاً لجهة استبعاد كتل ظلّت لفترة طويلة تقود العمل المعارض، ولكن من دون تحقيق نتائج، بل اتسعت الهوّة بين الشارع السوري المعارض وبين كل تشكيلات ومنصات المعارضة، سواء المقربة من تركيا أو من دول أخرى.
ومن الواضح أن الائتلاف يحاول إجراء تغييرات عميقة في بنيته لاستعادة بريقه السياسي الذي خبا مع مراوحة العملية السياسية السورية التي ترعاها الأمم المتحدة مكانها، وتراجع الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية السورية. ومن الناحية النظرية، يمارس “الائتلاف الوطني” السوري سلطاته من خلال الحكومة المؤقتة على قطاع واسع من الشمال السوري، ولكنه من الناحية العملية لا يملك السلطة الكافية لفرض إرادته في ظلّ سيطرة الفصائل العسكرية الممثلة بالائتلاف، ولكن التي تعد صاحبة القرار الحقيقي في مناطق نفوذها.
ويعكس ما يجري في الائتلاف الوطني حالة المعارضة السورية المتعددة المنصات والهيئات والاتحادات التي تعصف الخلافات في أغلبها، في ظلّ العجز عن تشكيل مرجعية سياسية واحدة لقوى الثورة والمعارضة السورية بعد دخول الثورة السورية عامها الحادي عشر. ولا تزال تيارات هذه المعارضة رهينة التجاذبات الإقليمية والدولية، في ظل انقسام جغرافي وسياسي تشهده عموم مناطق سورية، التي تحولت إلى مناطق نفوذ لأبرز اللاعبين في المشهد السوري عبر وكلاء محليين.
ويُخشى على الائتلاف الوطني من تفكك داخلي بعد القرارات الأخيرة، إذا لم يبادر إلى توسيع قاعدة التمثيل للقوى الفاعلة، خصوصاً في المناطق التي تقع تحت سيطرة الفصائل العسكرية. ويبدو أن عقد مؤتمر وطني “جامع” للقوى والتيارات والمنصات السياسية المعارضة، هو المخرج الوحيد أمام هذه المعارضة التي تبدو حركاتها مرتبكة، سواء المنضوية في الائتلاف أو خارجه.
يبدو عقد مؤتمر وطني جامع للقوى والتيارات والمنصات السياسية المعارضة، المخرج الوحيد أمام هذه المعارضة
الائتلاف السوري وبوادر التفكك
وبدأت تلوح في الأفق القريب بوادر تفكك، مع ظهور ما سُمي “الائتلاف الوطني السوري ـ تيار الإصلاح” المكوّن من شخصيات عدة استُبعدت من الائتلاف. وفي بيانه الصحافي الثالث، والذي نُشر أمس السبت على “تويتر”، شنّ هذا التيار هجوماً حاداً على رئيس الائتلاف سالم المسلط، واتهمه بـ”التدليس وإخفاء الحقائق” في اللقاء الذي أجراه مع صحافيين أول من أمس الجمعة. وأشار إلى أن المسلط تجاهل الطعون المقدمة، واتهمه بـ”تجاوز القانون” وبـ”ممارسة سياسة التضليل”، مطالباً بـ”المكاشفة أمام الرأي العام السوري”.
وتحدث “الائتلاف الوطني السوري ـ تيار الإصلاح” عن أن المسلط أوقف تمويل بناء المبنى الجديد للائتلاف في الشمال السوري، كما أوقف “أذونات دخول أعضاء الائتلاف عند المعابر، ما منعهم من التواصل المستمر مع أهلهم وشعبهم”، وفق البيان.
كما اتهم “تيار الإصلاح” المسلط بـ”الالتفاف على المطالب الفورية بتشكيل لجنة تحقيق في تصريحات وزير الداخلية العميد محيي الدين هرموش بشأن وجود أعضاء في الائتلاف لهم صلة بالنظام السوري، محاولاً من جديد طمس تلك المسألة الحسَّاسة والخطيرة”، وفق التيار المذكور.
وأعرب رئيس “حركة العمل الوطني من أجل سورية”، أحمد رمضان، الذي تم استبعاده مع حركته، الخميس الماضي، عن اعتقاده بأن “القرارات المرتجلة التي اتخذها المسلط تعبِّر عن أزمة كبيرة داخل الائتلاف وعن ضياع للبوصلة”.
وأشار رمضان، وهو من مؤسسي الائتلاف الوطني، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “تمّ خرق النظام الداخلي واحتكار صلاحيات الهيئة العامة”. وأضاف: “جرى خداع الأعضاء، إذ تمّ جمع تفويضات منهم والزعم بأنها لإقرار تعديلات في النظام الداخلي، ولكنها استُخدمت لتصفية حسابات سياسية”.
ووصف رمضان ما جرى بـ”انقلاب” قام به “المسلط ومعه رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الرحمن مصطفى، وبدر جاموس (عضو في الائتلاف)”، مشيراً إلى أنه “ستكون لذلك عواقب خطيرة على المؤسسة والعمل الوطني السوري وعلاقات المكونات في ما بينها”. وتابع: “ما حدث يشكل فرصة كبيرة لنقل ملفات الفساد والترهل من داخل الائتلاف إلى الرأي العام السوري بعد سنوات من عقم المعالجة الداخلية”.
وأضاف رمضان: “قررنا مواجهة هذا التحدي بالاستناد إلى شركائنا الوطنيين وكافة القوى السياسية التي تدافع عن أهداف الثورة”، متوقعاً “انضمام شخصيات وطنية إلى حركة الإصلاح الحقيقية”. وتابع: “كما تلقينا اتصالات من أطراف إقليمية ودولية تطلب إيضاحات حول الإجراءات التعسفية والأحادية التي قام بها المسلط ومن معه، وعبّر أكثر من طرف عن استيائه من ذلك”.
وأشار إلى أن العمل جارٍ “على تحويل حركة الإصلاح في الائتلاف إلى تيار شعبي عريض يستجيب لطموحات التغيير بالتعاون مع أكبر قطاع من الشعب السوري في عملية الإصلاح والتطوير التي تتعرض لطعن وغدر كبيرين على يد زمرة تستخدم هذه الشعارات للتضليل والخداع”، وفق تعبيره.
من جهته، أشار رئيس الائتلاف، سالم المسلط، عبر سلسلة تغريدات نشرها على “تويتر”، إلى أن “خطوات عملية الإصلاح هي مطلب من الشعب السوري” مضيفاً أنّ قرارات الائتلاف الأخيرة “جاءت ضمن أجندة وطنية سورية خالصة”. وأكد أنّ الائتلاف بصدد القيام بجولة في الداخل “للتشاور بخصوص توسعة الائتلاف وتجديد دمائه، عبر ضمّ ممثلين من مجالس محلية ونقابات ومنظمات، وتعزيز وجود الشباب والنساء في صفوفه”.
وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث في “مركز الحوار السوري” أحمد قربي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك مخالفة قانونية شكلية شابت عملية إنهاء العضوية لـ14 عضواً من الائتلاف الوطني السوري”، مضيفاً أن “هذا الأمر خارج صلاحيات رئيس الائتلاف، وهو منوط بالهيئة العامة”.
إلى ذلك، أشار قربي إلى أن العديد من الجهات “لطالما طالبت بإصلاح الائتلاف الوطني بهدف زيادة شرعيته، خصوصاً في الداخل عبر إدخال ممثلين عن الجهات التي أصبح لها وجود على الأرض. وأضاف: “هذا ما أشار له رئيس الائتلاف الوطني عندما أكد أنه سيتم إدخال ممثلين عن المجالس المحلية في الداخل والنقابات والجاليات السورية في الخارج”، معرباً عن اعتقاده بأن “ما جرى لا يمكن وصفه بالانقلاب ولا بعملية إصلاح حقيقية”.
المصدر: العربي الجديد