في مقاله “منتدى النقب الأول والأخير”، المنشور في الشروق، يقدم الاستاذ عبد الله السناوي رؤيته لجانب من جوانب هذا الاجتماع الذي يعبر في جوهره عن حجم التحولات التي يقودها الكيان الصهيوني برعاية أمريكية مباشرة لأدوار الدول العربية المختلفة والمعتبرة في أمن المنطقة ومستقبلها، ولا شك أن هذا الدور يستند إلى، ويأخذ مشروعيته من، ” الاتفاقات الابراهيمية”، وهي الاتفاقات التي جعلت يد هذا الكيان هي العليا، وأنهت أي شكل من أشكال الالتزام تجاه فلسطين وعلى كل المستويات: القانونية والانسانية والحضارية والدينية، فصارت “اسرائيل” وفقها هي الركيزة لأمن المنطقة، ولاستقرارها، ولتقدمها، ولقيمها، ولمستقبلها. وهذا تحول غير مسبوق إطلاقاً، وهو أكثر عمقا ودلالة من حديث التطبيع أو حديث السلام مقابل الانسحاب، أو السلام مقابل الأمن.
كل هذه الصيغ الاسرائيلية السابقة صارت صيغا متخلفة ووراء الظهر، قياسا لمعنى ومفهوم “الاتفاقات الابراهيمية”.
بل إن دلالات هذه الاتفاقيات تحفر عميقا في التاريخ، وفي الجغرافيا، وفي العقائد أيضا، ومن غريب أن مجموع الدول العربية التي ذهبت في هذا المسار، ومعهم الراعي الأمريكي، كانوا يترصدون لأي مفهوم أو فكرة عقدية تظهر من جانب قوى المقاومة العربية والفلسطينية لطبيعة هذا الصراع، ويحذرون بكل ما أوتوا من أساليب، ومن قوة، من خطورة الحديث عن الجانب العقدي في الصراع مع الصهيونية والاحتلال الصهيوني لفلسطين ، ثم حين أراد هؤلاء أن يقفزوا إلى “البر الآخر”، ما وجدوا غير العبث بالمسألة العقدية على طريقة “الاتفاقات الابراهيمية، الديانة الابراهيمية”.
أي انهم استخدموا الدين زورا وبهتانا لتبرير الخروج من ثوب الأمة وأمنها ومصالحها.
أما رفع شعار الخطر الايراني تبريرا لهذا الاصفاف وراء تل أبيب فهو لا يعدوا غطاء لا قيمة فعلية له، ولا أدل على ذلك من أن الراعي الحقيقي لهذه “التحالف الابراهيمي المشبوه”، وللمسعى الدولي الحثيث بغرض التوصل إلى اتفاق نووي مع ايران ، هو في الحالتين نفسه، الولايات المتحدة الأمريكية.
والذي يدقق أكثر سيجد أن حدود الصراع الإيراني الاسرائيلي لا يتجاوز الصراع على منطقة النفوذ، من يبسط نفوذه على منطقتنا. وفي مثل هذا الصراع فإن الوصول إلى حلول وسط ممكن دائما، بل إن الوصول إلى هذا الحل الوسط يكون غالبا عبر التصعيد.
مع كل خطوة يخطوها هذا الطرف من النظام العربي أو ذلك يتضح للمتابع العربي أكثر، لماذا هزمنا?
لماذا هزم “مشروع النهضة” الذي لفت حياتنا في خمسينات وستينات القرن الماضي?
ووماذا هزم مشروع “الربيع العربي” الذي تفجر هادرا ونقيا مطلع العقد الثاني من هذا القرن، قبل أن يتم اغتياله؟
وينكشف أكثر مقدار العفن في جسدنا العربي، وما يجب كنسه من حياتنا حتى نستطيع أن نخطو ولو خطو أولى على طريق النهوض.
قد يكون علينا أن نبحث عميقا للتأكد مما إذا كان “منتدى النقب” حقا هو الأول، لكن كل المؤشرات تعزز القول أنه لن يكون الأخير، وأن صور انهيار النظام العربي لم تصل بعد الى ختامها، وسيكشف لنا المستقبل المزيد مما نرى بداياته الآن.