نحن ورمضان وسورية

محمد عمر كرداس

    حضت الأديان السماوية جميعها على الصيام وشرعت ذلك بأشكال مختلفة، وفي ديننا الإسلامي جاء هذا التشريع بشكل ركن من أركان الإسلام الخمسة. يقول الله تعالى في كتابه العظيم “يا أيها الذين  آمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.أيامًا معدودات فمن كان منكم  مريضاّ أو على سفر فعدة من أيام أُخر وعلى الذين يطيقونه  فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراّ فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أُخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر….”.

    إذن جاء صيام المسلم في شهر رمضان وزيادة في التكريم أنزل فيه القرآن وفي ليلة وصفها القرآن بأنها خير من ألف شهر وهي ليلة القدر الذي أجمع العلماء أنها في العشر الأخير من الشهر الكريم، لذلك كان لهذا الشهر عند المسلمين منزلته الخاصة وكان يستقبل بالصدقات والطاعات والتراحم والتعاطف ففيه تخرج الصدقات لتصل إلى مستحقيها لينعم الجميع على الأقل بشهر من كل عام فيه الألفة والمحبة والابتعاد عن الخصومات وقد أوصانا الرسول الكريم بأن نقول عند الخلاف مع أحد اللهم إني صائم لحسم كل خلاف بكلمة طيبة، الشعائر الدينية هي الأعلى في رمضان فيلتقي الأقارب والأصدقاء على موائد الإفطار وتمتلئ المساجد وتقام يوميًا صلاة التراويح المخصصة لهذا الشهر وتقام الاحتفالات الدينية الواسعة في البلدان الإسلامية كل على هواه..ولكن التميز في وطننا العربي كان في بلاد الشام ومصر حيث الطقوس الخاصة حسب معرفتنا في المأكل والمشرب والاحتفالات الدينية، وكانت الإذاعات تبث هذه الاحتفالات في العهود المختلفة، إلى أن جاء البعث إلى الحكم بانقلاب عسكري ليبدأ عهده بمحاولة حصار هذه الظواهر، فبعد سنة مع حكمه خرج علينا شخص نكرة بمقال في مجلة الجندي التي تصدرها إدارة التوجيه المعنوي في الجيش المسيطر عليه من قبل البعث ليقول أنه (حان الوقت ليوضع الله في متحف التاريخ)، مما أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة في دمشق  قمعها البعث بوحشية ودخلت جنوده إلى الجامع الأموي بما له من رمزية عالية عند المسلمين لتطلق النار فتقتل وتجرج وتعتقل وتحاكم بينما من كتب المقال وهو برتبة ضابط صف في الجيش لم يمسه سوء، ومضى بنا الزمان على هذا المنوال لكل سنوات حكم البعث وتزداد الاحتجاجات على محاولات حصار المناسبات الدينية في حمص وحماة وغيرها ولتقمع بالحديد والنار وليحول المساجد إلى مؤسسة من مؤسسات النظام توزع عليها خطبة الجمعة وعلى الخطيب كتابة التقارير بالمصلين ومن لايقبل بذلك يتم عزله أو اعتقاله ويتوافد الخطباء على فروع الأمن السياسي لاستلام التوجيهات قبل كل جمعة.

ومع انفجار الثورة السورية في آذار/مارس عام 2011 خرجت جموع المصلين السلميين من الجوامع لتنادي بالحرية والكرامة والعدالة ليوعز النظام لعناصر أمنه بمحاولة منع هذه المظاهرات من التجمع بوقوفهم بأسلحتهم بمداخل الجوامع والتعدي على المظاهرات ليتطور التعدي من الضرب والاعتقال إلى إطلاق النار ثم إلى الدخول إلى داخل الجوامع دون رادع أو احترام لحرمة الجوامع وقدسيتها كعهده دائمًا ولتعيش سورية أعوامها العشر إلى الآن في ظل وضع مأساوي تشرد به نصف السكان بين نازح ولاجئ ومن بقي تحت حكم الطاغية يعاني  الجوع والبرد والخوف فلا شعائر لرمضان الذي كان يفرد له ميزانيات خاصة ولا احتفالات وغابت تلك البهجة التي كان ينتظرها السوري بكل شوق واشتياق..أما في بلاد اللجوء أو مناطق النزوح فالحال ليس بأفضل كثيرا . لقد غابت تلك البهجة وتلك الطقوس الجميلة فافتقدنا اجتماع العائلة والألفة فما من عائلة تتواجد في مكان واحد وتفرقت بنا السبل لترى أحيانًا العائلة الصغيرة موزعة على أكثر من مدينة  وأكثر من دولة وأحيانًا في بلاد لاتطلع عليها الشمس إلا نادرًا وبلاد لاتعرف مامعنى رمضان وحتى بلاد إسلامية وعربية لاتشعر بها برمضان مطلقًا.

    استطاع نظام الطغمة الحاكمة في دمشق أن يفقد هذا الشهر قدسيته بدخوله الجوامع وقمع الناس داخلها برمضان وبغير رمضان وليسوق نفسه في هذا العالم الكاذب محاربًا للارهاب  مدللاً على ذلك بأن المظاهرات خرجت من الجوامع بدوافع إرهابية ورجعية.

لا إرهاب ولا رجعية إلاّ إرهاب النظام ورجعيته ولاخلاص لسورية إلا  بخلاصها من هذا النظام ولن يكون هناك مكان لهذا النظام وكل مرتكزانه في سورية المستقبل.

      عاش الشعب السوري العظيم وعاشت سورية وطننا لكن أبنائها  ونبارك لسورية والأمة العربية والإسلامية بقدوم الشهر المبارك شهر رمضان الكريم.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى