قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، أكدت الولايات المتحدة مرارا أن الخيار الدبلوماسي يبقى قائما لتلافي نشوب حرب في أوكرانيا، لكن الجهود الدبلوماسية لم تنجح في ردع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أشعل في الـ24 من فبراير الماضي، حربا تسببت في مقتل آلاف وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين أوكراني حتى الآن.
وفيما تسعى الدول الغربية، النيتو تحديدا، إلى مساعدة أوكرانيا عسكريا وإنسانيا والضغط على موسكو اقتصاديا بالدرجة الأولى، تواصل القوات الروسية اجتياحها وقصفها للمدن الأوكرانية، ما يعني أن العقوبات الغربية “غير المسبوقة” لم تنجح حتى الآن في إجبار الروس على التراجع.
وفي ظل حذر النيتو من إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة من خلال الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، هل يمكن لواشنطن التفكير في اللجوء إلى “مساومة” أو “تسوية” بشأن مطالب بوتين، لإنهاء الحرب؟
“هذا يعتمد على عاملين: الأول، إذا كان بوتين يريد تسوية وهذا ما لم يفعله بعد، والثاني، إذا أخذ الأوكرانيون زمام المبادرة في المفاوضات، وهو ما يحاولون القيام به من دون أن ينجحوا حتى الآن”، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن، وليام لورانس لموقع “الحرة”.
لا لمكافأة بوتين
ويضيف لورانس “نعرف ما هي القضايا التي تهم الروس، لديهم مشكلة مع النيتو وتوسع النيتو، لديهم مشكلة مع مواقع أسلحة النيتو، ولدى بوتين مشكلة مع الحكومة في كييف في ما يتعلق بالعلاقة مع موسكو في ضوء ما يرى أنها مصالح روسيا الاستراتيجية في دول الجوار”.
ويتابع لورنس بأن العديد من هذه القضايا تمت مناقشتها في الاجتماعات الخاصة واللقاءات العلنية، وكان يمكن حلها قبل الحرب، لكن “المشكلة هي أن بوتين ما إن غزا أوكرانيا وقتل آلافا من المدنيين جعل إمكانية الوصول إلى تسوية أمرا صعبا”.
ويستدرك “لكن التسوية لا تزال ممكن إذا أخذت أوكرانيا زمام المبادرة وأوفت روسيا بالتزاماتها، وأن تستمر الولايات المتحدة وأوروبا في الحفاظ على وحدة النيتو”.
في المقابل، يرى الأستاذ في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حسن منيمنة، أن الولايات المتحدة “ترى أنه لا يجوز مكافأة بوتين على مغامرته في أوكرانيا، ولهذا المساومة قد لا تكون خيارا للولايات المتحدة”.
وأوضح منيمنة في حديث لموقع “الحرة” أن “الغرب والولايات المتحدة يريدون معاقبة روسيا، واستمرار هذا الأمر يرتبط بشكل كبير بمدى صمود أوكرانيا وقيادتها في مواجهة القوات الروسية”.
ويؤكد أن “الولايات المتحدة لا تبحث عن أي وسيلة للمساومة أو التسوية مع بوتين، وأن هذا القرار ليس من بين خياراتها لمواجهة روسيا”.
وأفاد تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز إلى أن “التسوية” مع الرئيس بوتين، قد تكون الخيار الأفضل أمام واشنطن.
وأشار إلى أن السعي إلى تسوية تفاوضية سيعيق أي انتصار روسي محتمل على المدى الطويل.
وذكر أن التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي، جو بايدن، السبت الماضي، خلال زيارته لأوروبا مؤخرا تعكس أن “الولايات المتحدة تعطي الأولوية لمعاقبة بوتين”.
أهداف وأولويات
ويشرح التحليل أنه على الإدارة الأميركية تحديد نوعين من الأهداف: الأول على المدى القريب بحرمان بوتين من الانتصار في معاركه على الأرض وتجنب تصعيد الصراع، والثاني على المدى الطويل، إعادة تشكيل السلوكيات الروسية وتقليل مخاطرها على المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة وتقليل احتمالية نشوب صراع إقليمي في المستقبل.
ويؤكد أنه من الصعب “على واشنطن أن تحقق أهدافها قصيرة أو طويلة المدى إذا استمرت الحرب لأشهر طويلة” وبالرغم “من أن التوصل إلى حل وسط مع بوتين بعد المذبحة التي تسبب تعد أمرا مقيتا”، إلا أنه يجب على الولايات المتحدة “العمل على تأمين تسوية تفاوضية للصراع عاجلا وليس آجلا”.
الكاتب، المحلل السياسي، إيلان بيرمان يرى أن التركيز في الأزمة الأوكرانية ينصب على “خفض التصعيد”، ويوجد أمام الولايات المتحدة وأوروبا أولويتان: “منع توسع الصراع حتى لا يصل لمرحلة استخدام أسلحة الدمار الشامل، والتوصل إلى حلول سياسية تسمح لبوتين بحفظ ماء الوجه، مع الحفاظ على استقلال أوكرانيا وسيادتها”.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن نظام بوتين بدأ يشهد بعض الثغرات إذا ثمة نوع “من السخط في الجيش، وظهور اليأس بشكل متزايد بين الأوليغارشية الروس الذين لا يستطيعون الوصول إلى أموالهم”.
ويؤكد بيرمان أن “موسكو أخطأت في الحسابات بشكل كبير في تخطيطها وتنفيذها لغزو أوكرانيا، وليس لديها القوة البشرية لحملة عسكرية طويلة الأمد”.
ويضيف التحليل أنه “إذا حقق بوتين السلام بشروطه، فسيشكل هذا نكسة استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة”، مشيرا إلى أنه كلما استمرت الحرب يزداد خطر “المواجهة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يتملكون مجتمعين أكثر من 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم”.
قبول على مضض
ويرى منيمنة أن الحالة الوحيدة التي قد “تقبل بها الولايات المتحدة على مضض بالمساومة، في حال قرار أوكرانيا الرضوخ والتنازل لطلبات بوتين”.
وأشار إلى أن اعتداء روسيا على أوكرانيا سيكون له “تبعات ثقيلة طويلة الأمد سياسيا واقتصاديا على موسكو، ولكن الغرب يتعامل بحذر كبير حتى لا يدخل في دوامة حرب عالمية ثالثة”.
ويرجح أن “تستمر العقوبات الغربية على روسيا، خاصة في ظل توافق واشنطن مع الدول الأوروبية، وستتعرض روسيا لضغوطات طويلة المدى”.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية، لورانس أن “لا موسكو ولا حتى كييف جاهزة لعقد صفقة أو تسوية فيما بينهما”.
وذكر أن “العقوبات الدولية على روسيا حتى الآن لم تجعل موسكو تصل إلى درجة تدفعها إلى عقد صفقات، ولهذا يجب الاستمرار بهذه العقوبات للتأثير على روسيا”، مضيفا أن أي صفقة يمكن أن تبرمها الدول الغربية مع روسيا تحتاج إلى عناصر تتضمن “ضغوطا عسكرية على بوتين، الاستمرار بالعقوبات الاقتصادية، وتحالف المجتمع الدولي بالتعامل مع روسيا”.
ودعا لورانس حلف الناتو إلى القيام بالمزيد من أجل الضغط على روسيا، أكان على الأرض أو في الجو وحتى في البحر أو الفضاء.
وحذر تحليل “فورين أفيرز” من أن التحدي الرئيس هو “أن المقاومة الأوكرانية من غير المرجح أن تتغلب على المزايا العسكرية الروسية، أو الإطاحة ببوتين، وهو ما قد يعني الاستمرار بحرب طويلة وشاقة من الأرجح أن تكسبها روسيا”.
ولفت إلى أن ما تواجهه روسيا من صعوبات في أوكرانيا حتى الآن لا يعني “أنها ستخسر الحرب”، ولكن موسكو غيرت أهدافها بإلحاق مزيد من الألم والمعاناة في أوكرانيا في محاولة لإجبار كييف على قبول شروطها للسلام، بما في ذلك الاعتراف بمناطق دونيتسك ولوهانسك كدول مستقلة.
ويدعو التحليل إلى أن مشاركة واشنطن مع الدول الأوروبية من أجل إجبار روسيا على التخلي عن مطالبها المتطرفة مقابل تخفيض بعض العقوبات، مشيرا إلى أهمية هذا الخيار رغم صعوبة اتخاذه من واشنطن خاصة وأن هذا الأمر سيعني “تخفيف الضغط الذي يمارس على بوتين”.
والأربعاء، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها ستلتزم اعتبارا من الخميس وقفا لإطلاق النار في ماريوبول إفساحا في المجال أمام إجلاء المدنيين من المدينة الأوكرانية المحاصرة.
وتعهدت موسكو التي تقول إنها تريد التركيز على إقليم دونباس حيث تقع المنطقتان الانفصاليتان دونيتسك ولوغانسك، “الحد بشكل جذري من نشاطها العسكري في اتجاه كييف وتشرنيهيف” في شمال البلاد، بحسب تقرير بثته وكالة فرانس برس.
وأعلن الرئيس الأوكرني، فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء أنه لا يصدق التعهدات التي أطلقتها روسيا بشأن تقليص عملياتها العسكرية في بلاده، مشيرا إلى أن قواته تتحضر لخوض معارك جديدة في شرق البلاد.
وقال زيلينسكي في رسالة مصورة “نحن لا نصدق أحدا، ولا حتى عبارة جميلة واحدة”، مشيرا إلى أن القوات الروسية تعيد انتشارها لمهاجمة إقليم دونباس الواقع في شرق البلاد.
المصدر: الحرة. نت