هديل محمود هويدي: روائية مصرية، هذا عملها الروائي الأول، تكتب عمّا حصل في سورية إبان الثورة السورية، متقمصة شخصية فتاتين سوريتين. سر الصبية: رواية عن سورية والسوريين الذين عاشوا أحداث الثورة السورية، وما تلا ذلك من هجرة الناس وهروبهم من سورية، متابعة حياتهم في مصر، حيث كانت وجهتهم إلى هناك. كما أن الرواية يمكن أن نعتبرها رواية نسوية بامتياز، حيث السرد على لسان اختين جيداء وعصماء السوريتين من مدينة إدلب السورية، السرد بلغة المتكلم، تسرد جيداء ما حصل معهم في النصف الأول للرواية، أما عصماء فإنها تسرد حكايتها في النصف الثاني، وهي هنا ليست نسوية فقط بل تغوص في العوالم الشخصية والنفسية للشخصيتين وما عاشوا منذ بداية أحداث الثورة السورية حتى نهاية الرواية.
تبدأ الرواية من سرد جيداء عن نفسها وما حصل معها ومع اهلها ومدينتهم إدلب منذ بداية الثورة السورية. هي من أسرة مؤلفة من الأب المعلم والام ربة المنزل وأخاها ظافر واختها الاصغر منها عصماء، جيداء في المرحلة الثانوية من الدراسة، كانت تحلم أن تكون زوجة وربة منزل، أنهت دراستها الثانوية ودرست معهد الفنون النسوية، ثم جلست في البيت تنتظر عريسا تحلم به، كانت قريبتها قد وعدتها ان هناك شاب من حلب يعمل بالتجارة مع تركيا، تحدثت معه عنها كزوجة، وهو قرر أن يراها ومن ثم في حال حصول الاعجاب و التفاهم يخطبها ويتزوجها بعد ذلك، هي تنتظر ذلك العريس، لكنه لن يأتي، وهي ستدخل في دوامة ما حصل في سورية. إن الظرف العام العربي في مطلع عام ٢٠١١م، قد بدأ بربيع الثورة التونسية، التي امتدت الى مصر وليبيا، وسرعان ما وصلت الى سورية، في آذار من ذلك العام، كان لرد فعل النظام العنفي على التظاهر وحراك الشارع الشعبي، التأثير الكبير بحيث قلب حياة السوريين جميعا. بدأت الأحداث من درعا، وكانت ردة النظام العنيفة وسقوط الشهداء، وانتقال التظاهر والثورة الى كل سورية، واستمرار عنف النظام وزيادة قسوته، حيث بدأت قوات الأمن بمواجهة المتظاهرين، وسقوط شهداء، ثم تدخل الجيش وبداية احتلال البلدات والمدن، وبداية تشكل الجيش الحر وانشقاق ضباط وجنود من الجيش السوري، وحمايتهم للتظاهرات وصراعهم مع قواته في بعض الأحيان. لم يكن والد جيداء مسيّسا ولا معارضا، لكنه لم يستطع ان يقف متفرجا على عنف النظام بحق اهله والناس في ادلب وريفها خاصة وأنه بدأ يسقط الشهداء، شارك بجنازات تشييع الشهداء ثم بالتظاهر، وقتل في احدى المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن. اصبح الاب شهيدا للثورة، لم تستوعب جيداء ذلك، عاد اخوها ظافر من الشام حيث يدرس ليتابع مقتل والده ووضع إخوته الذين بحاجة لرعايتة و حمايته، خاصة أن التدخلات الأمنية زادت وكذلك اجتياحات الجيش بإدلب وريفها كله، كان لا بد من إخراج امه واخوته من ادلب، استعان بصديقه باسل الحلبي من أجل تأمين خروج والدته واختيّه الى تركيا عن طريق الجيش الحر، ومن هناك إلى القاهرة، بعد عدة أيام. وصلت الأم وبناتها إلى القاهرة، كان باستقبالهم احد رجال الدين ممثلا لجمعية سلفية، حيث اسكنتهم في احدى الشقق التابعة لها، وقدمت لهم كل أسباب الرعاية والاهتمام، كانت السنة الاولى للثورة المصرية، وسلطة الثورة هناك مع الشعب السوري وثورته، استمرت الرعاية، كان يحضر الشيخ ومعه امرأة من الجمعية نفسها، لتقديم العون لهم ولغيرهم من السوريين الهاربين من جحيم النظام، جيداء لم تكن تعلم كثيرا عن النظام السوري ومظالمه حتى حدثها باسل صديق اخوها ظافر عن اعتقاله، وتعذيبه والآخرين وموت المعتقلين تحت التعذيب والجحيم الذي عاشوه. أحبت جيداء باسل وهو كذلك، وانتظرا استقرار الظروف لعلهما يتزوجان. هذا وجاءت الاخبار من سورية عن مقتل اخوهم ظافر في المركز الثقافي بإدلب الذي تحول لمركز الامن والتعذيب عند النظام، عندها زاد يأس الأسرة وفقدان املها. حاول الشيخ أن يخطب جيداء له لكنها رفضت، وطلب منهم أن يتقبلوا بعض الخليجيين للزواج، كبار في السن لكنهم اغنياء، مع ذلك رفضوا ايضا، لذلك انقلب الاهتمام والمعاملة الجيدة رأسا على عقب، لقد رفضت جيداء الشيخ لكبر سنه، فأحضرت المرأة لها شابا من الجمعية ليتزوج اختها عصماء، لكن عصماء كانت دخلت في أزمة نفسية أفقدها النطق، وعندما أصروا عليها أن تقبل، بقيت على رفضها، عندها تطوعت جيداء ان تقبل الزواج من الشاب، وحصل بالفعل، انه زواج الغصب، الذي لم تستطع تقبله جيداء وبقيت تحلم بالتخلص منه. تحدثت الى باسل الذي فقد امله بها بعد زواجها لكن استمر يساعدهم، خاصة عندما ضربها زوجها لعدم استجابتها لرغباته الجسدية ولاعلانها رفضه ومطالبته بالطلاق منه. طردوا عائلتها من المنزل ومنعوا عنهم المساعدات من الجمعية، باسل ساعدهم بالانتقال الى بيت بالسر وبدؤوا حياة جديدة، الاختان تعملان بمطعم، والام تصنع بعض انواع الاطعمة السورية، وتعرضها للبيع، كل ذلك ليتمكنوا من تأمين شروط العيش. لكن الشيخ والمرأة وصلا إلى بيتهم الجديد واجبروا جيداء على العودة للعيش مع زوجها، الذي ضربها وعذبها كثيرا وأعادها إلى أهلها. بالاثناء كانت الأوضاع في مصر تتحول من قبول حكم الاسلاميين الى الدعوة لاسقاطه، عندها وضع الجيش يده على السلطة وأطاح بالرئيس مرسي مع مجلس الشعب المنتخب. قتل زوج جيداء في فض اعتصام رابعة العدوية الذي قام به أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وهكذا ارتاحت. لكن الواقع العام الجديد في مصر كان عدوانيا من نظام العسكر ومن اغلب الناس تجاه السوريين، وبدؤوا بالتضييق عليهم وترحيلهم. طرد باسل من عمله، وحوصرت عائلة جيداء، و بدؤوا يفكرون بالهجرة إلى أوروبا، كان سندهم باسل الذي قرر أن يدفع للمهربين للمغادرة الى اوربا عن طريق البحر، على أن يستدعيهم عند وصوله، ان وصل، لقد قام بالمغامرة، تنهي الرواية ولا يعرف مصيره وصل الى اوربا ام غرق في البحر مثل كثير من السوريين، الباحثين عن ملجأ آمن.
في القسم الثاني من الرواية تتحدث عصماء عن نفسها، لقد مرت واختها وعائلتها في ذات الظروف العامة، لكنها عاشتها بشكل مختلف. كانت عصماء الأصغر في بيت اهلها، كانت تحب العلم، و تود أن تستمر بالدراسة الجامعية في حلب، تعرفت على اخو صديقتها أيهم، الذي كان يدرس في حلب ايضا. جاءت أحداث الثورة السورية تعيق تحقيق أحلامها، فلم تستطع التسجيل في الجامعة وبقيت في ادلب مع اهلها تتابع تطور أحداث الثورة، استشهاد والدها في مظاهرات ادلب وفقدان أملها بدخول الجامعة، وموقف حبيبها ايهم المعادي للثورة السورية والذي لم يتضامن مع موت أبيها، جعلها تخسره وتدخل في حالة من الشلل النصفي المؤقت، ودخلت في حالة صمت اقرب للبكم. عاشت مع اهلها كل متغيرات حياتهم استشهاد أبيها ومن ثم أخيها، هرّبهم لمصر ورفضها للزواج من الشاب الذي تقدم لخطبتها، وتطوع أختها لتتزوجه بدلا منها، وانتقال حياتهم من سيء لاسوأ، وزواج اختها، وتعاستها وموت زوجها في فض اعتصام رابعة. كل ذلك ساعد على دوام حالتها الصحية السيئة وبكمها، لكنها كانت تسمع وتعي كل شيء، تكتب مذكراتها، تعرفت على عمرو الشاب المصري الذي اهتم بها و احبها واحبته، لقد شجعها على التدرب على التمثيل الإيمائي، مستفيدة مما تمر فيه من ظرف صحي، اقتربت كثيرا من الفرقة المسرحية وتدربت معهم، بدأت تعود للتحدث وتجاوز عقدة البكم، لكن الظرف العام في مصر وسيطرة العسكر على الحكم، والعدائية تجاه السوريين التي لم ينجو منها حتى حبيبها عمرو، مع ذلك انخرطت في ورشة التدريب المسرحي، وأملت أن تسجل في الجامعة كلية الآداب كما كانت تحلم.
تنتهي الرواية وعصماء تدخل الى المسرح لتؤدي دورا ايمائيا.
في تحليل الرواية نقول:
٠ هناك نقص كبير في طرح المبررات الواقعية لحصول ما حصل في سورية، سواء من جهة ظلم النظام للشعب عبر عقود حكم حافظ الأسد وابنه من بعده، ولا على واقع الثورة وكيف غامر الناس بحياتهم وممتلكاتهم في هذه الثورة، ولا بتوضيح ردة فعل النظام وعنفه ووحشيته، الذي كان مبررا لهروب ملايين السوريين للخارج، ومنهم عائلة جيداء وعصماء. طبعا نتفهم ذلك لكون الكاتبة مصرية، كان اغلب اهتمامها منصبا على الجانب النسوي لبطلتيها، ولما عاشته العائلة في مصر، على أنها مسرح الحدث الروائي.
٠ نجحت الرواية في تعبيرها عن النسوية بعمق وشفافية، لعصماء وجيداء، بشكل مشترك، وكل على منهما على حدى، واوصلت رسالة مهمة وهي ان الانسان -كل انسان- يعيش الواقع بذاته ومشاعره وينعكس عليه بشكل مختلف ويراه ضمن منظوره وحسب ما يعيش حياته ويخطط لمستقبله. هذا ما عاشته الأختان جيداء وعصماء. في سورية ومصر وعبر تخطيطهم للمستقبل.
٠ الرواية تنتمي الى موجة الروايات التي رصدت الثورة السورية ومنعكساتها ومآلاتها على السوريين، في خارج سوريا متابعة اللاجئين الى كل اسقاع الارض ومصر منها، وبهذا المعنى تكون الرواية توثيقا اللجوء السوري الى مصر، في أحد أوجهها.
٠ لا يغيب التوظيف السياسي للرواية عندما تطرح استجابة المصريين للاجئين السوريين، وأن الإسلاميين تلقفوهم، لكنهم أرادوا استغلالهم في زواجات ظالمة، او زواجات لمتمولين خليجيين، ولكنها لم تستطع تغطية كون نظام العسكر الجديد في مصر،كان مع النظام السوري، وضد اللاجئين وضيق عليهم العيش.
اخيرا استطاعت الرواية أن تغطي واقعا مهما حصل مع السوريين في رحلة غربتهم، عندما فروا حفاظا على حياتهم من نظام لم يتورع عن قتلهم وتشريدهم ليحافظ النظام على السلطة ومصالحه. توثق حالة السوريين لكي لا تدخل في النسيان مع الزمن.