نظمت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام في ساحة السبع بحرات وسط مدينة إدلب الاحتفالية المركزية بالذكرى ال11 للثورة السورية التي انطلقت في 15 آذار/مارس 2011، وهي المرة الأولى التي تتخذ الاحتفالية طابعاً رسمياً في إدلب. وبدا أنها محاولة للاستثمار في المناسبة من جانب تحرير الشام التي كانت تتجاهلها، وكان عناصرها يستنكرونها خلال السنوات الماضية باعتبارها بدعة محرمة، وكثيراً ما اصطدم عناصرها مع منظمي المظاهرات والاحتفاليات الثورية.
ذكرى الثورة إدلب
وعند الساعة 11 صباحاً بدأ الآلاف من الناس في إدلب وريفها بينهم عناصر تحرير الشام وموظفو الإنقاذ بالتوافد إلى ساحة السبع بحرات، وسمحت الإنقاذ وعموم المديريات التابعة لها بدوام جزئي لإتاحة الفرصة للعاملين للمشاركة في الاحتفالية التي بدأت التحضيرات لها قبل أسبوع، ولم تقتصر التحضيرات على تزيين ساحة الاحتفالية المركزية بل تمددت نحو عموم الساحات في المدينة وباقي القرى والبلدات الكبيرة في ريف إدلب وحلب الشمالي الغربي.
أعلام الثورة
ملأت أعلام الثورة السورية شوارع إدلب الرئيسية وباقي البلدات في ريفها، وانتشرت اللوحات الجدارية على جدران المدارس ومباني المديريات الخدمية وعلقت اللافتات في الأسواق والحدائق وفي الساحات العامة، وكتب عليها عبارات تمجد الثورة في ذكراها الحادية عشرة. وقادت شركة “المبدعون السوريون” الإعلامية التابعة لتحرير الشام، حملة التحضيرات للمناسبة، وهي من تكفلت بعمليات طباعة اللافتات وتعليقها، وتضمنت حملتها نشر صور كبيرة لرئيس حكومة الإنقاذ والقوات الخاصة في تحرير الشام، وصوراً لجهازها الأمني كتب عليها “ثورة حتى النصر”.ذكرى الثورة إدلب
وفي باقي المدن والبلدات في ريفي إدلب وحلب الشمالي الغربي، في دارة عزة والأتارب والدانا وسرمدا وجسر الشغور وأريحا وباب الهوى وغيرها، تولت إدارة المناطق والمجالس المحلية التابعة للانقاذ وبأمر منها عمليات التحضير لاحتفالات ذكرى الثورة، ونظمت بعض المجالس المحلية حملات نظافة شعبية استهدفت مداخل البلدات والطرق الرئيسية داخلها استعداداً ليوم الاحتفالية.
إنجازات تحرير الشام!
وبالتزامن مع الاستعدادات لاحتفالات ذكرى الثورة انشغل الإعلام الرديف والرسمي لتحرير الشام والإنقاذ بالحديث عن الإنجازات المفترضة في الإدارتين العسكرية والمدنية في ظل الثورة السورية، وتداولت المنصات الإعلامية الرسمية والرديفة عدداً من الإصدارات المرئية احتفاء بالمناسبة وبالإنجازات على مختلف الصعد الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإدارية، كان أهمها إصدار مؤسسة أمجاد الإعلامية التابعة لتحرير الشام، وهو بعنوان: “ثورة تبني الإنسان وتصون كرامته”.
وقالت مصادر محلية ل”المدن”، إن “تحرير الشام تحاول استغلال ذكرى الثورة لتلميع صورتها، كما تسعى للترويج لحكومتها والانجازات التي تزعم أنها حققتها منذ تأسيسها في العام 2017، فالأخيرة قد خططت بشكل مسبق للاستثمار في هذه المناسبة وسخرت كوادرها وموظفيها لأجل الوصول لهذا الهدف”.
وأضافت المصادر أن “تحرير الشام تريد القول من خلال الاحتفال المبالغ فيه والذي يعتبر الأول من نوعه بهذه المناسبة، بأنها جزء من الثورة السورية وتعمل لأجل تحقيق أهدافها، وهي مزاعم غير حقيقية، ففي الماضي القريب كانت تحرم هذه الفعاليات ويهاجم عناصرها المتظاهرين الذين يرفعون رايات الثورة التي كانوا يعتبرونها رايات شركية”.
وتكللت التحضيرات لمناسبة ذكرى الثورة بكلمة مرئية لرئيس حكومة الإنقاذ علي كدة والتي وجه خلالها التحية “للمجاهدين والسوريين عامة والأخوة في الإنسانية في العالم”. وركز كدة في حديثه على أن السوريين في مناطق شمال غرب سوريا “يقارعون نظام الأسد والمحتل الروسي ويخوضون حرب الحرية والكرامة”، بينما تجاهل كدة الإشارة إلى أي دور للمليشيات الإيرانية، في حين أسهب في الحديث عن إنجازات الإنقاذ في مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية ووعد بمواصلة السعي تطوير المنطقة وتنميتها والنهوض بها على مختلف الصعد.
وتداول الإعلام الرديف في تحرير الشام تسجيلاً صوتياً لرئيس المجلس الشرعي فيها عبد الرحيم عطون، وهو الشخصية الثانية في الهيئة، ركز فيه على فكرة المقاومة وضرورة تكريسها في أذهان الجيل الجديد، وأن تحرير الشام وقوى الثورة تخوض اليوم معركة البناء في الوقت الذي تتهدم فيه أركان النظام السوري، وقال الشيخ عطون إن “البوصلة موجهة نحو دمشق” وهي إشارة صريحة إلى أن سقف تطلعات تحرير الشام لا يتخطى الحدود السورية.
استفزاز السلفيين
استفز الاحتفاء غير المسبوق من جانب تحرير الشام وحكومتها بذكرى الثورة السلفيين المناهضين لهم في إدلب. وقال مصطفى عبد الحميد العضو في حزب التحرير-ولاية سوريا على تلغرام: “الاحتفال بعيد الثورة لا يكون بإجبار الموظفين أو المؤيدين لفصيل ما على الخروج بمسيرات لا تذكرنا إلا بالمسيرات التي كان النظام يجبر الموظفين في الدوائر الحكومية على الخروج فيها، الاحتفال يكون بالعمل الجاد لتحقيق المطالب التي نادت بها حناجر أهل الشام منذ الأيام الأولى للثورة صريحة واضحة، ألا وهو إسقاط النظام بكافة أركانه وتحكيم الإسلام، ولا أظن أن الطرق والوسائل لتحقيق ذلك تخفى على أحد”.
أما السلفي عبدو الدللي فقال على تلغرام متوجهاً إلى زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني: “إن وجودك في هذا السيل الجماهيري الذي يحتفل بذكرى خروجه على أعتى نظام على وجه البسيطة محاولة أخيرة قبل أن يتم اقتلاعك من جذورك فزيف قناعك قد سقط، ومشاركتك بتنظيم المظاهرات والاحتفالات لن يكون مانعاً للناس من كنسك ورميك في وادٍ سحيق، وإن محاولاتك للضحك على الذقون قد كشفتها الناس منذ زمن بعيد”.
وتساءلت شخصيات في التيار المتشدد داخل تحرير الشام عن مسألة جواز الاحتفال بذكرى الثورة، وما رأي الشرع في تحويل مثل هذه المناسبة لما يشبه الأعياد الوطنية. وقال العضو في تحرير الشام الزبير الغزي على تلغرام، إن ” جعل اليوم عيداً على هيئة الأعياد المعروفة في الشريعة، يظهر فيها الفرح والسرور والاحتفالات والسعة، ويتكرر في كل عام في يوم بعينه لا يتغير فيه ولا يتقدم، وتعطل فيه المدارس والمؤسسات وأصحاب الوظائف، فإن هذا يجعله عيداً محرماً”.
وأضاف الغزي “وأما إن كان مجرد إحياء للذكرى من باب ذكر نعم الله تعالى فيها، والحثّ على الجهاد في كل عام حين موعد تاريخها؛ فإن هذا أمر جائز لا حرج فيه”.
المصدر: المدن