تشهد جبهات المعارضة السورية في منطقتي إدلب وحلب شمال غربي سوريا حالة من الهدوء الحذر منذ بداية آذار/مارس، ويتخللها قصف متقطع وعمليات استهداف محدودة تنفذها الفصائل على مواقع قوات النظام والمليشيات الموالية التي تبدو في حالة ثبات غير مسبوق، بالتزامن مع غياب الطائرات الروسية عن أجواء منطقة العمليات.
ويبدو أن الحرب على أوكرانيا قد أثرت بالفعل على القوات الروسية التي تدير العمليات العسكرية لقوات النظام في جبهات إدلب، وربما أثرت بشكل غير مباشر على النشاط العسكري لوحدات حماية الشعب الكردية المنتشرة في جبهات حلب.
تكريم نايل العبدالله
ورغم انشغالها المفترض إلا أن القوات الروسية تواصل إرسال الرسائل للقول بأنها حاضرة والوضع الراهن ما هو إلا حالة مؤقتة ولن يؤثر على وجودها وتحركاتها في سوريا.
وفي نهاية شباط/فبراير، قام ضباط روس في قاعدة حميميم بتكريم قائد مليشيا الدفاع الوطني في مدينة السقيلبية في ريف حماة الشمالي نابل العبد الله وذلك بعد انتهاء العمليات التي قادها ضد تنظيم “داعش” في بادية الرقة. وتواصل القوات الروسية الترويج للقصف الجوي الداعم لعمليات قوات النظام البرية ضد التنظيم في مناطق متفرقة من البادية السورية، وتروج في الوقت ذاته لعمليات توزيع المواد الإغاثية في المحافظات الشرقية، وكان آخرها في بلدة خشام في ريف دير الزور الشمالي.
مظاهر مؤقتة
ترى الأوساط السلفية والمعارضة في ادلب أن التحركات العسكرية المحدودة لقوات النظام والهدوء الذي يعم الجبهات هي مظاهر مؤقتة تسبق العاصفة التي ستغير قواعد الاشتباك وخريطة السيطرة، والتي قد تشهدها مناطق الشمالي السوري بعد انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك بغض النظر عن نتائجه.
وقالت مصادر عسكرية ل”المدن”، إن “احتمالات التصعيد العسكري في سوريا واردة جداً خلال المرحلة القادمة، وقد يكون التصعيد المفترض من جانب روسيا التي ستحاول استعادة هيبتها التي خسرتها في أوكرانيا من خلال إشعال الجبهات السورية، والهدف البارز من تحرك كهذا هو تحقيق انتصار عسكري يعيد ثقة قواتها وأنصارها في سوريا”.
وأضافت المصادر أن روسيا “قد تلجأ فعلياً إلى استهداف المناطق الخاضعة للمعارضة بحملة قصف وحشية، والتي قد يتخللها استهداف القواعد العسكرية التركية المنتشرة في إدلب وذلك انتقاما لخسائرها البشرية والمادية الضخمة التي تسببت بها طائرات بيرقدار في أوكرانيا، وقد يصل التصعيد إلى حد إطلاق عملية عسكرية واسعة تستهدف مناطق جنوبي إدلب وصولاً إلى الطريق إم-4”.
المستنقع الأوكراني
ويرى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور أن “الحرب في أوكرانيا طويلة وتأثيرها على الوضع في سوريا مرتبط حتماً بالنتائج، فإن خسرت روسيا هناك ستخسر بالتأكيد في سوريا، لذلك من مصلحة المعارضة السورية استمرار المستنقع الأوكراني لمدة أطول بحيث يتم استنزاف الروس بالشكل الذي يدفعهم إلى خفض تواجدهم العسكري في سوريا”.
وأما عن جاهزية الفصائل المعارضة واستعداداتها لكافة الاحتمالات المفترضة ما بعد الحرب على أوكرانيا، قال بكور ل”المدن”: “هناك ترقب وقلق في صفوف المعارضة، والجميع ينتظر نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي الوقت ذاته يمكن القول إن الفصائل مستعدة للتعامل مع احتمالات التصعيد، فالتحضيرات مستمرة منذ عامين وتأمل الفصائل في أن يكون الغزو الروسي لأوكرانيا بداية مرحلة جديدة بالنسبة لها من ناحية التسليح والدعم وغيرها من وسائل القوة التي من المفترض أن تحول مسار المواجهة مع النظام وداعمه المحتل الروسي”.
ويستبعد السلفيون وفريق في المعارضة أي تحرك عسكري من قبل الفصائل وهيئة تحرير الشام ضد قوات النظام، حتى وإن تورط الروس أكثر في الحرب الأوكرانية، ويرجحون تحركاً عسكرياً ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وذلك بالتفاهم مع روسيا، وذلك في حال اتمام صفقة تبادل محتملة شمال سوريا، بحيث تسيطر تركيا على تل رفعت وباقي الشريط الحدودي شرق الفرات ومن ضمنها منطقتي عين العرب/كوباني ومنبج، مقابل إطلاق يد روسيا في مناطق جنوبي إدلب وصولاً إلى الطريق إم-4، وهي الصفقة التي لطالما سعت تركيا إلى تطبيقها خلال العام 2021 ولم تنجح، وفق ما يتداوله السلفيون.
ويتداول السلفيون المناهضون لتحرير الشام في إدلب معلومات تتحدث عن إمكانية توصل كل من روسيا وتركيا إلى تفاهم يضمن تغيير خريطة السيطرة شمال سوريا، والسيناريو المفترض يمكن إدراجه في إطار المكاسب التي قد تحصل عليها تركيا من روسيا، وذلك لأن الأخيرة ستحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع تركيا لمواجهة الحصار الغربي.
وعلى العكس يرجح فريق آخر بين السلفيين أن يتم استدراج روسيا لمواجهة مفتوحة شمال سوريا، وأن يسمح لتركيا التقدم على حساب قسد في جزء من المناطق التي تسعى للسيطرة عليها شرقي الفرات في محافظتي الحسكة والرقة، مقابل دعم معركة استنزاف تخوضها الفصائل ضد قوات النظام وحلفائها في منطقة إدلب.
ويرجح الناطق باسم الجيش الوطني الرائد يوسف حمود استمرار الهدوء النسبي في جبهات القتال شمال غربي سوريا، وهو ما يعني استمرار العمل وفق التفاهمات والاتفاقات التركية-الروسية الخاصة بخفض التصعيد، هذا على الأقل ما تشير إليه التحركات العسكرية في الميدان. ويؤكد حمود ل”المدن” استعداد الفصائل للتعامل مع أي “تحركات عسكرية طارئة” من جانب النظام المدعوم من روسيا.
المصدر: المدن