قراءة في رواية: ثلاث لاجئين ونصف

أحمد العربي

بلال البرغوث روائي من جيل شباب الثورة السورية، ثلاث لاجئين ونصف أول عمل أقرأه له. وله روايات أخرى. ثلاث لاجئين ونصف رواية تعتمد في سردها على الراوي يتحدث عن شخصيات الرواية، كما أن الرواية تحكي قصة أربع شخصيات منفصلة: سارة السورية و نيل من جنوب السودان ورضا من أفغانستان وبيشوي المصري، لا يربط بينهم أي شيء في الحدث الروائي المباشر لكنهم مرتبطون بالموضوع العام، فهم من بلاد عانت شعوبها من ظلم الانظمة واستبدادها ومن المستعمر الغربي الذي يظهر بأشكال مختلفة، راعيا لكل أزمات هذه البلاد. سوريا وثورتها وتداعيات تشرد السوريين في جميع أنحاء العالم. السودان وجنوبه والصراعات التي أكلت الشعب واستفاد منها كل الاعداء المتربصين: حكام مستعمرين ومرتزقة وجماعات عنصرية، ولا تغيب ليبيا بمأساة ما بعد ثورتها عن المشهد. أفغانستان التي لم ينقطع الهاربين منها اجيال وراء اجيال، ولا انتهت محنتهم الدائمة، مع المستعمر بأنواعه ولا مع الحكم الذي لم يكن يوما يمثل الشعب. مصر السلطة التي هدرت ثورتها وأصبحت بعد ذلك راعية للمصالح الغربية وحامية للكيان الصهيوني، وتحول سيناء لجرح نازف كل الوقت.

  • سارة…

 سارة ابنة سوريا من يبرود في ريف دمشق، الشابة التي عاشت ثورة الشعب السوري، وعانت من نتائج رد النظام على الثورة حيث تم اجتياح البلدات الثائرة ودمرت على رؤوس أهلها، ومن بقي حيا هرب يبحث عن أمان في أي بقعة في الأرض، كانت أوربا وجهة للكثير. سارة التي قتل أهلها بقصف للنظام طال منزلهم وماتت عائلتها كاملة، قررت الهروب وصلت الى تركيا، هناك اتفقت مع مهربين لتصل إلى هولندا في أوروبا. وبالفعل وصلت الى الحدود التركية البلغارية وانتظرت مع كثيرين حتى جاء المهرب ونقلهم في عربته إلى مكان ما في احدى الليالي، وتركوهم هناك واختفوا. بعد قليل جاء مسلحون على خيول واحتجزوا من كان بالسيارة، استطاعت سارة التواري ثم تابعت المحتجزين، اكتشفت ان هناك مكان أقرب لمعتقل فيه زنزانات تحوي الكثير من الموقوفين منهم منذ أشهر ومنهم منذ وقت قريب. المهم اختفت بالقرب من المكان وعادت مجددا واخرجت المحتجزين من زنزانتهم. لم تستطع سارة الابتعاد بعد إنقاذ الناس أعادت العصابة احتجازها. لقد تبين أنهم مجموعة من الأشخاص ينتمون لاخوية مدعومة من البنية الاستخبارية الشيوعية التي كانت حاكمة سابقا في بلغاريا. وانها تصطاد اللاجئين وتبيعهم سواء للاتجار بالأعضاء او للدعارة من الجنسين وهكذا يبقون محتجزين حتى يأتي من يشتريهم منهم. سارة اخذت دور آخر وهو أن تكون حبيبة لأحد الرياضيين الذي يحب الفتيات العربيات، ليستطيعوا ترويضه والهيمنة عليه من خلالها، وأن يدعموه في الانتخابات القادمة، وان يستثمرونه بعد ذلك في مصالحهم المتنوعة مثل تخصيص قطاع السجون، ليكون متاحا لهم إجراء أبحاثهم وتجاراتهم الرابحة بالأعضاء البشرية. نجحت سارة في مهمتها حفاظا على حياتها، لكنها اكتشفت انها احبت ذلك الرياضي واحبها فعلا، أخبرته بالحقيقة وعملت معه على مواجهة هذه العصابة. لم يستجب الرياضي لمطالب العصابة، التي صبت جام غضبها عليهم، لاحقتهم في بلغاريا وأوروبا حيث هربوا، واطلقوا النار عليه فأصابوه واصبح عاجزا عن العمل والصرف على نفسه وعلى سارة حبيبته، مما اضطرها لتبحث عن عمل ليتمكنوا من العيش ومن تأمين علاج له. حتى وصلت إلى درجة استعدادها لبيع نفسها في سوق الجنس، لكنها لم تفعل وفكرت ان لا بد أن هناك حلا ما يجب ان تجده.

هنا تنتهي قصة سارة.

  • نيل…

نيل ابن جنوب السودان عايش واقع الصراع السياسي بين جنوب السودان أيام جون قرنق والدولة السودانية، كان قرنق نموذجه الذي يؤمن به قائدا للدولة القادمة الموعودة. جنوب السودان متنوع عرقيا وقبليا ودينيا. فيه المسيحيين والمسلمين والوثنيين. كان الجنوب كل الوقت موقع صراع إقليمي ودولي على المصالح والثروات الطائلة فيه الناس مغرقين بالتخلف والفقر، الصراعات البينية بينهم تلتهمهم، والدول التي ترعاهم تستخدمهم سلاحا بدمائهم في حروبهم. وهم الضحايا كل الوقت. بعد مقتل غرانق يئس نيل من أن يكون السودان جنوبه وشماله مكان حياة ممكنة له، فكر كثير من أمثاله بالهجرة إلى أوروبا بلد العسل والحياة والرفاه. تحرك مع غيره في رحلة هجرة من الجنوب الى السودان بجوار ليبيا ومنها الى البحر الابيض المتوسط وعبر البحر إلى أوروبا. تحركوا وسرعان ما تم القبض عليهم من عصابات مرتزقة تعمل مع شركاء دوليين، لتوريد البشر كرقيق أبيض سلع جنسية نساء وأطفال وكذلك تجارة الأعضاء. احتجز في مكان، حاول الهرب هو وفتاة تعرف عليها ضمن رحلة هروبه، لكنهما اُكتشفا ومنعا من الهروب. أنقذهم مما هم فيه أن الرعاة الدوليين للجمعيات التي تتاجر بالبشر قد تم كشفها في الغرب، فسارعت إلى معسكر تجميع هؤلاء الناس وقرروا إخلائه. فكان الحل عند المرتزقة أن باعوهم كعبيد، فالعبودية لم تنتهي هناك، وجاء أحدهم من أهل ليبيا اشتراه وصديقته وفتاة أخرى. ومن ثم عتقهم وساعدهم للسفر الى اوربا. اراد الرجل ان يؤكد ان في ليبيا والسودان كثير من الناس الطيبين والخيرين لكن يدهم قصيرة والأعداء ومرتزقتهم اقوى وحاضرين على الارض بكل جبروتهم وظلمهم.

وصل نيل وحبيبته إلى أوروبا ليشقوا طريقا جديدا في الحياة.

  • رضا…

رضا الطفل اليافع ابن أفغانستان. علمت بقصته صحفية المانية من اصل افغاني، وذهبت اليه تلتقيه في اليونان تسمع قصته، وما الذي حاجه ليبيع نفسه.

انه وسيم وجميل وأنه يعتاش على بيع جسده جنسيا لمن يرغب ويدفع الثمن، سواء من النساء أو الرجال، خدمات جنسية متنوعة. هو ابن عائلة أفغانية عادية، فقد اغلب عائلته في الحرب والصراعات وبقي له أمه فقط، هي من دفع به ليغادر أفغانستان خوفا عليه من أن يكون ضحية اخرى لصراعات مجنونة لا تعرف كيف تنتهي. أفغانستان التي عاشت عقودا سابقة في حروب قبل الاجتياح السوفييتي لها. وبعده عندما حارب الاسلاميين الشيوعيين السوفييت ثم بعدها حاربوا امريكا. وهاجمت القاعدة الدولة الأمريكية في ٢٠٠١م ومن ثم احتلت أمريكا افغانستان، ومنذ ذلك الوقت لم تهدأ الحرب والصراعات في أفغانستان. وصل رضا الى اليونان وهناك احتجز وآخرين في مخيمات للاجئين، وبعد ان صرف القليل الذي اعطته اياه امه، بدأ يفكر بالعمل ليؤمن لقمة عيشه ويجمع ما يستطيع به أن ينتقل به الى دولة اوروبية تعطيه فرصة عيش أفضل. لم يكن امامه الا ان يبيع جسده لمن يشتري، كان أمله الوحيد أن ينتقل إلى أوروبا وأن يحافظ على نفسه وينجح ليرد لامه بعضا من تعبها عليه واملها به. استمر يعيش على هذه الطريقة إلى أن علم بموت أمه في تفجير طال بيتها.

عندها شنق رضا نفسه. لم يعد لديه مبررا للحياة.

  • بيشوي…

بيشوي الجندي المصري القبطي، الذي يخدم  في القوات المسلحة في سيناء المصرية. سيناء المشمولة باتفاقيات كامب ديفيد، وبعضها المحاذي للكيان الصهيوني في فلسطين، كانت منزوعة من السلاح ولا يحق للجيش المصري من الدخول الى بعضها المحاذي لفلسطين المحتلة. سرعان ما تحولت سيناء لمكان تتكاثر به المجموعات المسلحة التي تنتسب للجهاديين الذين يعملون لمحاربة الكيان الصهيوني وأجهزة الدولة المصرية، دخلوا في حرب معها  في سيناء وغيرها. عندها سمح للجيش المصري أن يتغلغل في سيناء إلى الحدود مع الصهاينة، وهكذا بدأ الجيش حملة شعواء على المجموعات الجهادية، طال أثرها سكان سيناء من البدو، حيث نكلت بهم السلطة المصرية. مما جعلهم متحالفين بالضرورة مع المجموعات المسلحة وقاتلوا الجيش المصري.

بيشوي يخدم على حاجز في سيناء لفت نظره فتاة صغيرة محتجزة حيث يخدم، ففك وثاقها واطلق صراحها. على أنها فتاة صغيرة. علم بعد ذلك انها كانت تخبئ أحزمة ناسفة بين ملابسها. وان اطلاق سراحها لن يمر دون محاسبة، ولكن مر الموضوع دون مساءلة. وبعد فترة جاء طفل صغير وأعطى بيشوي رسالة لكي يلتقي بالفتاة، التي سألته لماذا انقذها، وهكذا زادت العلاقة عمقا، وعلم بيشوي حقيقة حال الفتاة التي كان قد قتل أخاها على يد الجيش وألقي في بئر في سيناء وهي تعمل للانتقام له. توطدت العلاقة وفكر بيشوي بالزواج من الفتاة لكنه قبطي وعندما أخبرها بذلك تركته دون أن تتواصل معه. علم بعدها بمقتلها على يد الصهاينة عندما حاولت أن نقل مساعدات عبر الانفاق الى الداخل الفلسطيني. عندها يئس بيشوي من نفسه وقرر الهرب من الجيش واللجوء الى اوروبا. غادر مع غيره في بحر الاسكندرية في قارب لا يتسع لهذا العدد الكبير، وبعد وقت لعبت به الامواج وتحطم القارب وغرق أغلب من فيه، بيشوي أُنقذ على يد المصريين، بعد أن غرق أغلب ركاب القارب. علم المحققين بحقيقته، وأنه جندي فار. واجههم بحقيقة دورهم في سيناء. لم يغفروا له ذلك والبسوه تهمة انه يعمل مع الجهاديين ضد بلده. وعذبوه في المعتقل حتى فارق الحياة.

هنا تنتهي الرواية:

في التعقيب عليها اقول:

اننا امام رواية متميزة جدا سواء من حيث الموضوع، اربع شخصيات ضحايا في بلاد تأكل أبناءها أو تبيعهم للضياع أو تتركهم للفقر والجوع والظلم والفاقة. كما تتميز الرواية بالغوص عميقا في ذات ابطالها وكذلك في الواقع والوقائع الذي واكب ما عاشه هؤلاء الضحايا الاربعة. وهم نماذج عينية عن مئات الالاف من ابناء هذه البلاد المنكوبة بحكامها، واعدائها، وبعض أبناء شعبها الذين باعوا أنفسهم بالرخيص…

لم تتوقف الرواية طويلا عند الأسباب المؤدية لما عاناه كل من شخصيات الرواية وما يمثلون كعينات نموذجية من الشعوب العربية في سوريا ومصر والسودان بشقيه وأفغانستان. وكأنها تخبرنا ان الشطر الاول من مأساة السوريين في القضاء على ثورتهم وقتل واعتقال مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير أغلب البلاد واستدعاء المحتلين الى سوريا من روسيا وايران وامريكا، دعم التقسيم الواقعي لسوريا بين الب ي د فرع حزب العمال الكردستاني الانفصالي في شمال شرق وشرق سوريا بحماية امريكية، وحصر ملايين من السوريين في ادلب والشمال الغربي السوري المجاور لتركيا. وترك سوريا ضحية تغيير ديمغرافي يلغي الهوية والوجود الواقعي للملايين الذين أجبروا على الهروب حفاظا على أرواحهم من خلال التغلغل الإيراني الطائفي… الرواية تقول ما هي المآسي القادمة في مواجهة السوريين الذين توزعوا في اقطاب الارض. ..

كذلك واقع حال الشعب السوداني المنكوب من حكامه في الشمال والجنوب والواقع تحت هيمنة قوى تابعة لا تملك من أمرها شيئا. الفقر والمرض والتخلف والصراعات القبلية والمرتزقة السفاكين  لدم الشعب…

 المأساة مستمرة…

وكذلك أفغانستان التي مازالت تتوالد مآسي مجتمعية ترشح هروبا جماعيا يولد عنه تراكم من إجرام بحق الانسانية دون أي رادع…

أما مصر ام الدنيا وإمّنا نحن العرب فقد انتقلت لتكون أداة الغرب في تنفيذ مشاريعها في بلادنا وتحولت لشرطي يقتل الشعب في سيناء وغيرها ويحمي حدود الغاصب…

للاسف…هكذا حالنا وما زالت نصب أعيننا آمالنا بإسقاط الاستبداد والظلم في بلادنا وتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل وان نسترد كرامتنا الانسانية ولو بعد حين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى