أي متابع للأحداث التي تجري في المنطقة العربية والتداخلات الدولية والإقليمية فيها يدرك جيدًا غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر فيها. وهذا يعود الى غياب مشروع عربي لدى قادة الدول العربية.. ولعل أكبر خسارة للعرب كانت في تحييد مصر وإبعادها عن لعب أي دور قيادي في الوطن العربي بعد أن كانت تقود الأمة العربية نحو تحررها واستقلالها ووحدتها.. بدأ انحسار ذلك الدور بتوقيع الخائن أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني التي قيًدت مصر وحجًمتها وأبعدتها عن قضايا الأمة العربية وأفقدتها مشروعها العربي النهضوي وجعلتها تتقوقع داخل حدودها متناسية أن أمنها القومي مرهون ومرتبط بأمن محيطها العربي ككل وأن ما يهدده يهددها أيضا.. وبالتالي فقدت الدول العربية بوصلتها ومشروعها.. وبدل أن يقف العرب كجبهة واحدة في وجه أي تهديدات خارجية لدولهم كان هناك البعض ممن شارك ولعب دورا سلبيا مع أطراف دولية وإقليمية لإسقاط بعضهم البعض وفق مصالحه الذاتية ومصالح الآخرين وليس وفق المصالح العربية المشتركة والامن القومي العربي المشترك.. وبعد أن كانت قلة قليلة جدا تغرد خارج المشروع العربي النهضوي أصبح الكل يغرد خارجه.. ولنسرد أدلة على غياب الدور العربي :
- ما جرى في العراق سابقا من خلال ضربه وحصاره وإسقاطه على يد قوى خارجية لها أهدافها وأطماعها بدل التعامل عربيا فقط على ما أقدم عليه العراق بغزو بلد عربي شقيق وهو مدان طبعا.
- ما جرى ويجري في العراق حاضرا وتبعيته لإيران فضلا عن التواجد التركي الامريكي فيه.
- ما يجري في لبنان وسيطرة إيران عليه نسبيا بشكل كبير عبر ميليشياتها المأجورة والمنتمية لها.
- ما جرى ويجري في ليبيا والتدخلات الدولية فيه ومحاولة الإسلام السياسي السيطرة عليها بدعم خارجي وما تعيشه ليبيا من عدم استقرار وفوضى رغم مضي 8 سنوات على رحيل القذافي عنها وأخيرا محاولة السيطرة والهيمنة التركية المباشرة عليها بعد فشل ذراعها المتمثل بالإسلام السياسي بذلك.
- ما جرى ويجري في سورية من قتل شعبها وتدميرها على أيدي نظام إجرامي وقمعي وتحولها الى ساحة صراع لبسط النفوذ والسيطرة وتركها لقمة سائغة لأطماع مشاريع إقليمية ودولية وأطماع الإسلام السياسي.. في هذه الساحة تجد الكل يسعى لتحقيق مشروعه ولكنك لن تجد العرب في مشروع واحد.
- ما يجري في اليمن الذي يقع على مضيق باب المندب ومحاولة إيران السيطرة عليه وإدراكها لأهمية موقعه الاستراتيجي العالمي.
- ما يجري في مصر حيث تحولت من قوة اقليمية لها هيبتها وحضورها وتأثيرها الى دولة ضعيفة هشة تطلب الوساطة من قوى دولية لحل مشاكلها وخلافاتها مع الآخرين بعد أن كانت دولة فاعلة ولها وزنها وثقلها بمحيطها العربي والأفريقي وإليك مثال على ذلك ( سد النهضة الاثيوبي – التدخل التركي المباشر في ليبيا )
- الخطر المتمثل بالمشروع الكردي الانفصالي في العراق وسوريا والذي يهدف إلى إقامة كيان على غرار الكيان الصهيوني، ويهدد وحدة أراضي تلك الدول مع احترام حقوقهم كمكون من النسيج الاجتماعي.
- الخطر المتمثل بالمشروع الايراني الذي يهدد منطقتنا كلها والذي بات يستولي عليها قطعة قطعة ويؤسس فيها مليشيات دينية مذهبية لتحقيق أهداف مشروعه.
- الخطر الجديد الذي كشف عن أنيابه مؤخرا والمتمثل بالمشروع التركي العثماني والذي اتخذ الاسلام السياسي ذراعًا لتحقيق أهداف مشروعه.
- وأخيرا لا يمكن أن ننسى أبدا ودائما الخطر الصهيوني الذي بات المستفيد الوحيد من كل ما تعيشه المنطقة من أزمات وحروب وانقسام ليتحول بذلك القوة الأكبر والأعظم في المنطقة ليحافظ على وجوده وبقائه.
غياب مشروع عربي هو السبب في تقدم واندفاع مشاريع إقليمية ودولية في منطقتنا وهو أحد الأسباب أيضا في اندلاع ثورات الربيع العربي.. فالدول في عالمنا العربي كل يغني على ليلاه والكل مفعول به.. ولهذا لا يمكن منع أي تدخلات خارجية إقليمية ودولية في منطقتنا العربية إلا إذا تحرك العرب ككل على أساس المصير العربي المشترك والأمن العربي المشترك. فالكل لاعبين والعرب كرات بينهم، ويبدو أن هذا هو المشهد .