مرة جديدة تتعرض الحركة الوطنية السورية لامتحان مفصلي عليه يتوقف مصير ومستقبل الإنتفاضات الشعبية السورية رفضًا للواقع القائم الذي وصل إلى مستويات خطيرة من الظلم والإجرام والإضطهاد والتنكيل يصاحبه تدهور معيشي ليس له مثيل وتحول النظام إلى وظيفة الجباية وفرض الأتاوات على الناس دون أي اعتبار لأية مسؤولية تنفيذية حياتية حيالهم.
ليس هذا مفاجئًا ولا مستغربًا من مثل هكذا نظام حول سورية إلى مرتع لقوى الإحتلالات الأجنبية تدنس أرضها تدمرها وتهجر شعبها وتستبدل هويته الوطنية التاريخية الموحدة بهويات انفصالية مزيفة معادية للوطن وتاريخه وشخصيته الحضارية.
ها هي السويداء تنتفض طلبًا للحياة وتوفير أدنى مقوماتها بعد أن تجاوزت الهزيمة المعيشية مقدرة غالبية من السكان على توفير الحد الأدنى من أساسيات الحياة البسيطة. إنتفاضة السويداء ليست جديدة ولا مفاجئة ولا مستغربة. فهي المحافظة التي شاركت في كل مراحل الثورة المدنية في سنواتها الأولى ولم تبخل بالشهداء ولها في سجون العصابات الحاكمة آلاف المعتقلين وسبق أن تحدت النظام وامتنعت عن إرسال شبابها إلى الخدمة العسكرية الإجبارية حتى لا يكونوا أداة بيد النظام المجرم لقتل إخوانهم أبناء الشعب السوري. كان هذا موقفًا وطنيًا ترك أثره الفعال في مسيرة العمل الوطني وثورة الشعب السوري. وهو الموقف الذي كان موضع تقدير عميق من أبناء الشعب وقواه الوطنية الحرة.
خلال السنوات العشر المنصرمة منذ اندلاع الثورة الشعبية تنوعت مشاركة محافظة السويداء فيها بكل الوسائل السلمية وتميزت بسمتين أساسيتين :
الأولى : التنظيم والوحدة حيث كانت كل التحركات تقودها جماعة تتمتع بقدر معقول من التنظيم والتلاحم الذي يمكنها من الإستمرار والفعالية والحماية الذاتية ضد تسلل واختراقات العناصر الأمنية المشبوهة التابعة للنظام.
الثانية : الدور الطليعي الشجاع لرجال الدين الأحرار الذين لم يرضخوا لمؤسسات النظام القائمة في المحافظة وتهديداتهم الأمنية.
هذا مكن أهالي السويداء من التمرد ومجابهة محاولات التخريب التي يلجأ إليها أتباع النظام وموظفوه من أبناء المحافظة أو من غيرهم. كل هذا كان يحمل دروسًا تطبيقية للحركة الشعبية في المناطق الأخرى ليستفيدوا منها بعد أن يدرسوها بعناية.
السويداء الآن تنتفض ضد النظام وإن كانت مطالبها حياتية معيشية ضد الفقر والجوع والبطالة والتضخم. وهي كما سبقها تبدو انتفاضة شجاعة منسقة منظمة تقودها جماعات مدركة واعية في طليعتها يقف رجال دين أحرار شجعان.
إن إنتفاضة السويداء الراهنة تطرح تحديات بالغة الأهمية على القوى الوطنية السورية الإستجابة السريعة لها وتلقف دروسها لتكون محركًا لبقية المحافظات.
فهي أولًا انتفاضة لن تستطيع بمفردها تحقيق انتصار مفصلي على النظام رغم أنها مرشحة لتحقيق مطالب معيشية وحياتية مهمة. إلا أنها لن تكسر النظام ولن ترحله عن المحافظة طالما بقيت وحيدة.
هذا يستوجب استجابة شعبية في المحافظات الأخرى. فهي فرصة ودرس. وحتى لا تتكرر مآسي المناطق الأخرى حينما تحركت فتعرضت للحصار والضرب بعد أن تم استفرادها من قبل النظام وميليشياته وأدواته الأمنية، على القوى الشعبية التفاعل الآني مع انتفاضة السويداء بالتحرك المدني السلمي التضامني والذي يمتنع عن الرضوخ لمطالب النظام الأمنية والعسكرية على أقل تقدير.
قبل عدة أشهر تحركت درعا وتمردت وتحدت وواجهت النظام وحققت مطالب لكنها بقيت محلية وجزئية لأن تحركها بقي في إطار المحافظة الجغرافي. وقبلها تحركت مناطق كثيرة وكان يتم الإستفراد بها وقمعها ومن ثم تدميرها وتهجير أهلها واستبدالهم بمستوطنين من الأفاقين والشبيحة والمخربين. كما حصل سابقًا في الغوطة وداريا والزبداني وحمص وحلب وغيرها.
الدرس الثاني الدافع الحياتي للإنتفاضة في السويداء.
الجوع والفقر أهم أسباب التمرد والثورات الشعبية في كل المجتمعات. ولما كان الفقر قد بات عامًا والجوع منتشرًا والبطالة والتضخم في أعلى مستوياتهما وكل أساسيات الحياة مفتقدة أو مغيبة بقصد متعمد؛ ولا يسلم من هذه المعاناة الشديدة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو لسيطرة القوى الأجنبية المعادية جميعًا ولا تلك المناطق التي تهيمن فيها الميليشيات الدينية المزيفة المأجورة؛ فإنها فرصة مؤاتية جدًا لتعميم إنتفاضة الفقر والجوع والبطالة والتسيب الأمني أيضًا. وهي سمات مشتركة لكل أنحاء سورية دونما إستثناء.
ولأنها موجبات تتصل بالحياة اليومية للجميع ولا مناص من تلبية تحدياتها فإننا نرى أنها فرصة مؤاتية لإطلاق مرحلة جديدة من ثورة الشعب السوري لإسقاط الجوع والفقر والتسيب والقهر وكل من يقف وراءها ويتسبب بها.
الملفت في هذا الجانب أن المناطق الخاضعة للنظام تعيش ظروفًا مشابهة بل أشد معاناة لأنها تشهد حالة من الفوارق الخطيرة في الموارد والمعيشة بين أركان النظام وأدواته الأمنية ومعه تجار وأمراء الحرب الذين اغتنوا على حساب دماء الشعب السوري وتضحياته؛ وذلك على مرأى ومسمع ومعاينة أبناء الشعب يوميًا.
الأمر الثالث المهم أن الجوع والفقر والمعاناة يشمل الشريحة الأكبر من مؤيدي النظام وحاضنته الطائفية التي خسرت عشرات الآلاف من أبنائها لتجد نفسها أخيرًا متجردة من أية امتيازات كانت تتوهمها سابقًا فيما عدد محدود جدًا من أزلام النظام يتنعمون بما سرقوه ونهبوه من خيرات البلد والشعب والدولة.
انتفاضة الجوع والفقر في الظروف الحالية أزاحت إلى الوراء البعد الطائفي والمذهبي لكثير من الأحداث والمواقف. ولأن السويداء لا تنتمي للأكثرية التي اتهمت بدوافعها المذهبية للثورة؛ فهي تمتلك دورًا متقدمًا يترتب عليه مسؤوليات قيادية لتحريك الشارع السوري مجددًا لمواجهة ما يفرض عليه وما يتعرض له من تفكيك وتدمير وانهيار ومعاناة.
إنها فرصة جديدة لإطلاق مرحلة جديدة نوعية من الثورة ضد معاناة الشعب السوري مرورًا بعشرات آلاف المعتقلين إلى مئات آلاف المهجرين.
على أن الشرط الأساسي لإمكانية تحقيق هذا كله بدءً من تعلم دروس التجربة وترجمتها برنامجًا مطلبيًا حياتيًا مدنيًا محددًا؛ يتطلب إقامة : “جبهة سورية موحدة ” تجمع قوى الشعب وتشكيلاته الوطنية ونشطائه الأحرار في بوتقة تنظيمية واحدة تدرس وتستفيد وتنظم وتعمم وتقود.
إن إستمرار تشرذم القوى الوطنية السورية أفرادًا وأحزابًا وجماعات وتنسيقيات وروابط، هو الثغرة / المقتل التي تمنع ارتقاء الانتفاضات الشعبية إلى المستوى الذي يجعلها تنتصر انتصارات جزئية مدروسة متراكمة متصاعدة حتى تبلغ انتصارها الناجز والتام.
ما لم تقم جبهة سورية وطنية واحدة سوف يستمر استفراد المناطق وضربها أو محاصرتها واحدة واحدة وسوف يستمر نزيف الدم السوري ومعاناة أبنائه ولسوف تترسخ الإحتلالات الأجنبية وسيطرتها على موارد البلاد ومقدراتها وتجويع الشعب وتفكيك المجتمع وإنهاك الإنسان حتى يسقط الجميع وتتقاسم القوى الدولية سورية ليبقى النظام الواجهة التي تغطي كل تلك الأهداف المدمرة وقواها العدوانية.
إننا كوطنيين سوريين مستقلين أحرار ولاؤنا لشعبنا ووطننا أولًا وأخيرًا نطالب ونحث الجميع على الإلتحام النضالي في جبهة سورية واحدة ولتكن البداية العاجلة : تشكيل ” الهيئة الوطنية لدعم السويداء “إطارًا تضامنيًا وتنظيميًا يستجيب للمتغيرات والتحديات.
أما أؤلئك اللاهثين وراء حل دولي أو الإنتظاريين لفرج يأتي من مجهول فلن يحصدوا إلا الخيبة والإحباط .