نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً للكاتب البريطاني جيمس سنيل قال فيه إن سوريا “ليست مستقرة ولا آمنة”. وجاء فيه أن بريطانيا بدت في الشهر الماضي، وإن لمدة قصيرة وكانها أصبحت جزءاً من الخلاف القانوني بين وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي حول الدولة الفاشلة.
فقد نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا عن رفض وزارة الداخلية طلب لجوء تقدم به شاب سوري لأنها “لم تقتنع” بأن هناك “مخاوف حقيقية من تعرضه للاضطهاد”. وفر الرجل الذي لم يذكر اسمه من سوريا عام 2017 تجنبا للخدمة العسكرية الإلزامية في قوات نظام بشار الأسد. ووصل إلى بريطانيا عام 2020 وتلقى رسالة من وزارة الداخلية البريطانية “ليس مقبولا أنك ستواجه مخاطر الاضطهاد أو مخاطر حقيقية أو للأذى حالة عودتك إلى الجمهورية العربية السورية بسبب فرارك من الجندية”.
ومن ناحية فعلية فهذه الرسالة هي إعلان بريطاني أن سوريا الأسد أصبحت مكانا آمنا، والبلد آمن بدرجة يمكن ترحيل طالب لجوء رفض طلبه، وهو أول بيان من الحكومة البريطانية منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل عقد. وعندما أدى التقرير الصحافي لشجب واسع تراجعت وزارة الداخلية عن قرارها قائلة إنها تقبل رأي الأمم المتحدة بعدم وجود أي مكان آمن في سوريا.
وأكد جوناثان هارغريفز، الممثل البريطاني الخاص لسوريا أن موقف بريطانيا لا يزال كما هو: “سوريا ليست بلدا آمنا لعودة اللاجئين. ولا نرحل الناس إلى سوريا”، وتنفس السوريون في بريطانيا الصعداء، وبخاصة أن مخاوفهم كانت حقيقية. ولو تغير الموقف البريطاني، فهذا لا يعد سابقة. فقد أكدت الدنمارك ولعدة أشهر أن سوريا أصبحت بلدا آمنا، وعليه يمكن للاجئين السوريين العودة إليها وترحيلهم بطريقة قانونية. وعندما حاول السوريون مغادرة الدنمارك والبحث عن فرصة لجوء في هولندا والنرويج واجهوا معوقات جديدة في الإقامة.
ويعلق الكاتب أن سوريا ليست بلدا آمنا بالطبع. فالحرب الأهلية مستمرة، وتعرض لاجئون عادوا مثل مازن الحمادة للتعذيب على يد النظام واختفى اللاجئون السابقون بدون أثر في مراكز أمن النظام. ولا يعاني نظام الأسد من خطر الانهيار لكنه بات معتمدا على الداعمين الأجانب وبحاجة ماسة للرأسمال الخارجي. ويواصل حملة عنف في منطقة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة وفي ما يعرف بالجنوب المتصالح. وفي الوقت نفسه بات ينظر إليه في الخارج كدولة فوضى تصدر المخدرات واللاجئين. ويظهر إعلام الشتات السوري مخاوف اللاجئين من اتباع دول أوروبية فكرة الدنمارك والسويد وهي أن سوريا أصبحت بلدا آمنا لعودتهم.
وفي الوقت الحالي، والفضل يعود للمشرعين الأوروبيين فقد تم شجب التحرك الدنماركي، وكتب 33 نائبا في البرلمان الأوروبي رسالة إلى قيادة البلد طالبوا فيها بتغيير المسار. وعبرت زعيمة الحزب الاشتراكي الليبرالي عن دهشتها من كون بلدها إلى جانب هنغاريا اعتبرت سوريا بلدا آمنا لعودة اللاجئين.
وبالنسبة للدول العربية، فهي تمضي باتجاه تطبيع واسع مع نظام الأسد. وتقوم بعمل هذا تحت سحابة الحرب الأهلية التي لم تنته. وتظل سوريا مكانا غير مستقر. والتغيير السياسي ليس قريبا ولكنه محتمل. وقال إن تهنئة الطاغية حتى قبل أن ينتصر بالحرب لها سلبياتها. فجيران سوريا لديهم تجمعات كبيرة من اللاجئين السوريين. وعادة ما يساء معاملة هؤلاء الناس في سوق العمل ويتعرضون للعنف الطائفي والقومي. ولدى تركيا ولبنان ملايين من اللاجئين السوريين، وهم الذين يحملهم الساسة المحليون مسؤولية البطالة والضغط على الميزانية العمومية. ولكن هؤلاء اللاجئين هم أناس لو عاملتهم بطريقة سيئة فلن يغادروا. وتعاني تركيا ولبنان من مشاكلهما الاقتصادية، وربما فضل البلدان إرسال اللاجئين بأي طريقة كانت علاوة على استقبال أعداد جديدة منهم.
لكن بقاء الأسد غير المنتصر يعني عنفاً ومزيداً من موجات اللجوء. وكان الخوف من اللاجئين هو العامل المهم في النقاش حول أفغانستان في أوروبا. وقال أرمين لاشيت، زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة “يجب عدم تكرار 2015”. وأكدت اليونان أنها لن تكون أبدا “بوابة” للاجئين إلى أوروبا وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى سياسة أوروبية “قوية” لمنع الهجرات الجماعية، وهذا رأي سائد بين النخب الحاكمة في أوروبا. وقامت القارة منذ الربيع العربي وأزمة اللاجئين عام 2015 بتحصين حدودها وتشديد مواقفها من اللاجئين. وظهر وبشكل هادئ إجماع مفاده: لا يمكن التسامح مع هجرات جديدة إلى أوروبا.
ولمنع هذا يجب القيام بمحاولة لتحقيق الاستقرار في دول البحر المتوسط وتحصين حدود أوروبا ومنع الحركة الجماعية للناس مرة وللأبد. وصمم هذا الحل بداية لمنع اللاجئين السوريين الوصول إلى تركيا واليونان وإنقاذهم في البحر بعد انطلاقهم من شواطئ ليبيا. وتم نشر الجهات نفسها لمنع العراقيين والأفغان -الذين دفعتهم بيلاروسيا- من دخول الحدود البولندية. ولكن الأزمة كانت مجرد حرف للأنظار وعدم اهتمام، فقد نسي اللاعبون الدوليون وعلى مدة الستة أشهر الماضية الوضع غير المستقر في سوريا. وانشغلوا بالبرنامج النووي الإيراني واحتمال غزو روسيا لأوكرانيا وسقوط أفغانستان. مع أن هذا البلد يجب أن يكون تذكيرا أن سوريا ليست مستقرة على الإطلاق.
فقد انهارت الدولة السورية مثل الدولة في أفغانستان، فلم تعد هناك مساعدات حكومية ولا دعم للطاقة والوقود أو الخبز. ولم يبق من النظام سوى ملامحه الفاسدة والعنيفة وتواصل التدمير ودفع الناس نحو الهرب. وفي الوقت الذي تشكل مخاوف عدم الاستقرار رد الدول على الأزمات مثل أفغانستان، إلا أن سوريا غابت عن الرادار، مع أن النزاع فيها أدى إلى قتل مئات الآلاف وشرد الملايين في وطنهم ودفع ملايين آخرين للهرب، ولا يزال يصدر العنف بعدما سمحت الحرب للجماعات الإرهابية ببناء قواعد في أراضيه. ويتلون النقاش حول الهجرة بالسياسة المحلية الأوروبية، لكن هناك حاجة لمدخل شامل وليس مؤقتا من المهاجرين.
وعلى الدول الأوروبية فهم أن نهاية الجهود الدبلوماسية لعزل الأسد لا تعني نهاية الحرب. ومع استمرار العنف في إدلب وفي مناطق الجنوب على الدول الأوروبية فهم أنها لا تستطيع ترحيل اللاجئين السوريين بدون تغيير الحرب المستمرة.
المصدر:“القدس العربي”