يُكثر النظام السوري من الحديث عن “التسويات” في مناطق المعارضة التي سيطر عليها خلال السنوات القليلة الأخيرة، نتيجة الاتفاقيات الإقليمية الدولية التي قطعت الدعم عن الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على تلك المناطق، في غياب تام للثقة والأمان من المواطنين، والافتقار إلى أبسط مقومات الحياة.
هذه التسويات يُفترض أن تضمن في جزء منها عودة المواطنين الذين كانوا منخرطين في أعمال مناهضة للنظام، مدنية كانت أو عسكرية، إلى حياتهم الطبيعية، مقابل توقف النظام عن ملاحقتهم واعتقالهم، إلا أن هذه التسوية لم تحقق إلى اليوم الاستقرار لكثيرين.
ولا يبدو أن الحياة قد عادت إلى طبيعتها في درعا بعد، بالرغم من انتهاء العمليات العسكرية منذ عام 2018، وإجراء تسويات لآلاف الأشخاص منها، بحسب عمر الحوراني، من سكان ريف درعا الشرقي، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “ما زلت أمسك قلبي بيدي كلما وصلت إلى حاجز القوات النظامية، رغم أني تقدمت إلى ثلاث تسويات، ولدي صديق تقدم لتسوية، لكنه اعتقل قبل أشهر وإلى اليوم لا نعلم مصيره”.
وأضاف: “التسويات أجبرتنا على الإقرار بأننا أخطأنا عندما طالبنا بالحرية والكرامة، وأن النظام هو المُحقّ. بكل تأكيد لا أحد مقتنع بهذا الكلام، لكن ليس لدينا خيار رفضه اليوم، وغالبية الشباب تقدموا إلى التسوية لكي يهاجروا، فحتى مقومات الحياة في البلد غير متوافرة، لا كهرباء ولا وقود ولا حتى أبسط مقومات الحياة، وما زال الدمار المنتشر شاهداً على سنوات من القصف والقتل”.
بدوره، قال أيهم السعيد، مقيم في درعا، لـ”العربي الجديد: “الناس تبحث عن الأمان وحرية التنقل بين المناطق، لكن غالبيتهم لا يثقون بالنظام أو التسويات التي يجريها، فهناك الكثير من الأشخاص أجروا تسويات، ولكنهم اعتُقِلوا، وآخرون ما زالوا ممتنعين لهذا السبب، ويتحصنون في مناطقهم، وهم يعلمون أنهم قد يقتلون أو يعتقلون في أي لحظة”.
وأضاف: “هناك من أجروا تسوية، وهم غير مقتنعين بها، فقط لأنها الطريقة الوحيدة للخروج من البلد، أو على الأقل لاستخراج الأوراق الثبوتية أو الرسمية وإجراء بعض المعاملات الرسمية الخاصة بملكية العقارات وتحصيل بعض الحقوق، فالذي لا يُجري التسوية مجرّد من حقوقه المدنية والسياسية”.
من جانبه، قال حسان الأسود، من سكان ريف درعا، لـ”العربي الجديد”، إن “التسوية الجديدة المُعلنة تخصّ المدنيين فقط من شباب محافظة درعا حصراً، لا تشمل هذه التسوية العسكريين المنشقين ولا المتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياط، والهدف من التسوية، السماح لأبناء المنطقة من الحصول على وثائق تمكّنهم من حيث النتيجة من السفر خارج سورية”.
ورأى أن “سياسة النظام تقوم على تحقيق هدف بعيد المدى، يتمثّل بإفراغ المنطقة الجنوبية من عنصر الشباب الذي يمكن أن يشكل عقبة في وجه إعادة سيطرة النظام، والأشخاص الذين يُجرون التسويات كثر، فالنظام لا يلتزم حتى بتسوياته التي يجريها، وكثيرٌ ممن أجروا تسويات سابقة وجدوا على أنفسهم مطالبات من فروع مختلفة”.
وتابع: “لا يشعر الأفراد الذين يجرون التسويات بالأمان، فكثيرة هي الحالات التي لم تعترف بها أجهزة المخابرات على التسويات السابقة، لكن الناس مضطرون إلى القيام بهذه الخطوة حتى يتمكنوا من استخراج وثائقهم الثبوتية، فلا يمكن الحصول على شهادة ولادة أو زواج أو قيد مدني أو وثيقة دراسية أو أي شيء لمن ليس لديه تسوية لوضعه”.
وبيّن أنّ “الحياة غير طبيعية في سورية، ولا يمكن أن تعود إلى طبيعتها مع مثل هذه الإجراءات أبداً، حيث لا تأثير للتسويات في الاستقرار أبداً، فأسباب الاستقرار لا تتوافر إلا بانتقال سياسي حقيقي وبإعادة بناء المجتمع والاقتصاد، وهذا شبه مستحيل الآن، ولا وجود لخدمات من أي نوع يمكن النظام أو حكومته أو المجالس المحلية تقديمها على الإطلاق، فالبلد في حالة انهيار تام”.
وكانت السلطة قد أعلنت فتح باب التسوية يوم الخميس المقبل، تستهدف بشكل رئيسي قائمة تضم 192 اسماً مطلوباً، معظمهم من محافظة درعا، وذلك بسبب وجودهم في مجموعة إخبارية عبر تطبيق “واتس آب” تحمل اسم “أخبار طفس لحظة بلحظة”، بحسب نشرة مديرية الشرطة في محافظة درعا.
المصدر: العربي الجديد