نشهد، في هذه الأيام، محاولات صريحة لتصفية القضية السورية، من خلال إعادة تأهيل نظام بشار الأسد. وتشارك في هذه العملية عدة أطراف دولية وإقليمية، في مقدمتها روسيا وإيران والإمارات والجزائر ومصر والأردن. وفي الأسابيع الأخيرة، دخلت الأمم المتحدة على الخط، وتحوّل مبعوثها، غير بيدرسون، إلى مروّج للسياسات الروسية والإيرانية لفكّ طوق العزلة عن النظام. وفي أثناء تحرّكاته، في هذا الأسبوع، ما بين دمشق وطهران، تحدث علانية، بأن الوضع في سورية “مستقر”. وقال إن “أيا من الأطراف لا يتحدّث عن تغيير النظام”. وهذا يعني مصادقة المنظمة الأممية على التصريحات التي صدرت عن مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، الذي قال قبل أسابيع إنه لا ضرورة لكتابة الدستور السوري أو تعديله من خلال اللجنة الدستورية، لأن الأسد باقٍ في الحكم، على حد زعمه. ومن المؤسف أن أطرافا في المعارضة السورية بدأت، على استحياء، التجاوب مع هذا التوجّه، بدلا من أن تقف في وجهه بوصفه مشروعا يجري العمل على ترويجه. وبتنا نسمع، في الآونة الأخيرة، من مصادر في هيئات المعارضة السورية، ومنها الائتلاف الوطني، بضرورة “تغيير النظام” وليس إسقاطه، كما هو منصوصٌ عليه في النظام الأساسي للائتلاف.
تعيش الطبقة السياسية السورية المعارضة بعيدا عن الواقع، في وقتٍ وصلت المسألة السورية إلى طريق مسدود، ما يهدّد بضياع كل التضحيات التي قدّمها السوريون خلال 11 عاما من الحراك. ويبدو ما بقي من المعارضة السياسية في حال يستحقّ الرثاء، ومنذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، يشهد الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة حالة من التراجع التي يبدو أنه لا علاج لها. وحصلت على مدار هذه الأعوام عدة محاولات للإصلاح، انتهت جميعها إلى الفشل، حتى صارت أغلبية الرأي العام السوري تطالب بحل هذه المؤسسة، قبل أن تتحوّل إلى شاهد زور وجسر لتمرير مشاريع الدول. وتبدو الحاجة اليوم ملحّة، أكثر من أي وقت مضى، للبحث عن جسم جديد لمعارضة سورية فاعلة، شرطه الأساسي استبعاد الوجوه التي احترقت خلال أعوام الثورة، وإعطاء فرصة لشخصيات أخرى من المستقلين، من أجل تشكيل هيئةٍ تمثيليةٍ سوريةٍ على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، التي قامت بتشكيلها النخب الفلسطينية في مرحلة صعبة، وكان هدفها إحياء القضية الفلسطينية سياسيا، والتصدّي لمشاريع تحويلها إلى قضية لاجئين.
وكي ينهض الجسم السوري الجديد بأعباء المرحلة، يجب أن يتشكل على نحو تمثيلي تعددي من الداخل والخارج، والشرط الأول إلغاء مبدأ المحاصصة الذي يمثل نفوذ الدول في المعارضة السورية، وليس السوريين، وهذا يحتاج عقد مؤتمر وطني مستقل، بعيدا عن تدخلات الدول، يرعى حوارا وطنيا يشارك فيه الجميع من دون إقصاء أو استبعاد أحد، وحتى نضمن لهذا الحوار النجاح يجب أن تشرف عليه الأمم المتحدة، ويعقد في مكان محايد كي لا يتأثر بتدخل ونفوذ هذه الدولة أو تلك. وفي جميع الأحوال، تتطلب البداية نحو سلوك هذا الطريق أن تجري عملية مراجعة شاملة لتجربة الأعوام العشرة الأخيرة، من أجل استخلاص الدروس، وعدم تكرار الأخطاء. ولا تبدو هذه المهمة صعبة، لأننا لا نزال نعيش في زمن الأخطاء وندفع ثمنها، وبالتالي، يمكن أن نسمّيها من دون حرج، وأن نحدّد مرتكبيها والمسؤولين عنها، حتى لا يعودوا إلى تصدّر المشهد من جديد. ومن دون استعادة القضية السورية على أسس مختلفة وأهداف واضحة وقيادات تتحلى بالوطنية والكفاءة والنزاهة واستقلالية الرأي، فإن مشروع تعويم الأسد لن يتأخّر، ولن يجد أحدا من أهل القضية يقف في طريقه، وسيتم فرضه أمرا واقعا.
المصدر: العربي الجديد